بإيجاز؛ والتر بنيامين والعمل الفني في العصر التقني/ إشبيليا الجبوري -- ت: من اليابانية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 00:38
المحور: الادب والفن
    

"في عصر إعادة الإنتاج التقني، ما يضعف في الفن هو هالته." (والتر بنيامين)

- مقدمة عامة مبسطة؛
الهدف؛ هو النظر في مقالته المؤثرة "العمل الفني في عصر إعادة الإنتاج التقني"()، يحلل الفيلسوف الألماني والتر بنيامين (1892-1940)() كيف تعمل التكنولوجيا على تحويل طبيعة الفن. نُشر هذا النص في عام 1936()، ويظل ذا أهمية لأنه يعالج التوتر بين الأصالة الفنية والإنتاج الجماعي. يزعم بنيامين أن الفن يفقد "هالته" - تلك التفرد الذي لا يمكن تكراره - عندما يصبح شيئًا قابلًا للتكرار.

- هالة الفن وأصالته؛
يشكل مفهوم "الهالة" محور تحليل بنيامين. وبالنسبة له، ترتكز هذه الهالة على تفرد العمل الفني وسياقه التاريخي. ويشير بنيامين إلى أن "ما يضمر في عصر القدرة على إعادة الإنتاج التقني هو هالة العمل الفني"(). إن القدرة على إعادة إنتاج العمل بشكل لا نهائي، سواء من خلال التصوير الفوتوغرافي أو الفيلم، تعمل على تحويل التجربة الجمالية وتعديل علاقة الجمهور بالعمل الأصلي.

وفي حالة السينما، يؤكد بنيامين أن العمل لم يعد موجها إلى متفرج فردي، بل إلى الجماهير. "إن السينما قادرة على جمع جمهور متفرق في لحظة واحدة من التأمل"()، كما يكتب. ومع ذلك، فإن هذا الوصول الجماعي يعني فقدان التجربة الحميمة والفريدة التي يعيشها المرء أمام عمل أصلي في متحف أو معرض.

ويلعب التصوير الفوتوغرافي أيضًا دورًا مهمًا في هذا التغيير. وبحسب بنيامين، فإن القدرة على التقاط الصور وإعادة إنتاجها تساهم في ديمقراطية الفن. ويضيف "بإمكان أي شخص أن يمتلك صورة الموناليزا دون زيارة متحف اللوفر”(). ومع ذلك، فإن هذه الديمقراطية مصحوبة بتقليص أهمية الفن.

- تأثير الإنتاج على إدراك الفن؛
يرى بنيامين في إعادة الإنتاج التقني ليس فقط تهديدًا، بل فرصة أيضًا. بالنسبة له، فإن فقدان الهالة يمكن أن يفتح له إمكانيات نقدية جديدة. ويقول إن "الاستنساخ التقني يحرر العمل الفني من وجوده الطفيلي في الطقوس"(). وهذا يسمح للفن باكتساب قيمة سياسية واجتماعية جديدة، والتكيف مع ديناميكيات الحداثة.

بهذا المعنى، يلاحظ بنيامين كيف تؤدي القدرة على إعادة الإنتاج إلى تحويل الوظيفة الاجتماعية للفن. ويؤكد أن "الفن لم يعد يخدم العبادة، بل يخدم السياسة"(). ويتجلى هذا في الاستخدام الدعائي للصور أثناء صعود الفاشية في أوروبا، وهي الظاهرة التي ينظر إليها بنيامين بقلق.

إن قدرة الجماهير على الوصول إلى الفن من خلال إعادة الإنتاج التقني تسمح أيضًا بالمشاركة الفعالة. يكتب بنيامين قائلاً: "يصبح المتفرج ناقدًا"()، مسلطًا الضوء على الكيفية التي تسمح بها التقنيات الجديدة للجمهور بالقيام بدور أكثر نشاطًا في تفسير الفن.

- إعادة الإنتاج الفني والسياسي؛
إن مقال بنيامين ليس مجرد تحليل جمالي، بل هو أيضًا نص سياسي عميق. بالنسبة له، يمكن استخدام القدرة التقنية على إعادة إنتاج الفن من أجل التحرر الاجتماعي والتلاعب السياسي. ويختتم بنيامين بالقول: "الفاشية تضفي طابعاً جمالياً على السياسة، في حين ترد الشيوعية بتسييس الفن"(). تلخص هذه العبارة قلقه بشأن استخدام الجماليات في الدعاية الشمولية.

يحذر بنيامين من مخاطر إضفاء الطابع الجمالي على السياسة، وخاصة في سياق الأنظمة الدكتاتورية. ويقول "إن الحرب تسمح للحركات الجماهيرية بأن يكون لها هدف فني"()، في إشارة إلى تمجيد الحرب والعنف في السينما والتصوير الفوتوغرافي في العصر النازي.

وأخيرًا، يرى بنيامين الأمل في الإمكانات النقدية للفيلم والتصوير الفوتوغرافي. "إن الفن المعاد إنتاجه يمكن أن يصبح سلاحًا في الصراع الطبقي"()، كما يكتب. رؤيته هي أنه من خلال تسييس الفن، يمكننا مواجهة التلاعب الأيديولوجي الذي تروج له الفاشية.

- أعمال ذات صلة بوالتر بنيامين؛
بالإضافة إلى كتاب "العمل الفني في عصر إعادة الإنتاج الميكانيكي"()، كتب بنيامين نصوصًا مؤثرة أخرى مثل "أطروحات حول فلسفة التاريخ"() و"الطريق ذو الاتجاه الواحد".() وتغطي أعماله موضوعات مثل النقد الثقافي والحداثة والتاريخ، مما عزز مكانته كمرجع للفكر النقدي في القرن العشرين.

وأخيرا. لا يزال إرث بنيامين يؤثر على تخصصات متنوعة مثل الفلسفة، والنظرية النقدية، والدراسات الثقافية. ويعد تحليله لإمكانية إعادة إنتاج الفن من الناحية التقنية مرجعًا لا غنى عنه لفهم العلاقات المعقدة بين التكنولوجيا والسياسة والثقافة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 03/05/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات