أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 17:43
المحور:
الادب والفن
لم يقو العم سعيد سوى أن ينتظر مجيء اليوم الثاني - في كل مرة يعود فيها إلى منزله يظل يخطط كيف سيلقى الحاج ، الذي يعرفه من زمان بما يوصف به . . إنساناً متواضعاً حقانيا . . يستمع إلى شكاوي العمال المختلفة - سيحاول أن يسترجع الماضي لإخلاصه المحب للحاج ، لتقدير وضعه المؤلم الحالي المتجاهل ، وهو من ضحى بأطراف يديه اليمنى واليسرى من اجل إنقاذ إحدى الآلات من العطب عندما قام أحد العمال بالضغط على زر التشغيل دون تنبه لانتهاء العم سعيد من اصلاحها وابتعاده عن رؤوسها المسننة - مهما بلغ عدم انتباه الحاج له ، إلا أنه موقن سيستدر عطفه . . عتى بالبكاء امامه لما يجده أبناءه من مهانة العيش . . على الاقل اكراما لعمله الدؤوب المجد منذ بدء تشغيل المصنع وتوسع رأس مال الحاج وتجارته – كان طوال حياته ركيزة عمل المصانع كخبير اول يوضع له الف حساب . . وقوعه في كارثة فقدان اصابع يديه . . بخطأ ارتكبه غيره .
ساعات الليل رغم مرورها السريع , كانت تظهر متباطئة في سريانها , فقد كان يرفض أن تمر دقيقة دون أن يجمع الشكوى والذكريات القديمة في قالب مأساوي . . يحاول أن يستعرضها غداً في امتحانه الصعب .
كانت ذكرياته تختفي منها المواقف الممتلئة بالكبرياء ، لما كان عليه كإنسان له الخبرة التي توضعه من المكانة موضع التقدير ، خاصة وما وسم به من التفاني في الخدمة .
لم يكن راضياً على استدرار العطف بتلك الطريقة المذلة لنفسه . . لكن للضرورة احكام , لكنه لا توجد طريقة أخرى يمكن أن تعيل أطفاله الستة وأمهم ، الذين أصبحوا لا يجدون ما يكفيهم من القوت الضروري , فليس هناك ضمان اجتماعي من الدولة أو من العمل ؛ لذلك كل ما يستطيع أن يعمله هو استجداء عطف الحاج عسى أن يقرر له راتب حقيقي يتعيش عليه هو وأولاده .
- صباح الخير يا مدير .
- صباح الخير
. . ليش بكرت . . الجو بارد جداً
. . وهذا مضر بصحتك يا عم سعيد .
- كله يهون ما دام سأقدر أن أقابل الحاج .
في حديث مقتضب معه وهو جالس على جوار منضدتي ، بإطلالة على حوش الشركة والشارع المسفلت الموصل اليه ، وذلك من خلال زجاج النافذة الواسع من الطابق الثاني . . بدت سيارة صاحب الشركة تقترب في سيرها من على الشارع الاسفلتي المقابل و . . حتى وقوفها عند درجات السلم الحجري المغطى بالرخام المزخرف ، الواسعة والممتدة عرضا – كانت السيارة بلونها القرمزي الزاهي , تكشف من داخلها مستوى عالي من الرفاهية والفخامة – قبل نهوضه المتسارع لمقابلة الحاج على السلم قبل ولوجه البوابة الزجاجية لمدخل مبنى الشركة – حيث لن يسمح له من عندها احد من المحتشدين المجاملين والمرائين بالولاء والطاعة والمرافقين أن يلتقي وجها لوجه مع الحاج ، بدء من الصالة والممر المؤدي الى مكتبه في الطابق الخامس بعد خروجه من المصعد الكهربائي - بادرني صوت العم سعيد بآخر حديث كان معي بلهجة عامية متشربة بالحزن وسخرية القدر . .
- سنموت جوع . . أنا وأولادي
. . لو ما كنتش حمار .. زمان !! .
