أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية وصراع السلطة














المزيد.....


الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية وصراع السلطة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 12:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تعود ظاهرة الانقلابات العسكرية في العالم العربي إلى جذور تاريخية معقدة ومتشابكة، تمتد عبر مراحل متعددة من التاريخ الحديث، حيث لعبت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية دورًا حاسمًا في ترسيخ هيمنة المؤسسة العسكرية على المشهد السياسي. إن فهم هذه الظاهرة لا يقتصر على تأريخها الزمني فحسب، بل يتطلب تحليلًا عميقًا لبنيتها الأيديولوجية وسياقاتها المحلية والدولية.

الاستعمار وتشكيل الجيوش الوطنية

مع خضوع معظم الدول العربية للاستعمار الأوروبي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، سعى المستعمر إلى تشكيل جيوش وطنية تحت سيطرته لضمان استقرار سلطته، لكنها كانت في الغالب جيوشًا وظيفية محدودة المهام، تُستخدم في قمع التمردات الداخلية وتأمين المصالح الاستعمارية. ومع ذلك، حملت هذه الجيوش بذور التحول السياسي، حيث أدت التغيرات العالمية – خاصة بعد الحربين العالميتين – إلى بروز قادة عسكريين متأثرين بالنماذج الغربية للحكم، مما جعلهم مستعدين للعب أدوار سياسية بعد الاستقلال.

ما بعد الاستقلال: الجيش كضامن للوحدة الوطنية

بعد استقلال الدول العربية، لم تكن هناك مؤسسات سياسية راسخة قادرة على إدارة الدولة الحديثة، بل كانت الأنظمة الوليدة تعاني من هشاشة هيكلية بسبب الاستعمار الذي لم يترك أنظمة حكم ديمقراطية متماسكة، بل أنظمة إدارية هشة تدور في فلك المصالح الأجنبية. في ظل هذه الظروف، ووسط تنامي الشعور القومي وتصاعد التحديات الاقتصادية، ظهر الجيش باعتباره المؤسسة الأكثر تنظيمًا وتأثيرًا، ما جعله في موقع مناسب للتدخل في السياسة.

الأيديولوجيات القومية وصعود العسكريين إلى السلطة

كان صعود الأفكار القومية في العالم العربي، خاصة بعد نكبة فلسطين عام 1948، دافعًا رئيسيًا لتعاظم الدور السياسي للجيش. اعتبر الكثير من العسكريين أنفسهم حماة للهوية الوطنية، ورأوا في الأنظمة الملكية – التي كانت في كثير من الأحيان متحالفة مع القوى الاستعمارية – عقبة أمام التقدم والتحرر الوطني. لذلك، جاءت العديد من الانقلابات تحت شعارات قومية، مثل الانقلاب الذي قاده "الضباط الأحرار" في مصر عام 1952، الذي أطاح بالملكية وأسّس لحكم عسكري طويل الأمد. سرعان ما تكررت هذه النماذج في سوريا والعراق وليبيا، حيث برزت شخصيات عسكرية اعتبرت نفسها ممثلة لطموحات الجماهير ومحررة من الاستعمار والتبعية.

التداخل بين الحكم العسكري والاقتصاد

لم تكن الانقلابات مجرد تحولات سياسية، بل كانت أيضًا تحولات اقتصادية جذرية، حيث سعى العسكر إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية للدولة باعتبارها أدوات للهيمنة السياسية. اعتمدت العديد من الأنظمة العسكرية على تأميم القطاعات الاقتصادية الكبرى، كما حدث في مصر والعراق وسوريا وليبيا، مما أدى إلى عسكرة الاقتصاد وتحويل الجيش إلى فاعل اقتصادي يسيطر على الثروة الوطنية. هذا التكامل بين السلطة العسكرية والاقتصاد عزّز بقاء هذه الأنظمة ومنحها نفوذًا أكبر، لكنه في المقابل رسّخ أنظمة استبدادية يصعب تغييرها.

التدخلات الخارجية والدور الدولي في ترسيخ حكم العسكر

لا يمكن فهم ظاهرة الانقلابات العسكرية في العالم العربي دون النظر إلى العوامل الخارجية، حيث لعبت القوى الدولية دورًا رئيسيًا في دعم أنظمة عسكرية معينة أو الدفع نحو إسقاط أخرى. خلال الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ينظران إلى الجيوش العربية باعتبارها أدوات لتحقيق توازنات استراتيجية في المنطقة. دعمت واشنطن أنظمة عسكرية حليفة، مثل النظام المصري بعد اتفاقية كامب ديفيد، فيما دعمت موسكو الأنظمة التي تبنت النموذج الاشتراكي. كما شهدت المنطقة انقلابات مدعومة من الخارج، مثل انقلاب حافظ الأسد في سوريا عام 1970، الذي جاء في سياق الصراع بين الأجنحة السياسية داخل حزب البعث، حيث حظي بدعم قوى دولية وإقليمية لضمان استقرار حكمه.

عسكرة السياسة وإغلاق المجال الديمقراطي

مع توالي الانقلابات العسكرية في العالم العربي، أصبحت السياسة أكثر ارتباطًا بالمؤسسة العسكرية، مما أدى إلى تهميش النخب المدنية وإضعاف المؤسسات الديمقراطية الناشئة. اعتبرت الأنظمة العسكرية أن أي انفتاح سياسي يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرارها، فلجأت إلى فرض حالة الطوارئ، وإقصاء الأحزاب المعارضة، واستخدام الأجهزة الأمنية لقمع المعارضين. أدت هذه السياسات إلى غياب التقاليد الديمقراطية، مما جعل انتقال السلطة في كثير من الدول العربية مرهونًا بالانقلابات العسكرية أو التغيرات الفجائية التي لا تستند إلى آليات ديمقراطية واضحة.

التأثيرات الراهنة ومستقبل الحكم العسكري
على الرغم من أن بعض الدول العربية شهدت تحولات سياسية بعد الربيع العربي، إلا أن المؤسسة العسكرية لا تزال تلعب دورًا حاسمًا في توجيه المشهد السياسي، سواء بشكل مباشر من خلال الانقلابات، أو بشكل غير مباشر عبر تحالفات مع النخب الحاكمة. فالجيش، في معظم الدول العربية، لا يزال يُنظر إليه كحامي للنظام العام، مما يجعل أي محاولة لإرساء أنظمة ديمقراطية مدنية تحديًا كبيرًا في ظل وجود إرث طويل من الحكم العسكري.

إن الجذور التاريخية لظاهرة الانقلابات العسكرية في العالم العربي متشابكة ومعقدة، فهي ناتجة عن إرث استعماري، وصراعات داخلية، وتدخلات خارجية، وأزمات اقتصادية، وعوامل أيديولوجية متغيرة. وبينما شهدت بعض الدول محاولات للانتقال إلى أنظمة مدنية ديمقراطية، لا يزال النفوذ العسكري حاضرًا بقوة في المشهد السياسي، مما يجعل التساؤل عن مستقبل العلاقة بين العسكر والسياسة في العالم العربي مفتوحًا على احتمالات متعددة، بين التحول الديمقراطي والتراجع نحو الاستبداد العسكري.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...
- صناعة الحقيقة: كيف يشكل الدين والسياسة والإعلام وعينا بالعال ...
- العلمانية الفلسفية: جدلية العقل والدين في تشكيل المجتمعات ال ...
- التفكير النقدي الإسلامي: بين ثوابت الدين وتحولات العصر
- أفلاطون والمجتمع المثالي: المدينة الفاضلة كمشروع فلسفي للعدا ...
- المجتمع العاقل بين الوهم والحقيقة: إريك فروموتشريح الاغتراب ...
- الحرب الأمريكية الإسبانية: صراع الإمبراطوريات وتحول القوى ال ...
- حرب الرفاق: جذور الصراع السوفيتي-الصيني عام 1969 وتداعياته ع ...
- عادة الساتي في الهند: طقس الموت المقدس ونهايته
- فارس الخوري: رجل الدولة الذي انتصر للعقل والوطن
- اليهود في إيران بعد 1979: بين الهوية الوطنية وشبهة الصهيونية
- مستقبل الأمن الأوربي في ظل التحولات الجيوسياسية العاصفة
- استشراف الأزمات: كيف يفكر جون كاستي في انهيار الحضارات؟
- موت الإله عند نيتشه: فلسفة ما بعد المقدّس وتداعياتها على الف ...
- إشكالية الحرية الدينية بين الإسلام والليبرالية: جدلية الهوية ...


المزيد.....




- وصول الرئيس الأوكراني إلى السعودية.. وروبيو يحدد ما تريده أم ...
- بسبب مقطع رآه على يوتيوب.. شاهد كيف تدخل طفل بعمر 9 سنوات لإ ...
- مجموعة مراقبة تكشف عن حصيلة قتلى الاشتباكات في سوريا
- الشرع وعبدي يوقعان اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن المؤ ...
- الشرطة العسكرية السورية تعتقل شخصين بسبب انتهاكات ضد مدنيين ...
- -كانت الجثث ملقاة في الطريق- - بي بي سي تسجل شهادات ثلاث سور ...
- دمشق تعلن انتهاء العملية العسكرية وبرلين تحث على منع العنف
- إجلاء 32 شخصا بعد حادث اصطدام ناقلة نفط وسفينة شحن قبالة سوا ...
- نيبينزيا: أعضاء مجلس الأمن متحدون في موقفهم بشأن العنف في سو ...
- كييف ترفض وقف إطلاق النار على الأرض وتؤيد هدنة في الجو والبح ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية وصراع السلطة