خزامي مبارك
الحوار المتمدن-العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 07:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عموماً التعقيدات كثيرة،ومساحات النظر والشوف وسط الغبار والجوطة الحاصلة دي صعبة،والبزعم إنو هو شايف الحق كماهو (مطلقة وواضحة ) فهو إما كضاب أو إله.
الأزمة القدامنا دا من المستحيل فهمو بنموذج منهجي واحد،لكن عموماً فهم السياق (Context) ضرورة منهجية، فالمدخل الجيد يؤدي إلى مخرج جيد إلى حد كبير. ولكن، في كل الأحوال، فإن الاعتماد على نموذج بعينه كحل كلي للمشكلات الاجتماعية يمثل ضربًا من ضروب التفكير المعوج، ذلك لأن المجتمعات بطبيعتها لا تحكمها قوانين ثابتة مثل تلك التي نجدها في المواد الطبيعية (Materials)، بل إن الحركة الاجتماعية متشابكة ومعقدة، ويصعب الإمساك بها. ومع ذلك، فإن النماذج تساعدنا فقط على الفهم، لكنها لا تمثل الفهم الكامل في حد ذاتها.
المقدمة دي ضرورية من البداية كنتبيه للعايز يفهم كلامي وهي محاولة متواضعة وعادية لزول مهموم بمشاكل بلدو ،شال فأسو وقال يحتطب في الغابة الكثيفة دي.
أولاً حاجة الكلام عن الدولة وما الدولة سواء كانت وطنية من حيث الممارسة ولا غيرو وبدون لواكة حديث كتير،هي نمط إداري راهني ولا مفر منو، بقول لا مفر منو لأنو واقع بتفرضا ظروف العصر الحالي، ضرورتها كنمط إداري مافي عاقل بنكرو أو بستغنى عنه،طبعاً مع التطلع لنمط أفضل في المستقبل مع كل البشرية المعانا في الكوكب،إضافة إلي إنو ما من المنطق القفز منه لتقديم تصورات فكرية وسياسية متعالية هي في ذاته لا تصلح إلي بوجود النمط دا، فالديمقراطية كتصور ما ممكن تتعمل في الهواء مالم تكون في وجود للدولة دي ولا العلمانية ولا غيرو.عشان كدة التوافق حول وجود النمط دا حتظل حاجة لا غنى عنه شئنا أم أبينا.
الحاجة التانية والبدهية هي الثورة وبطبيعة الحال هي محاولة قفزة نوعية تقودك لخارج هياكل الظلم والاستعباد البتتخلق داخل النمط الاداري دا،قفزة داخل النمط لتقويمو وصياغته بحيث تضمن مصالح الجميع في الحقل دا،دون هدمو نهائياً والاستغناء عنه.
انطلاقاً من المسلمتين ديل ممكن ننظر لواقع الصراع وتعقيداتو الكتيرة قدامنا،السودان كبلد كما نعيشه االيوم ما هو إلا امتداد للحقل الذي صنعته الإمبراطورية المصرية في نهاية عام 1820 وبداية 1821م، شملت دولًا وقبائل مختلفة كانت تمر بفترات متباينة من التطور الاجتماعي والاقتصادي، فجعلت منه دولة حديثة بنمط الدولة الحديثة المولدة في المجتمعات الليبرالية، عُرفت بـ"الدولة السودانية". وهذا لا ينفي وجود وحدة سابقة لهذه الكيانات قبل ذلك، حيث هناك تجربة حضارية وإرث تاريخي طويل يمتد لآلاف السنين، ولكن نموذج الدولة الحديثة التي جاءت في هذه الفترة يختلف عن كل أشكال الوحدات الحضارية السابقة، كماً وكيفًا.
