صبري فوزي أبوحسين
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 19:45
المحور:
الادب والفن
أمتنا العربية والإسلامية مبتلاة منذ نهايات عصر الخلافة العباسية، وانقسامها إلى دويلات وإمارات ممزقة، ومستقلة استقلالاً هاويًا هشًّا، ومتصارعة تصارعًا طاحنا، ومن ثم كانت عرضة للغزو التتري، ثم الغزو الصليبي في العصور الوسطى، ثم الغزو الغربي والروسي في العصر الحديث، وحتى الآن! وقد كان الأدباء العرب منفعلين انفعالا إيجابيا مع كل غزو، وكل هجوم، وكل نكبة ونكسة ومأساة وهزيمة وانكسار بكاء ورثاء، ووصفا وتصويرا، واستنهاضا واستنجادا، فظهر ما يسمى (أدب النكبات)، وهو تعبير شائع في الدراسات الأدبية والنقدية ويتداخل مع تعبيرات عدة، منها:
(أدب النكسة):
وهو مصطلح يُطلق على الأعمال الأدبية التي ظهرت عقب هزيمة حرب 1967م، والتي عُرفت بـ "النكسة"، والتي عكست حالة الصدمة واليأس والإحباط التي سادت العالم العربي في تلك الفترة، بسبب هزيمة الجيوش العربية مجتمعة أمام هذه الجرثومة الصهيونية المغروسة داخل الجسد العربي الضعيف المنهك.
(أدب النكبة):
أدب النكبة هو مصطلح يُطلق على الأعمال الأدبية التي تناولت قضية فلسطين، وتحديدًا ما حدث عام 1948 من تهجير وتشريد للفلسطينيين، وتأسيس دولة الدولة المزعومة (إسرائيل)، وهذا الاسم منها بريء، والأولى أن نسميها( إخرائيل، إسرائيكا-وهذا نحت أستاذنا النبوي شعلان)؛ فقد فضحت في معركة طوفان الأقصى،وظهر أنها بالونة منتفخة، وأن قوتها مفتعلة من قبل الإعلام، وأنها بدون أمها أمريكا ليست شيئا يذكر! إنها سرطان فرض علينا بفعل الهيمنة الأمريكية القذرة. أو قل: أمركائيل!
(أدب البكائيات):
وهو ذلك الأدب الذي يحزن لما حل ببعض بلدان الأمة العربية من غزو وتقتيل وتشريد وتهجير وتدمير كما حدث في بغداد والأندلس قديما، وكما حدث في كل البلاد العربية زمن الاحتلال الغربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين، ولعل أقساها ما حدث من الفرنسيين الهمجيين تجاه دولة الجزائر من تقتيل آلاف الشهداء، ثم في فلسطين، والعراق، والكويت، والبوسنة والهرسك، والشيشان، وأفغانستان في إننا، على يد الصهاينة والغرب، والصرب، والروس! وأذيالهم من مرتزقة هذا العصر الذي يعيش العربي فيها كسيحا منكسرا منكوسا منكوبا كئيبا
(أدب المآسي):
وهو مثل أدب النكبات يصور المأساة التي تقع في بلد من البلاد العربية والإسلامية. وبعضهم يجعل أدب المآسي نوعا أدبيا يتناول الأحداث المؤلمة والمفجعة التي تصيب الإنسان أو المجتمع، وغالبًا ما تكون هذه الأحداث ذات طبيعة كارثية أو مأساوية، مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة المنتشرة، مثل مأساة كورونا، وحوادث الظلم الاجتماعي من قبل الأنظمة العسكرية المستبدة الغاشمة.
(أدب رثاء المدن والممالك):
نوع أدبي ظهر في العصور الوسطى، وتحديدًا في الأندلس، وقد ازدهر بشكل خاص بعد سقوط المدن والممالك الإسلامية في يد القوى المسيحية الهمجية التي طبقت العنصرية في أعلى درجاتها فيما يسمى(محاكم التفتيش). يعبر هذا النوع من الأدب عن الحزن والأسى على ضياع المدن والممالك، ويصور الدمار والخراب الذي حل بها، ويستحضر ذكريات الماضي المجيد، ويستنهض همم الحكام والقواد والشعوب لمواجهة هؤلاء المستخربين الهمجيين الغاشمين الظالمين المستكبرين.
