أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - الدين... والدولة البريطانية العميقة..















المزيد.....


الدين... والدولة البريطانية العميقة..


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 18:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مازلنا في تقصي أسباب اعتماد الامبراطوريتين الغربيتين الأخيرتين في التاريخ العالمي ــ الامبراطورية البريطانية والامبراطورية الأمريكية ــ علي الأديان في سياستهما العالمية..
وقد درسنا أسباب تلك السياسة في الامبراطورية الأحدث منهما، وهي الامبراطورية الأمريكية، وبقي أن ندرس أسباب ومعني ذلك في الامبراطورية الأقدم والأسبق... الامبراطورية البريطانية..

وربما علي طول التاريخ العالمي لم تتمتع إمبراطورية بالذكاء الخارق قدر الامبراطورية البريطانية، كما لم يثبت علي طول تاريخ العالم أن دولة صغيرة في أقصى شمال العالم استطاعت تكوين إمبراطورية كبري، واحتلال والسيطرة علي مساحات شاسعة في كل مناطق الدنيا مثل بريطانيا... التي لم تكن تغيب عن ممتلكاتها حول العالم الشمس...

كل ذلك بدون دين جديد يدفع ويحمس كالامبراطورية الاسلامية ، او نظرية سياسية وأيديولوجية تحفز وتسند كالامبراطورية السوفيتية...

والامبراطورية البريطانية فعلها ظاهر وشديد التأثير علي الأديان الثلاثة الكبري... اليهودية والمسيحية والاسلام...
فهي التي انشأت ودعمت الصهيونية ــ وهي الجانب السياسي من اليهودية ــ منذ أن كانت فكرة ثم حركة سياسية حتي أصبحت دولة..
وهي التي أخترعت لاهوت التحرير أو لاهوت الحرية ــ وهو الجانب السياسي من المسيحية ــ في الديانة المسيحية..
( وعندما حاول بعض أصحاب النفوذ في انجلترا معارضة هذا الجنون الخاص بالثورات الكهنوتية حدثت أمور استثنائية ، حيث تم اغتيال اللورد مونتباتن، وتوفي كبير أساقفة كانتبري في سن صغيرة ليحل محله رجل كرس جهوده لمناصرة قضية لاهوت الحرية، كما تم التقارب بين الكنيسة الانجيلية وبين الجناح اليسوعي المناصر للاهوت التحرير ).

وهي من ابتكرت الإسلام السياسي ــ فكرا ثم حركات سياسية ــ في الاسلام..

( بل وهناك دلائل وقرائن تصل إلي مرتبة الحقائق أن بريطانيا هي من ابتكرت النازية، وانها هي أيضا ــ مع الأمريكيين ــ من أوصلت هتلر إلي السلطة في ألمانيا ، والغرض ان تحارب ألمانيا النازية روسيا الشيوعية نيابة عن الغرب ، ولكن السحر ــ كما يحدث دائما ــ انقلب علي الساحر ).

وتجارب بريطانيا في " تخليق " حركات فكرية دينية تنزع مباشرة ــ بعد فترة وجيزة ــ نحو السياسة مجهود بريطاني قديم ومتواصل، فقد تم خلق الحركة الصهيونية في القرن ١٩ بجهد بريطاني اساسي
، وقد نمت وكبرت الحركة الصهيونية من مجرد فكرة قائمة علي أساطير توراتية قديمة الي حركة سياسية طموحة اقامت ــ بمساعدة بريطانيا وامريكا ــ دولة نووية مرهوبة الجانب في الشرق...

ومازلنا مع الكاتب الامريكي روبرت دريفوس وكتابه شديد الاهمية hostage to Khomeini والذي صدرت طبعته الأولي عام ١٩٨٠، أي من أكثر من أربعة عقود..

بعد استقلال بلدان العالم الثالث ــ المستعمرات سابقا ــ كان من رأي الأقلية الحاكمة في بريطانيا ضرورة خلق " عصور الظلام الحديثة " لمناهضة عصر جديد من النمو والتصنيع في ربوع العالم الثالث وفي مستعمراتها السابقة، وبريطانيا يقصد بها هنا في المقام الأول العائلات الحاكمة من الأقلية التي حكمت بريطانيا من عام ١٦٦٠ دون منازع، وكانت تملي سياستها من خلال مؤسسات مثل المعهد الملكي للعلاقات الدولية، والمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية وغيرهما ، وفي الولايات المتحدة من خلال مؤسسات رفيعة مثل مجلس نيويورك للعلاقات الخارجية، ومعهد آسبن وغيرهما...

