أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا














المزيد.....


بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 07:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


النظام الفيدرالي واللامركزية بين الإنقاذ الوطني ومخاوف الاستبداد الديني.
اللامركزية الإدارية والسياسية وحدها ليست كافية لإنقاذ سوريا من دوامة التدهور السياسي والاقتصادي والأمني، بل إن النظام الفيدرالي هو الحل الأكثر فاعلية لبناء دولة عادلة ومتوازنة، قادرة على تجاوز عقود من الإقصاء والتهميش الذي عانت منه المكونات القومية والإثنية، وفي مقدمتها الكورد.
هذا النموذج يمنح الأقاليم والمجتمعات المتنوعة قدرةً أكبر على إدارة شؤونها بحرية، ويضمن توزيعًا عادلًا للسلطة والثروة، بدلاً من تركيزهما في يد نخبة ضيقة تتحكم بمصير البلاد وفقًا لأهوائها، بل سيكون العامل الأهم في نهضة الوطن.
تحت قبضة النظام المركزي، خضعت الأقليات والمناطق الطرفية لسياسات التهميش الممنهج، مما أدى إلى تفاقم الفجوة التنموية والتمثيلية، وتكريس الشعور بالغبن لدى شرائح واسعة من السوريين. واليوم، مع تصاعد النزعات الاستبدادية، واتجاه القوى المتحكمة إلى بناء نظام سياسي قائم على تفسير ديني متشدد، فإن خطر إعادة إنتاج الدكتاتورية في ثوب إسلامي سياسي أصبح أكثر تهديدًا من أي وقت مضى. فالنظام المركزي، حين يُغلّف بأيديولوجيا دينية، يصبح أشد بطشًا، حيث يستخدم الدين كأداة لقمع المخالفين وترهيب المعارضين، مما يفتح الباب أمام استبداد جديد أكثر قسوة من سابقه.
على النقيض، فإن اللامركزية والفيدرالية كانتا على مدار التاريخ النموذج الأكثر استدامة للحكم في الدول والإمبراطوريات الحضارية، والدول المتطورة حاليا، بل أن قرابة 70% من دول العالم وتسع من اكبر دول العالم تطبق هذا النظام، حيث تتيحان تحقيق التوازن السياسي والاجتماعي، وتؤسسان لشراكة حقيقية بين المكونات المختلفة. ومع انهيار البنى السياسية والاجتماعية السورية إثر الحرب، بات تبني هذا النموذج ضرورة حتمية، وليس مجرد خيار سياسي مطروح للنقاش.
إلا أن المعارضين لهذا الطرح، خصوصًا القوى القومية المتشددة التي تختبئ تحت عباءة الدين، يروجون لفكرة أن الفيدرالية ستؤدي إلى تقسيم البلاد، وهو ادعاء يستند إلى مخاوف متجذرة من عهود النظام البائد، وليس إلى قراءة عقلانية للتجارب الفيدرالية الناجحة عالميًا. كما أن شريحةً واسعة ترفض الفيدرالية إما لجهلها بطبيعة هذا النظام، أو استجابةً لإملاءات خارجية، وعلى رأسها تركيا، التي تخشى أن يشكل نجاح النموذج الفيدرالي في سوريا سابقة قد تمتد إلى داخلها، مما يهدد هيمنة نظامها القومي المتشدد.
الجدل الدائر حول الفيدرالية يكشف عمق التناقضات في الثقافة السياسية والاجتماعية السورية، حيث يُنظر إليها باعتبارها تهديدًا، في حين أنها في الحقيقة السبيل الوحيد لبناء دولة مستقرة ومتعددة الأطياف. غير أن نجاح هذا المشروع يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ودستورًا يضمن حقوق الجميع، بدلًا من إعادة إنتاج المركزية بواجهة جديدة.
السؤال الجوهري هو: هل ستتبنى القوى السياسية السورية هذا النموذج بجدية، أم أن الصراع على السلطة سيبقي سوريا رهينة للمركزية القسرية، وربما تحت حكم ديني شمولي ربما لا يقل استبدادًا من النظام البعثي السابق؟
إن أسوأ سيناريو قد تواجهه البلاد هو تطبيق اللامركزية تحت سلطة إسلامية متطرفة، حيث يُستخدم الدين كأداة لشرعنة الاستبداد، وترهيب المعارضين، وإقصاء المكونات غير المنسجمة مع رؤى الحاكمين الجدد.
إقناع المعارضين والمتخوفين وبينهم الحكومة السورية بتبني الفيدرالية يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد، تجمع بين الضغوط السياسية، والمكاسب الاقتصادية، والتوازنات الإقليمية، والدولية. في ظل تعنت بعض القوى السورية وخاصة السنية العربية، يمكن تقديم الفيدرالية ليس كتهديد لوحدة الدولة، بل كخيار واقعي لضمان استقرار البلاد، وإعادة الثقة بين مكوناتها، وبناء وطن حقيقي يتسع للجميع.
النظام المركزي القائم على الهيمنة والإقصاء لم يعد قابلًا للاستمرار، وعلى القوى السياسية السورية أن تدرك أن البلاد تقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم، إما أن تتبنى نموذجًا ديمقراطيًا تعدديًا يعيد التوازن والعدالة إلى الحكم، أو أن تظل عالقة في مستنقع الاستبداد والفوضى، مما يكرّس إعادة إنتاج الديكتاتورية بصيغ جديدة، قد لا تكون أقل قمعًا من سابقتها.
المفارقة العجيبة أن الخطاب الذي يرفع شعار محاربة النظام السابق، هو ذاته الذي يعيد إحياء ثقافته السياسية والاجتماعية، ربما دون إدراك، وربما عن سابق إصرار، وكأن المشكلة لم تكن في النظام نفسه، بل فيمن يعتلي كرسي الحكم. فكيف يمكن تفسير الإصرار على تبني ذات النهج المركزي الاستبدادي، بعد كل هذه التضحيات، وكأن الثورة لم تكن سوى تغيير في الوجوه، لا في البنية العميقة للسلطة وآلياتها؟
إن الاستمرار في هذا النهج لا يعني سوى إعادة إنتاج الاستبداد تحت مسميات جديدة، مع تغيير بعض الشعارات، بينما يبقى جوهر القمع والإقصاء على حاله. فهل يتعلم السوريون من دروس الماضي، أم أنهم محكومون بتكراره إلى ما لا نهاية؟

