أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي القسيمي - السعودية والإمارات: خمسون عامًا من الظلال - التطرف، الاغتيالات، ومعضلة اليمن















المزيد.....


السعودية والإمارات: خمسون عامًا من الظلال - التطرف، الاغتيالات، ومعضلة اليمن


سامي القسيمي

الحوار المتمدن-العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 22:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رحلة عبر نصف قرن من التناقضات

تخيّل أنك تقف في 8 مارس 2025 على شاطئ الخليج العربي، تراقب السفن العملاقة تنزلق عبر المياه الهادئة بينما ناطحات السحاب في دبي والرياض تلمع تحت شمس الربيع. قبل خمسين عامًا، في منتصف السبعينيات، كانت هذه الأراضي مجرد كثبان رملية تعيش على صيد السمك وتجارة التمور، لكن طفرة النفط غيرت المشهد كله. السعودية والإمارات أصبحتا قوتين عالميتين، يمتد نفوذهما من المساجد في آسيا إلى قاعات الاجتماعات في واشنطن. لكن تحت هذا البريق الخلاب يكمن وجه آخر، وجه مظلم: دعم التطرف الديني الذي أنجب تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش"، اغتيالات طالت أصوات المعارضة من الرياض إلى إسطنبول، وتدخلات حولت اليمن - الجار الجنوبي الفقير - إلى أرض خراب تتوسل النجاة من المجاعة والحرب.

هذا المقال ليس تقريرًا جافًا مليئًا بالأرقام، بل رحلة مشوقة عبر خمسة عقود من التاريخ المعقد، مليئة بالقصص والمفاجآت. سنبدأ من السبعينيات، حين بدأت السعودية تصدير الوهابية بمليارات النفط، ونرافق الإمارات في تحولها من قرية صيد متواضعة إلى لاعب تجاري يتحكم بموانئ اليمن. سنروي حكايات الدماء التي سالت على يد القتلة المأجورين، من اختفاء أمراء في الستينيات إلى تقطيع جثة جمال خاشقجي في 2018، ونغوص في معضلة اليمن، حيث لعب الإخوان المسلمون وعلي عبد الله صالح، إلى جانب السعودية والإمارات، دورًا في تحويل بلد كان يمكن أن يكون جوهرة الجزيرة العربية إلى رمز للمأساة الإنسانية

سنستند إلى أصوات غربية محايدة مثل تقارير "هيومن رايتس ووتش"، تحليلات "الغارديان" و"نيويورك تايمز"، ودراسات باحثين كماداوي الرشيد وبرنارد هايكل. سأضيف رأيي كيف أرى التاريخ بعين ناقدة، لأقدم لك صورة كاملة تجمع بين الحقائق والتأمل. هيا بنا، القارئ العزيز، لنكتشف معًا كيف شكلت هاتان الدولتان العالم - ولمن يرن جرس الحقيقة اليوم.

القسم الأول: التطرف الديني - بذور الفتنة من الرياض إلى أبوظبي
السبعينيات: النفط يشعل الوهابية
في أكتوبر 1973، عندما قادت السعودية حظر النفط ضد الغرب رداً على دعمه لإسرائيل في حرب أكتوبر، لم تكن تعلم أنها تضع حجر الأساس لعصر جديد. ارتفعت أسعار النفط من 3 دولارات للبرميل إلى 12 دولارًا تقريبًا، وتدفقت المليارات إلى خزائن المملكة. لم تكتفِ السعودية ببناء طرق ومستشفيات، بل قررت أن تنشر الوهابية، الفكر الديني المتشدد الذي تحالفت معه عائلة آل سعود منذ أن التقى محمد بن سعود بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في 1744. بحسب تقرير "نيويورك تايمز" (2016)، أنفقت السعودية أكثر من 100 مليار دولار على مدى العقود التالية لتمويل شبكة عالمية من المساجد، المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية من إندونيسيا إلى أفريقيا.
تخيّل قرية نائية في باكستان: في 1971، كان هناك 900 مدرسة دينية فقط، لكن بحلول 1988، ارتفع العدد إلى 8000، معظمها مدعوم بأموال سعودية، كما يوثق كتاب (حروب الأشباح) لستيف كول الذي صدر في 2004 الذي يتناول دور السعودية في تمويل الحركات المتشددة خلال الحرب الأفغانية. لم تكن هذه المدارس تُعلم الأطفال القراءة والكتابة بقدر ما كانت تغرس فيهم تفسيرات متشددة للإسلام، مثل اعتبار أي مخالف "كافرًا" يستحق القتل. هذه كانت البذور الأولى لما سيصبح لاحقًا حركات متطرفة عابرة للقارات.

