أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - ما هي الحداثة السائلة عند زيجمونت باومان؟/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري















المزيد.....


ما هي الحداثة السائلة عند زيجمونت باومان؟/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 23:12
المحور: الادب والفن
    


"الحداثة السائلة هي زمن تتدفق فيه العلاقات الاجتماعية والاقتصادية دون الحفاظ على شكل ثابت، مما يشكل تحديًا ليقينياتنا وتأميناتنا." - (زيجمونت باومان)

لقد ترك لنا الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي الأصل زيجمونت بومان (1925 - 2017)()، المعروف بمفهومه للحداثة السائلة، إرثًا من التأملات العميقة حول تحديات القرن الحادي والعشرين. في مقابلة أجراها معه هيكتور بافون، يحذر بومان من الطلاق بين السلطة والسياسة، وكيف تعمل هذه الظاهرة على إعادة تعريف مجتمعاتنا. وبحسب بومان، "أصبحت السلطة عالمية، في حين ظلت السياسة محلية، مما أدى إلى خلق انقسام يؤثر على الجميع()". إن هذا التحليل لا يصف الواقع الحالي فحسب، بل يدعونا أيضًا إلى التساؤل حول كيفية مواجهتنا للمشاكل العالمية في عالم مجزأ بشكل متزايد.

- ما هي الحداثة السائلة؟
الحداثة السائلة هو مفهوم طوره باومان لوصف عصر لم تعد فيه البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية صلبة، بل سائلة. "في الحداثة السائلة، لا يبقى أي شيء على حاله لفترة طويلة. كل شيء يتغير باستمرار، مما يخلق حالة من عدم اليقين والقلق"()، كما يوضح بومان. وعلى النقيض من الحداثة "الصلبة"، حيث كانت المؤسسات والعلاقات مستقرة، فإن الحداثة السائلة تتميز بالهشاشة وانعدام اليقين. وتؤثر هذه الظاهرة على كل شيء بدءاً من العلاقات الشخصية وحتى الهياكل الاقتصادية العالمية.

- الأنفصال بين السلطة والسياسة؛
أحد المواضيع الرئيسية في المقابلة هو الفصل بين السلطة والسياسة. ويشير بومان إلى أنه في حين أصبحت القوة عالمية وتعمل في "فضاء التدفقات"، فإن السياسة لا تزال راسخة في "فضاء الأماكن". ويقول إن "القوة لم تعد تكمن في أيدي الدول القومية، بل في أيدي كيانات عالمية مثل الشركات المتعددة الجنسيات"(). وقد أدى هذا إلى نشوء حالة أصبحت فيها المؤسسات السياسية التقليدية أقل قدرة على تنظيم القوى التي لها أهمية حقيقية. يصف أنطونيو غرامشي هذه المرحلة، التي استشهد بها باومان، بـ "فترة انتقالية"، حيث يموت القديم ولم يولد الجديد بعد.

إن هذا الطلاق بين السلطة والسياسة له عواقب وخيمة. ومن ناحية أخرى، يشعر المواطنون بأن حكوماتهم لم تعد قادرة على حمايتهم، وهو ما يولد انعدام الثقة وخيبة الأمل. ومن ناحية أخرى، تعمل الشركات والكيانات العالمية دون إطار تنظيمي فعال، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة وانعدام الأمن. ويحذر بومان قائلاً: "لقد أصبحت السياسة محلية، في حين أصبحت السلطة عالمية. وهذه وصفة للفوضى"().

- الأحياء الطوعية وغير الطوعية؛
ويقوم باومان أيضًا بتحليل كيفية ظهور عدم المساواة في المدن الحديثة. وبحسب قوله، تنقسم المساحة الحضرية إلى أحياء فقيرة طوعية (مجتمعات مسوّرة) وأحياء فقيرة غير طوعية (مدن الصفيح). ويوضح قائلاً: "الأغنياء محبوسون في مجتمعات محصنة، في حين أن الفقراء محصورون في مناطق مهمشة"(). ويعكس هذا الانقسام ليس فقط الفجوة الاقتصادية، بل والتشرذم الاجتماعي أيضا. ويضيف بومان: "يحلم كثيرون بدخول الأحياء الفقيرة الطوعية، في حين أن خوفهم يكمن في الوقوع في الأحياء الفقيرة غير الطوعية".

ولا تقتصر هذه الظاهرة على أميركا اللاتينية فقط. ويشير بومان إلى أن هذه الظاهرة تتكرر في جميع أنحاء العالم، من أوروبا إلى آسيا. ويقول إن "المدن أصبحت أماكن للإقصاء، حيث أصبح التعايش صعباً بشكل متزايد"(). لا تؤثر هذه الديناميكية على أولئك الذين يعيشون في المتطرفين فحسب، بل تؤثر أيضًا على أولئك الذين يعيشون في الوسط، والذين يكافحون من أجل الحفاظ على مكانتهم في مجتمع يزداد استقطابًا على نحو متزايد.

- انعدام الأمن والخوف في الحداثة السائلة؛
ويعد انعدام الأمن موضوعا رئيسيا آخر في المقابلة. ويرى بومان أن عدم اليقين هو أمر ثابت في الحداثة السائلة. ويوضح قائلاً: "كل ما حققناه يمكن أن يُنتزع منا في أي لحظة، وهذا يخلق قلقاً مستمراً"(). وعلى النقيض من الأجيال السابقة التي ناضلت من أجل الحرية، أصبحت مجتمعات اليوم أكثر اهتماما بالأمن. ويقول بومان "نحن على استعداد للتخلي عن بعض حريتنا في مقابل الحصول على شعور أكبر بالأمن".

