أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - ذكريات عن قادة الحزب الخالدين















المزيد.....


ذكريات عن قادة الحزب الخالدين


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8276 - 2025 / 3 / 9 - 00:32
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


عند مطالعتي لكتاب ذكريات التنوير والمكابدة للراحل علي الشبيبي وجدت فيها الكثير مما يتعلق بحياة وصفات وممارسات وأفعال قادة الحزب فهد وحازم وصارم، وما كتبه الراحل في مذكراته لم يذكره أحد ممن كتب عن سيرة الشهداء الخالدين، وبحكم ارتباطه التنظيمي بقادة الحزب فقد كون عنهم صورة كاملة توضح العقلية المبدعة التي كانوا عليهم وقدراتهم الثقافية وإمكانياتهم التنظيمية وتفهمهم للتراث العربي الإسلامي وعادات الشعوب واحترامهم الصادق للأديان والمعتقدات التي يؤمن بها الناس، وتوجيهاتهم التنظيمية التي يمكن أن تكون برنامج عمل للأجيال اللاحقة وتصلح لكل زمان ومكان.
يقول "سمعت من فهد الكثير الكثير وراقبت سلوكه بدقة، إذ طالما أقمت معه، بل
سهرت معه الليل كله، أثناء طباعة الجريدة الأرمينية"هيك"سهراً يصاحبه الحديث بشتى الأمور، وكنت صريحا في توجيه الأسئلة، سواء عن حياته، أو عما يصعب علي تفهمه، أو ما قيل عن الفكرة أصلا، على ألسن أعدائها فكان يجيبني متبسطاً لهجته، ورنة صوته، فيدهشني بتسلسل كلامه، وكأنه يقرأ علي شيئا من صحيفة بيده يدلي بالمقدمة، ببنيتيها والموضوع والمحمول، وينتزع النتيجة المنطقية معقولة مقبولة لا لبس فيها ولا غبار.
النيل من المقدسات
يقول "حدثته يوماً عن عدد من الشباب هم ثلة لا يفترق بعضهم عن بعض بين معلم، وطالب كلية الحقوق، لي بهم سابق معرفة، ولكني لا أنسجم معهم. فأنا أمج بعض الأحاديث التي تتعلق بالجنس وتجر إلى استعمال كلمات تليق بذوي المستوى العادي.
قلت، أثارني من هؤلاء أنهم في سياق حديثهم المعتاد، وهم في مقهى مكتظ بمختلف روادها، لم يتحرجوا أن يتعرضوا لشخصية تاريخية مقدسة عند الناس أجمع -مدعيا إًن أحد الأئمة كان شديد الشبق بحيث يسيل لعابه لمجرد رؤية امرأة-، بلهجة الإنسان العادي بفشار يندى له جبين أقل مدعي بالثقافة!
ودهشت حين لاحظت الانفعال في قسمات وجهه وكأنه أحد جلاس تلك المقهى، وكأنه رأى أولئك المتحدثين وسمع حديثهم.
أحدهم يقيم معنا في البيت، لكنه لا يعرفه، سأل عنه مرات كثيرة يقول إن هذا الرجل يدهشني برنة صوته، وحضور ذهنه، وسعة ثقافته فأجبته إنا مثلك، أليس من الواجب أن نتجنب معرفة أسم من لا يربطنا به تنظيم. كل ما نعرفه عنه، انه من أهالي البصرة، ويكنى ب"أبو شكر" (وهو لقب لفهد في حينه).
درس في الاقتصاد الموجه:
ويقول الشبيبي في محل آخر من مذكراته واصفا ما عليه القائد الشيوعي فهد من إحاطة تامة بمختلف الجوانب الحياتية ، وانتباهه لأبسط المسائل( حين تجمعنا ليلا، أنا وأبو شكر، وأحد أفراد تلك الثلة، وكان خريج ثانوية مسائية ودخل كلية الحقوق بمساعدة الحزب، ورفيق مشارك في هذا المسكن والإيجار باسمه، سأل أبو شكر: هل لديكم استعداد أن تعتبروني الليلة ضيفا فًتعشوني؟
قال الاثنان معا: سيكون ما تحب.
