البيريسترويكا؟ مرة أخرى؟

زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 17:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*



فيودور لوكيانوف
رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"
أستاذ باحث في "المدرسة العليا للاقتصاد"

01 مارس 2025

كان من المفترض أن يصبح هذا العدد تاريخيًا. بمعنى أنه مرتبط بذكرى تاريخية: الذكرى الأربعين لوصول ميخائيل غورباتشوف إلى منصب زعيم الحزب الشيوعي السوفياتي. أصبحت الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في مارس 1985 علامة فارقة حددت مصير الحزب والدولة، وبشكل كبير، العالم.
كنا ننوي مناقشة عواقب تلك التغييرات.

لكن الحياة، كالعادة، سبقتنا. وذكرتنا أن لمصطلح "تاريخي" معنى آخر.
السياسة الأمريكية بعد عودة دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة اتخذت منعطفًا مذهلًا. بدأ الشك يراودنا: هل نحن أمام نقطة تحول أخرى في مسار التاريخ، لا تقل حسمًا عن تلك التي حدثت في النصف الثاني من الثمانينيات من القرن الماضي؟تحول معاكس لما حدث آنذاك؟
غورباتشوف، بفكره السياسي الجديد، فتح أبواب النظام الدولي الليبرالي، مما سمح بانتشاره عالميًا. بينما ترامب يغلق هذه الأبواب، ويضع رسومًا للدخول. ويبدو أيضًا للخروج.

المقارنات هي نشاط مضلل، وقد لا نستخلص الدروس من الماضي. ومع ذلك، فإن للعمليات الاجتماعية والسياسية أنماطًا ثابتة إلى حد ما. ومن المفيد الانتباه إليها – فالأشياء لا تتكرر، لكن بعضها يعيد نفسه.

أثناء العمل على هذا العدد من المجلة، اقترحنا على المجلس الروسي للشؤون الدولية مناقشة البيريسترويكا ( مصطلح روسي يعني إعادة الهيكلة أو إعادة البناء ZZ)– بدعوة أولئك الذين لم يكونوا مجرد مراقبين للأحداث، بل مشاركين فيها. أدت مناقشة حية ومفيدة إلى استنتاج أن هناك أوجه تشابه أكثر مما يبدو مع الأحداث الحالية في واشنطن وحول العالم.

ما يجمع بين الثوريين الأمريكيين المعاصرين (الذين يطلقون على أنفسهم هذا الاسم) وبين مهندسي إعادة الهيكلة السوفياتية هو الشعار الذي أصبح عنوانًا لفيلم شهير في أواخر الاتحاد السوفياتي: "لا يمكن العيش هكذا". وحقيقة أن المسار السابق قد وصل إلى طريق مسدود. التشابهات تؤكد بشكل مثير للاهتمام الاختلافات أيضًا.

*إجتثاث الأيديولوجيا*

كانت النقطة المفاهيمية الجديدة التي أرساها غورباتشوف في "الفكر السياسي الجديد" هي ابتعاد السياسة الخارجية عن الأيديولوجيا – القيم الطبقية (الشيوعية). وتم استبدالها بقيم إنسانية عامة، تم استعارتها بشكل أساسي من الخصوم الجيوسياسيين، الذين أصبحوا في النهاية المستفيدين الرئيسيين.

السياسيون المؤيدون لترامب يرفضون الأيديولوجيا السائدة أيضًا، في حالتهم الليبرالية. البديل الذي يقدمونه في الولايات المتحدة هو اتباع المصالح الوطنية بتفسير تجاري مباشر. ويحذر الخصوم من أن ترامب يلعب لصالح الخصم، حيث يزعمون أن هذا هو نهج بوتين، وأن البيت الأبيض يتبع خطاه.

*الداخل أهم من الخارج*

كانت الحاجة إلى تغيير السلوك الدولي، بما في ذلك الالتزامات الخارجية، مدفوعة بالاحتياجات الداخلية. فقد النظام السوفياتي حماسه منذ فترة طويلة، وكانت قدرته على تلبية مطالب المواطنين الاستهلاكية، الذين قارنوا مستويات معيشتهم بالغرب، في تراجع. أدى التخلف المتزايد إلى الدفع نحو الإصلاحات.

ترامب لا يتوقف عن التأكيد على أن الإدارة السيئة لـ"أعظم دولة" أدت إلى استغلالها وتجاوزها من قبل الآخرين. يجب إعادة هيكلة العلاقات الخارجية بحيث تعمل جميعها لصالح أمريكا، وتجلب الأموال وفرص العمل. وهذا يتطلب تغييرات جذرية.

*التخلص من الأعباء*

حتى الجزء الأكثر محافظة في القيادة السوفياتية أدرك أن عبء المواجهة العسكرية والسياسية يجب أن يُخفف. كانت الموارد التي استهلكتها الحرب الباردة مطلوبة لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. وكان من المرغوب فيه تنظيم التناقضات على الساحة الخارجية بالوسائل السياسية والدبلوماسية، لضمان الأمن دون مبادرات عسكرية مكلفة.

يقول القادة الأمريكيون الجدد الشيء نفسه. يهددون بإنهاء سلسلة الحروب التي لا تنتهي، ويعدون حتى بتقليص ميزانيات البنتاغون. الضغط السياسي الشديد مع التركيز على الأساليب الاقتصادية هو العلامة التجارية لإدارة ترامب، التي تبدو وكأنها تعتبر الحروب ظاهرة غير ضرورية وغير مربحة.