فمنذ قرون كان الخطر الأعظم علي عائلات النبلاء الأوربية هو قيام دول وطنية بقيادات ملتزمة بتنمية بلدانها، كما أثبتت الثورة الأمريكية، التي كانت مستعمرة بريطانيا ثم انفصلت بحرب دامية مع بريطانيا مكونة دولة حديثة وشابة نازعت بريطانيا السلطان حول العالم..
وهذه العائلات لا يعتمد تفكيرها وتخطيطها علي الشهور والسنين بل علي العقود.. والقرون أحيانا...

وقد سيطرت سياسة " العصور الوسطي الحديثة " البريطانية علي معظم دوائر صنع القرار في أمريكا، لتلاقي مصالح نخبة المال والثروات عبر الاطلطني في كلا البلدين، وخططها تتستر وراء شعارات مثل " المجتمع ما بعد الصناعي " و " تصفير النمو " و " رعاية البيئة " و " الخصخصة " وهي ردة اخلاقية وعلمية لها أثر المخدرات علي العقول...

في سبتمبر ١٩٧٥ عقد معهد آسبن ندوة في إيران، وفي المناقشات من خلف الستار تم وضع خارطة لعملية تغيير اتجاه التحول الصناعي الذي بدأه الشاه الي نظام من طراز العصور الوسطي، وكانت الفكرة الأساسية ــ وربما الوحيدة ــ في مؤتمر معهد آسبن هي أن " التحديث والصناعة يقوضان القيم الروحية غير المادية للمجتمع الايراني، وانه يجب الحفاظ علي تلك القيم قبل أى شئ "!!

وهناك معاهد ومراكز أبحاث كثيرة وجامعات بريطانية، واخري أمريكية ( مثل ستانفورد وهارفاد وكاليفورنيا ــ بيركلي، ومعهد ماساتشوستس) تروج لأفكار معينة مثل التمرد ضد المجتمع الصناعي، وهي المسئولة عن تدريب نخبة العالم الثالث علي مبادئ كراهية الأساليب الغربية في التصنيع والحداثة...

وبالنسبة للولايات المتحدة ، وبعد دعم محدود للأصوليات الدينية حول العالم أخذ الموضوع أبعادا أخطر مع منتصف السبعينات ، فقد شهد عام ١٩٧٥ الأخذ بسياسة " العصور المظلمة الحديثة " البريطانية في ادارة جيمي كارتر المقبلة ، وتجسد ذلك في " مشروع مجلس العلاقات الخارجية لحقبة الثمانينات " ويقع في ثلاثين مجلدا، وقد انتقل المشاركون في المشروع مثل سايروس فانس وانتوني سلومون وهارولد براون وزبيجنيو بريجنسكي وليسلي جيلب وغيرهم إلي واشنطن لشغل مناصبهم في إدارة كارتر الجديدة بداية ١٩٧٧..

وكانت الخطوط العريضة للمشروع البريطاني ــ الأمريكي الجديد قائمة علي الآتي:

١ ــ التفكيك المنضبط لاقتصاد العالم ، وإبعاد الدولة عن أي فعل اقتصادي مهما بدا ضئيلا او هامشيا ، وهي السياسة التي انتجت توافق واشنطن في الثمانينات والتسعينات وتفكيك القطاع العام والخصخصة ، وتحرير الزراعة تماما وتسليع المياه دوليا..
وفي هذا الاطار اعطي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي سلطات كبري واصبحا بمثابة حكومة مالية عالمية، تعطي رضاها او غضبها لمن تريد ، وتصنع مؤشرات وتضع الدول في ترتيب وتصنيف هي من صنعته ، عالمة أن مصائر الدول والشعوب أضحت في قبضتها...

