أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العلم والجهل والذكاء















المزيد.....


العلم والجهل والذكاء


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 14:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


١ - يمكن تعريف الجهل لغويا على أنه نقيض للعلم، والتجاهل صفة تُطلق على الشخص الذي يُبدي ظاهريا عدم معرفته بالشيء، ولكنه ليس كذلك في الحقيقة، بينما يُعرف الجهل اصطلاحًا على أنه افتقار الإنسان إلى المعلومات والمعرفة المتعلقة بموضوع معين. ويختلف مفهوم الجهل عن الغباء، إذ إن الجهل ينتُج عن عدم تعلّم الفرد لمعلومات ما، والتي قد تكون نتيجة لإهمال مٌتعمّد أو للظروف الإجتماعية أو الإقتصادية المتعلقة بالتاريخ الشخصي للفرد، أو رفض اكتساب معرفة جديدة يجب اكتسابها، بينما يُشير الغباء إلى عدم القدرة على التعلم والإستنتاج وعدم القدرة على إيجاد العلاقات بين الأشياء والمواقف. بينما يعبر الجهل عن عدم الوعي بأهمية معرفة أشياء ضرورية، أو عدم الإدراك لبعض القوانين الإجتماعية.
ولا شك أن نقيض الغباء هو الذكاء، والذكاء هو امتلاك قدرات عقلية تتمثَّل بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحلِّ المشاكل، ووضع الاستنتاجات، وسرعة البديهة في التصرُّف، كما يشمل القدرة على التفكير المجرد، وجمع وتنسيق الأفكار والمعلومات، وتعلم اللغات، وسرعة التعلم، وأضاف بعض العلماء إلى تعريف الذكاء القدرة على الإحساس، وإبداء المشاعر، وفهم مشاعر الآخرين. والذكاء أيضا هو القدرة على تعلُّم مهارات جديدة، واكتساب خبرات مع مرور الوقت وكلُّ ذلك يخدم الإنسان في مواجهة مشاكله، والتعرُّف على حلول مناسبة وسريعة للمشاكل التي تواجهه في الحياة العامة والعملية. ويرى البعض أنَّ الذكاء مجرَّد أداة تمكن الأفراد "والمجموعات" من التأقلم مع الظروف المحيطة من خلال استغلال ما هو موجود، ومتوفر للوصول إلى حل مشكلة معينة. ولذلك نحن نرى أن مفهوم "الذكاء الإصطناعي" هو مفهوم خاطيء لغويا، وكان بالأحرى تسميته بالعلم الإصطناعي أو كما يسميه شومسكي بـ "التعلم الآلي- machine learning".

٢ - تشكل التطورات الثورية المفترضة في مجال الذكاء الاصطناعي سبباً للقلق والتفاؤل في نفس الوقت. التفاؤل لدى المؤسسات الرأسمالية التي تروج لهذه البرامج، لأن "الذكاء" هو الوسيلة التي نحل بها المشاكل التي تواجهنا ولأنها بضاعة جديدة يمكنها أن تستولي على العديد من مجالات الإنتاج. والقلق، لدى المفكرين والأخلاقيين الذي يخشون أن يؤدي هذا النوع الأكثر شعبية وعصرية من الذكاء الاصطناعي ــ التعلم الآلي ــ إلى تدهور العلم وتليف العقل وإضعاف ألأخلاق من خلال دمج مفهوم خاطيء، لغويا ومعرفيا، بشكل أساسي وهو مفهوم "الذكاء" في التكنولوجيا المعاصرة.
لقد تم الترحيب بهذه البرامج باعتبارها أول ومضات في أفق الذكاء الاصطناعي العام - تلك اللحظة التي تنبأ بها العلماء منذ فترة طويلة عندما تتفوق العقول الميكانيكية على الأدمغة البشرية، ليس فقط من حيث سرعة المعالجة وحجم الذاكرة ولكن أيضًا من حيث النوعية، من حيث البصيرة الفكرية والإبداع الفني وكل قدرة بشرية مميزة أخرى.
قد يأتي ذلك اليوم، لكن فجره لم ينبلج بعد، على عكس ما يمكن قراءته في الصحافة الرأسمالية - في العناوين الرئيسية المبالغ فيها والتي تروج لثورة خيالية. إن النبوءة لم ولن تحدث - ونؤكد أنها لا يمكن أن تحدث - إذا استمرت برامج التعلم الآلي مثل ChatGPT في الهيمنة على مجال الذكاء الاصطناعي. ومهما كانت فائدة هذه البرامج في بعض المجالات الضيقة (يمكن أن تكون مفيدة في برمجة الكمبيوتر، على سبيل المثال، أو في اقتراح قوافي للشعر الخفيف أو كتابة سينارهوات هوليوود)، فإننا نعلم من علم اللغويات وفلسفة المعرفة أنها تختلف اختلافًا عميقًا عن كيفية تفكير البشر واستخدامهم للغة. تفرض هذه الاختلافات قيودًا كبيرة على ما يمكن أن تفعله هذه البرامج، مما يرمّزها بعيوب لا يمكن القضاء عليها.
وكما يقول شومسكي "إنه لأمر مضحك ومأساوي في آن واحد، أن يتم تركيز الكثير من المال والاهتمام على هذا الشيء الصغير للغاية ــ شيء تافه للغاية عند مقارنته بالعقل البشري، الذي يستطيع بفضل اللغة، أن "يستخدم وسائل محدودة إلى ما لا نهاية"، فيخلق أفكاراً ونظريات ذات نطاق عالمي". ن العقل البشري ليس، مثل برنامج ChatGPT ومثيلاته، محركاً إحصائياً ضخماً لمطابقة الأنماط، يستهلك مئات الملايين من البيانات ويستنتج الاستجابة الأكثر احتمالاً للمحادثة أو الإجابة الأكثر احتمالاً لسؤال علمي. بل على العكس من ذلك، فإن العقل البشري عبارة عن نظام فعال وأنيق بشكل مدهش يعمل بكميات صغيرة من المعلومات؛ وهو لا يسعى إلى استنتاج الارتباطات الإعتباطية بين نقاط البيانات بل إلى خلق التفسيرات وإيجاد المعاني.

