أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا















المزيد.....



الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 15:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ الثَّيُولُوجْيَا

الثَّيُولُوجْيَا، Theology أَوْ عَلِمَ اللَّاهُوت، تُنْظُرَ إلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ وَدِينِي مُتَكَامِل. حَسَب وِجْهَةِ النَّظَرِ الثَّيُولُوجِيَّة، فَإِنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَيْسَا مَفْهُومَيْن مُتَنَاقِضَيْن أَوْ مُنْفَصِلَيْنِ، بَلْ هُمَا مُتَرَابِطَان وَمُتَكَامِلَان فِي إِطَارِ الْخَلْقِ الْإِلَهِيِّ لِلْكَوْن وَالْإِنْسَان. تَرَى الثَّيُولُوجْيَا إنْ الْعِلْمِ وَ الْمَعْرِفَةِ هُمَا جُزْءٌ مِنْ تَصْمِيمِ اللَّهِ لِلْإِنْسَانِ وَكَوْنُه خَلِيفَةً عَلَى الْأَرْضِ. فَقَدَّرَة الْإِنْسَانِ عَلَى الِإسْتِقْصَاءِ وَالْبَحْث وَ الِإكْتِشَاف تَعَدّ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ وَ سَبِيلِ لِتَدَبُّر آيَاتِهِ فِي الْكَوْنِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ مُمَارَسَة الْعِلْمَ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ وَ أَخْلَاقِيّ هِيَ بِمَثَابَةِ عِبَادَة وَ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ. كَمَا تَرَى الثَّيُولُوجْيَا إنْ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ هِي الْمَرْجِعِيَّة وَ الضَّابِطُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ مُمَارَسَة الْعِلْم وَ تَطْبِيقِاته. فَالْعِلْمُ بِدُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى إسْتِخْدَامَات مُدَمِّرَة وَمُنَافِيَة لِلْقَيِّم الْإِنْسَانِيَّة. لِذَا، فَإِنَّ التَّوَازُنِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق هُوَ مَا يَضْمَنُ تَحْقِيق التَّقَدُّم وَالنَّمَاء الْبَشَرِيّ بِطَرِيقِة مَسْؤُولَة وَعَادِلَة. فِي نَفْسِ الْوَقْتِ تَرَى الثَّيُولُوجْيَا إنْ الْأَخْلَاق تُشْكِل الْأَسَاس الْمَعْنَوِيّ وَ الرُّوحِيّ لِلْعِلْم، بِحَيْثُ إنَّ الْبَاحِث الْعِلْمِيّ الْمُلْتَزَم بِالْأَخْلَاق سَيَكُون أَكْثَرُ قُدْرَةً عَلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَ الْحَيَاد وَ النَّزَاهَةُ فِي بَحْثِهِ. فَالْأَخْلَاق تَعَدّ ضَمَانة لِصِدْق وَ أَمَانَة الْعُلَمَاءُ فِي سَعْيِهِمْ نَحْو إكْتِشَافِ الْحَقَائِقِ. أَيْضًا تُشَدَّد الثَّيُولُوجْيَا عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مَعًا هُمَا مَا يُؤَسَّس لِلتَّقَدُّم الْحَضَارِيّ وَالرُّقي الْإِنْسَانِيّ. فَالْعُلُوم بِدُون أَخْلَاق قَدْ تُؤَدِّي إلَى نَتَائِج كَارْثية، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِدُونِ عِلْمِ قَدْ تُؤَدِّي إلَى جُمُود وَتَخَلَّف. لِذَا، فَإِنَّ الثَّيُولُوجْيَا تَرَى أَنَّ التَّوَازُنِ بَيْنَهُمَا هُوَ السَّبِيلُ الْأَمْثَل لِنَهْضَة الْأُمَم وَتَطَوُّرِهَا. يمكِنُنَا الِإسْتِنْتَاج أَنْ الثَّيُولُوجْيَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَة، فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق يَفْقِد مَعْنَاه وَوَظِيفَتُه، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق بِدُونِ عِلْمِ تَفْقِد أَسَاسُهَا وَآفَاقَها. وَعَلَيْهِ، فَإِنْ الثَّيُولُوجْيَا تَدْعُو إلَى رَبْطِ الْعِلْم بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الرُّوحِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة، بِمَا يُحَقِّقُ التَّقَدُّمَ وَالْخَيْر لِلْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ.

