|
خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 13:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخطأ السياسي اللافت ، الذي يقع فيه عدد كبير من السياسيين والإعلاميين العرب ، لدى تحليل خلفيات السياسة الأمريكية العدوانية والداعمة للكيان الصهيوني إزاء البلدان العربية ، هو ربط هذه السياسة بالمطلق بدور اللوبي الصهيوني في صناعة القرار الأميركي ، أو بهيمنة المحافظين الجدد على البيت الأبيض ، أو بكليهما معاً ، وهذا ما يسهم إلى حد كبير بالتغطية ، بقصد أو بدون قصد ، على صناع القرار السياسي الأميركي الحقيقيين ، على الاحتكارات الأمريكية في مجمع صناعة التسلح وفي مجموعة الشركات الاحتكارية البترولية العملاقة ، وامتدادات هذه الاحتكارات في وزارة الدفاع " البنتاغون " ، ووزارة الخارجية ، والمؤسسات الإعلامية ، ومجموعات العلاقات العامة ، التي تشكل مع مثيلاتها ، ولو كانت أقل شأناً ، في بلدان أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، مصدر الخطر المتوحش الدائم على السلم العالمي وعلى حق الشعوب في تقرير نمط معيشتها ومستقبلها ، والتي لضمان ا ستمرارها في إنتاج وتطوير الأسلحة بأنواعها المتعددة الإجرامية التدمير ، ولاستدامة تدفق الأرباح الهائلة إلى ماليكيها ، الذين هم أشد لؤماً وتوحشاً في بنية النظام الدولي الراهن ، لابد لها من افتعال وا ستثمار الحروب المحلية والإقليمية ، وكذلك الأمر بالنسبة للإحتكارات البترولية ، التي هي بأمس الحاجة إلى ازدهار ا ستثماراتها وتوسيعها وتسويقها ، وهذا لايتحقق إلاّ بإضعاف الشعوب صاحبة الحق بهذه الصناعة وبعوائدها ، من خلال تمزيقها بالفتن والحروب الأهلية ، وتسليط الأنظمة الديكتاتورية والمفوتة عليها
وتشير الدراسات العلمية في هذا المضمار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تصدر سنوياً 31,9 % من صادرات الأسلحة في العالم ، وتشكل حصتها مع كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا 50 % من هذه الصادرات ، وتحقق معاً أرباحاً سنوية تقدر بأكثر من ( 1000 ) مليار دولار . ولايغيبن عن الذاكرة الاقتصادية ، أن الشركات البترولية الاحتكارية وحكوماتها ، قد نهبت على شاكلة أرباح وعوائد بترولية أخرى ، ما يقدر بآلاف المليارات من الدولارات من شعوب المنطقة منذ الأربعينيات حتى الآن
إن ارتباط صناعة التسلح بالصناعة البترولية كحلقتين متكاملتين في بنية الاقتصاد الأميركي خاصة والإمبريالية العالمية عامة ، يرتكز على ا ستخدام القوة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، وإخضاعه للهيمنة النوعية الأمريكية في سلم أولوية الهيمنة على العالم . بمعنى أن المصالح الاستعمارية ، هي التي تدفع بالسياسات الأمريكية تجاه البلدان العربية ، ويأتي دور اللوبي الصهيوني والتعاون الأمريكي الإسرائيلي ، أو عقلية المحافظين الجدد لتسعير هذه السياسات وزيادة آلامها نسبياً على شعوب المنطقة ، ولاحاجة للإسهاب في التذكير بتاريخ الصراع العربي الأمريكي منذ قيام إ سرائيل وحلف بغداد ومبدأ أيزنهاور منذ أواسط الخمسينيات حتى الآن ، أي أن هذه السياسات ليست طارئة ولامؤقتة أو قد تزول بزوال نفوذ اللوبي الصهيوني أو إبعاد المحافظين الجدد عن البيت الأبيض
وتأسيساً على ذلك ، إن ما قدمه بوش في الأيام الماضية ، تحت عنوان ا ستراتيجية أميركا الجديدة في العراق ، ليس بجديد من الناحية الاستراتيجية ، بل هو إمعان في ا ستراتيجية احتلالية مقررة سابقة .. ومؤشر حمال مخاطر دموية جديدة على أمن وا ستقرار الشرق الأوسط . وإذا ما ترجمت المبررات التي قدمها بوش لطرح هذه " التعديلات الاستراتيجية " في العراق ، باللغة السياسية الفصحى ، فإن أخشى ما يخشاه بوش هو فشل مشروعه الاستعماري في العراق وأن يجر معه الفشل للمشروع الأمريكي العالمي .. ما سيفضي حكماً إلى ا سقاط الدور الإمبراطوري .. دور الدولة العظمى للولايات المتحدة وخسارتها مكانة وامتيازات القطب الدولي الأوحد ، الأمر الذي يفتح في المجال لإنتقال الوضع الدولي إلى القطبية المتعددة .. إلى مجهول لاأحد قادر في اللحظة الراهنة أن يحدد حجم انعكاساته على الحالة الأمريكية
وا ستطراداً ، هذا ما يفسر إلى حد ليس بقليل ، إثارة المندوب الروسي في مجلس الأمن ، المفاجئة لأميركا ، مسألة التوسع في تحقيقات لجنة التحقيق الدولية في اغتيال " الحريري " مع دول عشر لم تتعاون بعد في مسار التحقيق ، موحياً بخروج روسيا من الأقواس الأمريكية المتعلقة بموضوع الحريري ، ومن ثم ذهول أميركا من ا ستخدام الصين وروسيا معاً حق النقض " الفيتو " لإسقاط مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن متعلق بإصلاحات سياسية في دولة آسيوية صغيرة ، وذلك بعد تقرير لجنة بيكر - هاميلتون ، الذي شهد بتخبط وعجز المشروع الأمريكي البوشي في العراق ، وبعيد اعتراف بوش با ستحالة متابعة مشروعه المذكور دون " تعديلات في الاستراتيجيا الأمريكية " في العراق ، المحكومة بملاحق تعديلية أخرى سيفرضها القتال الدائر في العراق تحت عناوين متعددة ، الأمر الذي يشي أن روسيا والصين على ا ستعداد ، اليوم أو غداً ، لكسر احتكار أميركا للقطبية الدولية ، ويطرح جدياً مسألة إعادة اقتسام النفوذ والمصالح
بكلام آخر ، إن مانراه الآن من تطورات دراماتيكية بالنسبة للنفوذ الأمريكي في مواقع متعددة في الشرق الأوسط ، أهمها في العراق ومن ثم في لبنان وفلسطين ، ومن جهة أخرى عدم القدرة على وقف التقدم الحثيث لإيران لإمتلاك التكنولوجيا النووية ، ما قد يؤدي إلى حريق يشمل المنطقة برمتها ، سوف يدفع بوش إلى ممارسة ردود أفعال أكثر شراسة من قبل . لأنه يدرك أن أي تراجع عن مشروعه الإمبراطوري ، وأي إعادة لإقتسام النفوذ والمصالح دولياً ، سوف يلحق بالاقتصاد الأمريكي القائم على الاحتكارات العابرة للحدود الدولية وعلى سوق السلاح وسوق البترول وببنية المجتمع الأمريكي الكثير من الأضرار والأزمات الخطيرة . أي أنه لن يتنازل عن برميل بترول واحد ، أو عن مربع نفوذ واحد لتسويق سلاحه وسلعه وتأمين مصادر مواد أولية رخيصة في آخر مكان في العالم ببساطة ودون مقاومة .. دون حرب ودم . إن سقوط إمبراطورية بوزن أميركا لن يكون بالسلاسة التي يتوهمها البعض ، بل سيدفع العالم ثمناً اقتصادياً وسياسياً ودموياً باهظاً . وسيقع معظم عبء هذا السقوط ، الذي قد يستغرق عدداً من السنين ، على البلدان الضعيفة والصغيرة ، وخاصة في الشرق الأوسط .. الأغنى بالبترول .. والأكثر إنفاقاً على التسلح .. والأسهل ا ستباحة .. والأشد توتراً في العالم
وعلى ذلك ، فإن التعاطي مع المشروع الأمريكي - الصهيوني المدمر ، الطويل المدى والثقيل العبء ، في العراق وفي الشرق الوسط عامة ، ومع انعكاساته وا ستحقاقاته ومفاعيله ، بعقلية " النظام أولاً " .. وبأساليب الرهان على الزمن ، وعلى تغيير الواجهات والقيادات الدولية ، وعلى تشديد القبضة الأمنية والإعتقالات النوعية، وإقصاء الآخر ، لـم ، ولن يجدي نفعا.. إذ أن مواجهة مثل هذه المشاريع الدولية الرهيبة ، هي مواجهة مصيرية وجودية للشعوب والبلدان المستهدفة ، قبل أن تكون مجرد " ممانعة " شرطية لتحسين وضع تفاوضي عندما تحين مرحلة عقد صفقات عابرة ، غير مضمونة الإستدامة ، وهي تحتاج إلى قوى وقدرات الشعب كلـه .. بكل ما يعني ذلك من قدرات عسكرية وشعبية واقتصادية وسياسية . بعبارة موجزة ، إنها تتطلب القطع مع تلك الرهانات الخطيرة المغامرة المضرة بمصالح الوطن العليا ، والتسليم بضرورة التغيير الد ستوري الديمقراطي الجذري وانتهاج سياسات وطنية ديمقراطية مسؤولة جامعة ، تعتمد ا سترتيجيات علمية تبنى على الفهم العلمي لماهية وبنية أعداء البلاد ، وتتناسب وخطورة الاستحقاقات الإقليمية والدولية
ليست الاستراتيجية الأمريكية السابقة واللاحقة في العراق ، التي لوح بوش بإمتداد مفاعيلها إلى سوريا وغيرها من بلدان الشرق الأوسط .. ليست " كاريكاتورية " .. لكنها ليست مستحيلة المقاومة والانتصار عليها .. إذا توفرت الوحدة الوطنية والديمقراطية .. وامتلك الشعب إرادته وتقرير مصيره
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لاديمقراطية في الشكل ولاهم شعبي في المضمون
-
أية هيبة .. أية دولة .. ؟
-
الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
-
الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
-
الحوار أول الحركة إلى أمام
-
قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
-
في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
-
مجتمع بلا خرائط
-
أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
-
الجري وراء عدل مفقود
-
فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
-
حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
-
درس ديمقراطي أول
-
السياسات والتقاطعات المشرفة
-
قصة الجيش الأحمر السوري
-
ليس حلفاً جديداً .. !! .. ؟
-
بانتظار مبادرات نقابية وسياسية مناضلة شجاعة
-
معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية
-
خمس سنوات إرهاب شامل
-
نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|