أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - للاإيمان الشباني - نساء فوق العادة (خربوشة)














المزيد.....


نساء فوق العادة (خربوشة)


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


خربوشة



خربوشة، هذا الاسم الذي يتردد في الذاكرة الشعبية المغربية، لم يكن مجرد لقب لشيخة تغني العيطة، بل كان رمزًا للمقاومة والنضال، وقصة امرأة لم تخضع لظلم الاستبداد، فاختارت الكلمة الحرة سلاحًا تواجه به الطغيان. في حقبةٍ كان فيها الحكام يفرضون سطوتهم بالقوة، ويتحكمون في مصائر الناس دون حسيبٍ أو رقيب، برزت هذه المرأة القادمة من دواوير قبيلة "أولاد زيد" بعبد، لتكون صوت الشعب الذي لم يكن يجرؤ على رفع صوته، فواجهت القائد عيسى بن عمر، الرجل الذي اشتهر بقسوته وظلمه، بكلمات كانت أقوى من السيف وأبلغ من الرصاص.
في ذلك الزمن، لم يكن للضعفاء صوت، ولم يكن للمعارضة مجالٌ للبقاء، فالسيف كان الحكم، والدماء كانت تسيل في كل مكان، والقائد عيسى بن عمر، الذي عُيّن من طرف السلطان الحسن الأول حاكمًا على منطقة عبدة ودكالة، لم يكن يعرف الرحمة في حكمه، بل استخدم العنف والتنكيل لترهيب القبائل وإخضاعها لسلطته. كانت الضرائب تثقل كاهل الفلاحين، وكانت العقوبات تنزل على من تسوّل له نفسه التمرد، حتى لو كان مجرد اعتراض بسيط. في ظل هذا القهر، لم يكن أحدٌ يجرؤ على الكلام، لكن خربوشة لم تكن كغيرها من النساء، لم تخشَ بطش الحاكم، ولم تسكت عن الظلم، بل رفعت صوتها عاليًا، تفضح استبداده بعيطاتٍ نارية، أيقظت النائمين وألهبت مشاعر المقهورين.
كانت العيطة حينها أكثر من مجرد غناء، كانت وسيلة للتعبير عن الرفض، ولإيصال الرسائل المشفرة التي تحث على المقاومة. لم تكن كلماتها ترفًا أو لهواً، بل كانت نداءً للثورة، فحينما غنت:
"سير آ لعيسى بن عمر، سير أوليدي لله"
"راداك الباشا والكَيّاد، وفين غادي تلقى الفيّة"
لم تكن تغني فقط، بل كانت تصف سقوط هيبة القائد الذي كان يظن نفسه فوق الجميع. كانت القبائل تردد أشعارها، وكان صوتها ينتقل من دوارٍ إلى آخر، يزرع الأمل في قلوب المظلومين، ويثير غضب السلطة التي رأت في أغانيها تحريضًا صريحًا على العصيان.
كانت خربوشة امرأةً بدوية، لكنها امتلكت من الجرأة ما لم يمتلكه رجال عصرها، فلم تخف من عواقب تحديها للقائد، ولم تساوم على مواقفها. تشير بعض الروايات إلى أنها كانت تُنقل بين القبائل، تغني لهم وتحرضهم على عدم الخضوع، وكانت ترى أن من واجبها أن تدافع عن أبناء قبيلتها الذين ذاقوا الأمرّين من بطش عيسى بن عمر. كانت تعرف أن عواقب ما تفعله قد تكون وخيمة، لكنها لم تبالِ، لأنها كانت تؤمن بأن الظلم لا يدوم، وأن الاستبداد لا يمكن أن يستمر للأبد.
لكن القائد لم يكن ليسمح لهذه المرأة بأن تطيح بهيبته بهذه السهولة، فقد أمر باعتقالها وتعذيبها بوحشية. وتقول بعض الروايات إنها تعرضت لأشد أنواع العذاب، حيث تم جلدها وضربها حتى انهارت قواها، لكن رغم الألم، لم تتوسل ولم تطلب الرحمة، بل بقيت شامخة، صامدة أمام جبروته، لم تتراجع عن مواقفها، ولم تطلب الغفران. يُقال إنه أجبرها على الغناء أمامه، وأنه أراد إذلالها، لكن حتى وهي أسيرة، لم تفقد شجاعتها، بل واصلت غناءها، وكأنها تسخر منه أمام الجميع، مما زاد من غضبه وأدى إلى نهايتها المأساوية.
لم يعرف مصير خربوشة بدقة، فهناك من يقول إنها قُتلت بأمر من القائد، وهناك من يروي أنها دُفنت حية، لكن المؤكد أن صوتها لم يمت، فقد بقيت كلماتها حيّة تتناقلها الأجيال، وتحولت قصتها إلى رمز للصمود في وجه الطغيان. لم تكن خربوشة مجرد شيخة، بل كانت ثائرة، ومناضلة لم تحمل السلاح، لكنها حاربت بالكلمة، التي كانت أشد وقعًا من الرصاص.
اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على رحيلها، لا يزال اسمها يتردد في الموروث الشعبي المغربي، وأصبحت أغانيها جزءًا من تاريخ العيطة، ذلك الفن الذي لم يكن مجرد غناء، بل كان مرآة تعكس هموم الناس ومعاناتهم. قصة خربوشة تظل شاهدة على قوة الكلمة، وعلى أن المرأة، مهما كانت بسيطة أو بدوية، يمكنها أن تكون رمزًا للمقاومة، وقادرة على صنع التاريخ، ولو بكلمات موزونة تخرج من قلب صادق لا يخشى الطغاة.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء فوق العادة (خناثة بنت الشيخ بكار )
- الفقيهة نفيسة: العلم والورع والنسب الشريف
- نساء فوق العادة (نسيبة بنة كعب )
- القصيدة طامو
- فاطمة البويه
- المرأة المغربية
- نساء فوق العادة الملكة (ديهيا)
- رمضان وتجلي النور في القلب
- أنواع العلاقات المجتمعية
- الاحاسيس
- الشك وآثاره الوخيمة


المزيد.....




- مازن الناطور نقيباً للفنانين في سوريا
- الفنانة المصرية وفاء عامر تفاجئ أبطال مسلسل خليجي بـ-البط وا ...
- الفنان داود حسين يكشف تفاصيل حالته الصحية (فيديو)
- تعيين الفنان مازن الناطور نقيبا للفنانين السوريين
- أمسيات الثلوثية.. ثقافة تثري ليالي رمضان
- لتقديمه -رواية جديدة-.. تحرك رسمي في إيران ضد مسلسل معاوية
- إيران تحظر دبلجة وبث مسلسل -معاوية-
- شارك في -الحجاج- و-خالد بن الوليد-.. رحيل الممثل الأردني إبر ...
- أبرز المسلسلات الخليجية في رمضان 2025
- فيلم -أحلام عابرة- لرشيد مشهراوي: رحلة طفل من مخيم قلنديا إل ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - للاإيمان الشباني - نساء فوق العادة (خربوشة)