وعقب محمد علي الزرقه(وهو شيوعي سوري عمل في صفوف الحزب الشيوعي العراقي) أنا لي شاغل هام لا يمكن تركه، وصاحبي لا يحسن طبخ الرز، فمن يقوم بهذا؟
كنت أنا، حين آتي لأمر حزبي أقيم معهما، فقلت أنا أجيد طبخ الرز، إلا أني أعتدت على استعمال المصفاة. أبو شكر "فهد" أبتسم، وقال يجب أن تتعلم الاقتصاد الموجه، فأسلوبك هذا في الطبخ أسلوب غير موجه. انه ينتمي إلى العقلية الإقطاعية. إن الماء الذي تتخلص منه بالمصفاة أخذ أهم ما في الرز من فائدة غذائية! وراح يشرح لي كيف أضع كمية من الماء بتقدير يناسب كمية الرز. ويبقى عليك أن تكمل العملية حين لا يبقى من الماء شيء. كما لو كنت استعملت المصفاة تماما. وفعلا أنجزت الطبخ كما أشار فنجحت خير نجاح، وتولى أحد الرفيقين عمل الأدام.
العلاقة مع المجتمع والدين: وشخص الخالد فهد بشكل صائب العلاقة بين الشيوعي وعائلته ومجتمعه، وضرورة أن يكون الأسوة الحسنة لهم في حسن التصرف وان يبادلهم الاحترام، وان لا يحاول النيل من المعتقدات والمقدسات التي يؤمنون بها، يقول(بعد العشاء وخلال شرب الشاي، أخذ أبو شكر بالحديث. بدأه مستشهدا –طبعاً على أثر مناسبة- بحكاية النبي محمد حين نزلت عليه الآية الكريمة) وأنذر عشيرتك الأقربين).
قال: إن هذه الآية تشير إلى أمر هام في أسس التنظيم لأية دعوة. فقبل إعلان النبي محمد الدعوة، دعا الأقربين من عشيرته، أعمامه وأبناء عمه، إلى وليمة أعدها، ثم دعاهم إلى كلمة التوحيد (قولوا لا أله إلا الله تفلحوا) ليضمن له من يسانده حين يعلن دعوته إلى كل قريش.
ومضى يتحدث: يجب على كل رفيق أن يبدأ بأهل بيته، والديه، أخوته، ليكونوا سندا نضاله. ولكن كيف؟ أن يكون أكثر حشمة، وأكثر اهتماما بكل واحد منهم، يحترم كبارهم، ويحنو على صغارهم وضعفائهم، يحترم عقائدهم، ويتبنى حل مشاكلهم، ولا يهمز معتقداتهم بنقد، أو سخرية. إنهم شبوا عليها. ثم إن علينا أن نحيط بتأريخنا. ونتفهم أسسه لنتمكن من خوض موضوع حساس عند الضرورة، وبشكل بعيد عن الإثارة. أما إن بعض رفاقنا يجد لذة في أن يسخر من صلاة جدته وأمه، وتعبد والده، ومن الشخصيات المقدسة لديهم، إن مثل هؤلاء الرفاق إن فعلوا هذا هم واحد من أثنين، جاهل مغرور، أو عدو مندس يقصد تشويه سمعتنا.
وبصراحة إنه بهذا يريد أن يقول للناس -وفي مقدمتهم أهل بيته- إنا جئنا لهدم معتقداتهم، ومحاربة مقدساتهم. فهو إذن محرض ضدنا، لا أبداً، لسنا من هذا أبدا. إنا دعاة تكتل ضد الاستعمار، وضد الجهل والفقر. والأديان السماوية فيها ما يزال سندا يًمكننا أن نذكر به الناس جميعا لًيكونوا صوتا وًاحدا ضًد هذا الثلاثي المخيف.
أقرئوا القرآن ووقوف الأنبياء أمام فراعنة زمانهم، تجدوا أنفسكم كأنكم تشاهدون جماهير تلك القرون كأن أصواتها تهز قصور الفراعنة وتنذرها بالموت المحتم.كان يستشهد بآيات من القرآن الكريم.
صاحبي الذي كان لا يجيد طبخ الرز، أخذ ينظر إلي شزرا. حين انتهى الحديث وتحولنا إلى الأحاديث الاعتيادية، أقتنص كلمة عابرة ليشير إلى أني أنا سبب ما تطرق إليه أبو شكر، وبلهجة وكأنها بريئة، قال: أبو حسين أصبح بإمكانه أن يتعلم أشياء كثيرة فقد تخلص من مفاهيمه السابقة.
قلت: ما هي مفاهيمي التي تشير إليها؟
أجاب: مثلا، بناء على إنك لا تحسن الطبخ إلا بمصفاة، معنى هذا انك تبقى بحاجة إلى أن تكلف أحد وربما لا يتاح لك هذا، ومثل هذا يصادفك في النضال أيضا فمثلا، إذا كنت مسؤولا لتنظيم ريفي -أي بين الفلاحين- تمتنع إذن أن تنتقل إلى بغداد لتنظيم العمال! أليس كذلك؟
قلت: هذا يجيبك عنه أبو شكر وأؤكد لك سلفا أًنه نعم كما تقول وأنت مخطئ إن اعتقدت أن الأمر سهل إن علي أن أكون عارفاً بمحيط بغداد، ومن جميع ما يهم عن ناسها وتقاليدهم، وعمالها ونوعياتهم، بل حتى درجة التزاماتهم للقيم والتقاليد، أليس الكثير منهم منحدرين من طبقة الفلاحين؟
الفطنة والنباهة:
ويشير الراحل علي الشبيبي إلى الفطنة والنباهة التي كان عليها الخالد فهد، وفهمه لطبيعة الصراع والسبل التي يجب اختيارها بما ينسجم وطبيعة المجتمعات التي نعيش فيها، وما يمتلك من حس في دراسة النفس الإنسانية ومعرفة طريقة تفكير الآخر، وحرصه على الأخلاق وما يجب أن يكون عليه الشيوعي في تعامله مع المجتمع، يقول( مرة دعيت إلى بغداد على عجل فخرج معي عضو من المحلية وقبل أن أركب السيارة قال:إن صديقا عًرض علي مشكلة صادفته -وقصها علي وقال، أعرضها على الرفيق "فهد" لنر الموقف الصحيح لمثلها أجبت صاحبي، أحذر مثل هذا الصديق، انه خطر ولن أعرض ولن أتفوه عن هذا أبدا! كانت استشارته عن هذا بصريح القول، إن أحد رفاقه (وقد اكتشفت أخيراً انه هو نفسه كما أعتقد فهد ذلك) جاء إلى دار رفيق له، سأل زوجته عنه. فأجابته تفضل انه موجود. وحين أستقر، جاءت إليه وراودته عن نفسه، وانه أخذ يقنعها بخطورة المحاولة وقبحها،ولكنها هددته إن لم يفعل فستتهمه عند زوجها إن هو أصر على امتناعه، وراحت تذكر له مبررات خيانتها له، فوعدها أنه سيستجيب مدعيا اًنه يراوغها بهذا وفي هذه الأثناء طرقت الباب وكان مجيء الزوج هو المخُلصّ! وعقب إني أسأل، ما العمل؟ إن لم أعد، ستنفذ ما قررت من تهمة ضدي!
ولست أدري، كيف تعرضت ونقلت حديثه، وإذا بالرفيق "فهد" ينتفض، وبشيء من الحدة، قال "فلان" هو طلب منك هذا؟ قلت نعم أجاب هذا هو بالذات هذا يستحق الأبعاد، إنه خطر، لا يصح أن يسمح له بالاتصال مع أية عائلة! وقال: لدى الإنسان عقل واهتمام بالقيم والعرض، والشهوة، في أيهما يكون ضعيفا يًتغلب الآخر فبطبيعة الحال إذا كان لا يقوى على كبح جماح شهوته ورغبته الجنسية، فإنه إنسان أقل ما يكون صالحا لًتحمل رسالة مقدسة، أي فرق أيها الرفيق، بين سارقي أقوات الشعوب وبين الذين يعتدون على أعراضهم.
