أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الثاني















المزيد.....



موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الثاني


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 15:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الممر الصهيوني
أطلقت الصين مبادرة "الحزام والطريق"، أو "طرق الحرير الجديدة" خلال زيارة رسمية للرئيس شي جين بينغ إلى كازاخستان (أيلول/سبتمبر 2013)، لإحياء تلك الطرق البحرية الموجودة منذ آلاف السنين، للرّبْط بين طَرَفَيْ القارّة، قبل وقت طويل من افتتاح قناة السويس، وتمثّل التّغْيِير في بناء أو تحديث طرق النقل البري الرئيسية، وإزالة العوائق الفنية والجمركية والتنظيمية داخل منطقة أوراسيا، واتّجهت المشاريع الصّينية في البداية بشكل رئيسي نحو التكامل الاقتصادي القاري، والرّبط بين المشاريع الموجودة، وأهمها وأقْدَمُها ما يسمى بممر "الشمال-الجنوب" أو ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب ( INSTC ) الذي تم الإتفاق عليه وتوقيعه سنة 2002 بين روسيا وإيران والهند ويمزج الطرقات البحرية بالبرية، ويسمح بنقل البضائع بين هذه الدول الثلاث، قبل انضمام أذربيجان ( التي لها علاقات جيدة بالولايات المتحدة وتركيا وروسيا والكيان الصهيوني) وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وسلطنة عمان وسوريا، مما أتاح رَبْطَ بحر قزوين بالسكك الحديدية عبر أذربيجان، ومن ثم إنشاء خط السكة الحديدية بين طهران والحدود الأذربيجانية، مع الإشارة إن الحزام والطّريق ( طريق الحرير الجديدة) يتجنب تركيا ( عضو حلف شمال الأطلسي) والدّول الموالية للولايات المتحدة، لكن انهيار نظام سوريا يطرح تساؤلات حول مصير" المنفذ البَحري المُتَوَسِّطِي" لطريق الحرير الجديد.
بعد عشرين عاماً، أطلقت الهند – التي أصبحت حليفة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني – بمناسبة قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، مشروع الممر الجديد الذي يربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط، رغم عضوية الهند في مجموعة بريكس ( وهي من مؤسسيها) ومُنظّمة شنغهاي للتعاون، وأعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن من الهند عن "مَمَرّ الهند والشرق الأوسط وأوروبا" الذي أطلق عليه باللغة الإنجليزية ويهدف مشروع IMEC إلى إنشاء بديل "غربي" لمبادرة الحزام والطريق الصينية ، ويشمل مشروع الممر خطوط أنابيب المحروقات من السعودية والإمارات، وشبكة اتصالات عالية الجودة لتقنية المعلومات، وشبكات الطاقة، وينطلق من الهند ويعبر بحر العرب ثم ياتي دَور السكة الحديدية في شبه الجزيرة العربية (الإمارات والسعودية والأردن ) ليصل الممر إلى ميناء حيفا، على البحر الأبيض المتوسّط ثم ميناء بيرايوس اليوناني، وهذا مَرْبَط الفَرس، لأن هذا الممر الهندي – الأمريكي – الصّهيوني يمنح الكيان الدّخيل دَوْرَا مُهيمنا، فهو مُكمّل لاتفاقيات أبراهام ويهدف إدماج الكيان الصهيوني اقتصاديا في اقتصاد المشرق العربي، بدَعم من الإتحاد الأوروبي والسعودية والإمارات لهذا المشروع الذي تبنّتْهُ الولايات المتحدة كمشروع بديل لطريق الحرير الجديد، مما يُضفِي عليه طابع المواجهة السياسية والاقتصادية والعسكرية بين حلف شمال الأطلسي وروسيا والصّين، غير إن صمود الشعب الفلسطيني في غزة عَرْقَلَ هذا المشروع الذي لم يتطوَّرْ منذ أيلول/سبتمبر 2023، كما عَرْقَل تطبيق اتفاقيات إبراهيم، غير إن العلاقات الوِدِّيّة بل الحميمة بين الكيان الصهيوني والهند تطوّرت بفعل التّقارب الإيديولوجي بين المشروع الصهيوني وبرنامج ( وممارسات ) حزب بهارتيا جاناتا الحاكم في الهند بزعامة ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، فهو حزب ديني هندوسي. في عام 2002، ارتكب مذبحة معادية للمسلمين في ولاية غوجارات عندما كان مودي حاكماً لها، وأسفرت عن مقتل ألف شخص، وأفلتَ مرتكبو المجزرة من العقاب، مما شجّع سن قوانين عنصرية جديدة وطرد مواطنين من ممتلكاتهم (أراضي ومنازل ومتاجر...) لأنهم مُسلمون، وسن قوانين تهدّدهم بالحرمان من المُواطَنَة مما زاد من التّنافر بين فُسيفساء الأقليات والهندوس وحزبهم الحاكم، وزاد التّنافُر بين المسلمين والهندوسِيِّين..

تغييرات جوهرية خلال ثلاثة عقود
كانت الهند إحدى أعمدة "حركة عدم الإنحياز" منذ مؤتمر "باندونغ" (اندونيسيا) سنة 1955، وعضو حاليا في مجموعة "بريكس" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) وكانت حكوماتها المتعاقبة منذ استقلالها عن بريطانيا (1947) داعمة لحركات التحرر الوطني، غير أن التغييرات الحاصلة في العالم أَثَّرَتْ في الهند ومن التغييرات الواضحة -والتي تَعْنِينَا بدرجة أولى كَعَرب- تكثيف الإتصالات والعلاقات السياسية والإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصّهيوني، منذ 1991، وخصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي والعدوان على العراق (1991) وتوطّدت إثر توقيع اتفاقيات أوسلو (1993)، وذلك خلال حكم "حزب المُؤْتَمَر" الذي كان قادتُهُ من مُؤَسِّسِي "حركة عدم الإنحياز"، ولكن العلاقات توثّقت كثيرًا خلال حكم الحزب اليميني العُنْصُري، "الحزب القومي الهندوسي" (باهارتيا جاناتا) الذي يُؤْمِنُ بتفوق "الحضارة الهندوسية" على بقية حضارات المنطقة (مثل الحزب النازي الذي اختلق "الجنس الآرِي")، والذي يترأسه "ناريندرا مُودي"، رئيس الحكومة الذي توافقت عقيدته (وعقيدة حِزْبِهِ) العنصرية واليمينية مع جوهر الصهيونية، وأحْيت الحكومتان الذكرى الخامسة والعشرين لعودة العلاقات الدبلوماسية سنة 2016 بمبادرات غير مسبوقة منها زيارات زعماء صهاينة وتوثيق العلاقات الإقتصادية والعسكرية والسياحية (تُعْتَبَر بعض المُنْتجعات السياحية الهندية شبه مُخَصَّصَة للضباط الصهاينة)، وكان رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" أول مسؤول حكومي رفيع يزور الكيان الصّهْيُوني (تموز/يوليو 2017)، ووقَّعَ اتفاقيات تعاون في مجالات عديدة، منها الأمن والزراعة والمياه والطاقة، كما وَقَّعَ أكبر صفقات يعقدها المُجَمّع العسكري الصهيوني في تاريخ الصناعات العسكرية الصهيونية، بقيمة 1,6 مليار دولار (مُعْلَنَة) شَمِلَتْ منصات صواريخ منظومات دفاع جوي (من صنع أمريكي وتطوير صهيوني)، ونُجم وأجهزة اتصالات حديثة وأسلحة للجيوش الثلاثة (البر والجو والبحر) وقطع الغيار والمنظومات الخاصة بهذه الأسلحة... في المُقابل، وبمناسبة الإعلان عن زيارة رئيس حكومة العدو للهند، أعلنت منظمة الفلاحين -التي أسّسَها الحزب الشيوعي الهندي سنة 1936- والتي تضم 16 مليون فلاّحًا دعمها لحقوق الشعب الفلسطيني والتحاقها بحركة المقاطعة والدعوة إلى سحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الكيان الصهيوني، ومقاومة سيطرة الشركات الصهيونية على الزراعة الهندية، وفق بيان صدر يوم الأحد 29/10/2017، وَالتزمت المنظمة بالعمل على رفع مستوى الوعي لدى الفلاحين الهنود لمنع الكيان الصهيوني وشركاته، من تمويل الاحتلال العسكري ونظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الشعب الفلسطيني...
يشارك جيش الجو الهندي في مناورات عسكرية مع جيش الإحتلال الصهيوني في منطقة "النَّقَب" (جنوب فلسطين المحتلة) تحت إسم "بلو إكسرسايز" وتدوم المناورات أسبوعين من 2 إلى 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بمشاركة سبعين طائرة حربية وجيوش تسع دول (منها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبولندا والهند واليونان وإيطاليا) وربما دول عربية، وأوردت الصحف الهندية والصهيونية بالمناسبة بيانات نستنتج منها: تُشارك الهند بطائرات العمليات الخاصة من طراز (سي - 130 جيه) وأفراد من وحدة القوات الجوية الخاصة "جارود"، وبلغت قيمة صادرات الأسلحة من الكيان الصهيوني إلى الهند نحو مليار دولارا سنويا...
تؤكد العقيدة الهندوسية أن على المرء يولد هندوسيا ويبقى كذلك فلا أحد يدخل هذه "الدّيانة" من خارجها ولا أحد يمكنه الخروج منها، وتعتبر الآخرين "أغيارًا"، ما يجعلها قريبة من الديانة اليهودية في مفاهيمها المُنْغَلِقة، ويعتبر المتطرفون الهندوس أن الهندي هو الهندوسي حصراً وحكماً، ووجب تطهير الهند من الإختلاط الذي حصل على مر العصور، وإقامة "الدولة الهندوسية" التي تمتد من أفغانستان إلى الحدود البحرية لشبه القارة الهندية، وهذا أحد أوجه التشابه مع الحركة الصهيونية وما قد يفسر جانبا من جوانب التقارب الهندي الصهيوني في مجالات الزراعة والإقتصاد والتّسلّح والسياحة وغيرها، لكن السبب الحقيقي يكمن في التحول الإقتصادي والإجتماعي الذي شهدته الهند، والذي لم تتمكن البرجوازية القومية (حزب المؤتمر وحلفاؤه) من مواكبتها، خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، وفرض الإمبريالية الأمريكية الرأي الواحد والقيادة الواحدة للعالم، وعبرت البرجوازية الموالية للإمبريالية الأمريكية عن هذا التحول بانعطافة السياسة الخارجية الهندية وإلغاء إرث حركة عدم الإنحياز التي كانت الهند أحد مؤسسيها وأحد أعمدتها، وأصبحت السياسة الخارجية للهند مُوالية للإمبريالية الأمريكية، ومُعادية للصين ولباكستان، بل تعبر عن رغبة في التّوَسُّع، على حساب الجيران، ما أدى إلى ارتفاع حِدّة التّوتّرات على الحدود مع الصين ومع باكستان، وعلى الصعيد الإقتصادي قدمت الهند تنازلات للشركات متعددة الجنسية التي تستغل المياه والأرض والنبات والبشر، ما جعل الهند حقل تجارب في مجالات الزراعة والبذور المُعَدّلة وراثيا والمبيدات الخطيرة، وخففت الهند من القيود على الواردات، ما جعل البلاد سوقًا للمواد الرخيصة وقليلة الجودة...
يعود أصل الحزب القومي الهندوسي إلى منظمات فاشية صغيرة مثل "منظمة الخدمة الذاتية القومية" التي تأسست سنة 1924 (أرْ أسْ أسْ) وكان قادتها من المُعْجَبِين بالأنظمة المتسلِّطة وبالعقائد الفاشية في إيطاليا ثم النازية في ألمانيا، ومنها انْحَدَرت المنظمات الهندوسية المتطرفة الأخرى التي صبغت نفسها ب"القومية" وهي من أَسْلاف المنظمات الموجودة حاليا، ومنها الحزب الحاكم الذي يُسَمِّي نفسه "قوميًّا" وهو سليل "حزب الجانسان" المسؤول عن اغتيال المهاتما "غاندي"، قبل أن يغير اسمه ليُصْبِحَ "حزب الشعب الهندوسي" ( E.J.B ) ثم الحزب القومي الهندوسي، وتمكن من الفوز بالإنتخابات في أيار 1996، ومن "مآثِرِهِ" هدم مساجد تاريخية وتشجيع جرائم واغتيالات ضد "الآخرين"...
تمثل الخلفية الإيديولوجية إحدى عوامل التقارب بين الحكومة الهندية الحالية والكيان الصهيوني (رغم بدء تطور العلاقات خلال حكم حزب المؤتمر) والتي بلغت حَدًّا غير مسبوق، وأدّت هذه التحولات (المذكورة آنفًا) في مجموعها إلى تغيير كامل في السياسة الخارجية الهندية، فأصبح الكيان الصهيوني مثالاً في الجانب العقائدي (إقصاء الآخرين أو الأغيار في الديانة اليهودية) وفي الجانب الأمني والعسكري والعدواني إزاء المُحيط المُنافِس أو المُعادِي، وفي الجانب الصناعي والتقني، حيث توصل الكيان الصهيوني بمساعدة فرنسا ثم الولايات المتحدة إلى تطوير السلاح النّوَوِي، وأصبح القادة المتطرفون في الحزب الحاكم في الهند يدعون منذ عقدين إلى تطوير العلاقات مع الكيان الصهيوني، والإقتداء بتجاربه ونجاحاته في مجال "قمع المسلمين" بالعنف والطّرد والإستيلاء على الأرض والمُمْتلكات...
يُرَكِّزُ الحزب الحاكم دعايته السياسية على إقصاء "الآخرين" (المواطنون غير الهندوسين) ويُهمل قضايا الفقر والبطالة والأمية في بلد يعيش أكثر من 40% من سكانه تحت خط الفقر ويبلغ معدل دخل الفرد 340 دولاراً سنوياً، وتبلغ نسبة الأمية 50% من السكان ولا يتعدى الإنفاق على صحة الفرد 21 دولاراً سنوياً... وعد الحزب القومي الهندوسي الحاكم بتطوير الصناعة وزيادة الصادرات، ولم يحصل شيء من ذلك بل تراجعت حصة الصناعة من إجمالي الناتج المحلي وتراجع التصدير منذ الحكومة الأولى للحزب الهندوسي (1996) وارتفعت قيمة الواردات بفعل ضغط الولايات المتحدة واليابان وأصبح رأس المال الأجنبي يتحكم بقطاعات كانت تقتصر على رأس المال المَحَلِّي (ملكية الأرض وقطاعات الفلاحة وتجارة التجزئة...)، أما على صعيد العلاقات الإجتماعية فقد تصاعدت حِدّة العُنف بشكل غير مسبوق، بتشجيع من قيادات الحزب الحاكم الذي يدعو لتطبيق الميز على أساس الديانة المُفْتَرَضَة أو "الطبقات" بمفهوم ديانتهم الهندوسية، ولئن ألغى الدستور الهندي الطبقة الدنيا (طبقة المنبوذين)، فإن الواقع لم يتغير وبقيت جرائم اغتيال المنبوذين وما يُسَمّى "الأقليات" بدون تتبع ولا عقاب، ويقوم المنبوذون بالأعمال اليدوية "الوَضِيعَة"، ويتعرضون للتعذيب والقتل والاغتصاب، وإلى حرق البيوت والممتلكات، ويَحْظُر عليهم "العُرْف" و"العادات المَوْرُوثة" المشي في الطريق العام، وارتداء ملابس تحت الركبة، وتٌقدِّمُ لهم المطاعم (التي تقبل بدخولهم) الطعام في أوان خاصّة، وهو وضع شبيه بالميز العنصري الذي سَلّطَهُ المُسْتَعْمِرُون الأوروبيون البيض على شعب جنوب افريقيا، ويُطالب الجناح المتطرف في الحزب الحاكم ب"إلغاء الحقوق الممنوحة للأقليات... نجح الحزب القومي الهندوسي الحاكم في تغييب المشاكل الحقيقية للمجتمع (الإستغلال والإضطهاد والفقر والأمية وانتشار الأوبئة...) وتجْنِيد الفُقراء ضد فُقَراء آخرين، اعتبرهم "أقليات، وهم في مجموعهم أغلبية (المُسلمون والسّيخ والمسيحيون والزرادشتيون وغيرهم) ونجحت قيادة هذا الحزب التي تُمثل البرجوازية المُحافظة في تقسيم نفس الطبقة، واستبعاد فكرة "المُواطَنَة" و"المُساواة" في الحقوق، وهي درجة دُنْيا من الحياة الديمقراطية...

الهند وموقعها بين مُخْتَلف المَحاوِر:
دأبت الولايات المتحدة على القيام بمناورات "مالابار" العسكرية الدورية في خليج البنغال بمشاركة القوات البحرية اليابانية والهندية، ورفعت هذه السنة من حجم القوات والآليات المُشَاركة، بسبب "التهديد الذي تمثله الصين على مصالح أمريكا وحلفائها"، وسبق أن كتبنا مرات عديدة في نشرة الإقتصاد السياسي عن منعرج الهند التي انقلبت من حليف حركات التحرر منذ مؤتمر "باندونغ" (1955) إلى حليف للإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني منذ انهيار الإتحاد السوفييتي (1990- 1991) وأصبحت الهند حليفًا استراتيجيا لأمريكا في أفغانستان، ونقطة ارتكاز أمريكية هامة ضد الصين وباكستان (التي كانت الحليف الموثوق للإمبريالية الأمريكية)، واستغلت الولايات المتحدة الخلافات الحدودية بين الهند والصين (جبال همالايا) وبين الهند وباكستان (كشْمِير)، لزيادة تعكير العلاقات بين البلدان الثلاثة، ما زاد من التقارب بين الصين وباكستان، عبر إنجاز مشاريع اقتصادية وَمَمرّ اقتصادي بين الصين والمحيط الهندي عبر كشمير -التي تعتبرها الهند أرضاً تابعة لها- ونجحت الإمبريالية الأمريكية في تسعير الخلاف الصيني-الهندي، رغم انتماء الصين والهند إلى مجموعة "بريكس"، إلى جانب روسيا التي تقوم بمساعي صُلْح بين الدولتين، وتحاول روسيا تَشْرِيك الهند في إنشاء مشاريع تجارية وضم الهند إلى شبكة أنابيب الغاز التي تعتزم "غازبروم" تنفيذها بالشراكة مع إيران وباكستان بقيمة قد تفوق ستة عشر مليار دولارا، وإدماج الهند في شبكة علاقات طاقة ونقل وتجارة، كمقدمة لزيادة التّكامل الإقتصادي ولصياغة تحالفات جديدة تمتد من روسيا إلى إيران عبر بلدان آسيا الوسطى والهند التي تحتاج إلى الطاقة المُتَوفِّرة لدى بقية الشّركاء (روسيا وأذربيجان وإيران)، وتأمل روسيا أن تكون الهند وباكستان مستفيدتين من مثل هذه المشاريع، ما يُخَفِّفُ حدة الصراع بينهما، كما بين الصين والهند، وهي الصّراعات التي استغَلَّتْها الولايات المتحدة، والدفع بدول المنطقة إلى الصدام العسكري... تأثرت مصالحنا (كَعَرَب) ومصالح الشعب الفلسطيني، سَلْبًا بتعزيز العلاقات بين الهند والإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني، ومن مصلحتنا الآنية ومن مصلحة شعوب منطقة آسيا أن تبتعد الهند عن هذين العَدُوَّيْن... عن وكالة "سبوتنيك" + "الأخبار" 06/11/17 ... نَصبت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في عدد من بلدان آسيا والمحيط الهادئ، وأهمها في اليابان وكوريا الجنوبية، رغم احتجاجات السكان على جرائم الجنود الأمريكيين (قتل واغتصاب وعَرْبَدَة...)، واعتاد الجيش الأمريكي تنفيذ مناورات استفزازية مع جيوش هذه البلدان، وتوسّعت مثل هذه المناورات (في المحيط الهادئ) هذه السنة إلى الهند التي أشرْنَا عديد المرات في نشرة الإقتصاد السياسي إلى انحيازها للإمبريالية الأمريكية والكيان الصّهيوني، وشاركت الهند بسفينتين حربيتين في مناورات مع أمريكا واليابان على مدى ثلاثة أيام (4 و5 و6 تشرين الثاني/نوفمبر 2017)، بهدف "تحسين المَهارات القِتالِيّة ومساعدة القوات الأمريكية على حَشْد القوة العسكرية (لأمريكا وأصدقائها) سرِيعًا"، وتزامنت هذه المناورات -بمشاركة حاملة الطائرات "ريغان" المتمركزة في اليابان وهي أكبر سفينة حربية أمريكية في آسيا، وقادرة على حَمل سبعين طائرة مقاتلة- مع ارتفاع حِدّة التّهْدِيدات الأمريكية ضد كوريا الشمالية والصين وإيران، واصطفاف الهند وراء الإمبريالية الأمريكية، سياسيا، بحكم الخصومة مع الصين بشأن الحدود، ولكن عسكريا أيضًا، ما قد يخلق شَرْخًا داخل مجموعة "بريكس" التي تنتمي إليها الهند والصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا... عن رويترز 07/11/17

المُنعطف - المَمَرّ الصّهيوني (IMEC)
تعتزم الولايات المتحدة والهند تحجيم النفوذ الصيني المتزايد في المشرق والتطبيع العلني للعلاقة بين السعودية والكيان الصهيوني وربط الهند بالغرب وتعزيز قوتها لتمثِّل قطبًا مضادًا للصين في المشرق العربي، فيما تنتظر حكومة الهند تدفقًات كبيرة لرأس المال الأجنبي في مجالات الإتصالات والتكنولوجيا المتطورة. أما مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين سنة 2013 تحت مسمى "حزام واحد وطريق واحد" One Built One Road، فقد بلغ عدد الدول المشاركة فيها حتى سنة 2023 حوالي 149 دولة منها 44 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء و35 دولة في أوروبا ووسط آسيا و 25 دولة في شرق آسيا والمحيط الهادي و21 دولة في أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي و 18 دولة عربية وستّ دول في جنوب آسيا، وتشمل ستّ ممرات اقتصادية رئيسة وتقدر التكلفة الاستثمارية لمبادرة الحزام والطريق بنحو ثماني تريليونات دولار، يتوقع أن تتم تغطيتها بواسطة النشاط التجاري والإقتصادي بدون عناء، حيث حددت الصين هدفًا تجاريًّا خلال 10 سنوات من المبادرة، ويتمثل في زيادة حجم التجارة الصينية بقيمة 2,5 تريليون دولار وتُبيّن الوثائق المَنْشُورَة ارتفاع قيمة التجارة الخارجية للصين بنحو 50% بين سنتَيْ 2013 و 2022، بينما تُظْهِرُ البيانات ضُعْف حجم التجارة البيْنِيّة بين أعضاء المحور الهندي/الأمريكي/الصهيوني ( IMEC ) التي تبلغ نسبتها 18,8% من إجمالي التجارة الدّولية فيما تُمثّل التجارة البينية لدول "الحزام والطريق" 51,7% من التجارة الدّولية سنة 2022، ويُعتبر الكيان الصهيوني والهند والولايات المتحدة أكبر المُستفيدين من مشروع مَمَر ( IMEC ) الذي يُعتبر تحالفًا تجاريا/سياسيا بقيادة الولايات المتحدة، وأعلن رئيس وزراء العدوّ الصّهيوني بنيامين نتن ياهو، خلال مؤتمر صحفي، " إن إسرائيل فى محور مشروع دولى غير مسبوق سيربط البنية التحتية من آسيا إلى أوروبا (...) إنه مشروع تعاون هو الأعظم فى تاريخنا، يُوصِلُنا إلى حقبة جديدة من التكامل والتعاون الإقليمى والعالمى، غير مسبوق وفريد من نوعه فى نطاقه (...) سَيُؤْتِي المَمَر الجديد ثمارَه لرؤية طويلة الأمد ستغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل التي ستصبح تقاطعًا مركزيًا فى هذا الممر الاقتصادى، وستفتح سككنا الحديدية وموانئنا بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا، في الإتجاهَيْن... شُكْرًا للرئيس الأمريكي جوزيف بايدن وإدارته على الجهد الكبير الذى أوصلنا إلى هذا الإعلان التاريخى... ستحشد إسرائيل كل قدراتها، وكل خبراتها، بزخم والتزام كاملين لجعل هذا الحلم حقيقة..."، ولا تحتاج هذه المقتطفات المترجمة من الموقع الإلكتروني ل"تايم أو إسرائيل" ( 10 أيلول/سبتمبر 2023) كما يُهدّد هذا المشروع اقتصاد مصر ومكانة قناة السويس كمَمَرّ لنقل البضائع.
شكّكت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية ( الموقع الإلكتروني للصّحيفة بتاريخ الثلاثاء 26 أيلول/سبتمبر 2023 ) في مُطابقة مشروع الممر الهندي – الأمريكي - الصّهيوني المقترح للحقائق الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، لأنه مشروع أمريكي يهدف التغلب على الصين من خلال دَفْعِ القوى الإقليمية إلى التنافس من أجل النفوذ، ويخدم مصلحة الكيان الصهيوني الذي يريد إحياء خط سكة حديد الحجاز الذي أقامته الإمبراطورية العثمانية قَبْلَ قَرْنٍ من الزمان وكان يربط بين مدينة حيفا الفلسطينية والمدينة السعودية، مرورًا بدمشق وعَمّان، لزيادة الإندماج المُهَيْمن في المشرق العربي، خصوصًا بعد موجات التّطبيع العَلَنِي وبعد التواطؤ المباشر أو غير المباشر مع العدو ضدّ الشعب الفلسطيني، خصوصًا منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، كما ابتهجت رئيسة المفوضية الاوروبية اورسولا فون دير لاين – التي تمثل اليمين الأوروبي الأطلسي الصهيوني – واعتبرت المشروع "تاريخيًّا، لأنه سيخفض وقت العبور بين الهند وأوروبا بنسبة 40%"، فيما أعلن وزير سعودي "إن المشروع سيشمل مد كابلات الكهرباء وخطوط انابيب الهيدروجين النظيفة، ولذلك فهو يعادل طريق الحرير وطريق التوابل"، وهذا مربط الفرس، لأن المشروع أمريكي بالأساس، وهو يهدف مُنافسة مبادرة الحزام والطريق ونفوذ الصين في المنطقة، من خلال الهند، عضو مجموعة بريكس وقوة اقتصادية متنامية، وحليف هام للكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية...
تمكّنت الصين، من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، من زيادة الإستثمار في إفريقيا – منذ 2013 – في مشاريع البنية التحتية الأفريقية، ومن ضمنها مشاريع الطاقة الكهرومائية والمطارات والطرقات والسكك الحديدية، فضلا عن المحروقات والمعادن، كما ارتفعت الإستثمارات الصينية في الدّول النّفطية بالخليج، لتتجاوز العلاقات قطاع النفط – خصوصًا منذ توسّط الصين في عملية تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، خلال شهر آذار/مارس 2023 – واتفقت الصين مع السعودية على إقامة محطة طاقة نووية ومع الإمارات على إنشاء قاعدة عسكرية إماراتية قُرب "أبوظبي" وبدء التعامل باليوان الصيني لجزء من التجارة خصوصًا مع السعودية والإمارات، وهما أهَمُّ حليفَيْن للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ما يُساهم في تهديد هيمنة الدّولار على المبادلات التجارية، غير إن كلا من السعودية والإمارات لا تحيد عن مسارات الإستراتيجية الأمريكية سوى بمقدار الهامش الضّيّق الذي تسمح به الإمبريالية الأمريكية، ولا تُشكل العلاقات مع الصّين قطيعة مع الولايات المتحدة أو الهند، ولم يتم اختيارهما بشكل اعتباطي لعبور المَمَرّ الهندي، بل لأن حجم تجارة الهند مع الإمارات بلغ 84 مليار دولارا ومع السعودية 53 مليار دولارا ومع الأردن ثلاثة مليارات دولارا، وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية توسيع العلاقات بين عُملائها في الخليج العربي والهند فضلا عن الكيان الصهيوني الذي يهدف المخطط الأمريكي إلى تحويله (ميناء حيفا) إلى مركز تجاري يربط غرب آسيا وشرق المتوسط باليونان وقبرص، وهما عُضوان في الإتحاد الأوروبي، ومراكز عسكرية ومحطّات تجسّس هامة لحلف شمال الأطلسي وخصوصًا للولايات المتحدة وبريطانيا، وتهدف الولايات المتحدة تحويل الهند إلى قوة منافسة للصين في مجالات الصناعة والتجارة والتكنولوجيا، وتعزيز مكانة الكيان الصهيوني في المشرق العربي، والتّضحية بالنظام المصري الذي كان أوّلَ المُطَبِّعِين ولم يستفد من التّطبيع، بل قد تُؤَدِّي مشاريع أمريكا والكيان الصهيوني وحلفائهما إلى تهميش دَوْر قناة السويس حيث تمر نسبة 12% من التجارة العالمية، وتحقق القناة إيرادات سنوية بقيمة تُقارب عشر مليارات دولارا...

مرحلة جديدة للصراع بين الهند والصين والتقارب بين الهند والولايات المتحدة
تهدف الولايات المتحدة من تعزيز العلاقات مع الهند إلى تكثيف الضغط على الصين، لأن العداء المشترك تجاه الصين يُشكّل حجر الأساس للتعاون بينهما، ويرتكز المخطط الإستراتيجي الأمريكي على تطور اقتصاد الهند والعدد الضخم للكفاءات والمهارات العالية وارتفاع عدد سكان الهند التي لها نزاعات حُدُودية وإقليمية مع الصين، وصلت حدّ المواجهات الحدودية المسلحة، وتعمل الولايات المتحدة على جَنْيِ فوائد النّزاع الصيني الهندي من خلال دعم الهند في مجالات المعدات التقنية والمعلومات الاستخباراتية، كما حصل خلال "نزاع جالون" المُسلّح بين الهند والصين سنة 2020، وكافأت الهند الولايات المتحدة بالسّماح لطائرات الاستطلاع الأمريكية باستخدام جُزُر أندامان للصيانة والتزود بالوقود، كما نفذت البحرية الأمريكية والهندية مناورات مشتركة في خليج البنغال، تلتها إجراءات تقييد الاستثمار الصيني وحَظْر الشركات والتكنولوجيا الصينية في الهند (عضو مجموعة بريكس التي تنتمي إليها الصين كذلك)، بموازاة إعلان «مبادرة التكنولوجيا الناشئة الحرجة» (iCET) بين الولايات المتحدة والهند، وإدراج الهند ضمن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، وبذلك أصبحت الهند الآسيوية مركزًا تعتمد عليه الولايات المتحدة لمحاصرة الصين عسكريا واقتصاديا وتقنيا.
في المجال العسكري، تريد الولايات المتحدة تعزيز التعاون مع الهند، وخاصة في مجالات الاستطلاع الاستخباراتي والمعدات والذخيرة، ونظراً للنمط الاستراتيجي الجيوسياسي العالمي الحالي، فإن الولايات المتحدة تهتم بقضية «الحدود الصينية الهندية» أكثر من اهتمام الهند بها، فكلما اشتد الصراع الصيني الهندي، زاد نفوذ الولايات المتحدة للتأثير على الهند، ولهذا تَحْرصُ الولايات المتحدة على عدم تفويت أي فرصة "لصبّ الزيت على النار".
في مجال التكنولوجيا الصناعية، تواصل الولايات المتحدة الترويج للهند لتحل محل الصين في سلسلة الصناعة العالمية وسلسلة التوريد، ورغم التجربة التي أظْهرت - من خلال التعاون الصناعي بين الولايات المتحدة والهند منذ سنة 2017 – إن الهند لا تزال تفتقد القدرة على استبدال الصين على نطاق واسع من خلال «الاستعانة بمصادر خارجية صديقة»، فبالنظر إلى حجم سكان الهند وإمكانات السوق، لا تزال لدى الولايات المتحدة آمال كبيرة في مشروع «صنع في الهند»، ومن المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة دعم الهند بشكل أساسي من خلال تشجيع الشركات الأمريكية على الاستثمار المباشر في الهند، وتوجيه الاستثمار نحو الأسهم والسندات الهندية، وتسويق سندات الحكومة الهندية، والتركيز على تشجيع الهند على تحسين البنية الأساسية وتحسين مستواها التكنولوجي، وتحسين قدرتها على القيام بالتصنيع على نطاق واسع بشكل أفضل، ورغم حرص الهند على الحصول على تنازلات تجارية أكبر من الولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة على استعداد لاستخدام «صنع في الهند» فقط، لاستبدال حصة «صنع في الصين»، بدلاً من منح الهند تفضيلات تجارية خاصة، ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تعتزم تعزيز التعاون التكنولوجي مع الهند، بما في ذلك أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الفضاء وما إلى ذلك، لكن بالنظر إلى المستوى الفعلي للهند، فإن التأثير سيكون محدوداً في الأمد القريب.

خاتمة:
يشكل المَمَرّ الإقتصادي الهندي/الأمريكي/الصّهيوني جزءاً من مشروع أمريكي بديل لقناة السويس ومضيق هرمز، ومن ضمنه المشروع الصهيوني المُسمّى "قناة بن غوريون" للربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسّط، ويهدف المشروع الأمريكي – من ضمن أهداف أخرى عديدة - إدماج الكيان الصهيوني وهيمنته اقتصاديًّا على منطقة تمتد من جنوب آسيا إلى الخليج والسعودية التي سوف ترتبط اقتصاديا بالكيان الصهيوني، والإبتعاد عن المشروع الصيني ( الحزام والطّريق) ويتطلب إنجاز هذا المشروع الأمريكي/الصهيوني/الهندي إبادة الشعب الفلسطيني وإخلاء النّاجين من غزة كما يهدف هذا المَمَرّ الإقتصادي تغيير طُرق التجارة الدّولية وموازين القوى بفعل التّغييرات التي تحصل على المستوى الإستراتيجي والعسكري والتجاري في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه ومضيق هرمز الذي تمر منه نسبة 30% من المحروقات، وخصوصًا واردات الصّين من المحروقات وغيرها وصادراتها من السلع، لتصبح طرق التجارة الدّولية تحت الهيمنة الأمريكية/الصهيونية، وتُساهم الهند في إنجاز هذه الأهداف وفي خطط الإمبريالية الأمريكية التي تُريد إفشال طريق الحرير الجديدة ( مبادرة الحزام والطّريق) وتحويل فلسطين المحتلة إلى مَرْفأ رئيسي لعبور البضائع نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسّط، ومنافسة قناة السويس، بموازاة اعتزام نظام تركيا الأطلسي فتح قناة إسطنبول الجديدة كبديل لمضيقي البوسفور والدردنيل.
إن الشعب الفلسطيني هو الضحية الأولى للكيان الصهيوني، لكن الخطر يتجاوز فلسطين فالمشروع الصّهيوني استعماري استيطاني توسُّعِي، تدعمه الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، ولا تُعارضه روسيا والصين والهند ودول بريكس، بل تُشارك الهند في تحقيق هذا المشروع الإستعماري، ويهدف المشروع احتلال ما بين النّيل والفرات وإبادة وتهجير المواطنين العرب ( السّكّان الأصليين) وطَرْدَ من ينجو من القَتْل، ولذا يُعتَبَرُ أي حديث عن "التّسوية" أو "السّلام" هُراءً، فالسلام لن يحل سوى بالقضاء على هذا الكيان الدّخيل، مما يعني مواجهة الإمبريالية العالمية والأنظمة العربية لفترة طويلة، لأن العدو يوجد داخلنا، وتجسّده الأنظمة العربية المُطبّعة والكيانات الإنعزالية العشائرية والطّائفية التي تعمل على التّشتيت والتّفتِيت وتَتقاطع مع المشروع الأمريكي/الصّهيوني المُسمّى "الشرق الأوسط الجديد" أو الكبير، وإعادة تشكيل الوطن العربي إلى ما دون حدود اتفاقيات "سايكس/بيكو" ( 1916 ) كما حصل في يوغسلافيا السابقة وفي العراق – حيث انفصل الشمال واقعيا بتمويل من بغداد – وفي السودان وفي اليمن وفي ليبيا وسوريا حاليا، وكما يحصل في لبنان منذ تأسيسه، حيث الرّوابط الطائفية أقوى من الروابط الوطنية...
يتميّز المجتمع الهندي – المُتَنَوّع أثنيا ودينيا وثقافيا وسياسيا - بدينامية وحَرَكِيّة كبيرة، من حركة الفلاحين إلى النقابات العُمّالية، مرورًا بالحركة السياسية التّقدّمية المناضلة على مستوى الولايات أو على المستوى الإتحادي، وأظْهرت حركة صغار الفلاحين مدى مُقاومة المجتمع للسلطات الإتحادية الرّجعية بزعامة ناريندرا مودي ( رئيس الوزراء) وحزبه اليميني المتطرف ( باهارتيا جاناتا) رغم الضُّعف الذي أصاب الحركة التّقدّمية، في الهند كما في العالم، ولذلك يبقى الأمل قائمًا ليعود هذا البلد الكبير إلى صُفُوف مُقاومة الإستعمار ومُساندة الشُّعُوب الواقعة تحت الإضطهاد...

الهند – مراجع
قدم الباحث في جامعات لندن وفي مركز البحوث الدّولية في جامعة العلوم السياسية بباريس، كريستوف جافريلوت (Christophe Jaffrelot )، وهو عالم اجتماع فرنسي ومختص في جنوب آسيا – وخصوصًا الهند وباكستان - في كتابه الجديد الذي يعد في نسخته الإنغليزية 640 صفحة، بعنوان " الهند في عهد مودي" وصفاً تفصيلياً لكيفية تحول الهند تحت قيادة مودي إلى "منطقة هندوسية بحكم الأمر الواقع" وتتعرض خصائص الديمقراطية الهندية للهجوم بشكل غير مسبوق، خصوصًا من خلال تصعيد العنف ضد المسلمين ومحاولة إقصائهم من الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالبلاد، ويعلق جافريلوت آماله على "إعادة اختراع" حزب المؤتمر لمواجهة مشروع "الهندوتفا" الجاري، غير إن هذا الأمل غير واقعي وغير منطقي، لأن الإنعطافة اليمينية – السياسية والإقتصادية - بدأت خلال فترة حُكم حزب المؤتمر...
إن كتاب "الهند في عهد مودي " لكريستوف جافريلوت هو كتاب ضخم يَظُمّ ملاحظات مرجعية مفصلة، وهو كتاب شامل، يُرَكِّزُ على كيفية إعادة تشكيل الديمقراطية الهشّة في الهند بسبب صعود القومية الهندوسية، وخاصة تلك التي يجسدها ناريندرا مودي وسياساته، ولا يتناول الكتاب مسائل السياسة الخارجية، سواء فيما يخص باكستان، باستثناء الإشارة إلى التفجيرات التي ينفذها الإرهابيون على الأراضي الهندية عبر الحدود مع باكستان، والتي استغلها حزب باهارتيا جاناتا الحاكم في الهند لتعزيز شعبية الهندوتفا في الداخل، كما لا يَرِدُ ذِكْرُ الصين في فهرس الكتاب، رغم الخلافات الحادّة بين الدّوْلَتَيْن الجارَتَيْن مُنتصف سنة 2020، ولا يوجد تقييم للوضع الإقتصادي النيوليبرالي الذي انتهجه حزب باهارتيا جاناتا، وزعيمه نانيندرا مودي، ويحتوي الكتا على فصل بعنوان "الرفاهة أم الرفاهية؟" ويتناول الأداء الاقتصادي لولاية مودي الأولى كرئيس للوزراء، ويقدم إحصاءات حول التفاوت المتزايد في حيازة الثروة وتزايد عدد أصحاب الملايين من الدولارات (ارتفع من 34 ألف سنة 2000 إلى 759 ألف سنة 2019)، لكن هذا الفَصْل لا يُقدّم تحليلاً لمساوئ السياسات الليبرالية الجديدة التي لم تبدأ خلال فترة حُكْم حزب باهارتيا جانات، بل بدأ تطبيقها خلال السنوات الأخيرة من حُكم حزب المؤتمر الوطني الهندي.
سبق أن قدّم كريستوف جافريلوت ثلاث دراسات سابقة (اثنتان من تأليفه وواحدة شارك في تحريرها) منذ سنة 2010 تتبع مسار التغيير في النظام السياسي الهندي الناجم عن صعود القومية الهندوسية إن ما يقدمه هذا الكتاب يستحق منا التقدير. فقد كان جافريلوت ولا يزال لفترة طويلة مراقباً ومحللاً دؤوباً ومدروساً ومطلعاً على المشهد السياسي الهندي. وهذا النص هو أحدث جزء من الكتاب بعد ثلاث دراسات سابقة (اثنتان من تأليفه وواحدة شارك في تحريرها) منذ عام 2010 ( كان عمره آنذاك 46 سنة) تتبع مسار التغيير في النظام السياسي الهندي الناجم عن صعود القومية الهندوسية، وتكشف عناوين هذه الدراسات عن التطور في المنظور النظري الشامل لجافريلوت نفسه! وقد وضع كتابه الصادر عام 2010 بعنوان " الدين والطبقات والسياسة في الهند" العمليتين اللتين اعتقد أنهما محوريتين آنذاك، وهما "إضفاء الطابع الشعبي على النظام السياسي"، أي التأكيد السياسي الانتخابي على الطبقات الدنيا، وصعود القومية الهندوسية كرد فعل مضاد، وكان كتابه الصادر سنة 2015 بعنوان " الحداثة" في الهند: ناريندرا مودي وتجربته مع ولاية غوجارات ، تلاه المجلد الذي شارك في تحريره سنة 2019 بعنوان " الدولة الأغلبية "، والذي ادعى لأول مرة أن الهند أصبحت الآن "ديمقراطية عرقية" أو "راشترا هندوسية بحكم الأمر الواقع" ويستكشف كتاب " الهند في عهد مودي " هذا الواقع الجديد بعمق أكبر ويقترح انتقالًا محتملًا إضافيًا لتصبح "ديمقراطية عرقية بحكم القانون" مع "دولة عميقة" هندوسية استبدادية.



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الأول
- متابعات – العدد الثّالث عشر بعد المائة بتاريخ الأول من آذار/ ...
- ثقافة تقدّمية: هاياو ميازاكي، مُبدع الرُّسُوم المُتحركة
- تبديد أوهام القروض الصغيرة للفُقراء
- بانوراما الإنتخابات في ألمانيا
- فلسطين - تواطؤ أمريكي مُباشر
- متابعات – العدد الثّاني عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشر ...
- فخ الدُّيُون الخارجية- نموذج سريلانكا في ظلِّ سُلْطة -اليسار ...
- الإستعمار الإستيطاني، من الجزائر إلى فلسطين
- متابعات – العدد الحادي عشر بعد المائة بتاريخ الخامس عشر من ش ...
- عيّنات من المخطّطات الأمريكية في الوطن العربي
- عرض كتاب -دعوني أتحدث!-
- الوكالة الأمريكية للتنمية الدّولية وشؤكاؤها ( USAID & Co )
- متابعات – العدد العاشر بعد المائة بتاريخ الثامن من شباط/فبرا ...
- تونس - في ذكرى اغتيال شُكْرِي بلْعِيد
- عَرْض كتاب بعنوان -فرنسا أرض الهجرة-
- الولايات المتحدة في مواجهة العالم
- إفريقيا بين الثروات الطّبيعية والدُّيُون والفَقْر
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التّاسع بعد المائة، بتاريخ الأ ...
- سباق الذّكاء الإصطناعي ضمن الحرب التكنولوجية


المزيد.....




- الملكة رانيا العبدالله في فيديو مع العائلة الهاشمية بشهر رمض ...
- حقيقة فيديو توقيع زيلينسكي على قنابل استخدمتها إسرائيل خلال ...
- أوربان: الحلفاء في لندن اعتمدوا خيار تأجيج الصراع وتمويل الح ...
- بعد توبيخ زيلينسكي.. ما خيارات ترامب؟
- نتنياهو: سنواجه كل من يحاول حفر ثقوب في سفينتنا الوطنية
- سلوفينيا تحتفل بكرنفالها العريق: مزيج من الفولكلور والألوان ...
- تقرير: بديل مصر لـخطة ترامب حول غزة يهدف لتهميش حماس
- سوريا: المسحراتي يجوب الشوارع بدون موافقات وحواجز الأمن
- -سو-34- تدك مواقع القوات الأوكرانية بقنابل حائمة
- الخارجية الإيرانية للسفير التركي: حساسية الوضع الإقليمي تتطل ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الثاني