وكل هذه الاصطلاحات والتعابير، تدور حول الحزن أو التحزن على ضياع منطقة من مناطق الوطن العربي أو الوطن الإسلامي، انطلاقا من الأمة كلها كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالألم والحزن والبكاء.
ويمكننا أن نستخلص مفهوما محددا لـ(أدب النكبات) بأنه:
يقصد به ذلك الأدب الصادر عن عاطفة صادقة تجاه هزيمة أو غزو همجي أحدث إبادة جماعية في مكان ما. فقتل الآلاف وخرب الديار والبلاد، وتسبب في ضياع أوطان وفقدان مساحات من الأراضي.
وهذا النوع من الأدب متجذر في تراثنا، بدءا من بكاء الأطلال، ومرورا برثاء ابن الرومي للبصرة، ورثاء الشعراء العباسيين لبغداد عقب غزو التتار لها، ورثاء الشعراء الأندلسيين للممالك الأندلسية التي ضاعت مملكة بعد مملكة، وانتهاء بالغزو الصهيوني لأرض فلسطين سنة ١٩٤٨م، ثم الأراضي العربية سنة ١٩٦٧م وما بعدها، وانتهاء بالغزو الصهيوني الغربي لأرض غزة الأبية القوية، وأرض الضفة الغربية، خلال هذين العامين.
وقد كان لي شرف البحث في هذا الأدب في أكثر من بحث، مثل بحث(سقوط بغداد في مرآة الشعر العباسي)، وكتاب(القدس في شعر عصر الحروب الصليبية) وبحث(مأساة الخليج العربي في ديوان إيقاعات على أوتار البيئة للمهندس محمد عبدالقادر الفقي)وكتاب(بغداد في مرآة شعر الماضي والحاضر)،وبحث(تراثية الحدث وحداثة الرؤية في مسرحية عودة هولاكو للدكتور سلطان القاسمي)، وأخيرا بحث(الوظيفة الإعلامية للشعر التراثي في نصرة قضية القدس).
ومن يطالع النصوص الأدبية الممثلة لأدب النكبات يتضح له جملة مدارات موضوعية وتقنيات فنية تشيع فيه، فمن المدارات الفكرية: التوثيق والتأريخ للنكبة، والتعبير عن الألم والمعاناة في النكبة بعاطفة جياشة، وجلد الذات والنقد الذاتي، والنقد الجماعي والاجتماعي، والدعوة إلى المقاومة والصمود، وأحيانا يقع الأديب في الانحدار إلى إعلان اليأس والإحباط، والانزلاق إلى إبداع ينتمي إلى مذهب العبثية واللامعقول، وأحيانا تجد عمل الأدباء إلى البحث عن الهوية والمعنى والانتماء، واستنتاج العبرة ... ومن التقنيات الفنية التي يشيع توظيفها في أدب النكبات اللجوء إلى الرمزية والغموض زمن الاستبداد والقهر، فيعبرون عن واقعهم المرير بطريقة غير مباشرة، وأحيانا يوظفون الأسطورة، ويشيع توظيف الوصف المؤثر،واللوحات المبكية، استحضار الماضي، فيما أسميته(تراثية الحدث وحداثة الرؤية) هذا إضافة إلى التناص مع الموروث عن الخطاب الديني!