لكن الأسلوب الدبلوماسي في الحالتين مختلف تمامًا. تعاوني إلى أقصى حد (يعتبره الكثيرون مفرطًا) في نهاية الاتحاد السوفياتي. وعدواني إلى أقصى حد، حتى حدود الابتزاز، في البيت الأبيض الحالي.

*العامل الشخصي*

ما أودى بإعادة الهيكلة هو عدم وجود استراتيجية مدروسة في الاتحاد السوفياتي، فضلًا عن أهداف واضحة للإصلاحات. الوضع السيئ الذي ورثه ميخائيل غورباتشوف لم يكن بالضرورة أن يؤدي إلى نتيجة كارثية. لكن عدم الاتساق بدأ يزيد من احتمالية ذلك، مما أدى إلى تفاقم التناقضات. عدم تحقيق النتائج المرجوة أدى إلى إحباط الجهاز الحكومي. ومع تفاقم الخلل، أصبح العبء يثقل كاهل القائد، الذي من ناحية سعى إلى تركيز المزيد من السلطة في يديه للتغلب على التخريب، ومن ناحية أخرى أصبح أقل فهمًا لكيفية استخدامها. محاولات تعويض الإخفاقات الداخلية بالنجاحات الخارجية إما لم تغير الوضع أو جعلته أسوأ.

ترامب، يبدو أنه يعرف ما يريد، على الرغم من أن الجزء التدميري في سياسته أكثر وضوحًا من الجزء البنائي.

هذه المرة، لم يأتِ بمجموعة من المرافقين العشوائيين، بل بفريق مخلص وملتزم. المخاطر التي تحيط به تشبه إلى حد ما تلك التي واجهها غورباتشوف، ولكنها أيضًا مختلفة. المقاومة القوية حتمية، حيث ينوي ترامب هزيمة البيروقراطية بأكملها. الأخطاء والإخفاقات الحتمية ستثير المعارضة (التي تبدو الآن مشلولة). وهذا، كما رأينا خلال فترته الأولى، يحول الرئيس العنيد بالفعل إلى مستبد كامل. مما يحفز المعارضين، وهكذا دواليك.

كل هذه التحليلات لا تخبرنا شيئًا عن النتيجة المحتملة لـ"إعادة الهيكلة مرة أخرى". لكنها تؤكد أنها تتمتع بـ:
أ) طابع موضوعي،
ب) طابع مصيري.
مناقشة ما إذا كان عصر غورباتشوف كان يمكن أن ينتهي بشكل مختلف هي مسألة مثيرة فكريًا، لكنها غير مجدية. لكننا الآن لدينا الفرصة لمراقبة المحاولة الثانية لتغيير سياسة دولة عملاقة، واحدة من أسس النظام العالمي بأكمله.

يجدر بنا أن نتذكر أيضًا ظرفًا آخر من أربعين عامًا مضت. عندما بدأت رياح التغيير تهب من موسكو، تم اعتبارها في الغرب كمناورة ماكرة. وكلما كانت الأفكار التي قدمها القائد السوفياتي أكبر، قلت الثقة المبدئية فيها. في مقابلة مع مجلة نيوزويك في خريف 1986، قارن مستشار ألمانيا الغربية هيلموت كول، الذي أصبح لاحقًا صديقًا مقربًا لغورباتشوف، الأخير بغوبلز بسبب براعته في غسل الأدمغة. فقط تدريجيًا أدرك الشركاء في أوروبا والولايات المتحدة بدهشة: الأمين العام يعني حقًا ما يقول.

اليوم، يثير ترامب دهشة مماثلة – فالكلمات بالتأكيد لها معنى مزدوج، لأن هذا ببساطة لا يمكن أن يكون. ربما علينا ألا ننسى أن هذا ممكن. وأن ننتظر لنرى ما سيحدث، – دون أوهام أو تحيز.

*****
يشكر المؤلف جميع المشاركين في النقاش القيم على الطاولة المستديرة في المجلس الروسي للشؤون الدولية، الذي ألهم هذه التعميمات.
شارك بآرائه رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية إيغور إيفانوف؛
أعضاء مجلس الاتحاد في الجمعية الفيدرالية للاتحاد الروسي أندريه دينيسوف وأليكسي بوشكوف؛
نواب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية: السفير الروسي الكسندر أكسينيوك، رئيس مجلس مركز بير للدراسات الاستراتيجية يفغيني بوجينسكي، نائب رئيس مجموعة "إيتالون" الفيدرالية للتنمية ميخائيل مارغيلوف؛ المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية إيفان تيموفييف؛
رئيس الاتجاه العلمي في مركز تحليل الوضع في أكاديمية العلوم الروسية، عضو إدارة معهد بريماكوف للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية فلاديمير بارانوفسكي؛
مدير معهد أوروبا في أكاديمية العلوم الروسية أليكسي غروميكو؛
رئيس قسم نزع السلاح وتسوية النزاعات في مركز الأمن الدولي التابع لمعهد بريماكوف للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية أندريه زاغورسكي؛
عضو المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف.

#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات