اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 17:31
المحور:
الادب والفن
من يوميات صائم في ولاية : لويزيانا
منذُ انزلقتُ كالسمكة للعيش في وطن اسمه العراق ، وأنا اقفُ على مفترق طرقٍ :
أراقب حركة الضوء والظلام واتجاه الرياح والطيور المهاجرة ،
وأتلمس كالعميان رائحة العباءات ،
وبعض ما تنفثه
الغيوم البعيدة من كلمات ،
لاصوغ منها أساور من قلقٍ أقايض بها لحظة من فرح
قد تقطر من شفتي زمانٍ متخشبتينْ .
وحين يصيب اليأس روحي من سماع طرقات المطر على شبابيكها : أعود إلى الجموع الغفيرة : حاضنتي الأولى - والتحم بها في الأسواق والشوارع والمقاهي وعلى اسطح البيوت العتيقة ؛ واهرول معها جيئةً وذهاباً - كما اعتدتُ - وهي لا تعرف إلى أين .
في هذا البلد العتيق يقضي الناس أيامهم ؛ جيئة وذهاباً ، مرة مع الصدر وأخرى مع المالكي وثالثة مع الكاظمي ، ورابعة مع المبشرين بالضربة العسكرية مثل قنبر والأبيض وابن الملة ، يصوغون لأنفسهم اوهاماً او أحلاماً تتساقط على رؤوسهم إذا تنحنح رونالد ترامب : او اذا أفتى الخامنئي بفتوى جديدة
وحين أحصي ماذا تبقى في ذاكرتي الآن : اجدها فارغة .
اذ لا ذاكرة لمن جف نهرا بلاده : وهو يراقب ببلادة ما يجري .
لا ذاكرة لمن يجلس القضاء في بلاده معصوب العينين : وهو يراقب ببلادة " نور زهير " حراً يرود سماوات البلاد بطائرته المسيّرة وهو يطلق الرصاص على الديمقراطيين والليبراليين واليساريين والشيوعيين والطيور المهاجرة من امثالي .
لا ذاكرة لمن " يچبچب ابهل ليل " وحيداً وهو يراقب حشود الجيش الشعبي قد فرغت من معركة : إسقاط امريكا ، وتحرير فلسطين ، وهي تتنفس الآن حريتها ولذة انتصارها : متعثرة الخطى في شوارع مظلمة .
قلتُ لنفسي : ماذا تتعلم من هذه الجموع التي تنتظر الصيف لتثور ؟ هل أظل هاربا
من نفسي إلى نفسي
ومن جسدي إلى جسدي :
حتى أحسستني منحوتاً كتمثال يقف محدقاً في الفراغ ، أو بوّاب عمارة يراقب مدهوشاً
الخارجين والداخلين
إلى هذا النفق الطويل الذي يسمونه : العراق ، وأنا اتلمسُ ظهري واتساءل : كيف قطعتُ مسافة الزمن الطويلة من غير طعنات الخارجين والداخلين إليه ، وهم : من الصباح الباكر وحتى المساء الفاجر : يرشون البلاد بالحصى ، وغيوم التراب ويتسللون خارجين من هذا النفق الطويل الذي اسمه : العراق :
وثيابهم تتبخر قدامهم ، وضمائرهم فَرِحَةً
بما يسحلونه خلفهم من صيد وفير …
لويزيانا
3- 3- 2025
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