وعبر مسيرة أدب النكبات العربي نقف مع عدد من المبدعين الكبار، أمثال ابن الرومي، وأبي يعقوب الخريمي، وشمس الدين الكوفي وأبي البقاء الرندي، وابن خفاجة، وابن الأبار، وغيرهم، وفي العصر الحديث نقف مع الشعراء أحمد شوقي، وأمل دنقل، ونزار قباني، محمود درويش، وسميح القاسم، وأحمد مطر، ومظفر النواب، ومحمد مهدي الجواهري، وفاروق جويدة، ومحمد التهامي، وصابر عبدالدايم، ووحيد الدهشان،... وغيرهم. ومع الساردين: علي أحمد باكثير، ونجيب الكيلاني، ونجيب محفوظ، وصنع الله إبراهيم، وغسان كنفاني، في رواياتهم عن فلسطين وغيرها من بلاد الأمة المنكوبة، فكان لهم حضور أدبي فاعل مع النكبات التي مرت على أمتنا سواء بالكلمة الشاعرة، أو الوصف القصصي أو التصوير الدرامي...
ومما جادت به قريحتي الشعرية عن مأساة فلسطين مع العدوان الصهيوني الغشوم الهمجي المتغطرس نشيد حماسي، وقصيدة باكية شاكية، أرجو أن يعبرا عن موقفي من نكبات الأمة:
نشيد: (جاهدوهم)
-----------------
قد أتاني في قيامي
في صلاتي وهيامي
طيف شيخ من شيوخي
أزهري من عريني
قال قولا صار أمرا
للجميع المستكين:
ارفضوهم ...خالفوهم
قاوموهم... اطردوهم
كالجدود
قبِّحوهم...شردوهم
العنوهم... وارجموهم
هم قرود
خادعوهم ... تخدعوهم
نازلوهم... تغلبوهم
يا جنود
ارهبوهم... تؤيسوهم
قاتلوهم... تقتلوهم
يا أسود
أعلنوها مخلصين
في إباء المؤمنين
للبغاة الخاسئين:
لا ورب العالمين
لا ولا لا...لن نلين
يا يهود
نحن قوم كالرواسي
للمخازي للمآسي
لن نعود!
من شعر الشباب سنة ٢٠٠٤م.
[قصيدة: تحيا غزة]
-------------------
في شرق وسَطيٍّ عاطلْ
حيث صراع الحق مع الباطلْ
تقطنُ غزةْ
تعلنُ عِزةْ
فيها الصَّدَّةُ والغزوةْ
تظهرُ حقًّا: إسلامًا
بجهاد وحماس
بالديمقراطيةْ!
فيها الروح الثوريةْ
والشعبيةْ
تحرزُ نصرًا
تجلو رجسًا
وعمالةْ
***
لكن حدث المأزق:
تاهت كلِمات الساسةْ
حيث السِّلْمُ أو التهدئةُ
ظهرت لغة المكر
فُضح الباطل!
هذا "الناصر"خاذلْ
و"الخاذل" قاتلْ
أعطى الباطلَ/يعطيهِ
أمدادًا تُطغيه
والباطل قرد همجي
جُرَذٌ وحشي
يشتد عداوةْ
ونذالةْ
....
غزةُ غارقةٌ بدماءْ
فيها الجثثُ الأشلاء
حمَّام الدمِّ يسيلْ
والجيش المنتفخ تنمَّرْ
وتفرعنْ
أشعل نارًا/ محرقةً
خرَّب قتَّلْ
بقنابل عُلْوِيةْ
وحصارات سُفْلِية
وشراذمَ مُخزيةْ
والصمت العربي
صار خيارًا
وشعارًا
وديانةْ
***
والآن:
هل أصمت؟
هل أبكي؟
لا لا
لن أصمتَ/ لن أبكي
قلبي معها
قلمي معها
أهلي معها
وأموت فداها
حبًّا
وشهادةْ
***
فالباطلُ في نزوةْ
والحق بغزةْ
رغم النار
والتفقير
والتجويع
والتأييس
والإعصار...!!!
في غزةْ
ينتصر الدمُّ على السيف
ينكسر اللفظ السِّلْمي الهاوي
ويموت الصمت مع الخذلانْ
ويعيش الحق مع الشجعان
....
عاشت غزةْ
مات الصمتُ
زُهِق الباطلْ
عاشت غزةْ
مات الصمتُ
زُهِق الباطلْ
عاشت غزةْ
مات الصمتُ
زُهِق الباطلْ
ليلة 28/12/2008م.
#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