أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 5-














المزيد.....


الشمس المعتمة - 5-


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


وبالنسبة للزمن كما سيتم استيعاب معناه والرضوخ الى ربقته حينما نكبر، لم يكن موجودا بيننا. كانت الحياة برمتها عارية، غير ملبسة بالزمن، غير مشوهة، حيث الذي كان يسري في عالمنا هو التفاعل العاطفي الذي لا عقل له.
كما لو أن الزمن قد استولده العقل، خلقه وأنشأه، من دون عقل كانت ستبقى الأرض تدور لكن من دون زمن.

حينما جاء الصباح كانت آثار الضرب المبرح على عزو، جروح في جبهته وتورم في عينيه، ويجب أن نحزر ان الأب لم يف بوعده. لم يقل عزو ذلك حين رأيناه بهذه الحال، كان يحاول أن يخفي الآثار.
كنا نبتسم عليه بتشفي والسبب هو تنمره علينا بقوة العضلات، في هذا الوقت لم نكن ندرك اننا كنا على خطأ لأننا لم نكن لنرى قلب عزو على حقيقته.

على طوال الطريق ثمة تشويش مقصود من الحياة وأننا ...كأننا خلقنا على هذه الحال، أن نظن ان عزو كان وحشا... ويجب ان ننتظر الاحداث والتي سندرك من خلالها أنه كان خير سند لنا.

نحن متسرعون، نطلق النار على طيور السماء قبل أن نضبط النيشان.

عندما رأينا ضعفه واعتذاره المستسلم المبطن لنا، سرى بيننا اتفاق طفولي أن لا نثق بعد الآن بالآباء ولا بالأمهات، وأن نقوم معا فنترك البيوت ونبحث عن بيوت أخرى، لم تكن أذهاننا تتصور البيوت التي نبحث عنها هي بيوت الحي التي تبنى من أجل المعيشة، بل هي بيوت الأفكار لإطلاق الرغبات من دون قيد ولا التزام. شردنا للحظات نتصور الرحلة التي سنقوم بها للبحث عن تلك البيوت العميقة القابعة داخلنا، على ضفاف نهر جقجق ثم في البراري هائمين، لكن أفكارنا في ذلك الوقت كانت قصيرة الأمد، لم تكن الأفكار لتمكث داخلنا حيث الأمواج العاطفية التي تثور حين نرى بأعيننا.

خيط أحمر متسلسل بطيء ينضح من عين عزو فهب كميل نحوه قائلا: دم ياهو!
كان يشير بيده من بعيد كما لو أنه قائد معركة على جبل، يشير الى مقاتلي السهوب الواسعة، دم ياهو! مسح بيده غير الشعورية عينه ليرى باطنها وقد امتلأ بالدم.

علمنا عندها أن أباه ضربه ذلك الضرب الذي يخرج من الغضب، ليس بغرض التأديب، لكن من أجل التنفيس من قسوة الحياة ومن أيامها التي لا تأتي على رسلها. كان أبوه يقول: كمان أنت... ياو... يا ابن الكلب!
راح يشرح لنا الضرب، ضربني...ثم توقف بأنين صامت وشرود في الوهم الصرف يبحث عن رجولة لن تضيع. فوق العادة... يعلمنا كيف نكون رجالا، يقول: لم أبك. كان الدم في كل مكان. ثم رفع رأسه الى السماء الغامضة التي لم تسكن فيها النجوم. نظرنا نحن معه الى سبب الحب الذي اختفى.

مشنقة - مسرحية يُرفع فيها الى أعمدة مقوسة، يربط أحدهم الحبل حول عنقه كي يتدلى مثل ناقوس تقرع الريح اجزاءه - هذا هو جوليانو جيما. ملاحظة: فيلم جيمنكو من بطولة إيفان راسيموف وليس جوليانوجيما لكن الشبه بينه وبين جوليانوجيما جعلنا ننسبه الى الأخير.

الصورة التي ظلت في ذهني عن جيمنكو تختلف عن حقيقة الفيلم، حين شاهدت فيلم جيمنكو مرة أخرى قبل أيام اتضح أن عقل الطفل يزيح ويقلب المشاهد كي تصبح في النهاية مشاهد ميثولوجية لا يمكن مقارنتها مع الواقع.