٢ ــ وقف تام لتدفق منتجات القطاع التقني المتطور الي الأمم النامية ، وتقديم " التقنيات المناسبة " فقط لهم ، وهي التقنيات المستوجبة للعمل الشاق..

٣ ــ استبدال مفهوم الدولة ــ الأمة الذي قام عليه النظام الدولي منذ صلح وستفاليا من ثلاثة قرون الي شكل جديد تصبح الكلمة العليا فيه لمؤسسات وهياكل فوق الدولة، او عابرة للدول، من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية في مجالات المال والاقتصاد، الي منظمة الصحة العالمية في مجالات الصحة والدواء، الي الاتحاد الدولي لكرة القدم ــ فيفا ــ في كرة القدم... وتلك فقط مجرد أمثلة...

وكانت التطبيق الأول لسياسة العصور الوسطي الحديثة في إيران ، فبجهد بريطاني أمريكي مشترك تم إنهاء حكم شاه ايران وتنصيب مجموعة من رجال الدين المتعصبين في ايران ، وفي الكتاب تفصيلات كثيرة حول كيف استطاعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بجهد شديد الذكاء طرد ملكية مستقرة من عقود في ايران وتنصيب مجموعة من رجال الدين غير المجربين والقادمين من خارج اطار الدولة الحديثة ومنطقها بدلا منها....

( دائما كان نفوذ المخابرات البريطانية علي المخابرات الأمريكية واضحا، وسيطرت في اوقات كثيرة علي عقلها، منذ ان قامت مخابرات بريطانيا العظمي بتدريب رجال المخابرات الامريكيين عند انشاء وكالة المخابرات المركزية عام ١٩٤٧، وكان البريطانيون بمثابة الاساتذة للأمريكيين )

وكانت من غرائب الأمور ــ وهو ما يحسب للذكاء البريطاني الأمريكي ــ ان منظمات يسارية كثيرة حول العالم عزفت علي اللحن الذي اختارته المخابرات الأمريكية والبريطانية ، وشاهد العالم كيف التحم جهد المتعصبين الدينيين من ملالي ايران مع حركات ماركسية لا تؤمن بالدين أصلا ، مع كتاب عالميين لهم مكانتهم العالية في دنيا الثقافة والأداب في الوصول بإيران الي النقطة التي أرادها لها الفاعلين الحقيقيين من وراء ستار...

وفي القرن ٢٠ لم يكن بمقدور حركة الإخوان المسلمين ــ يقول روبرت دريفوس ــ التواجد لولا حقيقة مفادها أن مستشرقي الجامعات البريطانية ــ خاصة أكسفورد وكمبريدج ــ قاموا بتتبع العناصر الأكثر تخلفا في الثقافة الاسلامية وتدوين ملاحظات عنها ثم غرسها بعناية في البيئات الاسلامية ، ومن ثم جاءت جماعة الإخوان نتيجة التنظيم الصبور من جانب عملاء لندن في العالم الاسلامي ، وساعدهم رجال مثل ويلفريد سكاون بلانت المستشار الشرقي في السفارة البريطانية في القاهرة، ت إ لورانس، المعروف بلورانس العرب، أ. ج براون، وهاري سان جون فيلبي ــ المعروف بعبد الله فيلبي ــ وأرنولد توينبي، وغيرهم من رجال الامبراطوربة البريطانية في نهاية القرن ١٩ وبداية القرن ٢٠.

كانت السياسة التقليدية للأمبراطورية البريطانية هي الحفاظ علي المستعمرات في حالة تخلف ، وكان مسعي لندن دائما افساد قادة القبائل ورجال الدين المرتشين لقيادة حركات بدت أهدافها علي الدوام متوافقة مع الأهداف البريطانية ، أما في ظل الإخوان المسلمين فقد تم تحويل السياسة الإمبريالية البريطانية إلي شكل مؤسسي يأخذ صورة منضبطة ، مخصصة لإعادة الشرق الاوسط إلي العصور الوسطي...

وسار البريطانيون بمحاذاة ذلك في سياسة موازية ، فبدلا من التعامل مع الملوك والأمراء الذين يحكمون مناطق واسعة ، شجع البريطانيون المئات من قادة المجموعات القبلية والعرقية، بحيث يحكم كل منهم دويلة صغيرة ، وبهذا يكون من اليسير علي البريطانيين منع ظهور المعارضة السياسية لحكمهم ، وكانت تلك مؤدي السياسة البريطانية الشهيرة.. فرق تسد !!