الإمارات، التي تأسست كإتحاد في 1971، كانت لا تزال طفلة في عالم السياسة خلال السبعينيات. تركيزها كان على بناء الدولة واستقطاب الاستثمارات، لكنها بدأت تلحق بركب السعودية في الثمانينيات بدعم أطراف متشددة، وإن كان بأسلوب أقل علنية وأكثر حذرًا. كانت أبوظبي تراقب وتتعلم، مستعدة للعب دورها عندما يحين الوقت.

الثمانينيات: أفغانستان، الحرب التي غيرت كل شيء

في ديسمبر 1979، عندما اجتاح الجيش السوفيتي أفغانستان، رأت السعودية فرصة ذهبية لتصدير الوهابية تحت غطاء محاربة الشيوعية. تحالفت مع الولايات المتحدة وباكستان في عملية سرية ضخمة، ضخت
خلالها 4 مليارات دولار لدعم المجاهدين، كما يروي ستيف كول في كتابه (حروب الأشباح سنة 2004) لم يكن الأمر مجرد شيكات مالية؛ آلاف الشباب السعوديين، مثل أسامة بن لادن، سافروا إلى الجبال الأفغانية حاملين معهم الكتب الدينية والأفكار المتشددة. تخيّل مشهدًا سينمائيًا: شاب سعودي في العشرينيات، يرتدي عباءة بيضاء، يجلس في خيمة مع قائد مجاهدين، يتحدث عن "الجهاد" بينما الثلج يتساقط خارجًا، وبندقية كلاشينكوف بجانبه - هكذا بدأت القاعدة تشكل نفسها.

الإمارات لعبت دورًا أصغر في هذه المرحلة، لكن تقارير "ميدل إيست آي" (2018) تكشف عن مساهمات مالية من أفراد إماراتيين بارزين للمجاهدين. بينما كانت السعودية تصنع جيشًا أيديولوجيًا، بدأت الإمارات تركز على مواجهة الإخوان المسلمين، الذين رأتهم تهديدًا لنظامها الملكي. هذا الخلاف الأيديولوجي بين الدولتين سيظهر بوضوح في اليمن لاحقًا، لكن في الثمانينيات، كان التعاون هو السائد، وإن كان بمستويات مختلفة من الحماس.

التسعينيات و11 سبتمبر: الوحش ينقلب على سيده

في 11 سبتمبر 2001، هز 19 إرهابيًا العالم عندما دمروا برجي التجارة العالمية في نيويورك. 15 منهم كانوا سعوديين، وهذا لم يكن صدفة. تقرير لجنة 11 سبتمبر (2004) لم يثبت تورط الحكومة السعودية مباشرة، لكن ماداوي الرشيد في كتابها سنة 2013 ( الدولة الأكثر ذكورية). تجادل أن عقودًا من التمويل السعودي للوهابية خلقت أرضية خصبة للإرهاب. أسامة بن لادن، الذي نشأ في جدة وتأثر بالتعليم الوهابي، كان نتاجًا مباشرًا لهذا النظام. في تلك اللحظة، كان العالم ينظر إلى الرياض بمزيج من الخوف والشك، متسائلاً: هل هذا ما أرادته السعودية؟

الإمارات، في تلك الفترة، حاولت تقديم نفسها كحليف معتدل للغرب، مستضيفة قواعد عسكرية أمريكية ومروجة لصورة التسامح. لكن تقرير "واشنطن بوست" (2001) كشف أن أموالًا من دبي مرت عبر شبكات
مالية إلى القاعدة قبل الهجمات. كانت أبوظبي تلعب لعبة مزدوجة: صديقة للغرب في العلن، وداعمة صامتة في الخفاء. هذا التناقض أصبح سمة مميزة لسياستها في العقود التالية.

لعقد الأول من القرن 21 وما بعد: داعش والتحول
في يونيو 2014، ظهر "داعش" كوحش جديد، يرفع رايات سوداء فوق المدن العراقية والسورية. أعلن "الخلافة" من الموصل، وسرعان ما أصبح رمزًا للإرهاب العالمي. برنارد هايكل في مقال بـ 2016 (الشؤون الخارجية) يقول إن الوهابية ليست داعش بالضرورة، لكن التشابه في التفسير المتشدد للإسلام لا يمكن إنكاره. السعودية، التي أدركت الخطر على صورتها، بدأت تحارب التطرف داخل حدودها، مع حملات أمنية ضد خلايا داعش وإصلاحات دينية تحت قيادة محمد بن سلمان. لكن البذور التي زرعتها في العقود السابقة كانت قد أثمرت بالفعل، ولم يكن بإمكانها إيقاف العاصفة.

الإمارات، على النقيض، اتخذت موقفًا مختلفًا. كرهت الإخوان المسلمين أكثر من أي شيء، ورأت فيهم تهديدًا وجوديًا لنظامها الملكي. في اليمن، دعمت فصائل علمانية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي (اس تي سي) ضد حزب الإصلاح، الذراع اليمني للإخوان، كما يشير تقرير "كارنيجي" (2023). كانت أبوظبي تلعب شطرنجًا دقيقًا: استخدام التطرف كأداة لضرب خصومها، بينما تقدم نفسها كحصن للاعتدال في المنطقة. في 2025، بينما كانت السعودية لا تزال تكافح لاحتواء أشباح ماضيها، كانت الإمارات تبني صورتها كدولة حديثة، بعيدة عن فوضى التطرف - وإن كان ذلك مجرد قناع في بعض الأحيان

من زرع الريح حصد العاصفة

أعتقد أن السعودية لم تكن تخطط لخلق "داعش" أو "القاعدة" عندما بدأت تمويل الوهابية في السبعينيات، لكنها كانت كمن يشعل نارًا في غابة جافة ويتفاجأ بالحريق الذي لا يمكن السيطرة عليه. الإمارات، بذكائها التجاري، استغلت التطرف لأغراض سياسية، مثل إضعاف الإخوان، لكنها لم تكن بريئة من مسؤولية الانتشار الأولي في الثمانينيات. كلاهما زرع بذورًا لم يستطيعا التحكم في نموها، والعالم دفع ثمن ذلك بالدماء والدمار. السؤال الآن: هل تعلمتا الدرس، أم أننا على أعتاب عاصفة جديدة؟

القسم الثاني: الاغتيالات - دماء على رمال الصحراء
السعودية: من القمع الداخلي إلى المسرح العالمي

في الستينيات والسبعينيات، كانت السعودية تقضي على المعارضة داخل جدرانها بصمت مميت. الأمير ناصر بن عبد العزيز، الذي عارض سياسات الملك فيصل في الستينيات، اختفى في ظروف غامضة، وانتشرت شائعات عن تصفيته في الصحراء. لم تكن هناك تحقيقات، ولا أحد يجرؤ على السؤال. لكن في 2 أكتوبر 2018، انتقلت هذه السياسة إلى المسرح العالمي مع جريمة اغتيال جمال خاشقجي. الصحفي السعودي، الذي كتب مقالات نقدية في "واشنطن بوست" ضد ولي العهد محمد بن سلمان، دخل قنصلية بلاده في إسطنبول لإتمام أوراق زواجه، لكنه لم يخرج حيًا. تقرير الأمم المتحدة (2019)، بقيادة أنييس كالامار، وجد "أدلة موثوقة" على تورط مسؤولين سعوديين كبار، بما في ذلك أشخاص مقربون من ابن سلمان. "واشنطن بوست" وصفتها بـ"جريمة القرن"، ولم يكن ذلك مبالغة.

تخيّل اللحظة: فريق من 15 رجلاً، يحملون منشارفي حقيبة دبلوماسية، ينتظرون رجلاً عاديًا لإسكات صوته إلى الأبد. التسجيلات التركية، التي سُربت لاحقًا، كشفت عن صرخات خاشقجي وهو يُقتل، ثم ضحكات القتلة وهم يقطعون جسده. هذه لم تكن حادثة معزولة، بل تتويج لنمط بدأ منذ عقود. في 2003، اختُطف الأمير سلطان بن تركي من سويسرا بعد انتقاده العائلة الحاكمة، ولم يُعرف مصيره. السعودية كانت ترسل رسالة واضحة: لا مكان آمن للمعارضين، سواء في الداخل أو الخارج.

الإمارات: القتل الصامت في اليمن
الإمارات لم تكن صاخبة مثل السعودية في الاغتيالات، لكنها لعبت لعبة الموت ببراعة وهدوء. في اليمن، ركزت على استهداف قادة المقاومة الذين عارضوا المجلس الانتقالي الجنوبي (STC)، الذي تدعمه أبوظبي. تقرير "ميدل إيست آي" (2021) كشف عن شبكة من السجون السرية في عدن، حيث يُعذب ويُقتل المعارضون بعيدًا عن أعين العالم. في 2017، نفذت غارة جوية إماراتية على ميناء المخا استهدفت قائدًا محليًا، ليس لأنه متطرف، بل لأنه رفض الخضوع لسيطرتهم على الميناء. القتل هنا لم يكن للقضاء على التطرف، بل لفرض الهيمنة.

في حالة أخرى، وثق تقرير "نيو عرب" (2023) اغتيال زعيم قبلي في حضرموت لأنه عارض خطط الإمارات للسيطرة على ميناء المكلا. كانت أبوظبي تستخدم طائرات بدون طيار ووحدات خاصة لتنفيذ هذه العمليات، بأسلوب يذكرنا بأفلام الجاسوسية: ضربة سريعة، ثم اختفاء دون أثر.

التكنولوجيا في خدمة الموت
السعودية والإمارات لم تكتفيا بالقتل التقليدي، بل استخدمتا التكنولوجيا لتعزيز سياستهما. "الغارديان" (2020) كشف أن السعودية استخدمت برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي لاختراق هواتف النشطاء والصحفيين، بما في ذلك هاتف خطيبة خاشقجي قبل مقتله. الإمارات، من جهتها، طورت وحدات سيبرانية متطورة، كما أشارت "رويترز" (2019)، لتتبع خصومها في اليمن وخارجه. في 2024، ظهرت تقارير على منصة X عن استخدام الإمارات لبرامج تجسس لمراقبة معارضين في أوروبا، مما يظهر مدى اتساع هذه الشبكة.

الخوف يولد القتلة
أعتقد أن السعودية تقتل لأنها تخاف من أي صوت يهدد عرشها الهش، بينما الإمارات تقتل لتثبت أنها لاعب كبير في لعبة السيطرة الإقليمية. كلاهما يعكس خوفًا عميقًا من الانهيار، لكن الأساليب تختلف: السعودية صاخبة كالرعد، تعلن عن قوتها حتى لو أدى ذلك إلى فضائح عالمية، والإمارات دقيقة كالخنجر، تضرب في الظل وتترك الجثث دون ضجيج. في النهاية، الدماء على الرمال ليست مجرد جرائم، بل دليل على نظامين يعيشان في حالة رعب دائم من المستقبل.

القسم الثالث: معضلة اليمن - من موانئ مزدهرة إلى أرض الفقر
السبعينيات: البداية المريرة

اليمن، بموقعه الاستراتيجي على مضيق باب المندب وخليج عدن، كان يمتلك موانئ مثل الحديدة وعدن التي كانت مراكز تجارية مزدهرة في العصور الوسطى. لكن في 1978، عندما تولى علي عبد الله صالح السلطة في اليمن الشمالي بعد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، بدأت الكارثة تتشكل. صالح، الذي جاء من خلفية قبلية متواضعة، اعتمد على تحالفات مع الإخوان المسلمين لتثبيت حكمه، كما يوثق تقرير "هيومن رايتس ووتش" (2005). بدلًا من استغلال النفط المكتشف في مأرب أو تطوير الموانئ، بدأ صالح بناء نظام فاسد أهمل التنمية وأبقى البلاد في حالة تخلف.

الإخوان، بقيادة شخصيات مثل عبد المجيد الزنداني، بدأوا في الستينيات، لكنهم ازدهروا في السبعينيات بدعم سعودي. بحسب "المركز العربي لدراسات التطرف" (2024)، كان هدفهم مواجهة التيارات اليسارية والقومية، لكنهم سرعان ما أصبحوا أداة في يد صالح لتعزيز سلطته. تخيّل قرية يمنية فقيرة: بدلًا من بناء مدرسة حديثة، كان الإخوان ينشئون معاهد دينية تُعلم الشباب الحرب لا السلام، مما زاد من الفوضى الداخلية.

الثمانينيات: الفساد يأكل الأمل
خلال الثمانينيات، تفاقم الوضع تحت حكم صالح. تقرير "العرب" (2016) يشير إلى أنه دعم انتشار المعاهد العلمية المدعومة سعوديًا، والتي أصبحت مراكز لتجنيد الشباب في صفوف الإخوان. هذه المعاهد لم تُنتج علماء أومهندسين، بل أنتجت جيلًا من المتشددين الذين أصبحوا لاحقًا قوة عسكرية موازية داخل الجيش، مثل الفرقة الأولى مدرع بقيادة علي محسن الأحمر. في الوقت نفسه، بدأ صالح في بناء نظام كليبتوقراطي، حيث نهب عائدات النفط وترك الموانئ مثل الحديدة دون تطوير، كما يوثق "ويكيبيديا" (2005). اليمن، الذي كان يمكن أن يكون مركزًا تجاريًا، أصبح معتمدًا على المساعدات.

التسعينيات: الوحدة المسمومة
في 22 مايو 1990، تحقق حلم الوحدة بين اليمن الشمالي والجنوبي، لكن هذا الحلم تحول إلى كابوس بسرعة. صالح، بدعم الإخوان، استخدم الوحدة للانقضاض على الحزب الاشتراكي الجنوبي، الذي كان يمثل تهديدًا لهيمنته. حرب 1994، التي دعمها الإخوان بخطاب تكفيري ضد الجنوبيين، دمرت البنية التحتية في عدن، كما يروي "مركز صنعاء" (2024). الإخوان، بقيادة الزنداني، عبأوا "الأفغان العرب" للقتال، ليس من أجل الوحدة، بل لنهب موارد الجنوب. ميناء عدن، الذي كان ينافس دبي في الستينيات، أصبح مدينة أشباح، متروكًا للإهمال والفساد.

صالح والإخوان يمهدان للانهيار: 2000-2011
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تفاقم الفقر بسبب سياسات صالح الكارثية. تقرير "مركز صنعاء" (2016) يشير إلى أنه أهمل تنمية المناطق الريفية مثل مأرب والحديدة، مفضلاً استيراد السلع بدلاً من دعم الزراعة المحلية. الإخوان، عبر حزب الإصلاح، عززوا نفوذهم في الحكومة، لكنهم لم يقدموا حلولًا اقتصادية، بل ركزوا على أجندتهم الدينية. ثورة 2011 كشفت العمق الحقيقي للأزمة: الشباب خرجوا ضد صالح، لكن الإخوان تحالفوا مع الحوثيين لإسقاطه، مما مهد لسيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014، كما وثق "BBC" (2015).

صالح نفسه، بعد تنحيه في 2012، عاد ليتحالف مع الحوثيين في 2014 في محاولة يائسة لاستعادة السلطة. هذا التحالف، كما يشير منشور على X في 2025، كان خيانة علنية للشعب اليمني، حيث سلم البلاد لجماعة مسلحة دمرت ما تبقى من مؤسسات الدولة.

في مارس 2015، بدأت السعودية والإمارات تدخلهما في اليمن تحت اسم "عاصفة الحزم" لدعم حكومة عبد ربه منصور هادي ضد الحوثيين. لكن هذا التدخل تحول إلى كارثة إنسانية. السعودية فرضت حصارًا بحريًا شاملاً أوقف عمل ميناء الحديدة، الممر الرئيسي لـ80% من واردات اليمن، كما يوثق تقرير الأمم المتحدة (2021). الإمارات، من جهتها، سيطرت على ميناء عدن عبر دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وحولته إلى مركز تجاري تحت هيمنتها، كما يشير "نيو عرب" (2023).
تخيّل ميناء الحديدة سفن محملة بالطعام والدواء تقف عاجزة على بعد أميال، بينما الأطفال يموتون جوعًا على الشاطئ. هذا لم يكن مجرد حصار، بل سلاح لخنق اليمن. الإمارات أيضًا استولت على جزيرة سقطرى في 2018، مستغلة موقعها الاستراتيجي، ودمرت أي أمل في إحياء اقتصاد الجنوب. صالح والإخوان مهدا الطريق: صالح بتحالفه مع الحوثيين سلم البلاد للفوضى والإخوان، بحسب منشورات 2024 في اكس، شتتوا البلاد بصراعاتهم الداخلية دون رؤية للمستقبل.

أهداف الأطراف وتداعياتها
السعودية: هدفها منع نفوذ إيران عبر الحوثيين، لكنها دمرت اقتصاد اليمن في هذه العملية، كما يشير "بروكينغز" (2018).
الإمارات: تسعى للسيطرة على الموانئ لتعزيز مكانتها التجارية، متجاوزة مضيق هرمز، كما يوثق "ميدل إيست إنستيتيوت" (2020).
صالح: خيانته كانت لاستعادة السلطة، حتى لو كان الثمن تدمير الدولة.
الإخوان: تعزيز النفوذ الديني دون خطة اقتصادية، مما ترك اليمن فريسة للتقسيم.

اليمن ضحية الجميع
أعتقد أن اليمن ضحية خيانة داخلية وطمع خارجي. علي عبد الله صالح كان الخائن الأكبر، حيث باع البلاد للحوثيين بعد عقود من الفساد. الإخوان، بدورهم، كانوا أداة تخريبية استغلها الجميع دون أن يقدموا رؤية للتنمية. السعودية والإمارات أكملتا المشهد بتحويل اليمن إلى ساحة صراع، مستغلة ضعف الدولة الذي زرعه صالح والإخوان. كان اليمن يمكن أن يكون نجمًا في المنطقة بموانئه وموقعه، لكنه أصبح جثة تئن تحت أنقاض الحرب والفقر.

صوت للعالم
على مدى خمسين عامًا، شكلت السعودية والإمارات العالم عبر التطرف، الاغتيالات، ومعضلة اليمن. من السبعينيات، حين بدأت الوهابية تنتشر بمليارات النفط، إلى 2025، حيث تقف اليمن كشاهد على طموحات الخليج وخيانات أبنائها، تكشف هذه القصة عن تناقضات مذهلة. السعودية صنعت أيديولوجيا متطرفة أفلتت من يدها، والإمارات لعبت دور المحترف الذي يستخدم التطرف لأغراضه دون أن تتسخ. الاغتيالات كانت صرخة خوف من المعارضة، واليمن كان الضحية التي دفعت ثمن كل ذلك.

اليمن اليوم ينادي العالم أن يرى الحقيقة، بلد دمرته خيانة صالح، تشتت الإخوان، وطمع السعودية والإمارات. موانئه، التي كانت يمكن أن تنافس دبي، أصبحت خرابًا بسبب الحصار والسيطرة. أدعو المجتمع الدولي لإعادة تقييم علاقته بهذه الدول، وليس فقط لمعاقبة الماضي، بل لإنقاذ المستقبل. اليمن ليس مجرد أزمة إنسانية، بل درس في كيف يمكن للطموح والفساد أن يدمرا أمة. فلنستمع إلى صوته قبل أن يصمت إلى الأبد.

المراجـــــــع


BBC. (2015). "Yemen Crisis: How Did We Get Here?”

Al-Rasheed, Madawi. (2013). A Most Masculine State: Gender, Politics and Religion in Saudi Arabia. Cambridge: Cambridge University Press.

Brookings Institution. (2018). "Saudi Arabia’s Yemen Intervention: A Costly Miscalculation"

Carnegie Endowment for International Peace. (2016). "Yemen’s Ali Abdullah Saleh and the Houthi Alliance. "

Carnegie Endowment for International Peace. (2023). "The UAE’s Role in Yemen: From Intervention to Influence. "

Coll, Steve. (2004). Ghost Wars: The Secret History of the CIA, Afghanistan, and Bin Laden, from the Soviet Invasion to September 10, 2001. New York: Penguin Books.

Haykel, Bernard. (2016). "On the Nature of Salafi Thought and Action". Foreign Affairs.

Human Rights Watch. (2005). "Yemen: In the Name of Unity."

Middle East Eye. (2018). "The UAE’s Shadowy Role in Afghanistan."

Middle East Eye. (2021). "UAE’s Secret Prisons in Yemen."

Middle East Institute. (2020). "The UAE’s Maritime Ambitions in Yemen."

New York Times. (2016). "Saudi Arabia’s Export of Radical Islam."

Reuters. (2019). "UAE’s Cyber Capabilities and Regional Influence."

Sana’a Center for Strategic Studies. (2016). "Yemen’s Economic Collapse Under Saleh"
Sana’a Center for Strategic Studies. (2024). "The 1994 War and Its Lasting Impact".

The Arab Center for the Study of Extremism. (2024). "The Muslim Brotherhood in Yemen"."

The Arab Weekly. (2016). "Saleh and the Rise of Religious Extremism in Yemen"."

The Guardian. (2020). "Saudi Arabia’s Use of Pegasus Spyware"."

The New Arab. (2023). "UAE’s Control Over Aden Port"."

United Nations. (2019). "Report of the Special Rapporteur on the Killing of Jamal Khashoggi"."

United Nations. (2021). "Yemen Humanitarian Crisis Report"."

Washington Post. (2001). "Dubai’s Financial Links to 9/11"."

Wikipedia. (2005). "Ali Abdullah Saleh’s Kleptocracy"."

X Platform. (2024). "Posts Analyzing the Muslim Brotherhood’s Role in Yemen"."

X Platform. (2025). "Posts on Saleh’s Betrayal with the Houthis".



#سامي_القسيمي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور المملكة العربية السعودية في تمويل الإسلام ونشوء الجماعات ...
- برنامج الحج عبر الإنترنت: تجربة الحج في عالم الواقع الافتراض ...
- الحيوانات المتفوقة: تحديات وجودية في ظل عبثية الخلق
- تحليل فلم صاحب المقام للكاتب ابراهيم عيسى
- بائعة جسد متطرفة
- السبايا في القرآن والسنة
- فنون المسلمون في إذلال الذميين
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء ث ...
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء أ ...
- أين هو قبر النبي محمد ؟
- الأمثال والتعابير التي إقتبسها القرآن من الكتب المقدسة
- الحجر الأسود والوثنية
- الحرق وداعش في التراث الإسلامي
- محاولة إنتحار (محمد) وعلاقتة بمرض BPD
- إعصار تسونامي وأسطورة المساجد الصامدة
- فضيحة الزنداني - الكاسيت المرعب
- درع الرسول وصاع من شعير!
- أكل لحوم البشر في الإسلام (The Cannibal)
- نصلي من أجل السلام ونقتل بإسم الدين !
- الزندقة في التراث الإسلامي


المزيد.....




- ترامب يوجه ضربة قوية جديدة لزيلينسكي خلال أقل من 24 ساعة
- جهاز الخدمة السرية الأمريكي يطلق النار على رجل مسلح قرب البي ...
- سوريا: هل تعرقل أحداث الساحل الدموية مسيرة المرحلة الانتقالي ...
- في الثامن من آذار.. حفل بهيج في كوبنهاكن
- تطورات -صادمة- في الساحل السوري ومطالب دولية بحماية المدنيين ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يعلن عن خطط لاستقدام عمال من سوريا
- -عد أيها الملك وأنقذ البلاد-.. استقبال حاشد لملك نيبال المعز ...
- الجيش الروسي يدمر رتلا تابعا للقوات الأوكرانية الهاربة من كو ...
- البيت الروسي في بيروت يحتفل بيوم المرأة
- الخارجية الأمريكية تعلق على أحداث الساحل السوري الدامية وتدع ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي القسيمي - السعودية والإمارات: خمسون عامًا من الظلال - التطرف، الاغتيالات، ومعضلة اليمن