_ مَفْهُومُ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الثَّيُولُوجْيَا

الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَةٍ فِي الثَّيُولُوجْيَا، فَالْعِلْمُ بِدُون أَخْلَاق هُوَ عِلْمُ مُؤَقَّت وَزَائِل. فَالْأَخْلَاق هِيَ الْأَسَاسُ وَالنَّوَاة الْجَوْهَرِيَّة لِلْعِلْمِ فِي الْمَنْظُورِ الثَّيُولُوجِيّ. مِنْ مَنْظُورٍ الثَّيُولُوجْيَا الْإِسْلَامِيَّةِ، يُنْظَر لِلْعَقْل بِإعْتِبَارِه الْمَلَكَة الْمِحْوَرُيَّة وَرَاءَ الْفِعْلِ الْإِنْسَانِيِّ وَالنَّشَاط المَعْرِفِيّ. وَالْعَقْل وِفْق فَلَاسِفَة وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ آبْنِ رُشْدٍ وَالْجُرْجَانِيّ هُوَ إدْرَاكُ الْمَوْجُودَات وَالْحَقَائِق، وَطَرِيق الِإقْتِرَابِ مِنَ مَعْرِفَة الْوُجُود. فَالْعِلْمُ الْمُقْتَرِن بِالْأَخْلَاق هُوَ أَسَاسُ تَقَدُّمِ الْمُجْتَمَعِ وَ إزْدِهَارِه وَتَطَوَّرَ الْفَرْد. فَصَاحِب الْعِلْمِ الَّذِي يَتَحَلَّى بِالْأَخْلَاق الطَّيِّبَة يَكُون نَاجِحًا فِي عَمَلِهِ، صَادِقًا فِي تَعَامُلِهِ، مُتَمَيِّزًا فِي مَجَالِهِ، وَمُؤَدِّيًا وَاجِبَه عَلَى أَفْضَلِ وَجْهٍ. وَقَدْ حَثَّ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ بِإعْتِبَارِهِ مَا يَبْلُغُ بِالْإِنْسَان أَرْفَعُ الْمَنَازِلِ. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، فَإِنْ الْعِلْمُ بِدُونِ أَخْلَاق هُو كَسِكِّين حَاد يُؤْذِي صَاحِبَهُ، فَالْعِلْم الْمُجَرَّدِ مِنْ الْأَخْلَاقِ يَنْتَشِرُ فِيهِ الرَّذَائِل وَيَتَرَدَّى فِيهِ الْفِكْرُ وَالْمَعْرِفَة. فَالْأَخْلَاق هِيَ مَا تُضْبَط الْعِلْم وَتَوَجُّهُه نَحْوَ الْخَيْرِ وَالصَّوَابِ. وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، تُعْتَبَر الثَّيُولُوجْيَا الْإِسْلَامِيَّةِ مَصْدَرًا رَئِيسِيًّا لِلْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الَّتِي تَحْكُمُ الْعِلْم وَتَوَجُّهُه. فَفِي الْإِسْلَامِ، الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالِإسْتِمْدَادَ مِنْ التَّعَالِيم الدَّيْنِيَّةِ هُوَ آسْمى أَنْوَاعِ الْعِلْمِ وَمَا يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنِين. وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق كَمَجْالَيْن مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنَّهُمَا فِي الثَّيُولُوجْيَا لَا يَتَعَارَضَانِ، بَلْ يَتَكَامَلَان وَ يَتَلَازَمَان. فَالْعُلُوم الْمُخْتَلِفَة كَالطَّبِيعِيَّات وَالنَّفْسُ وَالِإجْتِمَاع لَا تُقَدَّمُ بِذَاتِهَا مَبَادِئ لِلسُّلُوك وَالْأَخْلَاق، وَلَكِنَّهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ خَارِجَهَا فِي الثَّيُولُوجْيَا وَ الدَّيْنُ. وَ بِالتَّالِي فَإِنْ الثَّيُولُوجْيَا تَنْظُرُ لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق عَلَى أَنَّهُمَا وَجْهَانِ لِعَمَلة وَاحِدَة، فَالْعِلْم الْمُقْتَرِن بِالْأَخْلَاق هُوَ مَا يُمَيِّزُ الْبَشَر وَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالْأَخْلَاق الْعَالِيَةِ. أَمَّا الْعِلْمُ الْمُجَرَّدُ مِنْ الْأَخْلَاقِ فَهُوَ عِلْم مُؤَقَّت وَزَائِل، يَنْبَغِي تَوْجِيهُه وَرُشْدِه بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الدِّينِيَّة.

_ الْأُسُسِ الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَوْضُوعُ نَقَّاش طَوِيل وَ جِدَلي عَلَى مَرَّ التَّارِيخِ. مِنْ نَاحِيَةِ، يَنْظَر الْبَعْضِ إلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعَيْ وَ قَائِم عَلَى الْحَقَائِقِ الْمَوْضُوعِيَّة، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تُعْتَبَر أَمْرًا ذَاتِيًّا وَ مُتَغَيِّرًا حَسَب السِّيَاقَات الثَّقَافِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، يَرَى الْبَعْضُ الْآخَرُ أَنْ الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ تَمَامًا عَنْ الْقَيِّمِ وَالْأخْلاقِ، فَالْمَنْهِجِيَّة الْعِلْمِيَّةِ وَ الْإِهْدَاف الَّتِي يَسْعَى الْعِلْم لِتَحْقِيقِهَا يَجِبُ أَنْ تُخْضِعَ لِإعْتِبَارَات أَخْلَاقِيَّة. لَعَلَّ نَظَرِيَّة الْأُسُس الْأَخْلَاقِيَّة (Moral Foundations Theory) تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ مُهِمَّة حَوْلَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ. وَفقَأ لِهَذِه النَّظَرِيَّة، فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ لَدَى الْبَشَر تَسْتَنِدُ إلَى سِتَّةٍ أُسِّس أَسَاسِيَّةً هِيَ: 1 الرِّعَايَة/الْإِيذَاء، 2 الْعَدَالَة/الْغِشّ، 3 الْوَلَاء/الْخِيَانَة، 4 السُّلْطَة/التَّخْرِيب، 5 النَّقَاء/التَّدْنِيس، 6 الْحُرِّيَّة/الْقَمْع. وَتَخْتَلِف الثَّقَافَات وَالْإِفْرَادِ فِي تَأْكِيدُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأُسُسِ الْأَخْلَاقِيَّة الْمُخْتَلِفَةِ، مِمَّا يُفَسِّر التَّنَوُّع فِي الْأَحْكَامِ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة عَبَّر الثَّقَافَات. هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ تُشِيرُ إلَى أَنْ الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا تَمَامًا مِنْ الْأَخْلَاقِ، فَالْعُلَمَاء وَالْبَاحِثُون يَنْطَلِقُونَ مِنْ إفْتِرَاضِات وَ أَهْدَافُ مَسْبُقة تَنْبُعُ مِنْ أُسُسِ أَخْلَاقِيَّة مُعَيَّنَة. وَتَارِيخُيا، نَجِدُ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ أسْتَخْدَم أَحْيَانًا لِتَبْرِير مَوَاقِف أَخْلَاقِيَّة مَشْكُوكٌ فِيهَا، كَمَا حَدَّثَ مَع عُلُوم الْجَرِيمَة وَالْعَرَقَ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ. هُنَاكَ إتِّجَاه مُتَزَايِد نَحْو الْمُطَالَبَة بِتَكَامُل الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق، بِحَيْثُ لَا يَتِمُّ النَّظَرُ إلَى الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ مَوْضُوعَيْ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة. وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، تَظْهَر مَجَالَات مِثْل أَخْلَاقِيَّات الْبَيُولُوجْيَا (Bioethics) الَّتِي تُحَاوِلُ وَضْعَ ضَوَابِطَ أَخْلَاقِيَّة لِلتِّطَوُّرَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة فِي مَجَالَاتِ الطِّبّ وَالْبُيُولُوجِيَا. يَرَى أَنْصَارُ هَذَا الْمَنْهَجِ التَّكَامُلِي إنْ الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا تَمَامًا، فَالْعِلْم يَحْتَاجُ إلَى قَيِّمٍ أَخْلَاقِيَّة لِتَوْجِيه أَهْدَافِه وَمَنْهَجِيَّاته، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَحْتَاجُ إلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة لِتَكُونَ قَائِمَةً عَلَى أَسَاسِ مَوْضُوعَيْ. وَبِالتَّالِي، يَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْلَاقِيَّيْن الْعَمَلُ مَعًا لِضَمَان تَطَوُّر الْعِلْمِ بِمَا يَتَوَافَقُ مَعَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذَا الِإتِّجَاهَ نَحْو التَّكَامُل، مَا زَالَتْ هُنَاكَ تَحَدِّيَات وَإِشْكَالٌيات فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَالْعِلْم قَدْ يُنْتِجُ نَتَائِج وَتَطْبِيقَات تَوَاجَه مُعَارَضَة أَخْلَاقِيَّة، كَمَا هُوَ الْحَالُ مَعَ التَّجَارِبُ عَلَى الْخَلَايَا الْجِذْعِيَّةَ الْبَشَرِيَّةِ أَوْ التَّحْسِينِ الْبَشَرِيّ الْجِينِيّ. كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ تُسْتَخْدَمُ كَذَرِيعَة لِلْحَدِّ مِنْ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ أَوْ تَقْيِيدُهُ دُونَ مُبَرِّرٍ مَوْضُوعَيْ. لِذَلِكَ، هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى تَوَازِن دَقِيق بَيْن الِإعْتِبَارَات الْعِلْمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة، بِمَا يَضْمَنُ تَطَوُّر الْعِلْمِ بِمَا يَحْتَرَم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَيَخْدُم صَالِح الإِنْسَانُ وَالبِيئَةُ. وَهَذَا يَتَطَلَّب حِوَارًا مُسْتَمِرًّا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْلَاقِيَّيْن وَالْمُجْتَمَعُ كَكُلّ لِإِيجَاد هَذَا التَّوَازُنِ. فِي النِّهَايَةِ، الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ دِيناميكَية، تَتَطَلَّبُ مُنَاقَشَة مُسْتَمِرَّة وَجْهٍود تَعَاوِنَيْة لِضَمَانِ تَوْظِيف الْعِلْمِ بِمَا يَحْتَرَم الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَيَعْمَلُ عَلَى تَطْوِير الْمُجْتَمَع بِشَكْل مُتَوَازِن وَمُسْتَدَامٌ.