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
6/3/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية بين واقع التاريخ وخطاب الأنظمة العروبية
- أردوغان في قبضة ترامب هل يواجه مصير زيلينسكي أم يراوغ بذكاء؟
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- ترامب وبينس إهانة للبيت الأبيض باسم السلام
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- تحليل واستنتاج خطاب القائد عبد الله أوجلان (دعوة السلام والم ...
- الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...
- كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
- ميلاد كوردستان بداية الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- مؤتمر الحوار الوطني السوري تهميش للكورد ومخطط لإقصاء الحراك ...
- من متطلبات المرحلة تصعيد دور القيادة السياسية في الإدارة الذ ...


المزيد.....




- وفد حماس يلتقي رئيس المخابرات المصرية وينفي قبول هدنة مؤقتة ...
- بيان مشترك.. المنسقان الأممي والإقليمي في سوريا يحثان على وق ...
- -التنين المجنح-.. صينية سمك بـ 18 ألف جنيه في إحدى مطاعم مصر ...
- وزير دفاع كولومبيا يتعهد باستعادة 29 شرطيا مخطوفا
- بعد قضاء مدة حبسه.. الإفراج عن مطرب مهرجانات مصري شهير
- إعلام: زيلينسكي يحاول تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة خوف ...
- -مجرد أخبار مزيفة-.. ترامب ينفي أي خلاف بين ماسك وروبيو
- إعلام: نزوح كثيف من الساحل السوري إلى شمال لبنان
- الاتحاد الأوروبي يدين الهجمات في الساحل السوري ويدعو لاحترام ...
- الرئيس السابق لمؤتمر ميونخ يحذر ألمانيا من الاعتماد على -أف ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - بين ضرورة الإصلاح ومخاوف التفكك في سوريا