لكن حادثا آًخر أيد وثبت إنها محاولة من قبله، وإن لم أعرف من ذلك الرفيق الحادث أن فتاة استأجرت غرفة من بيته كانت أرملة فقدت زوجها منذ عام وأغتنم هذا "الشريف" أن جاء البيت حين كانت زوجته غائبة عن البيت فحاول الأرملة فكادت محاولته أن تجن الفتاة، وهددته بالصياح، وانتقلت بنفس اليوم من أجل عرضها لقد قصت الفتاة حكايتها على زوجتي!
كيفية التعامل مع الأحداث:
وللخالد فهد رؤيته في ما يحدث من أمور، فهو يدرسها من جوانبها المختلفة ليخرج برؤية سليمة لا تسيء إلى جهة، ولا تثير الآخر ضد الحركة، لذلك يجب التعامل مع الأمور بحكمة وبعيد عن الانفعال والمواقف التي قد تكون أضرارها كارثية، يقول الشبيبي: وان أنس لا أنس يوم جئته –فهد- أحمل رسالة لنشرها في جريدة "القاعدة". كنت أفكر إني جئت بأمر ذي أهمية كبرى، إذ كانت حول "جمعية دينية" احتلت مركزا هًاما، ولكن رجالها اهتموا كثيرا بًالتشنيع على الحركة التحررية بمجموعها، إنما حصة الحزب الشيوعي تفوق كل حصة، والأنكى من ذلك إنهم اعتبروا أبانا الشيخ محمد الشبيبي أحد أهدافهم لأنه أبو "علي" وأبو "حسين".
فكروا ذات مرة أمر غاية الغرابة، فكروا إيجاد مدرسة على غرار كلية الشريعة، فحرضوا جندهم أن يجمعوا تواقيع لطلب تأسيس تلك الكلية ثم أرسلوا أحد شياطينهم إلى والدنا، يطلب منه، أن يعلن أمر هذا الطلب، ويطالب الناس بضم أصواتهم لتأييد الطلب.
كانت صيغة الحديث بشكل طائفي صريح، وقذر. فما كان منه "والدنا" إلا أن تطرق إلى الموضوع، لكن بشكل آخر.
أعلن "والدنا" من على منبره، أن هذا الطلب مشروع، وممكن، ولكن لا على أن يكون أساسه شيعة وسنة، سنة يملكون كلية أسمها "كلية الشريعة" وشيعة لا يملكون مثلها. فقد ذهب عهد النعرة الطائفية، وإن لم يقبر تماما. الواجب يقضي أن يقضى عليه تماما، كلية الشريعة موجودة منذ أمد، وقد تخرج منها عدد من شباب الشيعة، والمعروف إنها ليست حكرا لًطائفة دون أخرى، وعلى الذين يريدون أن يعيدوا الطائفية ويبعثوها أن يدركوا أن بعثها لا ينفع غير الاستعمار. وأشار إلى أن بعض الذين يدعون ويطالبون لهم وجهان. وجه يلتقون به مع القائممقام ومدير شركة الترامواي، وآخر يحرضون به العوام على مثل هذا الطلب، لا باعتباره أداة خدمة وطنية وإسلامية، بل بدافع منافسة طائفية، لأنها مجال ظهور زعامة.
لقد هاجمت هذه الجمعية بعنف، وإن مساعيها لصالح الاستعمار، ومصلحة جيوبهم. وإنها مثار فتن عواقبها وخيمة ضد العراقيين وخاصة الشيعة. قدمتها له وراح ينظر فيها، وأنا أتابع نظراته، وملامح وجهه. كانت أمارات استغرابه ترتسم تحت عينيه، تعبر عن استغرابه حركة حاجبيه، وتقلص تجاعيد وجهه. وبعد الانتهاء التفت إلي، وقال:
ما كنت أتصور أنك ساذج إلى هذا الحد. أسمع قادة هذه الجمعية ومؤسسوها من رجال دين، وهم -على أية حال- محترمون في الوسط النجفي عامة، ويستطيعون بكل إمكانية أن يستعينوا برجال الحكم على إنزال أية ضربة بكم، بينما الآن لم يفعلوا غير وشوشة مخنثة ودعاية، فلماذا تريد إثارتها، الكي تعلن ذلك؟ إن كنت حكيما فًأدعهم -باعتبارهم رجال دين- أن يقوموا بواجبهم ويهبوا للمطالبة بتوفير ما يجب للنجف من توفير الغذاء والكساء، والإصلاحات، وشجب وجود الجيوش البريطانية في بلادنا، إلى أمثال هذا، وذكرهم إنهم بما لهم من وعي ديني وغيرة موروثة من قادة الإسلام، وقفتهم وجهادهم في ثورة العشرين. فان استجابوا نكن قد اكتسبنا صوتا جًديدا لًه أهميته إلى جانبنا. وان رفضوا وعارضوا، استطعنا عند ذلك أن نفند اعتذاراتهم، ونكشف حقائقهم، وبنفس الهدوء. قم الآن، وأكتب هذا. وفعلا أبدلت كلمتي حسب إرشاده. إنها نظرة حكيم، وتوجيه مرشد.
موقف الشهيد زكي بسيم أثناء التعذيب:
وللشهيد "زكي بسيم" موقف من معذبيه وجلاديه. يدل على مدى صبره وشجاعته، واندماجه قضية حزبه،جرحوا أخمص قدميه بالمشرط، وكبسوا الجراح بمسحوق، بهدف تعقيم الجراح، وزيادة الألم فهي تسبب حرقة شديدة وان كانت مؤقتة ورغم هذا كان قويا ومتماسكا، وصاح بوجوه جلاديه أجلسوا لأقص عليكم حكاية. تعجب الجلادون من هذا الصلب العنيد، وكانوا قد فعلوا هذا به بعد أن ضربوه أكثر من أربعمائة عصا على أخمص قدميه!
وقص عليهم حكاية حاكم مستبد. أمر رئيس شرطته، أن يجمعوا المصاحف من الجوامع والبيوت والمكتبات ليتخلص من الإسلام! وبعد أن أتم رئيس شرطته الأمر كما أراد. خرج مع رجاله يتجول في البلد، وجد مستجديا أًعمى قد جلس على دكة جامع يقرأ القرآن! فثار الحاكم غضبا وقال لرئيس شرطته ألم أقل لك، أتلف جميع المصاحف حتى لا يبقى إسلام! فما هذا؟
قال رئيس شرطته يا سيدي، أنا أتلفت المصاحف المخطوطة، ولكن ما فيها والشريعة الإسلامية قد أستوعبها المسلمون صدورهم، وحفظوا القرآن عن ظهر غيب.
قال الشهيد زكي هذا ثم ألتفت إلى( نايل عيسى) وجلاوزته قائلا: ليست الشيوعية قدمي، لقد انتشرت بين كل العراقيين، من يحبها ومن يبغضها. لقد دخلت أدمغتهم. فما تنفعكم أن تدموا أقدامي، وظهري. هيهات أن تحولوا دون انتشارها فافعلوا ما تريدون!
قص علي حكاية موقف الشهيد هذا ضابط من التحقيقات الجنائية. قال: لقد أدهش –نايل عيسى- الذي كان يشرف على تعذيبه بنفسه، ويشارك التعذيب أيضا. وراح الجميع ينظرون ويستمعون له وهو يقص عليهم الحكاية كأن لم يكن قد لقي تعذيبا.
موقف الشهيد حسين محمد الشبيبي:
وفي أكثر من موضع تحدث عن الشهيد صارم ومواقفه التي عاشها، وهي أكثر من أن تحصى إلا أني أثرت أن أنقل شيئا منها خوف الإطالة محيلا من يرغب للاستزادة مراجعة كتابه آنف الذكر يقول: ولئن وقف فهد وحازم وقفاتهم من خلال تنظيمهم -السري- ونشراتهم السرية التي توزع على المنتمين والمؤيدين. فأن شقيقي حسين "صارم" قد حدد موقفه ورأيه النشرات التي أصدرها باسم "حزب التحرر الوطني" و الخطب التي ألقاها شتى المناسبات الوطنية التي قام بها حزبه، و كتبه المتعددة، خصوصا خًطابه الذي كان يزمع إلقاءه في مكان أعد له فمنعته الشرطة وكان ذلك في 10-2-1946 فليس إذن لدي ما هو أعمق مما أعلن هو. وقد أعلن ذلك بجرأة وشجاعة فائقة تحدت كل قوانين نوري السعيد التي رسمها له الاستعمار.
ولقد شهدت موقفا لًا أكتم القارئ، إن الخوف تملكني منه، ولم أجرؤ على أن أعلن هذا الخوف إذ أن الظروف كانت حرجة للغاية. ففي أعقاب حكومة رشيد عالي، وعودة عبد الإله ونوري إلى العراق ثانية مع هزيمة رشيد وفرار قادة الثورة ضدهم وضد الإنكليز. قرر نوري ورهطه، إن على جميع المواطنين حين يسمعون السلام الملكي، عقوبات صارمة على من يخالف ما يلي: الماشي يقف مسبلا يديه، والواقف لا يتحرك، والجالس يقف! دخلت أنا وأخي الشهيد وصديق مقهى البلدية، القريب من مقهى الزهاوي، وما أن جلسنا حتى عزف السلام الملكي، وقف الجميع، وتهيأت والصديق، ولكن حسين أمسك بأيدينا، توسلنا إليه همسا أًن لا يوقعنا بورطة. لكنه أصر. انتهى السلام، عاد الناس إلى أحاديثهم. لكن جنديا مًن فلاحي العمارة أخذ ينظر إلينا بعينين تهددان بانفجار بركان غضبه. همست بأذنه أترى؟. أجاب لا عليك، أنا المسؤول، وألزم الصمت. زميل الجندي أخذ يهدئه، ويطلب أن يدع هذا لغيره: لا تكن أخي سبباً في أذى الناس، ولكن صاحبه أصر على موقفه، وقام له الشهيد وتحدث معه وأفهمه واقعه ومدى الظلم الذي يعاني منه مجتمعه الريفي ومزج ذلك بحكايات من الواقع الريفي، بعد ذلك قام الجندي مصافحا ومعتذرا منه، وأن يعتبره صديقه منذ اليوم.
هذا غيض من فيض من مواقف الخالدين، وربما لنا عودة في استذكار مواقف أخرى.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناهض الخياط تجربة شعرية متألقة
- زهير ناهي رحلة طويلة في طريق النضال
- فلاح الرهيمي مناضل من طراز خاص
- كفاح الظاهر
- عبد الرزاق كميل شاعــــرا ومنـــاضـــــلا
- وقفية مملكة أودة
- مطالعة لمرويات ذياب آل غلام
- نظرات في مذكرات الدكتور مكرم الطالباني الحياة لا تجري دوماً ...
- الاسكندر المقدوني في بابل عرض وتحليل
- قراءة في رواية (لقد قصدها يوما)
- قراءة في كتاب المعلم حازم سليمان الحلي
- عدنان الجزائري الواله الغارق بالحنين
- مشاهدات للدكتور عبد الرضا عوض
- نقد الفكر والممارسة الدينية لدى المسلمين
- باسم عبد الحميد حمودي وأثره في تدوين الموروث الشعبي العراقي
- الشيخ البهائي وكتابه الكشكول: بين الزهد والتناقضات الأدبية
- الشاعر عبد الحسين الحيدري ونزعته في التمرد والانطلاق
- الدكتور عبد العظيم السلطاني وآراؤه النقديةم
- كناية الديالكتيك نزهة ثانية في المعرفة
- لقد قصدها يوما


المزيد.....




- مدينة القرداحة حيث سكن الفقراء على أعتاب قصور آل الأسد
- صحيفة تركية تكشف مكان اجتماع -حزب العمال الكردستاني- لإقرار ...
- الليبراليون ينتخبون خليفة ترودو.. هل يفوز كارني برئاسة الحزب ...
- اتفاق مبدئي بين المحافظين والاشتراكيين على تشكيل حكومة في أل ...
- متطرفون يساريون يشعلون النار في سبع مركبات تابعة للجيش الألم ...
- قناديل: اليسار الجديد: أصولية عابثة وعُصابٌ جمعي
- الاحتلال يتمدد والعرب يعولون على ترامب
- قانون عمل “الحيتان” في البرلمان
- الحرية لعلاء عبد الفتاح
- المحافظون الألمان يتوصلون لاتفاق مبدئي لتشكيل حكومة ائتلافية ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - محمد علي محيي الدين - ذكريات عن قادة الحزب الخالدين