|
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 9 )
أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 03:05
المحور:
الادب والفن
لملمت اغراضي مغادرا الحديقة . . شاردا – كان الساعة قد زحف الوقت عليها الى ما بعد الثالثة عصرا – وجدتني سائرا نحو الدقي لتناول وجبة الغذاء في مطعم الوجبات اليمنية ، فما زالت حالتي واقعة تحت الاثار اللاحقة للانفصال النفسي الذي غرقت فيه قبلا ، ربما السير خير وسيلة يعيدني لطبيعتي الاعتيادية . . .
حاولت مرارا مخادعة نفسي بالمشاهدات الحسية خلال الطريق لطرد ما يعلق بها من احياز غير واضحة للعقل . . تدخله في انشغال في اللاشيء – باءت كل المحاولات بالفشل – لا تزال لغة اللاشعور تواصل تدفقها خلال المسير ، اراها ترسم الفاظها امام بصري واسمع وقع احرفها حرفا . . حرفا
كم لهذا القلب . . أن يفجع . . في عزاء الاحبة ؛ ورحيل خالقي . . النبض المفارق . .فيا - كل يوم قريب - تقول - كاسرا لوعتك - سيكون نهار مغامر . . وتقف مختبئا ؛ تسرق بعض ضوء ؛ وقليلا. . من طلل الامنيات ؛ والزاد. . ليوم مغادر - عساك . . تحظى . . بالابتسام . . في الوجوه التي انهكتها الحروب أو فرحة تغرسها . . في فنائك الخلفي . . من الذاكرة ؛ تؤرقك . . لأيام تالية - تعرف انها قاطعة - . . في شغف العيش والالم المبرح . . دون زوال ، تصبرك . . في كل من عرفتهم ؛ وتطمر - لوقت - مأسي تلبسك . . خارج المعقول والحلم الذي تسكنه - كلما حاصرتك الحدود . . بأفئدة ترنو إليك ؛ تتوسل لقمة انقاذ . . في رمقها الاخير واذا بدماها. . تراق . . ثمنا لحرب الوكالة . . ويعتريك الضعف . . من كل جانب . . للاعتراف بأنك واهما - قد كنت واهما . . مدى عمرك الطويل وينهزك صوت - يعاودك دوما - بتسلل مهيب . . هامس : ستأتي . . حمى جنون تجرف وجع السنين وما علق . . في حيك . . من وسخ . . غطى المنابر . . ورصعها الطريق ؛ وفي المسار. . . تجمع . . متراكمات ديدان ثخنت . . بأطماعها . . ودماء الاخرين - ويطول انتظارك . . بين قلب مؤمن . . واعصاب انهكها العيش . . وسط زحام الراضخين . . لشعب . . تخدر بالوعود ؛ بأحلام يقظة . . يعيش في الارتهان ؛ تلويك غصة تحرق انفاسك الاخيرة وتعصر. . ما تبقى لديك - تهرب لذاكرة المطر ؛ حين كان يسقط رذاذا - طول يوم. - وانت تلاحق الفراش - تلهو - ويرحل النهار سريعا - ويأخذك التعب ؛ للعنات تسوط اصطبارك ؛ ولعنات تنفثها . . افواه الحالمين - بوجهك - ؛ النازحين للقبول . . وانقاذ القدر فتعاود الانزواء ؛ الاختباء. . لليل - في لحظة زهوه - تسترق منه الذكريات - أتراها. . تظل مورقة - عساها . . تمدك بالارتواء ؛ تعاودك التوازن . . في الزمن المقيت ؛ لصراع عفينات . . لا تنام . . تسحق في طريقها . . النائمين ؛ والرافعين. . ايديهم للسماء - كم انت . . من قلب كليم ؛ تحرقك المواجع - كل حين. - لا تجد . . لك مكانا . . للاغتراس ؛ ولا تجد . . لك مأمنا او نزوة . . عابرة . . للفرح .
* * *
- جرسون . إذا سمحت . . . يلتقون هنا من المثقفين . . المعروفين . - نعم ، ولكن الوقت مازال باكرا على حضور أي منهم . - ممكن لو سمحت ، حين يتواجد منهم . . تستأذن منهم . . للجلوس إليهم . . ضيف من من اليمن .
ثلاثة ارباع الساعة . . جالسا بين اصبعي تتابع حبات سجائر كليوباترا بالاحتراق خلال تناولي كأسين من شاي اللبتون الأحمر الثقيل وفق طلبي ، في ركن من الجزء الخارجي الملحق بمقهى ريش ، المسقوف بالبلاستيك الأخضر الزيتوني السميك من الأعلى . . على طول الممر الواسع ، رصت بانتظام مسطري متتابع طاولات مغطاة بقماش ناصع البياض وحيكت اطرافه بقماش اخضر اللون خفيف ، وكانت هناك غيرها أخريات مستديرة الشكل خارج ذلك الاصطفاف - تحاط كل طاولة من الجهتين بثمانية مقاعد أما المستديرة تحاط بخمسة مقاعد عادة ، ولكنها تزيد وتقل حسب الجالسين حولها - انقل بصري بين البهو الداخلي المقهى ولسانه الخارجي الملحق به على شكل حرف L ، الواقع على شارع شبه مغلق ، وعلى مرمى نظري يظهر الشارع الرئيسي من خلال الزقاق المفتوح جانبيا منه الى المقهى – مع تلاشي اشعة الشمس رغم بقاء ضوء النهار لما لا يقل عن ساعة ونصف حتى يغادر ويحل الظلام الذي يغيب بتوهج أضواء المصابيح من كل مكان - يدب النشاط بحركة مكتظة بالناس والباعة و . . القادمين الى المقهى بتزايد واضح لأعداد السياح الأجانب من مختلف الاجناس - تفضل أستاذ . . البهوات يدعونك للانضمام اليهم .
شكرته بلطف . عرفت بنفسي كصحفي وكاتب يساري من اليمن واحببت أن التقي من الأساتذة من الوسط الثقافي – هذا المفكر المعروف الدكتور غالي شكري ، وهذا الشاب المعروف الاديب القاص جمال الغيطاني وذاك . . وذاك . . – كيف أحوال اليمن ، ما هذا الجنان الذي جرى في الجنوب . . يتقاتلون فيما بينهم ، يقولون عن انفسهم ماركسيين ، هأ . . اثبتوا انهم قبائل ماركسية . . متخلفين – باغتني كلام غالي شكري بحدته الانفعالية . . المصاحبة بتوتر متأفف انعكس في قعدته المتغيرة لمرات وحركة يديه غير المتوقفة بغضب خلال حديثه – ما علاقة ضيفنا يا دكتور ، اعذرنا ف . . قد صدمنا ما يجري في اليمن الجنوبي ، لا تأخذ ببالك ، انفعال الدكتور عن حب لليمن – افهم ذلك ، لكن أوضح الحقائق المخفية وراء ما جرى ، . . الذي تحتاجون لمعرفته و . . انتم من كبار المفكرين . . الذين قرأنا لكم وممن تتلمذنا على كتاباتهم – لم يكن يهتم كثيرا شكري بما احلله ، ظل يكرر . . القبائل الماركسية – تداخل الجميع تفاعلا مع حديثي ، أحيانا بجدل فكري وأخرى بتساؤلات ، واحتدم النقاش بين شكري والاخرين في النظر لأحداث 13يناير 1986م. بين ما استجدت لديهم من معارف لم يكونوا قادرين على معرفتها . . بما يصل اليهم من اخبار إعلامية او سطحية ممن ينقلها اليهم وبين مخيلتهم العاطفية من ردة الفعل الرافض لما جرى وغياب المنطق فيه – هدأ الحديث الضاج بعد ساعة ، وفق طلب عدد منهم بإنهاء الموضوع – الذي لن يوصل الى شيء ، فكل واحد له نظرته حول ذلك الحدث – تحولت الجلسة الى الكلام الجانبي الثنائي او الثلاثي – لا أعرف لما اصبح غالي شكري يهرب بنظره من وجهي – كان من المفكرين العرب الذين أحببت طروحاته وإن كنت على خلافات مع بعضها – تناقشت معه حولها ، وحول اخرين مثل سمير امين ، مهدي عامل ومروة وغيرهم – شعرت بتجاهل . . من خلال تحدثه المقطع المتثاقل معي – شاب صغير و . . من اليمن يجادل وينتقد . . ألا يعرف مع من يتكلم ، هو ما احسسته من خلال تعامله المتعالي – لا أذكر من من الجالسين تحسس حالتي من ذلك النقاش الحاد المحاكم – كانوا ثلاثة – اعادوني لحديث التعارف الودي ، ما عملي في اليمن ، عن كتاباتي ، عن الناس والحياة في الشمال و . . النظام الحاكم ، وهل انا اتيت سياحة أم طالب دراسات عليا – تنفست الصعداء بعد أن استجمعت حالتي التي تبعثرت خلال النقاشات المنفعلة السابقة ، المقطعة الحديث بمداخلات غالي شكري – سألت عن عبدالمنعم تليمة ، محمود العالم ، القعيد ، هنداوي ، يوسف السعيد ونجم وغيرهم – اخبرتهم بقصتي وتعاطفوا كثيرا – لا تقلق انت بين اهلك – لازم تروح التجمع ، غير بعيد من هنا . . سيرا على الاقدام ، الوقت المناسب من بعد الحادية عشرة والنصف الى الخامسة ، بعدها تكون هناك فعاليات ثقافية في أماكن مختلفة – ستجدهم هناك ، وحتى من لم تسأل عنهم – اطرح مشكلتك بالتفصيل ، الكل سيساعدك ، لن يتركك احد – ممكن أيضا تذهب الى جامعة القاهرة صباحا ، لتلتقي بالدكتور تليمه – هو رئيس قسم الادب الحديث في كلية الاداب و . . له ثقل ، احكي له قصتك ووضعك ، اكيد سيتدبر طريقة لتواصل دراستك هنا – لكن كيف اقابله وهو لا يعرفني . . ربما لن يهتم ، قلت ذلك بعد ما صدمت بتعامل الدكتور غالي – لا . . الدكتور عبدالمنعم لطيف وودود ودائما يساعد الاخرين و . . له كلمة تجترم في الجامعة – لو ممكن . . حد منكم يتصل به ، ليمهد اللقاء معه – تشاوروا من معه رقم الدكتور ، اتصل به وبعد التحايا والاحترام ، ابلغوه بشأني للذهاب اليه ، رحب ولكنه في انشغال غير متواجد في الكلية حاليا ، وليكن بعد أسبوعين او ثلاثة – اعرف لن انسى . . سلامي له – ابلغوه لا يقلق ف . . هو في وطنه وبين اهله وليس غريب ، كل مشكلة لها حل . غادرت المجلس بعد شكري الذي لم اكل من تكراره وانشراح نفسي – لازم تمر على التجمع . . لا تتأخر – اكيد . الف شكر لكم جميعا – بالتوفيق وسنلتقي – كان الوقت ما يقارب الثامنة مساء او اكثر – لم انظر في ساعة يدي – حالة من النشوة التي لم اذقها منذ زمن طويل في السنوات الأخيرة ، طفت بسير عشوائي تائه بين زحام التسوق على امتداد المعارض المنزلة موضة نهاية الخريف بتنزيلات للأسعار وبدء تعليق الملبوسات الشتوية مع اقتراب مجيء فصل الشتاء بعد شهر او اكثر قليلا – رأيت اكثر من محل لبيع المشروبات الروحية ، عند خروجي من البلد في اتجاه ساحة التحرير ، حيث ينتصب مقابلا لها مبنى مجمع التحرير الذي زرته لعمل الإقامة واعود اليه مجددا لتمديد الإقامة بعد فترة قريبة – دلفت الى محل خالي من بهرجة الواجهة الزجاجية ، ابتعت قنينة ربع وعلبتين بيرة مثلجة من الحجم الكبير ووضعتهم داخل كيسين