أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - دمشق.. وما رمتها به الليالي...















المزيد.....


دمشق.. وما رمتها به الليالي...


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاخبار القادمة من سوريا غير مطمئنة، وأغلبها محزن ، وان كانت في الاطار الذي توقعه لها المتابعون الحصيفون ، منذ التغيير الكبير الذي حدث في عاصمة الامويين في بداية شهر ديسمبر الماضي.. عندما ازيحت طبقة سياسية كاملة من جذورها ــ وبغض النظر عن رأينا في كفاءتها ــ وحلت محلها طبقة أخري لا تعرف للدولة معني ، ولا لحكم الشعوب طريقة أو أسلوبا معقولا ، وارتباطها برعاتها عبر البحار والمحيطات ظاهر أمام عين الاعمي...

ويمكن تلخيص المشكلة السورية في نقاطها العامة كالأتي..
١ ــ أنها المرة الاولي في التاريخ العربي الذي يصل فيها تنظيم سياسي متطرف الفكر الديني وارهابي الاسلوب إلي حكم دولة عربية رئيسية..
ومن غرائب الزمان أن سوريا ــ بجانب مصر ولبنان ــ كانت اسبق الدول العربية إلي الحداثة ، فلم تكن سوريا دولة منعزلة علي أطراف العالم العربي ، او دولة صغيرة لا يهتم بأمرها أحد ، عرفت العصر الحديث وافكاره الكبري ومبادئه من سنين او من عقود قليلة كغيرها...

لقد كان أحرار سوريا في طليعة من نادوا بالاستقلال السياسي ــ ضد الأتراك ثم ضد الفرنسيين ــ وعرف مفكروها افكار الاستقلال والحرية والاشتراكية والوحدة العربية قبل غيرهم علي طول العالم العربي ، وكانت اجواءها ــ في حلب ودمشق ــ تصدح بأعذب الأنغام ، ونشر أحد ابناءها ــ أبو خليل القباني ــ فن المسرح في مصر ، ومنها الي باقي العالم العربي ، وكتب شعراءها ــ من نزار قباني إلي أدونيس ــ أجمل القصائد العربية ، وأطرب مغنوها دنيا العرب بأجمل الأصوات والألحان...

٢ ــ لا يكفي القول ــ علي سبيل العزاء ــ أن النظام السابق كان كذا وكذا ، وأنه فعل كيت وكيت ، فسوف تثبت الأيام والسنين أنه باستثناء قضية الحرية السياسية ــ وهي مشكلة يعاني منها العالم العربي واجزاء كثيرة جدا حول العالم ولا تعرف لها حلا معقولا أو مرضيا ــ انه باستثناء تلك المشكلة فالنظام السابق في سوريا لما يكن بدرجة السوء التي يحاولون تصويره بها...

لقد كان في سوريا قبل ٢٠١١ دولة ، ودولة قوية ومستقرة ، وبها شعب نشيط محب للحياة ، وكانت المؤشرات الاقتصادية الكلية تعطي الاقتصاد السوري علامات جيدة ، علي الاقل بالنسبة لدولة مثل سوريا ، ليس لديها موارد نفط وغاز ، وتعيش وسط منطقة ملتهبة...

كانت سوريا دولة مستقلة الرأي في سياستها الخارجية ،علي عداء صريح مع اسرائيل، وجفاء مع الولايات المتحدة ... ومن هنا كانت أغلب مشاكل سوريا...

وكان لسوريا تأثيرها في الاقليم الذي تعيش فيه ، يحكمها نظام منفتح الفكر ــ وان كان مستبد سياسيا ــ وكان متوقعا مع انفتاح الاقتصاد السوري بصورة متدرجة وسريعة أن يعقبه درجات محسوسة من الانفتاح السياسي بحكم طبيعة الأمور ، وكل ذلك في ظل دولة مستقرة ودرجة معقولة من المستوي المعيشي ، يعطي في النهاية الشعب السوري درجة من الحرية السياسية في ظل بيئة دولية واقليمية متوترة واغلب مفرداتها غير صديقة ، وكان مأمولا أن يتم ذلك في ظل استقرار الدولة السورية ومكوناتها ، وبدون خطوات غير محسوبة او قفزات في الظلام...

تبدد كل ذلك مع مجئ موسم الربيع وثوراته الموجهة من وراء البحار ، ولها مطالبها التي لا تخفي علي أحد، وكالعادة كان البريق الذي تم التلويح به لجماهير ظمأي وجوعي هو الحرية السياسية والديموقراطية، وسارت أقسام لا بأس بها وراء السراب الجديد، غير متنبهة الي ان من تصدر موسم الربيع وثوراته الموجهه فئات وطوائف وتيارات عليها ألف علامة استفهام ، أقلها وابسطها انها فئات وطوائف وتيارات لا تؤمن بالحرية السياسية او بالديموقراطية ، وبعضها لا يؤمن بفكرة الدولة من أساسها ، ويحلم بفكرة الخلافة ، حيث لا حدود معينة ولا شعب محدد ولا أرض معروفة !!!

٣ ــ استلمت الحكم بعد انهيار الدولة السورية في ديسمبر ٢٠٢٤ مجموعات غريبة ، وكانت المأساة ان طبقة سياسية كاملة تبخرت فجأة بدون بديل مأمون ، واستلم الحكم مجموعات من الهواة ، منفلتين من أي ضوابط، في رؤوسهم طبقات من الافكار أغلبها يخاصم العصر الحديث ، ويخاصم معه منطق الدولة الحديثة وضوابطها...

ومن هنا كثرت الافعال العنيفة ، وكثرت معها الاشارات غير المطمئنة ، وسري الهمس مكتوما في البداية من بعض الطوائف السورية ان الامور لو سارت علي هذا النحو فإن الانفصال عن الجسد السوري يمكن ان يكون خيارا مطروحا !!
وارتفع الهمس الي الهمهمة ، ثم بدأ الصوت يسمع بوضوح...
بدء صوت الدروز والعلويين والاكراد أن فكرة الدولة السورية الجامعة تواجه تحديات مع وصول المجموعة الجديدة الي السلطة في دمشق..

ولأول مرة يطرح خيار الانفصال والتقسيم علي البلد الذي كان أول من نادي بالوحدة العربية ، أي أن البلد الذي دفع غاليا في سبيل طلبه للوحدة العربية اصبح هو بذاته يواجه خطر التجزئة والتقسيم !! وهي مفارقة تستوجب حزنا وألما بلا حدود..
وكانت مفارقات التاريخ أصعب من أن يستوعبها اي انسان...

من أجل هذه اللحظة بالذات تم إيصال الجولاني لحكم سوريا.. فلم يكن اختيار الغرب لتنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ المعروف اعلاميا بهيئة تحرير الشام ــ وقائده أبو محمد الجولاني إلا تمهيدا لفكرة تخوف الأقليات في سوريا من همجية الإرهابيين ، وبحثهم بالتالي عن الانفصال... وهي خطة تسير بنجاح حتي الآن للأسف...

وكان السيناريو الذي توقعه الحصيفون في سوريا وخارجها بسيطا ، ولم يكن فيه جديد، استخدام تيارات الاسلام السياسي العنيفة منغلقة العقل لتحريض طوائف سوريا ومكوناتها المختلفة علي المطالبة بالانفصال ، فخوفا من ارهابيي الجولاني من تنظيم جبهة النصرة والقاعدة طالب الدروز بحماية اسرائيل !! بل ورفعوا أمس علم الدروز ــ وليس العلم السوري ــ علي مبني محافظة السويداء ، وهو مبني حكومي ، ورمز الدولة السورية في تلك المحافظة الدرزية ، في خطوة رمزية توضح حقيقة النوايا...

والساحل السوري ــ اللاذقية وطرطوس ــ مشتعل ، وطلب حماية دولية من الجولاني ورجاله لا يتوقف هناك ...
والاكراد في الشرق في شبه دولة من بعد اضطرابات ٢٠١١ وما يسمي بالثورة السورية...

والاشد ايلاما للنفس ليس كل ما سبق علي خطورته الشديدة ، بل ما يقرأه المرء من عدم بكاء أو اكتراث السوريين ــ كشعب وافراد ــ علي بقاء دولتهم موحدة ، وما أقرأه علي مواقع وصفحات السوريين ــ مشهورين من رموز المجتمع أو تعليقات السوريين العاديين ــ ان فكرة تقسيم بلدهم مطروحة كخيار عادي عند كثيرين منهم ، ويتعاملون مع الأمر بسهولة غريبة وباستهانة غير مفهومة...

للأسف... لقد كانت الضربة الاقسي في جحيم الربيع العربي وسنواته السوداء من نصيب سوريا ، فقد نجت مصر ــ حتي الآن ــ بعون الله مما كان يراد لها ، وما أصاب ليبيا واليمن والسودان ــ برغم كل ما به من تعقيد ومشاكل ــ ليس من المستحيل اصلاحه ، وتونس برغم تخبطها فهي في أمان واستقرار ، ولكن الضربة التي جاءت في سويداء القلب كانت من نصيب سوريا ...

منذ مائة عام بالضبط ــ عام ١٩٢٥ ــ كتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الخالدة نكبة دمشق ، عندما ضرب الفرنسيين ــ وكانوا يحتلون سوريا ــ دمشق بالمدافع ، مخلفين دمارا واسعا وقتلي وجرحي كثيرين..

وكانت خطط الفرنسيين وقتها، فصل جزء كبير من الساحل السوري مكونين دولةجديدة ، اسمها لبنان، وهو ما تحقق بالفعل، وكان الجزء الباقي من خطط الاستعمار الفرنسي لسوريا هو تقسيمها لأربعة دول: دولة في دمشق واخري في حلب وثالثة في جبال العلويين ورابعة للدروز في الجنوب ... وهو ما فشل الفرنسيين في تحقيقه ، ويبدو ــ لا قدر الله ــ ان خلفاء الاستعمار الفرنسي علي وشك تحقيقه اليوم..

فالآن... وبعد مائة عام تتعرض سوريا الجريحة لنكبة ثانية ــ ربما أشد وأقسي ــ ولنفس المخاطر الرهيبة ونفس التجربة القاسية ، وبيد الاستعمار نفسه ــ وان تغير اسمه من الاستعمار الفرنسي قديما الي الاستعمار الامريكي البريطاني اليوم ــ وقد اتخذ أداة أكثر خبثا اليوم ، حيث تيارات سياسية ودينية خلقها الاستعمار خلقا، لتحقيق مراميه وخططه القديمة منها والحديثة ، وبيد ابناء المستعمرات أنفسهم لا بيديه هو ، وهي تيارات هاربة من مجاهل التاريخ ، وأتية من تيه عصور عتيقة لتفرض أراءها علي عصور جديدة ، وبعد أن عملت في عقول الناس ما يشبه كاسحات الألغام ، لتسطح العقول وتزيل أي بقايا للتفكير الحر والمستقل والمتزن ...

وقديما ــ وحزنا علي سوريا ــ كتب شوقي قصيدته الخالدة نكبة دمشق ، وبعد مائة عام تعيش دمشق نكبة ثانية... أشد واقسي من الأولي ...
ففي النكبة الاولي كان أهل سوريا متحدين أمام عدو ظاهر ، ولكنهم اليوم متفرقين أمام عدو أكثر خبثا...

قال شوقي مخاطبا سوريا وعاصمتها:

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي جَلالُ الرُّزْءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ

وقد أفلتت سوريا قديما ــ أيام أحمد شوقي ــ ونجت مما كان يرتب لها، ولكن ما رمتها به الليالي اليوم يوشك ان ينهي بلدا من أغلي وأجمل البلاد العربية...



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين... والدولة البريطانية العميقة..
- الدين... والدولة الامريكية العميقة !!
- قراءات في القطار... أيام في أمريكا..
- عمرو موسي .... وحماس !!
- القلق الحقيقي ...
- كيف تخطط اسرائيل لقتل عبد الفتاح السيسي ...
- وسائل متجددة للمقاومة... والحياة...
- دروس المأساة السورية (4) الاسلاميين والديموقراطية ...
- دروس المأساة السورية (3) تنشيط الحياة السياسية...
- دروس المأساة السورية (2) التوازن في العلاقات الاقليمية والدو ...
- دروس المأساة السورية (1) طول بقاء الحاكم في مقعده ....
- الألهة التي تفشل دائما ...
- هل كان استخدام القوة افضل الخيارات العربية في هذه المرحلة ؟!
- وقف الحرب في غزة...
- الجندول....
- أعطني الناي ... وغني.
- يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
- ثورة الشك ...
- هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
- مصر ... وسوريا الجديدة .


المزيد.....




- بعد أحداث الساحل السوري.. رامي مخلوف يهاجم الأسد و-الفرقة ال ...
- محلل سياسي يتحدث لـCNN عن فرص التوافق باجتماع دول جوار سوريا ...
- بعد تهديدات ترامب.. وزير الطاقة الإسرائيلي يأمر بقطع الكهربا ...
- باريس تضخ 195 مليون يورو إضافية لدعم أوكرانيا من الأصول الر ...
- -بلومبرغ-: أوروبا تواجه عقبات غير متوقعة لتعزيز دفاعها
- نائب رئيس وزراء بيلاروس والوفد المرافق في بنغازي لبحث تعزيز ...
- وزير خارجية الأردن: أمن سوريا واستقرارها جزء لا يتجزأ من أمن ...
- سوريا.. العثور على مقبرة جماعية تضم عناصر أمن وشرطة قرب القر ...
- ترامب: الوقت -ينفد- أمام إيران من أجل التفاوض حول الاتفاق ال ...
- مصر.. بيان للداخلية حول انتشار فيديو لاستيلاء الشرطة على دار ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - دمشق.. وما رمتها به الليالي...