أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - سندريلا التي عبرت المرايا – ال Striptease التكتوكي














المزيد.....


سندريلا التي عبرت المرايا – ال Striptease التكتوكي


عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 14:09
المحور: الادب والفن
    


الحلقة 16
للقاص عبد النورإدريس

الجزء الأول: ضحكةٌ صنعت الأسطورة

لم تكن شيماء تعلم أن صوتها يمكن أن يفتح لها أبواب العالم، وأن مجرد قهقهةٍ صادقة قد تصبح جواز سفرها إلى مجدٍ رقميٍّ لم يكن يخطر لها ببال. في الزقاق الضيق حيث ترعرعت، كانت تعرف أن العالم لا يمنح الهدايا بسهولة، وأن الشهرة في عصرٍ يقدّس الصورة ليست أكثر من مسرحٍ واسعٍ يؤدي فيه الجميع أدوارهم بحثًا عن التصفيق، لكنّها لم تكن ممثلة، بل كانت هي النص نفسه، الضحكة التي كُتبت بصدقٍ وسط صخب الوجوه المتعبة.

لم تأت شهرتها من إثارةٍ متكلفة، ولا من استعراضٍ فجّ للذات، بل من شيءٍ أكثر جوهرية: من القدرة على صنع عدوى الفرح. حين حمّلت أول مقطعٍ لها وهي تضحك دون تصنع، لم تكن تدرك أن هناك شيئًا مخفيًا داخل تلك الشاشة، شيئًا يشبه الكيمياء، حيث تمتزج الضحكة بهرمونٍ رقميٍّ غامض، التكتومين، هرمون المنصة الذي يحدد من سيُشاهد، ومن سيُرفع، ومن ستُسلّط عليه الأضواء.

في عالم تيك توك، كانت الشهرة لا تتعلق بالمحتوى وحده، بل بالقدرة على فك شيفرة هذا الهرمون السري، على تحريك الخوارزميات كما تحرّك الراقصة طرف وشاحها في ضوء المسرح. شيماء لم تكن مجرد فتاةٍ تضحك، كانت أذكى من ذلك، كانت تدرك أن الضحكة وحدها ليست كافية، بل يجب أن تكون مزيجًا بين السحر والذكاء، بين العفوية والتخطيط، بين الفنّ واستعراض الذات في عصر الــ Striptease الرقميّ، حيث كل شيء يُكشف خطوةً خطوة، لكن دون أن يبدو مكشوفًا تمامًا.

الجزء الثاني: المسرح الرقمي واللعبة الخفية

في الثقافة الرقمية الجديدة، لم يعد مفهوم الستربتيز مجرد استعراضٍ جسديّ، بل أصبح لعبةً أعمق، استعراضًا تدريجيًا للشخصية، للهوية، للقصة التي تُحكى بلا توقف. تيك توك ليس مجرد منصة، بل هو مسرحٌ حديث، حيث يتعرّى المشاهير رقميًا، ليس عبر الجسد فقط، بل عبر سردهم المفتوح لأنفسهم، عبر كشف أجزاءٍ صغيرةٍ من حياتهم، حتى يُصبح الجمهور مدمنًا على الترقب، على الرغبة في رؤية المزيد.

هنا، كانت شيماء تمشي فوق الخيط الرفيع بين العفوية والاحتراف، بين أن تكون كما هي، وبين أن تعيد ابتكار ذاتها في كل فيديو جديد. فهمت سريعًا أن المتابعين لا يريدون فقط الضحكة، بل يريدون القصة وراءها، يريدون معرفة ما إذا كانت تضحك لأنها سعيدة، أم لأنها تخفي وجعًا أعمق، أم لأن هذه الضحكة نفسها هي استراتيجية مدروسة للبقاء في القمة.

هكذا، تحوّلت ضحكتها إلى أداةٍ في اللعبة، ضحكةٌ تحمل وراءها لغزًا صغيرًا، تجعل الجمهور يسأل: ما الذي يضحكها حقًا؟ هل هذه الضحكة صادقة؟ أم أنها جزءٌ من المسرحية الرقمية الكبرى؟

في هذا العصر، لا أحد يصعد دون أن يتعلم الرقص مع الخوارزميات، دون أن يفهم كيف يعمل التكتومين، الهرمون السريّ الذي يجعل بعض الحسابات تنفجر انتشارًا، بينما تظل أخرى عالقة في الظل.

كان المشاهير الجدد هم من فهموا هذه المعادلة، من عرفوا كيف يُعرّون أنفسهم بالقدر الكافي ليُبهروا الجمهور، لكن دون أن يكشفوا أوراقهم بالكامل. كان هذا هو الـ Striptease الأدبيّ، استعراض الذات بذكاء، كشف المشاعر على جرعات، تقديم القصة ببطء حتى يظل الجمهور جائعًا للمزيد.