بلاستيكيين من أكياس دعاية الملبوسات – سرت بسعادة حتى وصولي كوبري أكتوبر – كنت انظر بوله غير مرئي للعشاق ، تذكرت الكثير ممن عشقتهن ، وعبرت في مخيلتي تلك العلاقات التي مررت بها و . . ظلت تحفر في روحي رغبة العشق اللامتناهي في للحسناوات ، والصداقة الممتعة مع من كن يستروحن لأحاديث الادب والفن والجمال و . . ادهاش العلوم الطبيعية واكتشافاتها الصاعقة – توقفت بين حين واخر . . ناظرا للنيل اسفل الكوبري ، اناغيه سرا واوحي اليه بنظراتي العاشقة والحالمة أحيانا ، اسره بخفاياي واخبره [اني قويا صلدا . . لا ألين – قد يراني من يسمع كلامي هذا . . بأني قد جننت – لا يهمني . اعرف عند لحظتي هذه . . أني امتلك العالم ، ليس له أن يوجد دون أن أكون فيه – احب الحياة بشغف . . اكثر من كل الناس – كان النيل يومئ لي بحبور – عكس على صفحته ألوانا مبهجة من الأضواء الملونة ، وارقص موجاته تفاعلا مع حالتي ، وتدفقت نسمات باردة شديدة الجمال في اثرها وهي تقبل وجنتاي وتداعب شعري الذي نثرته بخصلات متطايرة . . أبت وقوفها عن حالة الرقص الذي انتابها .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية . . بين المضيقين / الحلقة ( 8 )
-
أسير . . في متاهة لا تنتهي
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 7 )
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقــــــة ( 6 )
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 5 )
-
من قصيدة ( للشحاري . . يوسف عن أبي )
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 3 & 4 )
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقة ( 2 )
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2- ج)
-
رواية ( هروب . . بين المضيقين ) / الحلقـــــــة ( 1 )
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2- ب)
-
حنين . . في زمن مبكر / أغسطس 1984م.
-
كشف مترائيات العلمية والنقد العلمي (2-أ)
-
مترائيات العلمية والنقد العلمي - الانتهازيات وقيم السوق
-
النخب العربية واوهام تحرير العقل ( 3 )
-
النخب العربية وأوهام تحرير العقل ( 2 )
-
وطن متلون بالجنون
-
متوازنة قوانين الوجود والحياة بين مفهومي العبثية والضرورة (
...
-
رؤية شخصية حول عبثية الوجود والحياة ( 2 )
-
الوجود . . إشكالية لم تحل بعد
المزيد.....
-
كيف سطر خوان أنطونيو باتشيكو السيرة الفكرية لابن رشد؟
-
مازن الناطور نقيباً للفنانين في سوريا
-
الفنانة المصرية وفاء عامر تفاجئ أبطال مسلسل خليجي بـ-البط وا
...
-
الفنان داود حسين يكشف تفاصيل حالته الصحية (فيديو)
-
تعيين الفنان مازن الناطور نقيبا للفنانين السوريين
-
أمسيات الثلوثية.. ثقافة تثري ليالي رمضان
-
لتقديمه -رواية جديدة-.. تحرك رسمي في إيران ضد مسلسل معاوية
-
إيران تحظر دبلجة وبث مسلسل -معاوية-
-
شارك في -الحجاج- و-خالد بن الوليد-.. رحيل الممثل الأردني إبر
...
-
أبرز المسلسلات الخليجية في رمضان 2025
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|