لا تغيب عن مخيلتي سيارة الحاج ، فكثيرا ما كنت اتأمل في محتواها الداخلي ، كانت اشبه ببهو قصر مصغر متنقل فيما عليه من الفخامة وما يحتوي داخله من الرفاهية ، تلفزيون ، راديو ، تلفون عبر الاقمار الصناعية ، براد للشاي وآخر للمشروبات المثلجة وطاولات تفتح ورفوف لاستخدامات متعددة الاغراض – اشعر بالعم سعيد ما يقوله في سره عند رؤيته ذلك لمرات كثيرة عند انتظاره عند موقف السيارة . . عسى أن يخرج الحاج . . كاشفا كذبهم بأنه مسافر في الخارج – يقول كيف هم مرفهون و . . نحن لم نحصل على شيء سوى فقد الأطراف ، نكبرهم . . حتى نصل لا حقوق لنا عندهم - بسرعة خاطفة ينزل السائق من مقعده ليفتح باب السيارة الخلفي ، يترجل من خلاله شخص بلغ من العمر حوالي السبعين عاماً – رغم فارق السن بعشرة سنوات بينه والعم سعيد ، إلا أنه بدت عليه القوة والصحة الجسمية مالم يكن معهوداً مع من كان من أمثاله قد بلغ مثل هذا السن .
نهض العم سعيد من جلسته القرفصاء على سلم مدخل الشركة ليكون أول المتحدثين ولينتهز الفرصة في الانفراد بالحاج قبل أن يأتي آخر ليسرق استماعه عن حديثه المتوجع – لا أحد غيره يعرف قدره , كيف يعرفون . . هناك الآلاف من المستخدمين . . الآن - تعثر في محاولته للوقوف ، فجثته أصبحت عبئاً على روحه المعذبة ليل نهار وروحه المريضة أرهقت جسده ، حتى أنه بدأ يميل إلى التفحم من كثرة احتراق خلايا البشرة فيه .
ما هي سوى لحظات ترجل خلالها الإنسان المهم من سيارته والصعود على الدرجة الاولى من السلم ، بينما ينزل العم سعيد ساحبا نفسه لاستقبال الحاج ببهجة وحب شديد الاخلاص لما رآه من ابتسامة رضى وعرفان . . قرأها على وجه الحاج عند رؤيته – كنت اعرف أنه لن ينساني ، اكيد سيأمر بإعطائي راتبا شهريا كاملا ، إن لم يوجه بمنحي علاوة ومكافأة ضخمة عرفانا لخدماتي الطويلة . . التي فنيت عمري فيها – ربما يوجه بتوظيف من ابنائي ، كان يقول خلال ترافقنا المشوار من اول سلم العمل بعد انشاء المصنع . . اننا شركاء فيه ، لنا فيه حق كما هو مالك له - أثناء هذه اللحظات الغامرة في روحه تراجعت مخيلته إلى ما قبل خمسة وثلاثين عاماً يوم أن كان أول خبير في المصنع .. يقف إلى جواره سليم هائل ( البك الصغير ) كما كانت شهرته آنذاك – يمتدحه الحاج لدرجة أنه كثيراً ما كان يردد بأن هذا المصنع مصنعك قبل أن يكون مصنعي أنا , ومرات عدة اقترح عليه مشاركته في المصنع ؛ عليه رأس المال وسعيد عبدالباقي عليه الجهد المبذول في تطوير إنتاجية المصنع – إلا أن كبرياءه أبى مثل هذه المشاركة , وأنه لن يكون سعيداً إلا بالراتب الشهري المعطى له وبكلمة العرفان فقط .
رفع العم سعيد يده المقطوعة الأطراف إلى جوار جبهته تحية للحاج وهو على بعد بضع درجات من السلم الرخامي ؛ الواقعة خارج لمبنى – لم يبدأ بفتح فمه , حتى فوجئ بأقدام متسارعة تتخطاه
- حمداً لله على السلامة يا حاج .
يأخذ الساعي الشنطة الدبلوماسية الفاخرة من السائق ويرتقي السلم سريعاً منتظراً الحاج عند مدخل المبنى بجوار البوابة الذي ارتفعت يده في تحيته شبه العسكرية , حتى تجاوز الحاج مكانه عند مروره من البوابة .
تجمهرت بتزاحم مفرط كثير من البدلات البيروقراطية والمستثمرين الأجانب حول الحاج يتسابقون في مصافحته والترحيب به والسؤال عن الأحوال , لم يستطع العم سعيد أن يشق مكاناً له بين الحضور رغم مجيئه المبكر – فأطرافه التي فقدها في يوم كان يعتقده بطولياً . . لعبت دورها في عدم قدرته على التنافس في الزحام للوصول إلى حضرة صاحب الشركة – لم ييأس فقد رفع صوته الجهوري بكلمات الترحيب حتى أنه كاد يتنطط في مكانه لشعوره بالجميل بمثل هذا الحب الموهوب من الجميع لإنسان مثل الحاج هائل , والذي لا يمكن أن يكون محبوباً إلا إذا وجد ما يبرر هذا الحب .
- الله يحيكم يا أولاد . . الحاج مؤمن لن يقصر ( في نفسه مغتبطاً )
رغم جهارة صوته القادم من خلف الزحام . . كما لو انه اقرب المقربين الى مالك الشركة ، كانت نبرات صوته واضحة التقطع من الانفعال المنتحب ، حتى ملامحه قد تغيرت . . لا يستطيع الحاج أن يعرفه من خلالها . . هذا إذا ما زال يذكر من رافقوه بدء مشوار استثماره التجاري - اكثر من خمسة وعشرين عاماً مرت منذ أن تكونت الشركة لم يره الحاج خلالها ، حتى وإن عرفه . . لا يعني شيء ، ما يعنيه سوى أخبار شركته وفروعها في بلدان العالم المختلفة .
وقف العم سعيد شبه منذهل من جفاء هذه الحياة التي أضحت تلاحقه بصور متعددة من البؤس ، حالما وجد الحاج قريبا منه اكتظ الحجيج حوله ، حتى اغلقوا مسارا لتقدمه نحوه - دمعات حارقة تبدأ مجددا بخط مجرى سيرها عبر وجنتيه لينطبع عليهما كأخدود غائر . . لا يختفي اثره مع مرور الوقت . . .
- لا بأس .. سأقابله في مكتبه .. وليس بعيداً أن يذرف دموعه.. تأثيراً كما هو حادث لي الآن .
. . انه طيب القلب . . مؤمن يخاف الله .
كان البرد قد ضرب أعضاءه .. وبإعياء بدأ يجر أقدامه المتثاقلة ببطء نحو مدخل الشركة , وفي كل خطوة يخطوها كانت تسمع اصطكاك عظامه .
- لو سمحت .. اعط خبر للمدير بأن العم سعيد يطلب الإذن في الدخول إلى حضرته .
. . قل له – الله يخليك – يشتي يقابل الحاج ضروري .
نظرة حزن تستميل البواب . . يدخله بعدها إلى مكتب المدير - كان العم سعيد معروف عند كل العمال والموظفين العاملين في الشركة ليس ذلك فحسب بل كان محبوباً يحظى بالاحترام والتقدير منهم جميعاً . . ويتأسى الجميع من اجله
الانتظار لم يدم طويلاً , فالرد كان قد عرفه العم سعيد من ملامح البواب المكتئبة التي تحمل في طياتها مشاعر التضامن معه .. ليس جديد عليه هذا الموقف , فقد تكررت مثل هذه التمثيلية معه من سابق مرات عدة – شوف لك حل يا عم سعيد , الحاج مسافر بعد ساعة : همس الساعي في أذنه وخرج لإحضار أكواب شاي لضيوف عبروا مكتب المدير دون استئذان أعوام بعد حادثة اصابته في المصنع ، حيث سوفت قضيته بضياع حقوقه , فأوقع اسرته في أحوال منكوبة . . تزداد سوءاً يوماً بعد يوم , وظهر العم سعيد تكاثرت فيه التقرحات والانحناءات حتى أصبح ملاحظاً عليه ممن كان يشاهده من الخلف يبدو كما لو أنه جثة متحركة بدون رأس .. ودموعه المحزنة الثائرة ظلت لا تبرح عينيه التي قاربتا العمى .
أعوام من الشقاء تعيد نفسها في كل يوم يأتي إلى مبنى الشركة, يظل جالساً القرفصاء بعد أن أنهكه عذاب التنقل بين مكاتب المسؤولين .. المتوزعة في الخمسة وعشرين طابقاً , لم يستطع خلالها أن يلتقي بصاحب الشركة المحبوب , الذي طالما ردد عليه أثناء الخدمة بأنه صاحب المصنع الحقيقي , وأنه جزء لا يتجزأ من خيرات هذا .