٣ - فالذكاء ليس هو العلم، كما أن الغباء ليس هو الجهل.
"الجهل" و"العلم" مفاهيم نسبية ومجردة ولا تفيدنا كثيرا إذا لم نحدد "موضوع" ما نجهله وما نعلمه. فالفيزيائي الذي يعرف قوانين المادة ويعرف كيف يفجر نواة الذرة والقادر على صناعة القنبلة النووية، بالتأكيد هو "عالم" ويمكن أن يحصل على جائزة نوبل للسلام تقديرا لما قدمه للبشرية، ولكنه ربما يكون جاهلا لبعض القيم الإنسانية وجاهلا لإمكانيات الدمار التي يمكن أن تنتج عن لعبته التي تخيلها في معمله الجامعي. والإنسان الجاهل لقوانين الكون وحركة المجرات والكواكب ولوجود المجموعة الشمسية وقوانين الجاذبية ولا يعرف إن كانت الأرض تدور حول الشمس أو العكس، ويعتقد أن الأرض كرة يحملها ثور بين قرنيه أو أنها مسطحة، في نفس الوقت قد يكون عالما بكيفية حرث الأرض وزراعة القمح ووقت الحصاد وصناعة الخبز له ولأطفاله، وكيفية التعامل بحكمة مع المشاكل اليومية المتكررة. في البلدان المتخلفة، نعرف الإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة بـ"الجاهل"، وهذا المفهوم ليس جديدا ولا غريبا عن تاريخ العالم العربي والإسلامي. فالجيل الأول من المسلمين كانوا ينعتون بالجهل العربي الذي لا يؤمن بإله محمد، وسمى لاحقا العصر الذي سبق الإسلام بأكمله بـ"العصر الجاهلي"، والصقت صفة الجاهلية بالإنتاج الثقافي لهذه الفترة مثل "الشعر الجاهلي" بغض النظر عن التشكيك في صحة هذا الإنتاج. فالجهل إذا هو عدم معرفة الشيء، وهذا الشيء قد يكون الله أو القراءة والكتابة، وقد يكون أي شيء آخر، التصنيف يعتمد على الجهة أو السلطة ـ ثقافية أو إجتماعية أو سياسية - التي تضع معايير القياس وتحدد "الأشياء" التي يجب معرفتها حتى نجتاز عتبة الجهل. فالجاهل في نهاية الأمر هو الإنسان "المختلف" والموجود على هامش ثقافة سائدة ورسمية والتي تمتلك سلطة التعريف التقييمية. فعالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس، يمكن إعتباره جاهلا في مجتمع هنود النامبيكوارا ومجتمعات الهنود على الحدود بين البرازيل وباراغواي، لأنه لم يكن يعرف لغة هذه القبائل ولا عاداتهم وتقاليدهم ولم يكن يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يتواصل مع هذا المجتمع، وبقي لسنوات عديدة يتعلم ويدرس نظام الأسرة وعلاقات القرابة بينهم وكذلك القصص والأساطير والنظام الفكري والرمزي الكامن وراء كل حركة وكل فعل للفرد وللمجموعة الإنسانية المعنية. اليوم في العالم المتخلف ننعت المواطن البسيط الذي لا يعرف القراءة والكتابة بالجهل، لأنه لا يعرف معايير الحياة الحديثة، فهو لا يعرف الأنترنت ولا يعرف الآيباد أو الفيسبوك ولم يركب في حياته الطائرة، ولا يحترم إشارات المرور ويلقي بعلبة سجائرة الفارغة وبزجاجة الكوكا كولا في الشارع بدلا من علبة القمامة، يصرخ بدلا من أن يتكلم وربما يضرب أطفاله وزوجته .. إلخ غير أن هذه المظاهر الخارجية ليست وحدها التي تجعل هذا المواطن يستحق صفة "الجاهل"، هناك معيار آخر أكثر أهمية وأكثر خطورة وأكثر إنتشارا، بحيث يتجاوز المجتمعات المتخلفة ويشمل العالم المتحضر بجملته، وهذا المعيار هو "تفوق الثقافة المكتوبة على الثقافة الشفوية"، وبالتالي إرجاع "الثقافات الشعبية" بكل ما تحمله من ثراء وخيال ورموز وحس عملي وإنساني إلى مجرد ثقافات بائدة ومتخلفة ومصيرها الزوال. وهذا ما يفسر إلى حد ما في البلدان "العربية" التهميش والإحتقار للثقافات واللغات والمجتمعات التي لا تنتمي ثقافيا وتاريخيا للغة القرآن العربية، الأمازيغية كسبيل المثال فيما يخص الشمال الأفريقي بإعتبارها لغة وثقافة شفهية تفتقر إلى الكتب والمخطوطات وإلى لغة مكتوبة ومقننة توحد اللهجات الأمازيغية المتعددة. الإيديولوجيات السائدة اليوم تعتبر أن "الثقافات الشعبية" قد أدت دورها التاريخي وانتهت إلى غير رجعة وأن الثقافة الحقيقية هي "الثقافة المكتوبة" المرتبطة إرتباطا وثيقا بـ"العلم" الذي لا نستطيع أن نصل إليه إلا عن طريق مقاعد الجامعات والأكاديميات والمعاهد العليا ومعامل الكيمياء والفيزياء، الأمر الذي يخلق أوتوماتيكيا نخبة من المتعلمن أصحاب الشهادات "العليا" منفصلة ومتعالية عن أغلبية الشعب "الجاهل". وربما يمكن إرجاع هذا النمط من الفكر السائد إلى هيمنة هذه الطبقة من البشر وإرتباطها العضوي بالنظام الإقتصادي المسيطر على الإنتاج في كل بلدان العالم، والهادف إلى تعميق إستلاب المواطن وفصله وعزله عن أصوله الإنسانية لخلق "إنسان عام" مجرد يسهل التحكم في مصيره وتوجيهه ليتطابق مع النمودج. وعندما نلقي نظرة على هؤلاء المتعلمين وأصحاب الشهادات العليا الذين يحكموننا وعلى الحالة التي وصلت إليها هذه البلدان، إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا، ودرجة التخلف والإنهيار الذي تعاني منه مؤسسات التعليم والصحة والخدمات والثقافة وغيرها، لا يمكننا إلا أن نتسائل بجدية إن لم يكن من الأفضل أن يتولى "الجهلاء" إدارة أمور العالم.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء
- عن الشعر والملل
- إشكالية الإيمان عند كانط
- الشوكولاطة وجنية البحر
- عن الغربة والإستلاب
- عن الثورة والندم
- التضخم في التقنين
- عدمية كانط
- جاكوبي ضد كانط
- الله والطبيعة ووحدة الوجود
- شبح سبينوزا
- صلاح الدين وناثان الحكيم
- الخاتم السحري
- الدين وعصر التنوير
- جاكوبي ومحاولة تحطيم العقل
- صدق المنجمون ولو كذبوا
- ظاهرة الشخص الزائد
- والتر بنيامين والزمن المتراخي
- غرزة بودلير وشلته
- تاريخ المخدرات


المزيد.....




- كيف تعتني ببشرتك في شهر الصيام؟
- الرئاسة السورية تعلن توقيع اتفاق مع الأكراد يقضي باندماج قسد ...
- تحركات متسارعة من الوسطاء للانتقال إلى المرحلة الثانية من ات ...
- قوات كييف تشن هجوما واسع النطاق على مقاطعة زابوروجيه
- بوليانسكي: نعمل مع الأمريكيين بشأن الوضع في غرب سوريا
- غوتيريش يشعر بالقلق إزاء تصاعد العنف في سوريا ويدعو لحماية ا ...
- سوريا.. تداول مقطع فيديو يروج لخطاب طائفي أثناء توزيع وجبات ...
- إعلام سوري: الطيران الإسرائيلي يشن عدة غارات على مواقع عسكري ...
- تونس.. 34 سنة سجنا لصاحب مواقع الكترونية بسبب جرائم إرهابية ...
- موسكو وأنقرة تتفقان على تنسيق الجهود بشأن الوضع في سوريا


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العلم والجهل والذكاء