ويتجلى هذا الشعور بعدم الأمان في أشكال متعددة، بدءاً من الخوف من فقدان الوظيفة إلى القلق بشأن عدم تلبية التوقعات الاجتماعية. "نحن نعيش في مجتمع يخبرنا بأننا قادرون على الحصول على كل شيء، لكنه في الوقت نفسه يذكرنا بأن كل شيء مؤقت"، كما يقول بومان. ويشكل هذا التناقض إحدى السمات المميزة للحداثة السائلة.

- هل هناك مستقبل للحداثة السائلة؟؛
يبدو باومان متفائلا بحذر بشأن المستقبل. ورغم اعترافه بأننا في مرحلة انتقالية، حيث لم تعد البنى القديمة تعمل ولم تظهر بنى جديدة بعد، فإنه يعتقد أن الوقت لا يزال متاحا لتغيير المسار. وأضاف "لم نصل بعد إلى نقطة اللاعودة، ولا يزال بوسعنا أن نفكر ونعمل"(). ولكنه يحذر من أن هذا يتطلب جهدا جماعيا واستعدادا لمعالجة المشاكل العالمية بطريقة منسقة.

ويرى بومان أن أحد أكبر التحديات هو الافتقار إلى المؤسسات السياسية القادرة على تنظيم القوة العالمية. ويقول "إننا بحاجة إلى أشكال جديدة من التنظيم السياسي القادرة على معالجة مشاكل القرن الحادي والعشرين"(). وهذا لا يتطلب إعادة النظر في الهياكل القائمة فحسب، بل يتطلب أيضا تعزيز ثقافة التعاون والتضامن.

تقدم لنا الحداثة السائلة التي ينتهجها زيجمونت باومان إطارًا لفهم تحديات عصرنا. ومن التفتت الاجتماعي إلى انعدام الأمن الاقتصادي، تدعونا تأملاته إلى التساؤل حول كيفية مواجهتنا للمشاكل العالمية في عالم متزايد التغير. هل نحن مستعدون لبناء مستقبل أقوى في ظل حالة عدم اليقين؟

نوصي بكتاب؛
- بومان، زيجمونت. الحداثة السائلة. صندوق الثقافة الاقتصادية، 2000.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 03/11/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هو الميتافيرس وكيف التحدي التقني سيغير أهدافنا؟/ أبوذر ال ...
- بإيجاز: رامبرانت ولحظة رسم ضوء الروح/ إشبيليا الجبوري - ت: م ...
- بإيجاز؛ نيتشه: إرادة القوة. إرادة الشجاعة/ إشبيليا الجبوري - ...
- مايكل أنجلو... الفنان الذي لمسته الآلهة (2-2) والاخيرة/ إشبي ...
- بإيجاز؛ نيتشه: الجنون قوة دافعة للابتكار/ إشبيليا الجبوري - ...
- ولدت شاعرًا / بقلم لوركا - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
- مايكل أنجلو... الفنان الذي لمسته الآلهة/ إشبيليا الجبوري - ت ...
- يحيا الثامن من آذار… تحيا كل نساء العالم/ الغزالي الجبوري - ...
- إضاءة: -تولستوي أو دوستويفسكي- لجورج شتاينر/ إشبيليا الجبوري ...
- مراجعة كتاب: -إعادة ولادة التاريخ من جديد- لألان باديو/شعوب ...
- نظرة ترامب عبر نافذة أرفيرتون إلى ال-رفييرا- في غزة/ شعوب ال ...
- إضاءة: رواية -ساعة ويعود أوغستو ماتراغا- - لجواو غيماريش روز ...
- بإيجاز: المثقف قاضيًا على الوجود/إشبيليا الجبوري - ت: من الي ...
- الفلسفة كسلاح ثوري/بقلم لويس ألتوسير - ت: من الفرنسية أكد ال ...
- إضاءة: عمل -مانفرد- للورد بايرن/ إشبيليا الجبوري - ت: من الإ ...
- فلسفة أرسطو المركزية في السياسة هي مفهوم -الغاية-/شعوب الجبو ...
- بإيجاز؛ والتر بنيامين والعمل الفني في العصر التقني/ إشبيليا ...
- إضاءة: -الكيان الغريب- لكلاريس ليسبكتور/ إشبيليا الجبوري - ت ...
- بإيجاز؛ والتر بنيامين والعمل الفني في العصر التقني/ إشبيليا ...
- الصفحة الفارغة/ بقلم إليسيو دييغو* - ت: من الإسبانية أكد الج ...


المزيد.....




- تحويل النفايات إلى لوحات فنية
- المسرح اللبناني يفقد أسطورته أنطوان كرباج
- تاه 95 يوما بالبحر.. صياد بيروفي يعيش تجربة فيلم -Cast away- ...
- الفنان المغربي محمد مفتاح: دور بدر بمسلسل صقر قريش الأقرب لي ...
- الغاوون:قصيدة عامية مصرية بعنوان(_الأثر) الشاعر مصطفى الطحان ...
- الروائي الهندي بانكاج ميشرا وعالم ما بعد الإبادة في غزة
- سينما المقاومة تحط رحالها في بغداد
- دراسات مسرحية بقلم د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
- بين الشرق والغرب: كيف ألهمت الرحلة الفنية لشارل غلاير لوحاته ...
- هل سافر ابن بطوطة إلى الصين؟ باحثون يروون من جديد حكاية الرح ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - ما هي الحداثة السائلة عند زيجمونت باومان؟/ شعوب الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري