أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنية عبد عون رشو - المتهم رقم واحد














المزيد.....


المتهم رقم واحد


سنية عبد عون رشو

الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 08:19
المحور: الادب والفن
    


داست أقدامهم أزهار النرجس والجوري وأوراق الريحان الممتدة على طول الممشى . كأنهم أشباح تحاول ان تنتقم من بني البشر لا يغرسون سوى اليأس والحقد . وتصرفاتهم بمجملها رديئة وتحمل من الدناءة الكثير . كانوا يطاردون شابا ليس لصا . ولم يقتل أحدا . ولم تذكره أي امرأة بسوء .
إذن ماهي جريمته ولماذا يطاردونه . ؟؟ لا أدري
يسحبونه كأنه خروف صغير يعدونه لوجبة شواء دسمة . نحيل الجسد أهيف القامة ووجهه مثل اشراقة الصباح قميصه المتهدل بلون السماء وبنطاله اسود تغطيه بقع داكنة متربة من جهة محل جلوسه ومن ركبتيه يجر بقدميه نعلا اسفنجيا أصغر من قياس قدميه . وايضا لا أدري لماذا . !!
لم يتجاوز السابعة عشر من عمره . ربما أقل أو أكثر
شعره قد طال قليلا وهناك خصلات مبعثرة فوق جبينه خلتها لأول وهلة كأنها لطفل رضيع يصحبها بريق عينيه البريئتين
في ذلك اليوم أخبرتنا مديرة المدرسة والارباك واضح على طريقة كلامها طلبت منا نحن المدرسات جميعا ان لا نغادر قاعة الدرس بعد انتهاء الحصة الأولى وان نحافظ على هدوء المدرسة وعدم السماح لأي طالبة بالخروج من الصف لأي سبب أو عذر . كان ذلك الحدث في منتصف التسعينيات . وكما هو معروف بتعليمات تلك المرحلة اتباع سياسة نفذ ثم ناقش . لا نعرف ماذا يجري وما وراء ذلك الموضوع الذي يحبس الأنفاس بالتأكيد .ولا يسر من عايش تلك الحادثة بالذات .
كنت في غاية القلق والتوتر داخل قاعة الدرس وكان موضوع درسي في مادة الأدب العربي عن الشاعر أبو القاسم الشابي وقصيدته إرادة الحياة . فهمست مع نفسي وأين هي إرادة الحياة .وكيف ومتى يستجيب لنا القدر وشبابنا يعامل بهذه البشاعة وباللاإنسانية وليس باستطاعتنا سوى الصمت .
نعم اقتادوه صباحا مكبلا بسلسلة تربط كلتا يديه الغضتين ينظر مفزوعا يمينا وشمالا دون ان يركز بصره على شيء معين . كان يحاول ان يسحب كلتا يديه بقوة وكأنه يحاول ان يقول لهم انه انسان ومواطن في هذا البلد وله حقوق فيها مثلهم تماما وعليهم احترام انسانيته ومواطنته على الأقل وكونه يؤمن تماما انه بريء من التهمة التي ألصقت به .
يجره خمسة من أصحاب الكروش المتهدلة والذين لا يعرفون معنى للرحمة والانسانية . ولا تحمل وجوههم سوى التجهم والغضب فكيف والحالة هذه ان يثبت لهم هذا الفتى براءته .
وأول مشاهدتي لهم وطريقة تعاملهم الفضة والغير محمودة مع هذا الصبي اليافع تيقنت ان لا أضمن ان يبقى الفتى على قيد الحياة فيما بعد . يا إلهي كيف يتحمل قلبي الضعيف .
يتجولون في كل زاوية وكل ممر في المدرسة ما عدا قاعات الدرس لم يدخلوها . ثم حضرتْ العاملة لتبلغنا طلبهم بغلق أبواب قاعات الدرس . وتم لهم ما أرادوا .
لكني كنت أتابعهم من خلال النوافذ . وفي كل مكان يتوقفون فيه كان يدور حديث بيهم ثم يستنطقون الشاب ويبدأ يتحدث معهم وهو في غاية الخوف والهلع . طبعا لم أتمكن من سماع ما يدور بينهم وكأني أشاهد فلما صامتا . لكني فهمت بعضا من المعنى المخفي من خلال اشاراتهم مستعينين بأيديهم وهزة رؤوسهم وكذلك كان يفعل الشاب .وهو يتحدث بانفعال شديد وربما مع بكاء ونشيج وهذا واضح من مسحه لعينيه وانفه باستمرار وبكلتا يديه المربوطتين بسلسلة .
لم يكن فهمي لما يجري بالضبط لكنه استنباط لبعض الجوانب الغامضة . ما أحزنني وأبكاني في تلك اللحظة رجفة يديه الواضحتين عندما يرفعهما قبالة وجهه .
لم استطع ان أعطي درسي حقه كما يجب بل اكتفيت بقراءة قصيدة إرادة الحياة عدة مرات من قبل الطالبات . لكني بقيت أجتر بمخيلتي تلك الأفكار التي تراودني عن مصيره وماهي جريرته التي تستحق هكذا عقاب وتمنيت ان أفهم ما الذي فعله وما علاقة ممرات المدرسة وساحتها بالموضوع . لحد الان لا أدري ايضا .
ليتني لم أرَ ذلك المشهد وليتني لم أبصر الفتى في ذلك اليوم المشؤوم والذي بقيتْ صورته تلاحق مخيلتي حتى بأحلامي وكوابيسها التي لم تنقطع طيلة سنوات عمري .
وحين قدموه لقاضي التحقيق .كان الفتى قد تسمّر في مكانه ولا يدري كيف يتصرف وكيف يثبت براءته من تلك التهمة الباطلة احمر وجهه ودمعتْ عيناه وتهدج صوته برجفة واضحة وهو يقول :ـ يا سيدي صدقني أنا بريء وانا مغتاظ من اعتدائهم على كرامتي ابتسم القاضي كعادته فالأمر بات معروفا بالنسبة له وعليه ان ينتزع اعترافا من فم الفتى وبكل الطرق والوسائل وان كانت على حساب حياة الفتى .
القاضي يبني حكمه كما يشاؤون وليس كما تمليه عليه شرائع الله . ليبقى المتهم بريئا حتى تثبت ادانته . لكنها لم تثبت . أو هكذا يقول المنطق السليم .
فمن ذا الذي مسكه بيده ساعة ارتكابه بالجرم المشهود .؟؟
ومن ذا الذي رآه ليلا وهو يكتب شعارات مناوئة للسلطة داخل ممرات المدرسة . وهل استعانوا بخبراء خط اليد ليثبتوا انه يعود لهذا الفتى بالذات . لا ندري ايضا .
بكته قلوبنا وأرواحنا قبل العيون صمتا دون ان نتفوه جميعا بكلمة واحدة وكانت نظراتنا هي التي تتحدث .
بكته جدران المدرسة وممراتها وساحتها والنخلة الوحيدة في حديقتها وهي من شهدت ذلك البؤس ولمسة الصدق في بحة صوته وكيف بللت قطرات دموعه المنسابة فوق تربتها . وأنين الأرض ونوح اليمامة في أعالي قلب النخلة الحزينة .
وساعة تشيع جثمانه في فجر يوم ممطر ودون ان تقام على روحه مراسم الفاتحة وكما يعمل لبقية الأموات .
فليس بوسعنا سوى ان نتذكر اخفاقاتنا في هذه الحياة



#سنية_عبد_عون_رشو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفلة من غزة
- كذبة نيسان
- الحلم الكاذب
- مَنْ المسؤول
- رماد السنين نص شعر
- المزارع والحسناء
- رسام الكاريكاتير
- حدثني أديم الأرض
- منعطف الطريق
- درس التعبير
- صبي القُمامة ...قصة قصيرة
- جرح قديم
- قصتان قصيرتان هي...هو
- وضاع العمر
- ملامح غريبة
- رقص الافاعي
- غدا يوم آخر
- النازحة
- صانعة القلق
- اليوم الأول


المزيد.....




- مازن الناطور نقيباً للفنانين في سوريا
- الفنانة المصرية وفاء عامر تفاجئ أبطال مسلسل خليجي بـ-البط وا ...
- الفنان داود حسين يكشف تفاصيل حالته الصحية (فيديو)
- تعيين الفنان مازن الناطور نقيبا للفنانين السوريين
- أمسيات الثلوثية.. ثقافة تثري ليالي رمضان
- لتقديمه -رواية جديدة-.. تحرك رسمي في إيران ضد مسلسل معاوية
- إيران تحظر دبلجة وبث مسلسل -معاوية-
- شارك في -الحجاج- و-خالد بن الوليد-.. رحيل الممثل الأردني إبر ...
- أبرز المسلسلات الخليجية في رمضان 2025
- فيلم -أحلام عابرة- لرشيد مشهراوي: رحلة طفل من مخيم قلنديا إل ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سنية عبد عون رشو - المتهم رقم واحد