وقد عمل البريطانيون علي غرس التربة اولا ، ففي الربع الأخير من القرن ١٩ وطوال القرن ٢٠ عملوا علي إحياء التوجه اللاعقلاني ، وقدموا التمويل اللازم لذلك، وأقاموا المؤتمرات للدعاية لأهمية التوصل إلي نوع من " العلوم الاسلامية " الخالصة من أى تأثير غربي ، في الاقتصاد وفي السياسة وفي الفلسفة بل وفي العلوم ، وهو ما سمي فيما بعد بأسلمة العلوم...

كان رأي الدولة العميقة في بريطانيا هو ما عبر عنه الكاتب والمؤرخ الشهير أرنولد توينبي ــ وقد عمل لفترات طويلة مع المخابرات البريطانية ــ أن " الأيديولوجية الدينية والسلطة الكهنوتية والاحساس الديني بهوية الفرد، أقوي بكثير من الهوية القومية والسلطة القومية السائدة اليوم "...

ومن هنا اهتم المتخصصون البريطانيون في شئون الإسلام في القرن ١٩ بدراسة أغلب الأعمال الفكرية في الثقافة الاسلامية علي مر العصور، من أبي حامد الغزالي الي أراء أبو الحسن علي بن إسماعيل العشاري ومئات غيرهم ، وانتقاء العناصر التي يمكن بها تكوين الطائفة الجديدة ــ طائفة التخلف ــ التي ستفرض علي عالم الاسلام ظلالا قاتمة ، وتسدل علي العقل في تلك المنطقة أستارا وحجبا لا يمكن اختراقها...

وقد كانت الصوفية في البداية هي أداة توغل الاستعمار البريطاني الي الشرق الاوسط والهند ، حيث أسست الأرستقراطية البريطانية في القرن ١٧ عددا من مراكز المخابرات السياسية في العالم الاسلامي، وفي ظل التوسع التدريجي للأمبراطورية عن طريق بناة الامبراطوربة الأوائل مثل شركة الهند الشرقية وشركة ليفانت وجد البريطانيون أنفسهم في اتصال مستمر مع الشعوب المسلمة في الشرق ، وقد بحث واضعوا الاستراتيجيات الاستعمارية البريطانية عن تيارات في العالم الاسلامي تتوافق مع المصالح البريطانية الرامية الي منع وايقاف التطور..

وكان الصوفيون الشريك المثالي للاستعماريين البريطانيين، ونظرا لمعادتهم للعلوم الحديثة لن يكون لهم مطالب صعبة فيما يخص انتشار الثورة الصناعية في الهند والشرق الأوسط، وقد كانت الحركات الصوفية منتشرة جدا في الهند وخاصة الطريقة النقشبندية...

وبعد التحالف مع الصوفية خلال القرنين ١٧ــ ١٨ وضع البريطانيون أرجلهم في التربة الاسلامية، ولم يحتج البريطانيون بعدها سوي لخطوة صغيرة خلال القرن ١٩ لرعاية عملية خلق طوائف بل وأديان كاملة زائفة كأداة لتحقيق سياسة الامبراطوربة...

فبعد أن درس البريطانيون الامبراطوربة الرومانية كمثل أعلي لهم وكنموذج يسيرون عليه تعلموا ان من أهم أسباب استمرارها لأكثر من ألف عام كان استخدامها للأديان والطوائف للسيطرة علي شعوبها...

وكان أول مشروع مسجل للطبقة الأرستقراطية البريطانية في القرن ١٩ هو " الحركة البهائية " في بلاد فارس ، وبدأت كغزوة بريطانية تجريبية في تخليق دين جديد بالكامل !!