الجزء الثالث: سندريلا التي كسرت المرآة

حين جاءت الدعوة الأولى لشيماء من منصة أزياء صينية، كانت تعلم أن هذه هي المرحلة التالية من اللعبة، أن تيك توك قد فتح لها بابًا جديدًا، بابًا يُعيد تعريف هويتها، ليس كفتاةٍ تضحك فقط، بل كرمزٍ للجمال، كوجهٍ للموضة الرقمية، كعارضةٍ لا تمشي فقط فوق منصة الأزياء، بل تمشي فوق أعصاب الجمهور، فوق شوقهم المستمر لرؤية التحوّل التالي في قصتها.

في شنغهاي، حيث انعكست صورتها على مئات الشاشات، شعرت للحظة أن المرآة التي كانت تصنعها بنفسها كل ليلة على سطح منزلها قد أصبحت حقيقة، لكنها كانت تعلم أيضًا أن هذه المرآة ليست بريئة، أنها مرآةٌ تتطلب العبور المستمر بين الوهم والحقيقة، بين الذات والصورة، بين ما هي عليه وما يريده الناس أن تكون.

كان هناك دوماً تساؤل: هل هي ما تراه في المرآة، أم ما يراه الآخرون فيها؟

تيك توك ليس فقط منصة، بل هو مصنعٌ لهوياتٍ جديدة، حيث يمكن لأي شخص أن يتحوّل، أن يُعيد بناء نفسه، أن يصنع أسطورته الخاصة. لكن في هذا العالم، هناك ثمنٌ دائم، هناك دوماً ستربتيز ماليّ، حيث تصبح الشهرة نفسها سلعة، حيث تبدأ المنصة في التهام أصحابها ببطء، حيث يصبح كل شيءٍ قابلًا للبيع، من الضحكة إلى المشاعر إلى تفاصيل الحياة الشخصية.

كانت شيماء تدرك هذا الثمن، كانت تعرف أنها كلما تقدّمت في اللعبة، زاد الرهان، زادت الحاجة إلى كشف المزيد، إلى إعادة اختراع نفسها من جديد. لكنها، على خلاف كثيرين، كانت تعرف متى تتوقف، متى تكسر المرآة بدلًا من أن تظل أسيرة انعكاسها.

وفي لحظةٍ فاصلة، بعد أحد عروض الأزياء الكبرى، حيث كانت تقف أمام آلاف الكاميرات، لم تضحك هذه المرة، لم تقدم ضحكتها المعتادة، بل نظرت مباشرة إلى العدسات وقالت بهدوء:

"في عالمٍ يبيع كل شيء، اخترت أن أشتري نفسي."

وكانت هذه، ربما، أعظم خطوةٍ قامت بها في لعبتها الخاصة.



#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكتوكر NORI19 و Dataisme ، نحو تأويل فلسفي لمفهوم الفهم
- التكتوكر Gerrard والعوالم الرقمية
- التكتوكر كاتب السر والخوارزميات السعيدة.
- رِوَايَةُ التِّكْتُوكَر للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات التكتوكر -YM-: التكتومين وماتريكس الوعي
- مغامرات با حميد الحلقة رقم 9 تحلل على المباشر – صياغة فلسفية ...
- مغامرات با حميد ومفهوم التكتوكر المرقمن
- قصيدة -غروب عشق-
- مغامرات با حميد صانع المحتوى والمؤثر ونظرية القهقهة للقاص عب ...
- مغامرات با حميد في عوالم اللايف، للقاص عبد النور إدريس
- إيفا...سيدة التكتوك، شعرعبد النور إدريس
- اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور
- مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدري ...
- صراخ باحميد وصمت الجبناء للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات باحميد وصراخ التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات BH ومنصة التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- قصيدة - الأناني - للشاعر عبد النور إدريس
- قصيدة -زوبعة المشاعر- عبد النور إدريس
- قصيدة: أَخافُ عَلَيْكِ شعر:عبد النور إدريس
- قصيدة -أغار عليكِ- شعر عبد النور إدريس


المزيد.....




- فنانة شابة في علاقة حب مع نور خالد النبوي؟ .. يا ترى مين ضيف ...
- إيران.. 74 جلدة لنجم شهير حرض على خلع الحجاب!
- سلي أولادك بأفضل أفلام الكرتون.. اضبط أحدث تردد لقناة كرتون ...
- انتقادات واسعة للمسلسل العراقي -ابن الباشا-.. هل هو نسخة من ...
- فنان مصري مشهور يفقد حاسة النطق.. وتامر حسني يتدخل
- شاهد.. مغني راب يصفع مصارعا قبل نزالهما في الفنون القتالية
- -أشغال شقة جدا- كاد ألا يرى النور.. مفاجآت صادمة عن المسلسل! ...
- معرض للفنان العراقي صفاء السعدون بين جدارن جامعة موسكو الحكو ...
- الأرميتاج يعدل برنامج الارتياد المجاني
- مشاركة لافتة لفيلم عراقي في مهرجان -RT.Doc: زمن أبطالنا-


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - سندريلا التي عبرت المرايا – ال Striptease التكتوكي