_ طَبِيعَةٍ التَّصَوُّرَاتُ الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

التَّصَوُّرَاتُ الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق تُشِيرُ إلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُنْظُّرُ بِهَا الفِكْرُ الدِّينِيُّ وَالِإعْتِقَادَات الدِّينِيَّةِ إِلَى الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق. هُنَاك رُؤى مُتَبَايِنَة حَوْلَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ دَيْنِي. مِنْ نَاحِيَةِ، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاق مُتَلَازِمَان وَلَا يُمْكِنُ فَصْلُهُمَا، بِإعْتِبَارِ أَنَّ الْبَحْثَ الْعِلْمِيّ يَجِبُ أَنْ يَخْضَعَ لِمَعَايِير أَخْلَاقِيَّة وَإِنْ الْهَدَف النِّهَائِيّ لِلْعِلْمِ هُوَ خِدْمَة الْإِنْسَانِيَّة وَتَحْقِيق الْخَيْرِ الْعَامِّ. وَفْقَ هَذَا التَّصَوُّرِ، فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعِلْمِيَّة لَيْسَتْ مَحَايدة أَخْلَاقِيًّا، بَلْ يَجِبُ أَنْ تُوَظِّفَ وَفْق ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة وَ تَكُون مُوَجَّهَةً نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْرِ وَ الْفَضِيلَةِ. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، يَرَى آخَرُونَ أَنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا مُنْفَصِلَيْن تَمَامًا، وَإِنْ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعِيًّا وَمُحَايِدًا أَخْلَاقِيًّا، دُونَ الْخُضُوعِ لِأَيَّةِ إعْتِبَارَات قِيَمِيَّةٌ أَوْ دِينِيَّةً. فَالْعِلْم بِحَسَبِ هَذَا الرَّأْيِ، هُوَ مُجَرَّدُ وَسِيلَةٍ لِإكْتِسَاب الْمَعْرِفَة وَالْحَقَائِق الْمَوْضُوعِيَّة دُونَ أَنْ تَكُونَ لَهُ آيَةٌ أبْعَاد أَخْلَاقِيَّة أَوْ دِينِيَّةً. هُنَاكَ كَذَلِكَ تَصَوُّر ثَالِث يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَا فِي تَنَاقُضِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. فَالْبَحْث الْعِلْمِيّ قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج وَتَطْبِيقَات تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة وَالدِّينِيَّة، مِمَّا يُخْلَقُ صِرَاعًا بَيْنَ الْمَنْطِقِ الْعِلْمِيّ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة. وَيَرَى أَصْحَابُ هَذَا التَّصَوُّرِ أَنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُجْتَمَع إيجَاد آلِيَات لِلتَّوْفِيقِ بَيْن الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَالِإلتِزَامَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالدِّينِيَّة. وَ مِنْ هَذِهِ الزَّوَايَا الْمُخْتَلِفَة، يَتَّضِحُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَذَات أبْعَاد مُتَعَدِّدَةً. فَفِي حِينِ يَرَى الْبَعْضُ ضَرُورَة رَبَط الْعِلْم بِالْأَخْلَاق وَتَوْظِيفِه لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، يَرْفُض آخَرُونَ هَذَا الرَّبْطَ وَيَدْعُونَ إلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْعِلْمِ عَنْ الِإعْتِبَارَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالدِّينِيَّة. وَثَمَّةَ مَنْ يَرَى أَنَّ هَذَيْنِ الْمَجَالِين قَدْ يَتَعَارَضَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، مِمَّا يَتَطَلَّب إيجَاد آلِيَات لِلْمَوَّازِنَة بَيْنَهُمَا. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ هَذِهِ الْإِشْكَالية لَا تَزَالُ مَحَلَّ جَدَلٍ وَإخْتِلَافٍ فِي الْأَوْسَاطِ الْفِكْرِيَّة وَالْأَكَادِيمِيَّة. فِي الْخِتَامِ، يَتَّضِحُ أَنَّ هُنَاكَ تَصَوُّرَات مُتَبَايِنَة حَوْل الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ مَنْظُورٍ دَيْنِي. فَبَيْنَمَا يَرَى الْبَعْضُ ضَرُورَة رَبَط الْعِلْم بِالْأَخْلَاق، يَرْفُض آخَرُونَ هَذَا الرَّبْطَ وَيُؤْكَدُون عَلَى إسْتِقْلَالِيَّة الْعِلْمِ. كَمَا يَرَى آخَرُونَ إِمْكَانِيَّة حُدُوث تَعَارُضَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لَا تَزَالُ مَحَلَّ نَقَّاش وَجَدَل فِي الْأَوْسَاطِ الْمَعْرِفِيَّة وَالْفِكْرِيَّة.