كانت هذه الوحدة مفروضة بفعل طموحات مصر وتوازن القوى الدولية في ذلك الزمان، حيث حملت في داخلها تناقضات وتباينات واختلافات، حسم مصيرها محمد علي باشا عندما اختار توجهها الأيديولوجي، فجعل من الإسلام والعروبة قوامها الأساسي. وهكذا، كان هناك إلغاء للوجود الاجتماعي، الثقافي، الفكري، اللغوي، والإبداعي لكل من لم ينتمِ إلى هذا التصور. إضافة إلى ذلك، أصبح هذا التوجه الفكري والأيديولوجي هو المحور الذي تدور حوله الصراعات، حيث استخدمته القوى المسيطرة كأداة لتبرير كل ممارساتها القمعية والاستئثارية بالسلطة، بدءًا من الرق والنخاسة، مرورًا بالعنف المادي والمعنوي. والإسم الشرعي لهذه الأيديولوجيا هو [الأيديولوجيا الإسلاموعروبية]، وهي تصور ليس بالضرورة أن يحمله العرب والمسلمون فقط، بل يمكن أن يقتنع به الدينكاوي أو الشايقي أو الفوراوي، شأنه شأن أي أيديولوجيا أخرى مثل الذكورية التي يحملها النساء والرجال معًا، أو البرجوازية التي يحملها أصحاب رؤوس الأموال والعمال معًا.
لكن ماذا عن القوى المسيطرة والمهيمنة التي تستخدم هذه الأيديولوجيا بصورة مباشرة وتمارس بها ما تشاء؟
تخبرنا الخلاصات أن هذه الفئة ليست قبيلة بعينها أو منطقة محددة، بل هم في كل مكان، يجمعهم فقط المصلحة السلطوية. في بداية تشكل هذا الوضع، تكونت هذه الفئة من (مؤسسة الجلابة، وهي فئة تجارية)، وزعماء الطوائف، ورجالات الإدارة الأهلية، وزعماء الطرق الصوفية، ورجال الدين، وبعض الأهالي المنتمين لحقل الثقافة العربية الإسلامية، ليس بالضرورة انتماءً أصيلًا.
استمرت هذه التركيبة طوال الحقب التاريخية للدولة السودانية، والصراع دا مستمر في شكل ديناميكي،تتبدل المواقع والعلاقات لكن بظل الثابت فيها هي السيطرة والهيمنة والخطاب الأيديولوجي المبرر لها،المخرج الوحيد من الوضعية دا هو تغيرو لتصبح واقع العدالة الإجتماعية هي الأساس والعقد الإجتماعي البتضمن حق الجميع هي الخطاب الرسمي مما يعني رسمياً التحرر من الأيديولوجيا الاسلاموعروبية.
في الآوانة الأخيرة ومع اشداد موجة الحراك الثوري والحرب التي عقبتها،تبدلت المواقف والمواقع بشكل ملحوظ، والحاجة الزادت من التعقيدات دا وكثقفتها،هي التدخل الدولي والإقليمي المباشر وصعود مليشيا الجنجويد (كشبكة كارتيلات اقتصادية من ناحية وكعصا في ايدي استعمارية من ناحية تانية،وكقوى إجتماعية داخل حلبة الصراع من ناحية تالتة، وأخيراً كحلفاء لحركة مسلحة )
الشبكة والتعقيد دا محتاج لعدة مناهج ومداخل.عشان تتفهم، أولاً : الجنجويد في حد ذاته هي مليشيا نشأت ضمن سياق مناهضة التمرد وبالتالي هي عملياً تسمى (Counter-Insurgency Force). بالتالي بمنطق الاكاديميات بيسموها قوات شبه عسكرية (Paramilitary Force).
من الناحية دي حالتها ما بتختلف كتير من المليشيات البتحمي السلطة المتعارف عليها،زي الدفاع الشعبي ،أو المراحيل أو القوات الصديقة ،الحرس الثوري الايراني..الخ،مع اختلافات طفيفة في الشكل والسياقات السياسية والاجتماعية.
المليشيات دا تحولت نتيجة لعوامل وظروف إستثانئة نادرة ،من مجرد مليشيا عادية إلي قوى إقتطاعية ،أو بصورة أكثر وضوحاً وجذرية كارتيلات اقتصادية تمتلك الشركات والمصانع والبنوك وتتحكم في كميات كبيرة من صادرات السودان الخام منها. إضافة إلي كونها تتحكم فيها أو تخضع بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلي دولة أخرى،تخضع وليست تتحالف لانو الخضوع تتختلف عن التحالف، فهي لا تملك قرارها في نفسها ولا أجندتها الخاصة بها ،فقط تفعل وتنفذ ما يأمر وتجني ربحبها من الأموال التي تقوي شبكتها الكارتيلية.
من الناحية التانية ،الجنجويد كقوى إجتماعية داخل حلبة الصراع، الكلام دا فيها غموض وإلتباس كبير ويصعب الجزم بها،هل فعلاً يمكن النظر للجنجويد كقوى إجتماعية ام لا،وما موقعهم داخل حلبة الصراع، الكلام الساهل والمبسط بتقودك إلي النظر إلي الجماعات الريفية والعرب الرحل كمكونات إجتماعية ثقافية باعتبارهم قوام المليشيا دا،ولكن في الحقيقة الأمر أكبر من كدة فمجرد وجود الجنجويد كقوى شبه عسكرية وكمليشيا انتفت منهم صفة كونهم مكونات إجتماعية /ثقافية،لان الشخص ببساطة هنا ينتقل بالانتماء، أبي بنتقل من فضاء المجموعة الثقافية إلي فضاء المليشيا.وهنا اصبح مليشيا وليس مكون إجتماعي،مثل ما ينتقل الشخص إلي الطائفة وغيرها.
والتعامل مع المليشيا دا كمكونات إجتماعية/ثقافية تقودك لموفقين فقط لا ثالث لهم أما معاداة هذه المكونات واعتبارها مجموعات متمردة تنفذ أجندة خارجية أو مهادنتها واعتبرتها قوى إجتماعية ثورية مهمشة تناضل من أجل العدالة الإجتماعية.
ومن الناحية دا الموقفين على خطأ في نظري ،ولكن يبدو أن جماعة ميثاق نيروبي نظرو لها بهذه الصورة واتخذو الموقف الأخير دا،هذا باعتبار أن الناس في حلبة الصراع تتبدل مواقعها ومواقفها وفق المصالح، طبعاً مع إحتمال وجود سبب آخر خفي وارد.
الموقف دا مخل لأنها اعتمدت إلي نظرة مخلة، وبالتالي ستقود إلي طريق مسدود هذا إلي لم تقوم المليشيا وشبكات علاقاتها بابتلاع كل جماعة نيروبي لصالح الأجندة الرئيسية التي تحركها.
يمكن القول أيضاً أن جماعة نيروبي تطمح في تحويل هذه المليشا إلي قوى ثورية حقيقة لصالح أجندة التغير،على طريقةبعض وحدات "البلاك آند تانز" في الثورة الأيرلندية (1919-1921) التي ارسلها البريطانيين لقمع الثوار الايرلندين ولكن البعض منهم انضم للثورة. ولكن هذه المسألة شبه مستحيل فالسياقات تختلف وعلاقات القوى مختلفة كما انها حالات نادرة. ففي ظل وجود قوى خارجية تتحكم في كل شيء من المستحيل تحقيق هذه الامنية إلي اذا استطعت ان تفصل هذه المليشيا من الراعي الأساسي لها.
وسط الصراع دا كل والجوطة دا نحنا كسودانين عندنا مستويين للبقاء الأول،هو لا بديل له وهي التحرر من التدخل الإقليمي والدولي والاحتفاظ بسيادتنا كدولة موحدة لها قرارها ،بغض النظر عن دكتاتورية الدولة او ديموقراطيتها وهذا لايمكن أن تحدث إلا بالقضاء على الجنجويد.
أما المستوى التاني فدا المقعد والطويل وهي مرتبطة بصراعاتنا الداخلية وبحسب تشخصيات دكتور جون هي خمس نماذج ولكنها ليست حتمية، مجرد هي خيارات ممكنة:
1. نموذج السودان الجديد: الوصول إلى سودان جديد علماني ديمقراطي موحد، بعد التجريد الكامل للسودان القديم من خطابه الأيديولوجي.
2. نموذج الكونفيدرالية: يمثل حالة انتقالية بين القديم والجديد، حيث يتعايشان في مساحات مختلفة وفق نطاق انتشار كل منهما.
3. نموذج السودان العربي الموحد: استمرار السودان القديم إذا ما انتصر.
4. نموذج السودان الأفريقي الأسود العلماني: نموذج انفصالي إلى حد ما، حيث يمكن أن يدفع الفئات غير المنتمية إليه للمطالبة بالانفصال.
5. نموذج الانفصالات الكاملة: استقلال كل فئة في دويلات صغيرة وضعيفة، ما قد يؤدي إلى نزاعات جديدة.
#خزامي_مبارك (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