حتى اللحظة الاخيرة قبل مغادرتي اليمن ، تصلني الاخبار عن العم سعيد بأنه في حالة من شبه الجنون . . يرثى لها ، اشعث بهذوم متهالكة . . يحادث نفسه بصوت مسموع في السنوات الاخيرة من مجيئه اليومي من بدء الدوام و . . يغادر عند خروج كامل العاملين وتأمين غلق بوابة الشركة – يجلس متكوما على نفسه في جلسته مسندا وظهره مسندا على اعلى الجدار الجانبي للسلم الرخامي . . المتصل بحائط المبنى ، تارة على الجهة اليمنى واخرى على الجهة اليسرى ، بعيدا عن البوابة الزجاجية لمدخل الشركة ، الذي بعد وقت طويل . . لم يعد يسمح له بالولوج الى داخل الشركة ، ولم يعد مرئيا لاحد من العاملين . . عند دخولهم وخروجهم – كما لو انه غير موجود - حتى ممن كانوا يعرفونه . . ويولونه شدة الاحترام والتقدير من قبل - لا تفارقه الدموع . . حتى عند مغادرته راجعا الى منزله – منذ اختلال حالته النفسية . . توقف الزمن كأول مرة لديه عند تلك الايام الاولى الماضية لما تقارب العشرة سنوات او تزيد بعد بتر اصابعه . . اسير عادته بالسير الى الدوام في الشركة الام والعودة بعد انتهائه . . لمقابلة الحاج وعرض شكواه ، عسى أن يلقى الحاج عند مجيئه وقبل صعوده الطابق الخامس الى مكتبه ، المحجوبة فيه الزيارة للعاملين عدى كبار المدراء و . . ايضا في امور تخص العمل وبعد طلب الاذن منه لإدخالهم ، وذلك من قبل السكرتارية ومدير المكتب – حين يلتقيه . . يعرف طيبة الحاج – إنه يخاف الله . . أن يعرض عن أي سائل يأتي إليه . . ما بال أن اكون أنا ، من صاحبه خطوة خطوة من بدء مشواره – سيقابلني كعادته بالحفاوة والتقدير ، سيقول - كما اعتاد قوله عندما كان يصادفني - امام الجميع . . هذا صديق العمر ، و . . له فضل كبير لما وصلنا إليه – سيأخذ يدي مرافقا معه وكلمات الاسى على الفاجعة الاليمة لفقد اصابع كفي ، يدخلني معه الى مكتبه الفاخر ، يقعدني على كرسي الجلد الفاخر مقابلا له وراء طاولته الطويلة الانيقة المحيطة به كحدوة الحصان ، يضغط على جرس عند يده اليمنى طالبا قهوة لي وتوجيه امره لمدير مكتبه ألا يدخل كائن من كان . . إلا بعد خروج المهندس سعيد -سيستمع بتعاطف لشكواي المحرقة ، والغضب يظهر واضحا عليه . . كيف لهم أن طول هذا الوقت لم يعملوا شيء ، ولم يخبروه طلبي لمقابلته . . من ذلك الحين – هذا ما سيحدث . . متى ما يعود من الخارج – كما يخبرونه دوما ب . . انه مسافر خارج البلد - المدير ليس منه فائدة ولكلامه المعسول المتهرب دائما ، الذي طالما ردده . . ويعرفه الجميع بأنك والمصنع شيء واحد لا يمكن أن ينفصل أحدهما عن الآخر – كان ما فقد من ذاكرة عم سعيد ، أن الحاج البيك علي قد لحظه وتجنبه بتجاهل لمرات عدة . . وهو يزاحم بين لهث الموظفين لإلقاء تحية الصباح عند دخوله وتحية الوداع عند مغادرته –عشش عقل العم سعيد وهم الايمان بعطف وعدالة الحاج - يعرف دناءة المسئولين لما وصل إليه حاله واسرته – أكيد كذبوا على الحاج حوله وحقوقه ، فلا يمكن أن لا يبلغ بحادثته في المصنع ، فعلي بك – لم يكن يجرأ ومسموح له استخدام لفظ الحاج . . سوى العم سعيد فقط - لم يعد يذكر عنه شيئاً .. سوى الاجراءات كشوف النفقات الكبيرة المدفوعة لإسعافه وعلاجه في المشفى , والقرار الاداري لعدم اهليته للعمل و تسوية انهاء خدمته ومنحه كافة حقوقه وفق النظام المتبع في الشركة . . لمثل حالته – وهو ما مثل ظلما قاهرا . . لن يزيله إلا عبر الحاج حين يقابله – ومن غير الممكن ألا يكون ايامها . . البيك لم يسمع صوته المرتفع حنقا وضجيج المتعاطفين في توسطهم للسماح بدخوله . . او ابلاغ البيك ليأذن له بالدخول – كان الاذلال في نهر العم سعيد قول متكرر من مدير المكتب والمدير العام للشئون المالية والادارية . . نحن مش صندوق رعاية اجتماعية – لم يبقى أمام العم سعيد سوى الجلوس عند طرف اعلى سلم الرخام الخارجي خلال الدوام الرسمي واسفله عند انتهاء الدوام . . عساه يصل اليه يوماً – خلال اعوام طويلة مضت من انتظاره خارج مدخل مبنى الشركة في حالته النفسية المتدهورة ، تعدم ذاكرة العم سعيد ما تطبعه لمرات كثيرة . . عيناه في عقله وتنكره نفسه ، أن البيك كان يلمحه من بعيد و يتعمد تجاهله ، وبعدها لم يعد البيك يسقط نظره عليه . . حتى من بعيد ، وكعادته عندما يمر قريبا من مكانه يكون ملهيا مع من يصاحبونه عند الدخول والمغادرة . .
- متى يا رب ؟
يأتي ويعود البيك مسافراً – كيف كان العم سعيد الأقرب اليه , بعناده , حبه , وبصوته الجهوري .. المتميز , فلا يحس صاحبه إلا بالناس المهمين الواقفين في استقباله , وسيره وسط قطاع المجاملين من المدراء الصغار ومجموعات الدراسات الشخصية لطاقم الأسرة المالية , المديرة للأعمال حتى يبتلعه المبنى ولا يسمع بعد انتظار طويل إلا أنه قد غادر من السلم السري الذي تفتح عليه مكاتب سليم بك وثلاثة آخرون من الأسرة الكريمة – أعضاء مجلس الإدارة – وخلال أيام قلائل – لا أحد يعلم إذا ما كان الحاج سيحضر خلالها – كان يجلس منتظراً محضراً قولاً مأثوراً ... تتفلق له الحجر – نفس سؤاله يومياً حتى يقول له أحد الحاج سافر أمس – ليس هناك مخرج - رغم حالته الذهانية . . لن يترك يوماً يعبر عليه - يقول لنفسه صباح كل يوم خلال ذهابه إلى مبنى الشركة والجلوس امامها طوال النهار . . الله لن يتركنا مهانين . . نموت جوعاً . . لن يتركنا .
تملكني الحزن مجددا . . وغصة تعصر نفسي . . حين ومض مرئي العم سعيد في ذهني ، و انسكابها دفقا لمأساته دون توقف . . كفلم حي اسر تفكيري وتخيلي الذي كنت ألح على مجيئه لإفراغ شحنات الامي الذاتية الجاثمة على نفسي – توقفت يدي عن الكتابة و . . توقف رغبتي وحالة الصفاء التي جئت من اجلها – رحل عالم التحليق وذاتي التي اطلقت لها العنان للتماهي معه ، نازعا عني قبح ما وقعت فيه – ما الذي أتى بالعم سعيد الى مخيلتي ، انه قصة عابرة من مئات الاف القصص التي تمر بنا ولا علاقة لها من قريب او بعيد بحياتنا الخاصة – لا افهم . . إذا ما كانت المعاناة الشخصية فيما انا واقع محاصر نفسيا فيه وما يحيط بي ، احساس الضياع ، تلاشي احلام المستقبل و . . كبريائي الذي يبدو وهما بفرض حقيقة من أكون رغم كل شيء يقف ضدي . . تحجب عني ذل العيش كغريب مفلس عاطل متصدق عليه المأكل والمشرب واقامة النوم . . لوقت محدود ، لا قيمة لوجوده أو هدف – تحجب عني عذاب الترهيب الذي عاشته امي وما تعانيه من حرقة . . عدم وجودي جانبها و . . خوفها وجزعها . . كيف انا الان ، كيف آكل وصحتي ، ابردان ام دفيان ، مرتاح حولي الكثير ممن يحبوني أو . . اكذب عليها كوحيد ضائع – حتى اخوتي . . من يحميهم . . في غيابي . . .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