_ تَطَوُّرُ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ فِي سِيَاقُ الثَّيُولُوجْيَا

لَقَدْ شَهِدْتُ الثَّيُولُوجْيَا (اللَّاهُوتِ) تَطَوُّرًا مَلْحُوظًا فِي تَنَاوُلِهَا لِلْفِكْر الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ. فِي عَصْرِ النَّهْضَةِ، بَدَأَتْ الْفَلْسَفَة الْأَخْلَاقِيَّة بِالتَّرْكِيز بِشَكْلٍ مُتَزَايِد عَلَى الِإسْتِجَابَةِ لِلْمآزق الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَسَائِل الْأَسَاسِيَّة لِلْوُجُود الْإِنْسَانِيّ. هَذَا التَّحَوُّلِ نَحْو تَأَمَّلَ الْإِنْسَانُ فِي ذَاتِهِ وَوَاقِعَه كَانَ بِمَثَابَةِ نُقْطَة تَحَوَّلَ فِي الْفِكْرِ الْفَلْسَفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ. فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، بَرَزَتْ جُهُود مُتَبَايِنَة لِإِعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ اللَّاهُوت وَ الْأُنْثَروبولُوجْيَا. فَقَدْ رَأَى فَيُورباخ Feuerbach فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ كِتَابَاتِه أَنْ اللَّاهُوت هُوَ تَزْيِيفُ لِلْإِنثروبولُوجْيَا، وَإِنْ ثُيُولُوجْيَا الدَّيْنُ هِي إغْتِرَاب لِأَنَّثروبولوجْيَا الدَّيْنُ. هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ حَوْل طَبِيعَةِ الدِّينِ وَمَصْدَرُه كَانَتْ مُحَوَّرية فِي بِلَّوْرَة فَهُمْ جَدِيد لِلْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَاللَّاهِوت. فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، بَرَز تَيَّار فَلْسَفِيّ جَدِيد يُحَاوِل إعَادَةِ النَّظَرِ فِي قَضَايَا الدِّينِ وَ الْأَخْلَاقِ عَلَى ضَوْءِ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَ الْفِكْرِيَّة. فَقَدْ رَأَى كَانَط Kent ضَرُورَةً تَطْوِير مُقَارَبَة فَلْسَفِيَّة جَدِيدَة لِلدَّيْن، مُخْتَلِفَة عَمَّا كَانَ سَائِدًا مِنْ قَبْلِ. كَمَا ظَهَرَتْ إتِّجَاهَات فَلْسَفِيَّة تَسْعَى إِلَى تَجْدِيدِ الْمَنْظُور الْأَخْلَاقِيَّ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَات الْمُسْتَجَدَّة، بَعْدَ أَنْ بَاتَتْ الرَّؤى السَّابِقَة قَاصِرَةٌ عَنْ مُوَاكَبَةِ تَعْقِيدًات الْحَيَاةُ الْمُعَاصِرَة. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، بَرَزَتْ مُحَاوَلَات لِإِعَادَة صِيَاغَة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الدِّينِ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَسُودُهَا نَظَرة التَّعَارُض وَالتَّنَافُر. فَقَدْ سَعَى بَعْضَ الْمُفَكِّرِين إلَى تبْني نَظَرِيَّات جَدِيدَة كـالْكِاوُوس Chaos theory لِتَفْسِيرِ تَطَوُّر الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْفَلَسِفِيّ. كَمَا ظَهَرَتْ مُحَاوَلَات لِدِرَاسَة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْ مَنْظُورٍ أَكْثَر تَكَامُلِيٍّة وَ شُمُولِيَّة. فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ، مَا زَالَتْ قَضَايَا الْأَخْلَاق وَالدَّيْن تَشْهَد جَدَلًا وَاسِعًا فِي ضَوْءِ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّة المُتَسَارِعَة. فَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ الضَّرُورِيِّ إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْمُقَارَبَات الْفَلْسَفِيَّة لِلدَّيْن وَالْأَخْلَاق، بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ هَذِهِ المُتَغَيِّرَات وَالتَّحْوِلَات. وَتُبْرِزُ الْحَاجَةِ إلَى إيجَادِ تُوَازِنُ بَيْنَ الْمَنْظُورات الْعِلْمِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّة فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَات الْمُسْتَجَدَّة الَّتِي تَشَهُّدِهَا الْإِنْسَانِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ تَطَوُّر الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ فِي الثَّيُولُوجْيَا قَدْ مَرَّ بِمَرَاحِل مُتَبَايِنَةً، مِنْ التَّرْكِيزِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي عَصْرِ النَّهْضَةِ، إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعِلْمُ فِي الْقَرْنَيْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ وَالْعِشْرِينَ، وُصُولًا إِلَى الْجُهُود الرَّاهِنَة لِإِيجَاد تَوَازِنُ بَيْنَ الْمَنْظُورات الْعِلْمِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّة. وَمَا زَالَتْ هَذِهِ الْقَضَايَا مَوْضِع نَقَّاش وَتَطَوَّر مُسْتَمِرِّين.

_ بِنِيَّةِ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ مِنْ وَجْهَة نَظَر الثَّيُولُوجْيَا

كَشْف إيمَانْوِيل كَانَط Immanuel Kant، فِي نَقْدِهِ الشَّهِير لِلْعَقْل النَّظَرِيّ الْمَحْضِ، عَنْ حُدُودِ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ فِي إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْكُبْرَى كَوُجُودِ اللَّهِ وَخُلُود الرُّوح. فَبِالتَّرْكيز عَلَى الْمُتَنَاهِي لِفَهْم اللَّامتنَاهِي، أَظْهَرُ كَانَط عَجَزَ الْعَقْل النَّظَرِيّ عَنْ إثْبَاتِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الثَّيُولُوجِيَّة، مِمَّا أَسْهَمَ فِي تَفْنَيد إدَّعَاءَات عِلْمِيَّةٍ الثَّيُولُوجْيَا. وَلَكِنْ كَانَط لَمْ يَتَوَقَّفْ عِنْدَ هَذَا النَّقْدِ السَّلْبِيّ, بَلْ أَعَادَ بِنَاءَ الثَّيُولُوجْيَا عَلَى أُسُسٍ جَدِيدَة تَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْلِ الْعَمَلِيّ الْمَحْض فَمَا كَانَ مُسْتَحِيلًا فِي الْعَقْلِ النَّظَرِيّ مِنْ إثْبَاتِ وُجُودِ اللَّهِ وَ خُلُود الرُّوح، أَصْبَح مُمْكِنًا فِي دَائِرَةِ الْعَقْل الْعَمَلِيّ وَ الْأَخْلَاق وَ هَذَا التَّحَوُّل الْعَمَلِيّ مَكِّنَ مِنْ أَنْسَنَّة الْقَضَايَا الثَّيُولُوجِيَّة وَ فَتْحِ الْبَابِ أَمَامَ ثُيُولُوجْيَا سِيَاسِيَّة وَ أَخْلَاقِيَّة. فَبِالنِّسْبَةِ لَكَانط، إذَا كَانَ الْعَقْلُ النَّظَرِيّ عَاجِزًا عَنْ الْإِدْرَاكِ الْحَقِيقِيّ لِلْأُمُور الْكُبْرَى كَوُجُودِ اللَّهِ وَ خُلُود النَّفْسِ، فَإِنَّ الْعَقْلَ الْعَمَلِيّ أَوْ الْأَخْلَاقِيّ يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إلَيْهَا بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْأَخْلَاق لَدَى كَانَط هِيَ الطَّرِيقُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْأَخِيرَةَ، بِمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ اللَّهِ وَ الْخُلُودِ لِأَجْلِ تَحْقِيقِ الْغَايَةِ النِّهَائِيَّة لِلْأَخْلَاق وَ هِي السَّعَادَةُ الْكَامِلَةُ. وَ يَذْهَبُ كَانَط إلَى أَنْ الثَّيُولُوجْيَا تَجِدُ أَسَّسَهَا الْحَقِيقِيَّةِ فِي الْعَقْلِ الْعَمَلِيّ الْمَحْض، ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَخْلَاقِيّ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ اللَّهِ كَمَصْدَر لِلْخَيْر الْمُطْلَقِ، كَمَا أَنَّهُ يَتَطَلَّب خُلُود الرُّوح لِتَحْقِيق الْكَمَال الْأَخْلَاقِيّ. وَ بِهَذَا الْمَنْحَى الْعَمَلِيّ، تَتَحَوَّل الثَّيُولُوجْيَا مِنْ مُجَرَّدِ مَعْرِفَة نَظَرِيَّة إِلَى مُمَارَسَةِ أَخْلَاقِيَّة. وَ حَسَبَ كَانَط، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَصِلَ إِلَى مَعْرِفَةِ وُجُودِ اللَّهِ وَ خُلُود الرُّوحِ عَنْ طَرِيقِ الْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ، فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تَتَجَاوَز قَدْرة الْعَقْل النَّظَرِيّ. وَلَكِنْ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهَا مِنْ خِلَالِ الْعَقْلِ الْعَمَلِيّ الْأَخْلَاقِيّ، إذْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَخْلَاقِيّ يَسْتَتْبِع إيمَانًا بِوُجُودِ اللَّهِ وَ خُلُود الرُّوح كَشَرْطين أُسَاسِيِّين لِتَحْقِيقِ هَذَا الْوَاجِبِ. وَ هَكَذَا يَتَجَاوَز كَانَط مُشْكِلَةُ الْعَقْل النَّظَرِيّ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَ النَّفْس، عَبَّر رَبَطَهَا بِالْعَقْل الْعَمَلِيّ وَالْأَخْلَاق. وَ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّحَوُّلِ مِنْ النَّظَرِيّ إلَى الْعَمَلِيُّ فِي مَجَالِ الثَّيُولُوجْيَا كَانَ لَهُ إنْعِكَاسِات هَامَةٌ. إذْ أَدَّى إلَى أَنْسَنَّة الْقَضَايَا الثَّيُولُوجِيَّة وَ جَعَلَ الْإِنْسَانِ مِحْوَرَ الِإهْتِمَام بَدَلًا مِنْ اللَّهِ أَوْ الْوَحْيِ. كَمَا فَتَحَ الْمَجَالِ أَمَامَ الثَّيُولُوجْيَا السِّيَاسِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة، بِحَيْثُ أَصْبَحَ الْفَيْلَسُوف مَسْؤُولًا عَنْ تَنْظِيمِ المُجْتَمَعِ السِّيَاسِيّ وَتَأْسِيس نِظَام أَخْلَاقِيّ. وَ مِنْ هُنَا، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ كَانَط قَدَمَ نَمُوذَجًا مُغَايِرًا لِلثَّيُولُوجْيَا التَّقْلِيدِيَّة، حَيْث حَوَلَهَا مِنْ مُجَرَّدِ مَعْرِفَة نَظَرِيَّة إِلَى مُمَارَسَةِ أَخْلَاقِيَّة وَ سِيَاسِيَّة. وَ بَدَلًا مِنْ الِإنْطِلَاقِ مِنْ اللَّهِ أَوْ الْوَحْيِ، إنْطَلَقَ مِنْ الْإِنْسَانِ وَ الْعَقْل الْأَخْلَاقِيّ. وَ هَكَذَا أَصْبَحْت الثَّيُولُوجْيَا عِنْدَ كَانَط قَضِيَّةُ إِنْسَانِيَّة بِإمْتِيَاز.

