أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 09:20
المحور:
الادب والفن
إن الديمقراطية، التي تصور باعتبارها أحد الركائز الأساسية للحضارة الغربية، كثيراً ما تُـمَجَّد باعتبارها أرقى أشكال الحكم. ويكمن مبدأها الأساسي في السيادة الشعبية، وحرية التعبير، والبديل المتمثل في النفوذ والسيطرة، وضمان سيادة الإرادة الجماعية على النزاعات الفردية. ولكن عندما تستحضرها أفواه غير كفؤة وأوغاد، فإنها تتحول إلى تدريب، وغطاء شرعية لممارسات تقوض في جوهرها مُثُلها العليا. بل لا نواجه نظاماً للحرية، بل أوهامهم الأكثر تعقيداً. إن شئتم.
ويحدث تافهة الديمقراطية عندما يتم تقليصها إلى مجرد شعار يستخدمه أولئك الذين عبروا عنها علناً لكنهم أفرغوها في الممارسة العملية. وهكذا يتحول ما ينبغي أن يكون أداة للتحرر الاجتماعي وضمان الحقوق إلى حجاب يغطي انحراف التلاعب والفساد والاستبداد المتنكر في هيئة شرعية. وكما حذر أفلاطون في الجمهورية، فإن الديمقراطية المنحطة قد تكون مقدمة للديماغوجيا، حيث يستغل القادة الشعبويون جهل الجماهير وعواطفها لتعزيز مصالحهم الخاصة. وفي ظل هذا التشويه، لم تعد الديمقراطية حكومة للشعب، بل أصبحت مسرحاً للخداع.
لقد حذر نيتشه، في تشخيصه لأمراض الروح الحديثة، من أخلاق الضعفاء، حيث يمكن استخدام كلمات مثل "العدالة" و"المساواة" ليس كقيم أصيلة، بل كأدوات للاستياء والتلاعب. ويحدث الشيء نفسه مع الديمقراطية عندما تستخدم بطريقة منافقة: فبدلاً من خدمة الجماعة، تصبح درعاً بلاغياً لإخفاء النوايا الأنانية، وإدامة الأوليجارشيات، وإخضاع الفرد لإرادة الفصائل التي تتحدث، من عجيب المفارقات، باسم "الصالح العام".
إن المأساة الكبرى لهذا الانحراف عن الديمقراطية لا تتمثل فقط في صعود الشخصيات التي تستغل الخطاب الديمقراطي لأغراض عبثية، بل وتآكل الإيمان نفسه بالمؤسسات. إن الديمقراطية عندما تستخدم مراراً وتكراراً كقناع للظلم، يبدأ الناس في تشويه سمعتها. وهذا يترك المجال للتطرف: السخرية السياسية، واللامبالاة الاجتماعية، أو حتى الإغراء الاستبدادي، حيث يبدو النظام أكثر إغراءً من الحرية الزائفة.
ولكن الحل لا يكمن في التخلي عن الديمقراطية، بل في استعادتها كقيمة حقيقية. إن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تكون مجرد بنية شكلية، بل التزاماً أخلاقياً وعقلانياً بالكرامة الإنسانية. وهي تتطلب مواطنين ناقدين، قادرين على إدراك متى يتم تشويه جوهرها، وقادة لا يرونها كوسيلة لتحقيق غاياتهم الخاصة، بل كغاية في حد ذاتها.
لذلك، كلما نطقنا بكلمة الديمقراطية، فلابد أن نسأل: هل يتم استحضارها بصدق أم مجرد أداة للسلطة؟ إذا كانت الإجابة هي الثانية، بل لا نواجه نظاماً للحرية، بل أوهامهم الأكثر تعقيداً. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 03/11/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