أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام السياسي














المزيد.....


سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام السياسي


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 02:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، لا يستطيع إدانة أي ضابط أو مجموعة شاركت في المجازر التي ارتُكبت بحق المكون العلوي، لأنه هو المسؤول الأول، وهو من يجب أن يُدان قبل أي شخص آخر. بصفته رئيسًا للهيئة، والقائد الأعلى لجيشها، كان خطابه التحريضي بالأمس المحرك الأساسي لهذه الجرائم، مما يجعل أي محاولة منه للتبرؤ أو تحميل المسؤولية لآخرين مجرد تلاعب رخيص بالحقائق.
وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة المسؤولين عن المجازر لن يكون سوى إعادة إخراج للمسرحية ذاتها التي شهدها العالم حين استخدم بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد الأطفال والنساء، ثم ألقت حكومته باللوم على قوى المعارضة، واليوم، يتكرر السيناريو ذاته، لكن بوجوه مختلفة، ستُبرَّأ قوات هيئة تحرير الشام من المجازر، بينما يُحمَّل ضباط النظام المجرم البائد المسؤولية، رغم أن الجميع يعلم أن هذه اللعبة ليست سوى محاولة لإعادة إنتاج ذات السردية، لكن هذه المرة باسم "الثورة الإسلامية" بدلًا من السلطة البعثية.
لا شك أن اجتثاث رموز النظام البائد مسؤولية لا يمكن التغاضي عنها، لكن ذلك لا يعني السماح بارتكاب المجازر بحق المدنيين الأبرياء، ما حدث، بتلك الطريقة الإجرامية، ليس سوى استمرارٍ لنهج السلطة المركزية الاستبدادية، التي وإن تبدلت الوجوه والأشكال، وتغيرت شعاراتها، بقي جوهرها قائمًا على القمع والإقصاء.
لم تعد سوريا تتجه نحو نهاية الحرب الأهلية، بل نحو ترسيخها كحالة دائمة، حيث تحوّل الصراع من كونه بين "السلطة الانتقالية" و"فلول النظام البائد"، إلى بروز بدايات حرب داخلية بين الفصائل التكفيرية نفسها، بالتوازي مع صراع آخر، أصبح يتوضح، بين المكونات السورية، العلويين، الدروز، الكورد، والجماعات الإرهابية المتطرفة المدعومة من تركيا.
نحن أمام تفتيت مستمر للنسيج السوري، حيث لم يعد هناك مشروع وطني، بل مجرد مشاريع هيمنة تقودها قوى إقليمية، وتديرها أذرع عروبية إسلامية سنية متطرفة، لا تختلف كثيرًا عن حزب البعث والنظام المجرم الذي سبقها.
فالمعادلة لم تتغير؛ القمع واحد، الاستبداد واحد، والضحية دائمًا هي سوريا، التي تتآكل يومًا بعد يوم، بين نار التطرف الديني والتوظيف السياسي الفاسد.
ما يجري اليوم تمهيد واضح لتقسيم سوريا، ينفخ في نارها المنافقون السياسيون والإعلاميون العروبيون بينهم أيتام البعث، الذين يخرجون إلى الساحات، ومن على مواقع التواصل الاجتماعي، بألبسة مختلفة، يرفعون شعارات الثورة نهارًا، بينما يبثّون سموم الطائفية والعنصرية ليلًا، وجلهم شخصيات مريضة نفسيا غارقة في وباء الحقد، أعمتهم كراهيتهم حتى باتوا شركاء في تدمير سوريا أكثر من أي قوة خارجية، فهم لا يرون في الوطن إلا ساحة لتفريغ ما في داخلهم من السموم، ولا في الشعب إلا وقودًا لنزاعاتهم المريضة.
لا حل أمام هذا النظام الإسلامي المتطرف سوى النظام الفيدرالي اللامركزي، والبديل الحقيقي ليس انتقال السلطة من استبداد بعثي إلى استبداد ديني، بل في بناء دولة تعددية تحترم مكوناتها، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال نظام يعيد التوازن إلى سوريا، وينهي هيمنة أي قوة واحدة على مصير البلاد.
لكن ما يجري هو بداية ترسيخ لنظام مركزي إسلامي سياسي متطرف، والنظام السياسي الإسلامي، بل أي نظام ديني على الإطلاق، هو أحد أخطر أشكال الحكم وأكثرها رعبًا، لأنه لا يقوم على عقد اجتماعي قابل للنقاش، بل على سلطة مطلقة تُقدَّس باسم الإله، وتُستخدم لإلغاء أي صوت معارض، وإبادة أي اختلاف فكري أو ديني أو عرقي.
ما يتم إقامته في سوريا اليوم ليس مجرد نظام حكم جديد، بل هو تأسيس لكارثة قادمة، وما جرى في حي جرمانا والساحل السوري بحق المدنيين ليس إلا البداية. دستور يُكتب على أسس دينية متطرفة، وقوانين تُفرض باسم الشريعة لا باسم العدالة، تكفر كل من يعارضها، وتخون كل من لا يرضخ لإملاءاتها، وإذا استمر هذا النهج، فإن سوريا ستنزلق نحو مستقبل أسوأ من ماضيها، حيث قد يصبح القمع البعثي مجرد ذكرى مقارنة بالاستبداد الديني القادم.
والنتيجة؟ تقسيم سوريا إلى أربع أو خمس مناطق، كل منها تحكمها قوة مختلفة، وكل منها تدور في فلك قوة إقليمية أو دولية، ولن يكون أمام السوريين سوى الاختيار بين أنظمة طائفية متناحرة أو سلطات عسكرية دينية تحكم بالنار والحديد.
الحقيقة التي لا تريد القوة الحاكمة الاعتراف بها هي أن النظام المركزي قد انتهى إلى الأبد، وما صرح به أحمد الشرع البارحة، ويحدث الآن ليس سوى محاولة يائسة لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، في وقتٍ لم يعد الماضي خيارًا متاحًا، ولم يعد المستقبل يحتمل مزيدًا من الأنظمة الفاشلة، سواء كانت بلباسٍ قومي، أو ديني، أو عسكري.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
9/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين المركزية القاتلة والفيدرالية المنقذة
- بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...
- كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
- ميلاد كوردستان بداية الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...


المزيد.....




- بعد تخطيه الحد الأقصى القانوني للحبس الاحتياطي.. أمن الدولة ...
- جباليا بين الدمار والحصار.. وغروب الشمس يرسم ملامح المعاناة ...
- السعودية تحتضن محادثات مفصلية قد تكون حاسمة بشأن أوكرانيا
- جولة ميدانية لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي في عمق الأراضي الس ...
- المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يحذر من تدهور الواقع الإنساني ...
- ضبط مئات من جراد البحر الحي في مطار سانت بطرسبرغ قادمة من ال ...
- لقطات لعملية تحرير كونستانتينوبول في جمهورية دونيتسك الشعبية ...
- انتشار أمني مكثف في مدن الساحل السوري
- الكشف عن حقيقة فيديو -اضرب يا سيسي!- في تل أبيب
- -حماس-: نتنياهو يعرقل تنفيذ الاتفاق لأسباب شخصية وحزبية


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سوريا على طريق التقسيم بين إرهاب الدولة واستبداد الإسلام السياسي