_ مُقَارَنَةُ بَيْنَ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق مِنْ دَاخِلِ أنْسَاق الثَّيُولُوجْيَا

الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الثَّيُولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَمُتَدَاخِلَة، إذْ أَنَّ هُنَاكَ تَأْثِيرٌ مُتَبَادَل بَيْنَهُمَا. الثَّيُولُوجْيَا تُعْرَفُ بِأَنَّهَا دِرَاسَة اللَّه وَالْمَسَائِل الْمُرْتَبِطَة بِهِ، وَهِيَ تَشْمَلُ الْعَقَائِد وَ الْمَذَاهِب الدِّينِيَّة وَالتَّفْسِيرَات الْفَلْسَفِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة وَ الثَّقَافِيَّة لِلْإِيمَان الدِّينِيّ. مِنْ نَاحِيَةِ، يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ فِي الثَّيُولُوجْيَا أَدَّاة لِلْفَهْم وَالتَّفْسِير الْمَوْضُوعِيّ لِلْمَسَائِل الدِّينِيَّة. فَالثُّيُولوجيون يَسْتَخْدِمُون الْمَنَاهِج وَالْمَعَارِف الْعِلْمِيَّة لِدِرَاسَة النُّصُوص الْمُقَدَّسَة وَالتَّقَالِيد الدِّينِيَّة بِشَكْل عِلْمِي وَمَنْهَجِيّ. وَ هَذَا يُسَاعِدُ فِي تَقْدِيمِ تَفْسِيرَات عَقْلَانِيَّة لِلْعَقَائِد الدِّينِيَّة وَ تَحْرِير الثَّيُولُوجْيَا مِنْ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَام. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تُشْكِل الْأَخْلَاقِ فِي الثَّيُولُوجْيَا الْإِطَارُ الْمِعْيَاري وَالقِيَمِيُّ الَّذِي يُوَجَّهُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَالْأَخْلَاق الدِّينِيَّة تُحَدِّد الْغَايَات وَ الْأهْدَاف الَّتِي يَسْعَى الْعِلْم الثَّيُولُوجِيّ إلَى تَحْقِيقِهَا، كَمَا تُرَاقِب وَتُقَيِّم إسْتِخْدَام الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِضَمَان تُوَافِقُهَا مَع الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحِيَّة. فَالثُّيُولُوجْيَا لَا تَسْعَى فَقَطْ إلَى الْفَهْمِ الْعِلْمِيّ لِلدَّيْنِ، بَلْ إلَى تَحْقِيقِ الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ فِي الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي الثَّيُولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ تَكَامُلِيٍّة وَتَفَاعُلِيَّة، حَيْث يُسَاهِم الْعِلْمِ فِي تَنْقِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ الْخُرَافَاتِ وَالتَّحْرِيفَات، بَيْنَمَا تَوَجَّه الْأَخْلَاق الدِّينِيَّة إسْتِخْدَام الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِتَحْقِيق الْغَايَات الرُّوحِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة. وَهَذَا يُجَسِّد الطَّبِيعَة الْمُتَكَامِلَة لِلْمَعْرِفَة الثَّيُولُوجِيَّة الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الْبُعْدِ الْعِلْمِيّ وَالْبُعْد الْأَخْلَاقِيّ. وَ جَدِير بِالذِّكْرِ أَنَّ هُنَاكَ تَيَّارَات فَكَرْيَة دَاخِل الثَّيُولُوجْيَا قَدْ تُرْكَز أَكْثَرَ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى حِسَابِ الْآخَرِ، فَهُنَاكَ مَنْ يُرَكِّزُ عَلَى الْجَانِبِ الْعِلْمِيّ التَّحْلِيلِيّ لِلدَّيْن، وَهُنَاكَ مَنْ يُرَكِّزُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَخْلَاقِيّ وَالرُّوحِيّ. لَكِنْ فِي الْمُجْمَلِ، الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق تُشْكِل جَوْهَر الْمُمَارَسَة الثَّيُولُوجِيَّة وَتَحَدُّد طَبِيعَتِهَا وَمَسَارُهُا.

_ تَحْلِيل طَبِيعَة الرُّؤَى الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

طَبِيعَة الرُّؤَى الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هِيَ مَوْضُوعُ جَدَلِيّ وَإِشْكَالي مُنْذُ القَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ عَلَى الْأَقَلِّ، وَزَادَتْ هَذِه الْإِشْكَالِيَّات مَع التَّطَوُّرَات الْهَائِلَة فِي مُخْتَلَفٍ الْعُلُوم وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى مُوَاجَهَةِ هَذَا التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ. فَالْعِلْم بِمَنْاهِجَه وَ أَسَالِيبِه التَّجْرِيبِيَّة يَرْفُض أَيْ تَدْخُلُ لِلْأَخْلَاق أَوْ الْقَيِّمُ فِي نَتَائِجِهِ، حَيْثُ يَسْعَى إلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقَائِقِ وَالْمَعَارِف بِشَكْل مَوْضُوعَيْ وَ حِيادي. فِي الْمُقَابِلِ، تَدْعُو الْأَخْلَاقِ إِلَى إلْتِزَام الْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ وَالْوَاجِبَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي مُمَارَسَةِ الْعِلْم وَالِإسْتِفَادَةِ مِنْ نَتَائِجِهِ. هَذَا التَّنَاقُضِ بَيْنَ مَوْقِفِ الْعِلْم وَ الْأَخْلَاق أثَار الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ وَالْإِشْكَالَيْات حَوْلَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا، وَتَمّ طَرْح عِدَّة تَصَوُّرَات لِفَهْمِ هَذِهِ الْعَلَاقَة. أَوَّلًا؛ رُؤْيَة إنْفِصَال الْعِلْمِ عَنْ الْأَخْلَاقِ: وَتَذْهَبُ إلَى أَنْ الْعِلْمَ يَتْبَعُ مِنْطَقه الْخَاصّ الْمُسْتَقِلّ عَنْ الْأَخْلَاقِ، وَإِنْ الْأَخْلَاقِ لَا دَخْلَ لَهَا فِي الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ الَّذِي يَسْعَى إلَى إكْتِشَافِ الْحَقَائِقِ وَ الْقَوَانِين الْمَوْضُوعِيَّة. ثَانِيًا؛ رُؤْيَة تَكَامُل الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: وَتَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُتَكَامِلَان وَلَا يُمْكِنُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا، فَالْأَخْلَاق تَضَع الضَّوَابِط وَالْمَعَايِير لِمُمَارَسَة الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَ تَوْجِيه نَتَائِجِه نَحْوَ الْخَيْرِ وَالنَّفْع لِلْإِنْسَانِيَّة. وَالْعِلْمِ مِنْ جِهَتِهِ يَمُدّ الْأَخْلَاق بِالْمَعَارِف وَالْحَقَائِق الَّتِي تُوَصِّلُ مَبَادِئُهَا وَتَوَجُّهُهَا. ثَالِثًا؛ رُؤْيَة التَّعَارُضُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق: وَتُؤَكِّد عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُتَنَاقِضَان وَمُتَعَارِضَان، وَإِنْ تَطْبِيق الْعِلْمِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج تَتَنَاقَض مَعَ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ. أَمَّا الرُّؤْيَةُ الثَّيُولُوجِيَّة (الدِّينِيَّةُ) لِلْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق، فَتَنْطَلِق مِنْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَصْدَرُ الْأَصِيل لِلْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ، وَإِنَّ الْعِلْمَ هُوَ أَدَاةٌ لِإكْتِشَاف خَلَقَ اللَّهُ وَسُنَنِه فِي الْكَوْنِ، وَإِنْ الْأَخْلَاق وَ الْعِلْم يَجِبُ أَنْ يَسِيرَا مَعًا فِي تَوَافُقٍ وَإتِّسَاق لِتَحْقِيق الْخَيْرِ وَالرِّفْعَةِ لِلْإِنْسَان. فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْكَوْنَ وَسُنّ قَوَانِينِه، وَ الْعِلْمُ هُوَ وَسِيلَةٌ لِإكْتِشَاف هَذِهِ الْقَوَانِينِ وَالْحَقَائِق الْكَوْنِيَّة. وَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، فَإِنْ اللَّهُ وَضَعَ مَبَادِئ الْأَخْلَاق وَالْقِيَمِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَلْتَزِمَ بِهَا فِي كَافَّةِ شُؤُونِ حَيَاتِهِ، وَمِنْهَا مُمَارَسَة الْعِلْم وَالِإسْتِفَادَةِ مِنْ نَتَائِجِهِ. وَ وَفْقًا لِهَذَا الْمَنْظُور الثَّيُولُوجِيّ، فَإِنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَيْسَا فِي تَعَارُضِ، بَلْ هُمَا مُتَكَامِلَان وَ يَسِيرَانِ مَعًا نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْر وَالرُّقَى لِلْإِنْسَان. فَالْعِلْم يَكْشِفُ عَنْ الْحَقَائِقِ وَالْقَوَانِين الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي تَعْكِس حِكْمَةُ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَالْأَخْلَاق تَضَع الضَّوَابِط وَالْمَعَايِير الَّتِي تَحْكُمُ مُمَارَسَة الْعِلْم وَتَوَجُّهُه نَحْوَ تَحْقِيقِ مَصَالِحُ الْإِنْسَانِ وَ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، يَرَى أَصْحَابَ هَذَا التَّوَجُّهِ الثَّيُولُوجِيّ إنْ التَّكَامُل وَالتَّوَافُق بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هُوَ الْأَسَاسُ الصَّحِيح لِتَطْوِير الْعُلُوم وَتَوْظِيفِهَا لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَ الْإِنْسَانِيَّةِ، بِمَا يُحَقِّقُ التَّوَازُنَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة. وَمِنْ هُنَا، يَتَّضِحُ أَنَّ طَبِيعَة الرُّؤَى الثَّيُولُوجِيَّة لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق هِيَ طَبِيعَة مُعَقَّدَة وَ جَدَلية، حَيْثُ يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ زَوَايَا مُخْتَلِفَة تَتَرَاوَحُ بَيْنَ الِإنْفِصَالِ وَالتَّعَارُض وَالتَّكَامُل. وَلَعَلّ الرُّؤْيَة الثَّيُولُوجِيَّة تَقَدِمُ تَصَوُّرًا مُتَوَازِنَا يُرْبَطُ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّة وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة بِمَا يَخْدُم مَصْلَحَةُ الْإِنْسَانِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ.

_ النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق

النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق يَعُدْ أَحَدٌ الْمَحَاوِر الْأَسَاسِيَّةِ فِي الْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ الْمُعَاصِر. هَذَا النَّقْدِ يَنْطَلِقُ مِنْ رُؤْيَةِ تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَ الْأَخْلَاق الْحَدِيثَة تَنْطَوِي عَلَى بَعْضٍ الِإخْتِلَالَات وَ الِإنْحِرَافَات عَنْ الْمَعَايِير الثَّيُولُوجِيَّة الْإِسْلَامِيَّة. مِنْ الْمَنْظُور الثَّيُولُوجِيّ الْإِسْلَامِيِّ، هُنَاكَ عَدَدُ مَنْ الْإِشْكَالِيَّات وَ الِإنْتِقَادَات الْمُوَجَّهَة لِلْعِلْم الْحَدِيث وَالنَّمُوذَج المَعْرِفِيّ الْغَرْبِيّ أَوَّلًا؛تَهْمَيش الْوَحْيُ وَالْمَعْرِفَة الدِّينِيَّة: يَرَى النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ إنْ النَّمُوذَج الْعِلْمِيِّ الْحَدِيثِ قَدْ أَهْمَلَ مَصْدَر الْمَعْرِفَة الْإِلَهِيّ (الْوَحْي) وَ رَكَّز بِشَكْل شِبْه حَصْرِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ التَّجْرِيبِيَّة وَ الْعَقْلِيَّة. هَذَا التَّغْيِيب لِلْبُعْد الدِّينِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَدْ أَنْتَج فَجْوَةً بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْإِيمَان. ثَانِيًا؛ الِإنْحِيَاز لِلْمَادِّيَّة وَالْعَلْمَنَة: يُعَدّ النَّمُوذَج المَعْرِفِيّ الْحَدِيث مُتَأَثِّرًا بِالنَّزْعَة الْمَادِّيَّة وَالْعَلْمَنَة الَّتِي حَاوَلَتِ تَهْمَيش الْجَانِبِ الرُّوحِيِّ وَالقِيَمِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَ هَذَا مَا أَنْتَجَ فَرَاغًا قِيَمِيًّا وَ أَخْلَاقِيًّا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْحَدِيثَة. ثَالِثًا؛ الِإنْفِصَالِ عَنْ السِّيَاقِ الْحَضَارِيّ وَ الثَّقَافِيّ: يَنْتَقِدْ النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ لِلْعِلْمِ كَوْنُهُ نَمُوذَجًا مَعْرِفِيًّا غَرْبِيًّا مُسْتَوْرَدًا لَا يَتَنَاسَبُ مَعَ السِّيَاقِ الْحَضَارِيّ وَالثَّقَافِيّ لِلْمُجْتَمَعَات الْإِسْلَامِيَّة مِمَّا أَنْتَج صُعُوبَةً فِي تَأْصِيلُه وَإِشْكَالٌيات فِي تَطْبِيقِه. رَابِعًا؛ الِإسْتِخْدَام التِّقَنِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ لِلْمَعْرِفَة: يَرَى النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ إنْ الْعِلْمِ الْحَدِيثَ قَدْ رَكَز عَلَى الْجَانِبِ التَّطْبِيقِيّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ لِلْمَعْرِفَة عَلَى حِسَابِ الْبُعْدُ الْقِيَمِيُّ وَ الْأَخْلَاقِيّ. مِمَّا أَدَّى إلَى إسْتِخْدَامِ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّةِ فِي أَغْرَاضٍ مَشْكُوكٌ فِي أَخْلَاقِيَّتِهَا أَوْ ضَارَّة بِالْبَشَرِيَّة. كَمَا يَنْتَقِدْ النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ لِلْأَخْلَاق الْحَدِيثَة عَدَدًا مِنْ الْإِشْكَالِيَّات: أَوَّلًا؛ الِإبْتِعَادِ عَنِ الْمَرْجِعِيَّة الدِّينِيَّة: يَرَى هَذَا النَّقْدِ أَنْ الْأَخْلَاق الْحَدِيثَة قَدْ إبْتِعدت عَنْ الْمَرْجِعِيَّة الدِّينِيَّة وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة الْإِلَهِيَّة، وَ حَاوَلَت أَنْ تُؤَسَّسَ لِأَخْلَاق عَلِمَانِيَّة بَعِيدَةٌ عَنْ الدَّيْنَ. ثَانِيًا؛ تَهْمَيش الْجَانِبِ الرُّوحِيِّ وَالْغَيْبِيّ: إنْعَكَسَ هَذَا الِإبْتِعَادِ عَنِ الدِّينِ فِي تَهْمَيش الْبُعْدُ الرُّوحِيّ وَالْغَيْبِيِّ فِي الْأَخْلَاقِ الْحَدِيثَة، وَ إخْتِزَالِهَا فِي بُعْدِ مَادِّيّ ضِيق. ثَالِثًا؛ الِإخْتِزَال فِي الْبُعْدِ الْفَرْدِيّ: رَكَزَتْ الْأَخْلَاق الْحَدِيثَة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْبُعْدِ الْفَرْدِيّ لِلْأَخْلَاق عَلَى حِسَابِ الْبُعْد الْجَمَاعِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ. مِمَّا أَنْتَج أَخْلَاقِيَّات ضَيِّقَةٍ تَفْتَقِر لِلْبُعْد الِإجْتِمَاعِيّ وَالحَضَارِيّ. رَابِعًا؛ التَّنَاقُضَ مَعَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّة: يَنْتَقِدْ النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ كَثِيرًا مِنْ الْقَيِّمِ وَالْمَمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّة الْحَدِيثَة بِإعْتِبَارِهَا مُتَنَاقِضَة مَع الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة الْإِسْلَامِيَّة. كَالْفَرْدِانِيَّة، وَالْإِبَاحِيَّة الْجِنْسِيَّة، وَتَهْميش الأُسْرَةُ، وَالتَّحَلُّلِ مِنْ الْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة. فِي الْمُجْمَلِ، يَرَى النَّقْد الثَّيُولُوجِيّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق أَنْ النَّمُوذَج المَعْرِفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ الْحَدِيثَ قَدْ إنْحَرَفَ عَنْ الْمَرْجِعِيَّة الثَّيُولُوجِيَّة الْإِسْلَامِيَّةِ، مِمَّا أَنْتَج إشْكَالَيْات فِي الْمَجَالِين المَعْرِفِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ. وَيَرَى أَنَّ الْعَوْدَةَ إلَى الْمَنْظُورِ الْإِسْلَامِيّ وَالتَّوَازُن بَيْنَ الْمَعَارِفِ الْمُخْتَلِفَة هُوَ السَّبِيلُ لِإِصْلَاح هَذِه الِإخْتِلَالَات.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
- الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
- نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
- الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي ...
- أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
- حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
- جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
- جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
- السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
- إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
- سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
- مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
- ثَمَنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ فِي مُجْتَمَعَاتٍ النِّفَاق وَالت ...
- جَدَلِيَّة الْفَلْسَفَة و التَّفَلُّسِف


المزيد.....




- تقديم الساعة 60 دقيقة.. بدء تطبيق التوقيت الصيفي في مصر
- ترامب: نقترب من التسوية وموسكو ليست عقبة
- مدمرة هندية تعترض صاروخا بمنظومة متطورة
- منظمة التحرير الفلسطينية توافق على استحداث منصب نائب للرئيس ...
- تواصل المواجهات في الفاشر وسط أزمة إنسانية متفاقمة
- -وول ستريت جورنال- تكشف هوية أقرب مستشار لنائب الرئيس الأمري ...
- في لحظة تاريخية مؤثرة.. عشرات الآلاف يلقون النظرة الأخيرة عل ...
- إيران تبدي استعدادها لمفاوضات نوويّة مع الترويكا الأوروبية.. ...
- لأول مرة في تاريخها - منظمة التحرير الفلسطينية تستحدث منصب ن ...
- نتنياهو: مستعدون لمواجهة إيران لوحدنا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا