اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 09:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1 )
نتيجة حيازته لحرية واسعة في الاختيار والتجريب : تمكن المهاجر الأوربي إلى الارض الجديدة ، من ان يصبح عضواً في أمة جديدة في التاريخ هي : الامة الأمريكية . لقد أباح لنفسه من حرية الفعل ما لم يتمكن آباؤه وأجداده من حيازتها في ظل حياة تنظمها الكنيسة : وبسبب من هذه الحرية الواسعة نجح في هزيمة التحديات التي واجهته والسيطرة على حياته ..
2 )
لا تشبه هجرة الأوربي قبل أربعة قرون : الهجرة التي يقوم بها الناس في هذه الأيام من مدن الظلام والفوضى ، إلى بلدان عامرة بشعوبها ، نظمت حياتها بطريقة راقية مبتكرة قياساً إلى أنساق تنظيم الحياة في بلدانهم التي توصف عادة بالمتخلفة . وتعمل تشريعات بلدان اللجوء الاوربية عادة ،
على رعاية حقوق الأنسان ، ولهذا يجد المهاجرون اليها - حتى قبل التثبت من أوراقهم الثبوتية - مساعدات تشمل الضروريات كالسكن والغذاء والملابس . لكن الأوربي الذي هاجر قبل أربعة قرون احتاج في مكان الهجرة الجديد لكل ما هو ضروري للعيش : احتاج للسكن ، وللقوت ، ولوسيلة نقل الماء ، والى المادة التي يصنع منها ملابسه ، واحتاج إلى الاطمئنان والى الشعور بالأمان . وعليه ان يعتمد على نفسه في العثور على ما يحتاجه ، اذ لا توجد دولة سبقته في الوجود إلى المهجر ، لكي تحميه وتنظم له حياته ، وتعين له نوع العمل الواجب ممارسته . ان عليه ان يقوم بنفسه في اداء تلك الواجبات : من غير ان ينتظر عوناً خارجياً من وراء المحيطات والبحار التي عبرها الى الارض الجديدة …
3 )
أوحى بعض المؤرخين الذين درسوا حالات الهجرة إلى الأراضي الجديدة بوجود سلطات : سبقت لحظة وصول سفن المهاجرين : قامت برعايتهم ، وساعدتهم على تفادي اخطار المكان الذي هاجروا اليه . وقد شَكّلَ هذا الإيحاء : عقبة امام البشرية في فهم معرفة الكيفية التي تمكن من خلالها المهاجرون إلى ارض يجهلون كل شيء عن طبيعتها في ان يتمكنوا من التكيف اليها ، والعيش فيها ، وصناعة أمة عظيمة اقتصادياً وعسكرياً . لقد اكتشفت جموع المهاجرين بشيء من الصدمة : بان معتقداتهم القديمة عن الحقائق المطلقة والصالحة لكل زمان ومكان : بأنها لا مطلقة ، وغير صالحة لكل زمان ومكان ، وأنها لم تنفعهم في مواجهة تحديات العيش في المكان الجديد…
4 )
فوجيء المهاجرون الأوربيون إلى الارض المكتشفة حديثاً : بعطب معتقداتهم القديمة ، وان عليهم - لكي يعثروا على أسباب العيش في المكان الجديد - ان يتخففوا من حمولتها ، بنسيان اوامرها ونواهيها : إذا أرادوا العثور على حلول سريعة للتحديات التي تواجه بقائهم على ارض مسكنهم الجديد …
5 )
استنتج المهاجرون منذ اللحظات الأولى لوصولهم إلى أرض الهجرة : بان عليهم التأسيس لمعتقدات جديدة : بعد ان تبينوا عطب معتقداتهم القديمة ، وأكذوبة صلاحيتها لكل زمان ومكان . وكانت اول مفاهيم معتقداتهم الجديدة : هي الحرية : التي شكل التفكير والتصرف انطلاقاً منها : القاعدة الأولى ممن قواعد العيش على ارضهم الجديدة . فالحرية التي كانت مطرودة من مجال تفكيرهم ، وبسببها قتلت محاكم التفتيش المئات بتهم السحر والهرطقة : صارت الآن قاعدة ينطلقون منها في التأسيس لنظرية جديدة عن الإباحة والتحريم ، تفرعت منها نطرتهم الاخلاقية …
6 )
لقد فرضت ظروف المكان الجديد على المهاجرين : التوسع في دلالة مفردة الحرية لاتساع نطاق الأشياء التي يكتظ بها أفق المكان الجديد . فاباح لنفسه حرية واسعة في البحث والتجريب . ان قاعدة الحرية التي انطلق منها المهاجرون في الإباحة والتجوز . قد ساعدتهم على اكتشاف قاعدة الحياة الكبيرة القائلة بان كل شيء نافع ومفيد فهو حلال . لم تعد طبيعة التحريم غالبة على طبعهم بل انتصرت طبيعة الإباحة والتجوز : طبيعة الحياة . لقد أباح لهم صراعهم الضاري مع : الندرة والموت حرية أوسع بما لا يقاس من القيود على السلوك والتصرف التي وضعتها الشرائع الدينية على أعضاء مجتمعاتها : خوفَ ان تنزلق عقولهم " المحدودة" كما تقول كتبهم الدينية وتدفعهم إلى التطاول والاقتراب من المناطق المحرم عليهم الاقتراب منها أو التفكير فيها : فيتكرر مشهد ارتكاب " المعصية الأولى أو الخطيئة الأولى " التي اقترفها آدم وزوجه ؛ وأكلا من الشجرة التي حرم خالقهما عليهما الاكل منها . ثمة حدود لا يجوز انتهاكها وضعتها شرائع السماء لتنظيم علاقة البشر ببعضهم ، وبمعطيات الطبيعة التي تحيطهم ، وبالسلطتبن : السياسة والدينية التي تدير شأنهم العام ، لكنَّ الإنسان المهاجر : اكتشف بان وجوده واستمراره في الحياة : مرتبط بانتهاكه للحدود وللاحكام التي كبّلت بها شريعة الدين حرية وحركة عقول آبائه وأجداده . في عالم الهجرة الجديد ، اصبحت الإباحة فيها ضرورة : لتكون معرفته واسعة بكل شيء مما يحيطه : فيتكيّف للمكان الجديد بشكل صحيح …
7 )
اصبحت حرية الانسان في انتهاك المحرمات الموروثة شرطاً من شروط نجاح تجربة العيش على ارض الهجرة ، انها السبيل الوحيد لتوفير ضروريات العيش ، وقاعدة أساسية من قواعد مواجهة التحديات التي تقف بوجهه .لقد سمح الجميع للجميع بحرية واسعة في التجريب . وفي هذا السماح الذي فرضته ضرورات النجاة والاستمرار بالعيش ولد : مبدأ حرية التعبير عن الرأي ، اهم مبدأ من مباديء الاجتماع البشري الجديد : الذي بدونه سيتعرض الإنسان المهاجر للموت ، او للفوضى ( كما هي حال مجتمعات المشرق العربي . التي تصر على موتها : وهي تستعيد بشراسة " أصول " العالم القديم التي تركها الأمريكي خلفه وهو يهاجر منه : لقساوة قيوده وثقلها على حركة الشعوب المشرقية في اكتشاف طرق التغلب على الموت …
8 )
ورغم الخسائر المرافقة لمنهج التجريب ، منهج الصح والخطأ ، الا انه لا يوجد ما يشير إلى تمكن الخوف والقلق من منافذ وعي الأمريكيين : اذ ظل مشهد التجريب - في قلم الشاعر وايت وايتمان ، وفي قلم ابرز صوتين روائيين : فوكنر وهمنغواي ، خالٍ من مشاهد القلق والخوف والرعب واللامعنى التي كانت الثيمة الأساسية في كتابات القاص والشاعر الموهوب : ادگار آلان بو ، والتي لم تصبح الثيمة الأساسية للأدب الأمريكي .
، ففي لحظة تجريد وعي الإنسان من كل المسبقات النظرية : وزجه في الحياة بوعي خالٍ من السرديات المسبقة - سيصل إلى الحقيقة عن طريق التجريب : كما اثبتت ذلك تجربة تأمل : " ابن الطفيل " التي صاغها في قصته الرمزية : حي بن يقظان . وهكذا تفرض الحرية منهجها : منهج الخطأ والصح ، منهج التجريب الذي لا يكون ناجحاً إلا في المجتمعات التي تعاقد ابناؤها على ان الحرية : هي القاعدة الذهبية للعيش المشترك ، فقاعدتها هي الوحيدة التي تتحقق فوقها الكرامة الإنسانية …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