تأسست البهائية قرب منتصف القرن ١٩ ــ حوالي سنة ١٨٤٤ ــ واعتمدت علي خليط من الأديان السماوية والزرادشتية، وتقوم علي فكرة الأخوة العالمية، وكتب أحد الكتاب البريطانيين بأن البهائية هي موجة المستقبل في الشرق الاوسط، وكانت رسالتهم القضاء علي الدول الوطنية، والحدود القومية والاديان الكبري، واذابة كل شئ في عالم واحد...
وقد تزوجت ابنة عبد البهاء من مؤسس اللغة الاسبرانتية ، وهو مشروع لمحو كل الألسنة واستبدالها بلغة واحدة !!

وخلال الثلاثين سنة السابقة علي ١٩١٤ ــ الحرب العالمية الاولي ــ تحولت القاهرة الي المقر الفرعي الإقليمي للمخابرات البريطانية ، وبتمويل من الذهب البريطاني سيطر المكتب العربي في القاهرة علي مجموعة كبيرة من الحركات الدينية الاسلامية ، ومن بينها مثلا الحركة السنوسية في ليبيا وغيرها...

ومنذ القرن ١٩ عمل البريطانيون علي انشاء تحالف بين العديد من الفصائل الصوفية في تركيا العثمانية مثل البقتاشي والنقشبندي بالإضافة إلى اتباع جمال الدين الافغاني، وقد شكل هذا التحالف البريطاني لجنة الاتحاد والترقي وجماعة تركيا الفتاة ، واحكمت الصوفية كذلك قبضتها علي الأكراد في جنوب تركيا..
وبصورة او بأخري ومع انهيار المؤسسة السياسية للمسلمين ــ دولة الخلافة ــ كان الإخوان المسلمين هو الرد البريطاني علي التحدي الذي مثله مصطفي كمال اتاتورك..

فقد قام البريطانيون في الاسماعيلية في مصر، وهي موطن أهم المصالح البريطانية في الشرق ــ قناة السويس ــ بمساعدة أحد المدرسين المصريين الشباب ــ حسن البنا ــ وتبرعوا له بخمسمائة جنيه لانشاء جماعة دعوية في البداية سياسية فيما بعد لرعاية النفوذ البريطاني في اهم مناطق العالم قاطبة ، وفيما بعد وبعد عقود أصبحت لندن هي مقر المؤسسة الدولية للإخوان المسلمين ــ او ما يعرف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين ــ وهي كذلك حتي اليوم...

فبعد الحرب العالمية الثانية ظهر جيل جديد من المستعربين البريطانيين ليتولي زمام أمور حركة الاخوان المسلمين ، وتستخدم هذه السيطرة بحصافة وعناية عند خروج أي نظام عربي أو اسلامي علي السياسة البريطانية ، ثم علي السياسات الأنجلوساكسونية ، بعد أن أصبح النفوذ الامريكي داخل الحركة العتيدة يوازي النفوذ البريطاني ان لم يزد، حيث يتم في العادة دعوة جماعة الإخوان المسلمين شبه النائمة الي العمل وفقا للتوجيهات الأنجلوساكسونية، من احداث القلاقل الي الارهاب السياسي والاغتيالات، وهو الدور الموكل للإخوان خلال عقود تمتد من الاربعينات حتي التسعينات من القرن ٢٠، قبل أن تصعد السياسات الأنجلوساكسونية الجديدة مع مطلع القرن الألفية الجديدة بها من دور المعارض المشاغب الي دور صاحب الحكم والسلطة !!

وعوضا عن "المكتب العربي" القديم ــ الموكل له أعمال المخابرات في الشرق ــ والذي تم نقله الي لندن، أصبحت تنوب عنه واجهات تؤدي نفس الدور مثل: المركز العربي البريطاني ، ومجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني CAABU ، ومركز الشرق الاوسط للدراسات العربية MECAS ، جنبا الي جنب مع أقسام وكليات علوم الشرق في أكسفورد وكمبريدج وجامعة لندن وجامعة جيزويت لوفين في بلجيكا، وجامعة جيزويت ماكجيل في تورنتو ، وبرنستون وجورج تاون في الولايات المتحدة...

ومن هنا يمكن القول أن دعوات الاخوان للجهاد ــ كدعوتهم للجهاد في افغانستان اواخر السبعينات وطوال الثمانينات وغيرها ــ لا تصاغ في الخلايا السرية في مدن الشرق الاوسط ، بل في مكاتب "الاساتذة" في المراكز والجامعات الغربية...

وطبقا للكاتب لم تكن جماعة الإخوان المسلمين لتستطيع أن تكون الخطر السياسي التي عليه الآن لو كانت مجرد مجموعة النشطاء او الفاعلين السياسيين او حتي مجموعة من العصابات الارهابية ضعيفة التنظيم ، فهي بهذا الحجم مجرد مشكلة روتينية تواجه الشرطة المحلية، ولكن الاخوان تمثل تهديدا علي مستوي أعلي، لإن وراءها قوي أكبر وأقوي...

واذا كانت شركة الهند الشرقية قديما هي مجموعة المصالح التي كانت وراء جزء كبير من السياسات البريطانية في الهند والشرق عموما ، فيمكن القول ــ والكلام للمؤلف عن الفترة التي كتب فيها كتابه وصدوره عام سنة ١٩٨٠ ــ ان مجموعة هائلة من المصالح المالية والاقتصادية وراء السياسات البريطانية الحديثة والممول لها ، مثل بنك باركليز، شركة الخطوط الجوية البريطانية، البنك البريطاني للشرق الاوسط، لازارد براذر، لويد إنترناشيونال، وبنك ويستمنستر، وشركة رولز رويس، وشركة يوني ليفر، وشركة بريتش بتروليوم.. وهؤلاء مجرد عينة فقط ، وكلهم من انصار السياسة الامبراطورية البريطانية في الشرق الاوسط...

كان الاخوان المسلمين ــ والحركات المشابهة لهم والتي ظهرت في العقود التالية ــ في الدين الاسلامي ، والصهيونية في الدين اليهودي ، والجوانب السياسية في المسيحية هم الابتكارات الكبري للعقل البريطاني، وكأصول نافعة للأمبراطورية ثم الدولة البريطانية..

طريق طويل قطعته الامبراطورية البريطانية ثم الدولة البريطانية في عصر ما بعد الامبراطورية في التلاعب بالأديان، بما يحقق المصالح العليا للنخبة البريطانية الحاكمة.. ومازلت القصة مستمرة...



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين... والدولة الامريكية العميقة !!
- قراءات في القطار... أيام في أمريكا..
- عمرو موسي .... وحماس !!
- القلق الحقيقي ...
- كيف تخطط اسرائيل لقتل عبد الفتاح السيسي ...
- وسائل متجددة للمقاومة... والحياة...
- دروس المأساة السورية (4) الاسلاميين والديموقراطية ...
- دروس المأساة السورية (3) تنشيط الحياة السياسية...
- دروس المأساة السورية (2) التوازن في العلاقات الاقليمية والدو ...
- دروس المأساة السورية (1) طول بقاء الحاكم في مقعده ....
- الألهة التي تفشل دائما ...
- هل كان استخدام القوة افضل الخيارات العربية في هذه المرحلة ؟!
- وقف الحرب في غزة...
- الجندول....
- أعطني الناي ... وغني.
- يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
- ثورة الشك ...
- هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
- مصر ... وسوريا الجديدة .
- أنور السادات ...


المزيد.....




- ترامب يهاجم رئيس وزراء كندا مجددا.. ويؤجل الرسوم الجمركية عل ...
- بعد أزمة اجتماع ترامب وزيلينسكي.. مسؤولون أمريكيون وأوكرانيو ...
- الكويت.. قرار بسحب الجنسية من مئات الأشخاص والداخلية تكشف 3 ...
- شاهد كيف تبدو الحياة في غزة مع منع إسرائيل دخول المساعدات
- سوزي الأردنية: حبس التيكتوكر المصرية بتهمة الانضمام لجماعة - ...
- تعاطف في الجزائر مع متسابق تعرض للسخرية بعد المشاركة في برنا ...
- ماكرون يقترح سلاح الردع النووي الفرنسي لحماية أوروبا من الته ...
- -الدم المشروك- مسلسل مغربي بـ-طابع مصري- يثير الجدل
- قتلى وجرحى بين قوات الأمن السورية خلال اشتباكات في اللاذقية، ...
- اشتباكات بين متقاعدين وقوات الشرطة في الأرجنتين خلال مظاهرة ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - الدين... والدولة البريطانية العميقة..