أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - إشكالية الإيمان عند كانط














المزيد.....

إشكالية الإيمان عند كانط


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 21:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


273 - أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
21 - كانط وإشكالية الإيمان

جاكوبي لم يكتف بإلصاق صفة "العدمية" بفلسفة كانط وكتاباته بخصوص الإيمان، وإنما حاول تفسير أفكاره بخصوص الله وطريقة معالجته لفكرة الإيمان تفسيرا يجعل كانط قريبا من الإلحاد. ذلك أن كانط يفرق بين فكرة الله الدينية وبين فكرة الله الفكرية أو الفلسفية، أي بين الإيمان الديني الأعمى بوجود الله وبين الإيمان المستند إلى العقل المفكر بوجود كينونة عليا أولية تدير شؤون العالم. فهو يفرق بين اللاهوت المتعالي والذي يطلق عليه إسم الدييست Déiste وبين اللاهوت الطبيعي، ثييست théiste. رغم أن المصطلحين، حرفيًا، يشيران إلى نفس الموقف من الكينونة المتعالية الإلهية، موقف الشخص الذي يؤمن بوجود الإله. تأتي كلمة "déisme" من الكلمة اللاتينية deus أي الله، وتأتي كلمة "théisme" من الكلمة اليونانية theos والتي تعني الله أيضا. غير أن هذه المواقف هي مواقف فلسفية، إنها ليست مسألة اعتقاد أو فعل إيمان، بل هي موقف تم تأكيده منطقيا في نهاية سلسلة من الفرضيات العقلية والفكرية. فالدييسم، كماعرّفه إيمانويل كانط هو الموقف الفلسفي الذي يؤكد وجود كائن أول هو سبب العالم، ولكن لا يمكن تحديد هذا الكائن بدقة ولا يمكن إعطاءه أية صفة أو تصويره بأية طريقة من الطرق. ولهذا السبب، بالنسبة له، يمارس الدييستيون لاهوتًا متساميًا أو متعاليا، يعتمد على مفاهيم مجردة، دون الرجوع إلى المفاهيم التي تمكنا من استخلاصها من تجربتنا الملموسة. يُطلق الدييستيون على أنفسهم هذا الاسم ليمكن تمييزهم عن المسيحيين من ناحية، وعن الملحدين من ناحية أخرى. فالمسيحيون، وكل المنتمين للأديان التوحيدية، تؤكد وجود كائن أول هو سبب العالم، ولكن هذه الأديان تمتلك البطاقة الشخصية والسيرة الذاتية لهذا الكائن الأول وتعرفه بدقة متناهية، وذلك بالاعتماد على الكتب والسير المقدسة (العهد القديم والعهد الجديد والقرآن). وكذلك لكي يمكن تمييزهم عن الجماعات الملحدة les athées التي تجزم بعدم وجود هذا الكائن إطلاقا. علاوة على ذلك، يجب علينا التمييز بين الملحدين واللاأدريين les agnostiques الذين لا يؤكدون وجود إله، ولا يؤكدون عدم وجوده في نفس الوقت، فهم جماعة لاهذا ولا ذاك، مترددون ولا يستطعيون إتخاذ قرار حاسم. وبعبارة أخرى، فإنهم يعتقدون أنه من المستحيل اتخاذ قرار بهذا الخصوص، وبالتالي فإنهم يفضلون تعليق حكمهم. غالبًا ما يُتهم الدييستيون بأنهم يقتصرون على "الإيمان بالله" دون قبول عقائد وممارسات دين معين، أو حتى بأنهم ملحدون. لكن هذا هو بالضبط ما يعنيه أن تكون دييستيًا: تأكيد وجود إله أو قوة إلهية (وليس "الله")، دون أن تكون قادرًا على تحديد ما هو، وكيف هو، وما هي صفاته أو قدراته.
وعلى العكس من ذلك، فسوف تجد عند العديد من فلاسفة الدين تأكيدًا على أنهم ثييستيون. فحسب كانط، le théiste هو من يمارس اللاهوت الطبيعي، بالاعتماد على المنطق، فإنه يذهب إلى أبعد من مجرد التأكيد على وجود كائن أول، بل يمكنه تحديد صفات هذا الكائن بشكل أكثر دقة. إن هذا الاستدلال، الذي يقوم به العقل الذي نمتلكه بشكل طبيعي، ينطلق من تكوين العالم، ونظامه، ووحدته (ومن هنا صفة اللاهوت الطبيعي) أو من الفكرة التي لدينا عن المهندس الأكبر. وباستخدام المنطق البرهاني، تكونت ما يسمى "أدلة وجود الله"، حيث يستطيع المؤمن le théiste أن يحدد وجود إله قادر على كل شيء، وصالح تمامًا، وعليم بكل شيء. وبما أن هذا المفهوم يتوافق مع مفهوم الله في الديانات التوحيدية الثلاثة، يمكننا بالتالي أن نعتبر أن الثييست بالضرورة موحدا أو يعتنق التوحيد، رغم أنه ليس بالضرورة مسيحيا أو مسلما، بل هو موحد فقط. في كثير من الأحيان، يحدد الثييستيون ما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم ثييستيون فقط، أو ما إذا كانوا يلتزمون أيضًا بالديانة اليهودية، أو المسيحية، أو الإسلامية. لذلك، فإن الملحد، بالمعنى الدقيق للكلمة، قد لا يكون رافضا لفكرة الألوهية، بل يعارض فقط المفهوم التوحيدي لله أي مفهوم الثييست théiste.
قد يتساءل المرء لماذا يعلن نفسه ثييست؟ لماذا لا تقول فقط أنك مسيحي أو يهودي أو مسلم؟ السبب مزدوج كما يبدو. أولاً، إن إعلان الشخص عن نفسه باعتباره ثييست هو نهج فلسفي وعقلاني، وليس عملاً من أعمال الإيمان بالوحي الإلهي. إن المقصود هو التأكيد على أنه من خلال التفكير والتصور والجدال يمكن للإنسان أن يصل إلى معرفة الله وإثبات أن الله موجود. وهذا مختلف تمامًا لنهج تأكيد الإيمان بالله استنادًا إلى النصوص المقدسة، حيث أن إثبات وجود الله عقليا هو الذي يضفي صفة القداسة على هذه النصوص وليس العكس كما هو متعارف عليه في هذه الأديان.
ثانياً، حيث يمكن لتأكيد الإيمان بالإله اليهودي أو المسيحي أو الإسلامي أن يقسَّم الناس ويفرق بينهم ويثير التوترات والكراهية بل والحروب الطاحنة، فإن التأكيد التوحيدي العقلاني يمكن أن يسمح لنا بإيجاد أرضية للتفاهم والمناقشة حيث يكون العقل هو صاحب السلطة العليا وليس النص أو التراث والتقاليد والسنة. وبعبارة أخرى، يمكن للفلاسفة المؤمنين أن يجتمعوا ويتبادلوا الآراء ويتناقشوا حتى يتوصلوا إلى اتفاق، عندما يتبنون نهجًا منطقيا وعقلانيا واضحا.
كانط الذي وُلِد في 22 أبريل 1724، في عائلة ألمانية بروسية ذات عقيدة بروتستانتية لوثرية، أدرك بعد بحثه الطويل عدم قدرة العقل على إثبات وجود الله بطريقة منطقية ورياضية، فقرر أن الإيمان مجال خاص لا علاقة له بالفلسفة أو بالتفكير العلمي. وفي عمل صغير نُشر في العام الذي توفي فيه، حلل كانط أساسيات عقيدته اللاهوتية في ثلاثة بنود إيمانية: أنه يؤمن بإله واحد، وهو المصدر السببي لكل الخير في العالم؛ ويؤمن بإمكانية التوفيق بين مقاصد الله وخيرنا الأعظم؛ وويؤمن بالإنسانية.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشوكولاطة وجنية البحر
- عن الغربة والإستلاب
- عن الثورة والندم
- التضخم في التقنين
- عدمية كانط
- جاكوبي ضد كانط
- الله والطبيعة ووحدة الوجود
- شبح سبينوزا
- صلاح الدين وناثان الحكيم
- الخاتم السحري
- الدين وعصر التنوير
- جاكوبي ومحاولة تحطيم العقل
- صدق المنجمون ولو كذبوا
- ظاهرة الشخص الزائد
- والتر بنيامين والزمن المتراخي
- غرزة بودلير وشلته
- تاريخ المخدرات
- عفاريت شكسبير
- كش مات
- عالم هكسلي المرعب


المزيد.....




- الإمارات.. حكم سجن الملياردير -أبو صباح- الذي دفع 9 ملايين د ...
- برلمانية أمريكية تنتقد صفقة المعادن مع كييف
- صربيا تحيي ذكرى مرور ستة أشهر على كارثة انهيار سقف محطة قطار ...
- الأمير هاري يقول خلال مقابلة حصرية مع بي بي سي إنه يرغب في - ...
- الأيام القادمة ستحدث فرقا في إرث ترامب بأكمله
- طهران على استعداد لمواصلة التفاعل مع الأطراف الأوروبية بشأن ...
- ترامب لا يستبعد حدوث ركود في الولايات المتحدة لفترة قصيرة
- الجيش الإسرائيلي: منظوماتنا الدفاعية اعترضت صاروخا أطلق من ا ...
- الجيش الأمريكي ينشئ منطقة عسكرية جديدة على حدود المكسيك
- ترامب يدخل السباق نحو البابوية بطريقته الخاصة! (صورة)


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - إشكالية الإيمان عند كانط