أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد زكرد - اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة والحرية














المزيد.....


اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة والحرية


أحمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 8276 - 2025 / 3 / 9 - 00:32
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


عبر التاريخ، ظلت المرأة محورًا للصراعات الفكرية والاجتماعية، إذ تأرجحت مكانتها بين التقديس والتهميش، بين الاعتراف بدورها وإنكار ذاتها المستقلة. منذ العصور القديمة، خضعت المرأة لأنظمة اجتماعية وفكرية صاغها الرجال، حيث كانت تُعرَّف غالبًا من خلال علاقتها بالرجل: ابنةً، زوجةً، وأمًّا. ومع ذلك، لم يكن هذا التحديد ثابتًا عبر الزمن، بل شهد تحولات كبرى فرضتها التطورات الثقافية والسياسية والاقتصادية، وكان الفكر الفلسفي جزءًا أساسيًا من هذا المخاض العسير.
يعود الجذر الأولي لمسألة المرأة إلى الفلسفات القديمة، حيث طُرحت إشكالية دورها وطبيعتها في النصوص المؤسسة للفكر الإنساني. في الفلسفة اليونانية، مثّل أفلاطون استثناءً حين تخيل جمهوريته المثالية التي تُمنح فيها المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل في التربية والسياسة، لكن تلميذه أرسطو كان أقل انفتاحًا، إذ رأى أن المرأة كائن ناقص بطبيعته، تنتمي إلى مجال العاطفة والانفعال، بينما ينتمي الرجل إلى مجال العقل والحكمة. هذه الثنائية ستظل عالقة في الفكر الغربي لقرون طويلة، مما كرّس دونية المرأة في الثقافة الأوروبية وأسس لعلاقات غير متكافئة بين الجنسين.
مع العصور الوسطى، هيمنت التأويلات الدينية التي عززت هذه النظرة التراتبية، حيث أُعيدت صياغة الأدوار الجندرية وفق مقاييس لاهوتية صارمة، جعلت المرأة كائنًا يُنظر إليه من زاوية الأخلاق والطاعة، أكثر مما يُنظر إليه بوصفه فاعلًا مستقلًا في التاريخ. لكن مع ظهور عصر النهضة، بدأ التفكير في موقع المرأة يتغير تدريجيًا، فقد لعبت بعض النساء، مثل كريستين دي بيزان، دورًا بارزًا في تحدي السائد، حيث دافعت في كتابها مدينة النساء عن قدرات المرأة العقلية والأخلاقية، منتقدةً التصورات الذكورية الموروثة.
ومع حلول العصر الحديث، دخل الفكر الأوروبي مرحلة جديدة من المراجعة النقدية للأنظمة الاجتماعية والسياسية، حيث ساهمت فلسفات التنوير في زعزعة كثير من المسلمات، ومنها مسألة حقوق المرأة. دعا فلاسفة مثل جون لوك وجان جاك روسو إلى إعادة النظر في مفهوم المواطنة والحرية، لكنهم غالبًا ما ظلوا مقتصرين على الرجل. في المقابل، جاءت أصوات نسوية، مثل ماري وولستونكرافت، لتطالب بإدماج النساء في هذا الخطاب التحرري، مؤكدةً أن حرمان المرأة من التعليم والحقوق السياسية ليس سوى شكل آخر من الاستبداد.
لكن التحول الأكبر جاء مع القرن التاسع عشر، حيث أفرزت التحولات الصناعية أنماطًا جديدة من العمل والإنتاج، ووجدت النساء أنفسهن في قلب التغيرات الاجتماعية الكبرى. في هذا السياق، بدأ الفكر الاشتراكي والماركسي في طرح قضية المرأة من زاوية جديدة، حيث رأى فريدريك إنجلز أن قمع النساء مرتبط بظهور الملكية الخاصة والاقتصاد الطبقي، مما يعني أن تحريرهن لا يمكن أن يتم بمعزل عن تغيير البنية الاقتصادية. ومن هنا، بدأ الربط بين النضال النسوي والنضال الاجتماعي، مما مهّد لظهور الحركات النسوية المنظمة التي ستطالب ليس فقط بالمساواة القانونية، بل أيضًا بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية.
ومع مطلع القرن العشرين، دخلت المرأة مرحلة جديدة من النضال، حيث أصبح من الصعب تجاهل مطالبها. شهدت هذه الفترة موجة واسعة من الحركات النسوية التي طالبت بالحقوق السياسية، خصوصًا حق التصويت، الذي تحقق في عدة دول تباعًا بعد نضالات طويلة. ومع ذلك، لم يكن الأمر يتعلق فقط بالتمثيل السياسي، بل كان هناك وعي متزايد بأن المشكلة أعمق من مجرد إصلاحات قانونية، إذ إن الثقافة ذاتها مشبعة ببُنى ذكورية تعيد إنتاج التمييز بطرق أكثر subtilité.
مع منتصف القرن العشرين، جاء الفكر الوجودي ليطرح رؤية جديدة لمسألة المرأة، حيث قدمت سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس الآخر قراءة فلسفية جذرية للنظام البطريركي، موضحةً كيف أن المرأة لم تولد أنثى بالمعنى الثقافي، بل أصبحت كذلك عبر عمليات تربوية واجتماعية معقدة. طرحت بوفوار سؤالًا جوهريًا: لماذا لا تُعرَّف المرأة في ذاتها، بل دائمًا في علاقتها بالرجل؟ هذه الرؤية ستفتح الباب أمام تحولات كبرى في الخطاب النسوي، حيث ستتوسع النقاشات لتشمل ليس فقط الحقوق، بل أيضًا الهوية، والجسد، واللغة، والتمثيل الثقافي.
وفي العقود الأخيرة، تطورت الحركات النسوية بشكل متسارع، وتعددت مقارباتها، حيث لم تعد تقتصر على المطالبة بالمساواة، بل أصبحت تُطرح تساؤلات أعمق حول طبيعة السلطة والمعرفة والتمثلات الثقافية. في هذا السياق، جاءت مقاربات مثل تلك التي قدمتها جوديث بتلر، التي رأت أن الجندر ليس مجرد صفة ثابتة، بل هو "أداء" اجتماعي تُعاد صياغته باستمرار. هذا التحليل فتح آفاقًا جديدة للنقاش، خصوصًا في ما يتعلق بعلاقة الجندر بالسلطة والخطاب والهوية.
ومن هنا، يكتسب اليوم العالمي للمرأة بعدًا فلسفيًا عميقًا، فهو ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو لحظة للتأمل في مسار طويل من الصراع بين البنى التقليدية وقوى التغيير، بين الخطاب المهيمن والرؤى النقدية، بين الواقع القائم والإمكانات التي لم تتحقق بعد. إنه مناسبة لطرح الأسئلة الصعبة: هل تحقق التحرر الفعلي أم أن النضال لا يزال مستمرًا بأشكال أخرى؟ هل يكفي الإصلاح القانوني أم أن المشكلة تكمن في بنى ثقافية أكثر عمقًا؟
إن التفكير الفلسفي في هذا اليوم لا يعني فقط استعادة التاريخ، بل أيضًا مساءلة المستقبل. فبينما يحقق العالم تقدمًا في بعض الجوانب، تستمر التحديات بشكل متجدد، حيث تأخذ أشكالًا مختلفة حسب السياقات الثقافية والاقتصادية والسياسية. لذا، فإن اليوم العالمي للمرأة يجب أن يكون مناسبة ليس فقط للتذكير بما تحقق، بل أيضًا لاستشراف ما ينبغي تحقيقه، بروح نقدية ترفض الجمود وتبحث دائمًا عن آفاق أرحب للعدالة والحرية.



#أحمد_زكرد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيعة والثقافة في ضوء فيلم LEnfant Sauvage: رحلة الإنسان م ...
- إشكالية الحب عبر التاريخ
- الريح التي حملت الأمل: قراءة في فيلم The Boy Who Harnessed t ...
- تأملات في مسيرة الإنسان وتحديات المستقبل من خلال كتاب العاقل ...
- إشكالية الرغبة والسعادة في عالم متغير: من خلال فيلم -Nomadla ...
- الأتمتة وسؤال الإنسان
- الريد بيل Red pill: فلسفة جديدة لفهم العلاقات بين الجنسين وت ...
- نظرة بانورامية حول تاريخ الفلسفة منذ الاغريق الى الآن
- اشكالية الرغبة: جدلية النقص والإشباع في تشكيل الذات
- إشكالية نقد الدين بين الوعي والواقع: من فيورباخ إلى ماركس
- Lillusion et la vérité
- مستقبل سوريا في ظل الصراع الدولي
- الفلسفة المعاصرة: جدلية الإنسان بين انهيار اليقين والبحث عن ...
- إشكالية الهوية و الوجود الرقمي: بين الأصالة والاغتراب
- بين الظلم التاريخي وإعادة الاعتبار: إشكالية قراءة أفكار السف ...
- النقاب كظاهرة ثقافية: تحليل فلسفي واجتماعي في السياق المغربي
- الناسخ والمنسوخ والمفقود والمرفوع


المزيد.....




- السودان.. مسؤولة حكومية تعلن توثيق أكثر من 1100 حالة اغتصاب ...
- طبيبة تحذر النساء من -العلامات الصامتة- للسرطان القاتل
- منظمات: وقف المساعدات الإنسانية الأميركية يعرض ملايين النساء ...
- عقرب يلدغ امرأة في مطار أمريكي أثناء استلامها لأمتعتها.. من ...
- تركيا تعتقل 200 امرأة في يومهن العالمي
- نرجس محمدي: النساء سيطحن الجمهورية الإسلامية في إيران
- بمناسبة عيد المرأة : مستمرة بالمعاناة والنضال لنيل حقوقها عا ...
- شاهد.. امرأة تقتحم ملعبا وتضرب لاعبا في مباراة كرة قدم لسبب ...
- توقيف 200 امرأة بعد مسيرة احتجاج نسائية في اسطنبول + فيديو ...
- في اليوم العالمي للمرأة : مكانة المرأة الفلسطينية ومعاناتها ...


المزيد.....

- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد زكرد - اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة والحرية