على ضوء القناديل يأتي الطبل والمزمار ودائرة السكون الأبدي للرقص المسكين. يرفع الدابكون ذبالة قلوب الحب المترقرق بينما ترفع الصبايا عيوناً كحيلة واسعة فيها توق لآمال لن تتحقق.

ويذهب الزمن إلى المحطة، الى امراء شباب، وصبايا أميرات، يدبكون معا فوق الغيم حتى إن كتب لإحداهن في ذاك الزمن الزواج تجدها تهبط إلى الأرض ... لتجد نفسها بعد سنوات خادمة قد قتلتها قسوة الحياة.
نتجمل لأننا جميعا أمراء وملوك – الصبايا في كل الأزمنة مالكات حقيقيات للعالم.
لكن الذي لا يدركه الكثيرون هو ان الملكية لا تُرى بعين صاحبها.

كثير من الفلسفة، قليل من الحكايا، والجمع بينهما هو عمود مائل لا يستقيم. فالعقل لا يريد الفلسفة بقدر ما يرغب بالحكايا.

السر في حبنا للحكايا هو رغبتنا الباطنية أن نعيش أكثر مما كتب لنا من سنوات فوق هذه الأرض. في الجانب الآخر لو أننا خالدون لما جذبتنا حكاية واحدة.
فكر أيها العقل، ارسل الروح إلى محراب الحياة.

حين ابتعد عزو، رحنا نحلل طبيعة الحب الذي لم يثمر مع فتاة حلب. ألقينا اللوم على الفتاة التي فضلت ذلك الفتى القذر الغريب، استقبحنا فعلها، فعل النساء اللواتي لا آمان لهن. فهن كذا وكذا... وتلبستنا هذه الفكرة، فسقط الحب من أعيننا في مياه آسنة والتي ستمر سنوات طويلة حتى تجري تلك المياه وتتبدل الأجواء ثم تتوقف مرة أخرى، تتوقف، ويخرج كل واحد بتجربة خاسرة.

سوف يمر وقت أيضا كي يصل أحدنا الى إدراك أن الحب لا وجود له عند جميع الناس الذين لم يتخلصوا بعد من أنانيتهم، فقبل أن تحب عليك أن تحب الله ليس خوفا من الجحيم بل لأنه منحك نور الحياة.
الحب هو سر الحياة، إن عرفت كيف تحب فستعرف سر الحياة.

يهزون اكتافهم ويطوون قاماتهم. من بعيد حين أنظر إليهم، وإذ تصمت الموسيقى ويتوقف صوت الطبل، حينما ينتفي من ذهني الصوت يتحرك هؤلاء الأشباح في عالم آخر لا يحتفلون بالزفاف بل بالموت الخالد الذي يرونه بين أيديهم.
لم نر العروس ولا العريس، كانوا يقرعون الطبل وينفخون المزمار على أيام العدم، فراغ مأمول، حصاد يأتي لكن من دون ثمر.



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشمس المعتمة - 4-
- الشمس المعتمة (3)
- الشمس المعتمة - 2
- الشمس المعتمة
- سبب اختفاء انسان النياندرتال
- منبع الحب - وجه الوحي (3)
- منبع الحب، وجه الوحي - 2
- الحب والحرية ، وجه الوحي -1
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- ما قصة القفاز الأسود في يد مورغان فريمان في حفل الأوسكار؟
- حملة إسرائيلية على فيلم -لا أرض أخرى-
- حفل توزيع جوائز الأوسكار : فيلم -أنورا- الفائز الأكبر
- لحظات مؤثرة وساحرة من حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 97
- صناع فيلم -لا أرض أخرى- يوجهون خطاب تحدٍ بعد فوزهم بالأوسكار ...
- روسيا بصدد تصوير أول مسلسل وثائقي عن الذكاء الاصطناعي
- -لا أرض أخرى-.. عمل فلسطيني اسرائيلي عن الاستيطان يفوز بجائ ...
- فوز فيلم -لا أرض أخرى- بالأوسكار يشعل منصات التواصل ويثير غض ...
- إسرائيل تنتقد منح جائزة أوسكار لفيلم يستعرض تهجير الفلسطينيي ...
- الفيلم الفلسطيني -لا أرض أخرى- يفوز بالأوسكار كأفضل وثائقي ط ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 5-