أمين أحمد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 15:15
المحور:
الادب والفن
. . وضعت سماعة الاذن بعد أن ادرت جهاز التسجيل بصوت مرتفع . . على كاسيت موسيقى هادئة مونا مور – صحبتهما في سفرك مع مجموعة من شرائط التسجيل ، تقارب الاربعين عددا – هو ما استطعت حمله من مكتبتك الموسيقية المؤلفة عن ما يزيد عن الفين وخمسمائة – عبرت بها خلال فحص الحقائب عند مغادرتك مطار الحديدة ، لما طبع بعامليه باللامبالاة الأمنية . . طالما جهاز الفحص بالأشعة للأمتعة وبوابة العبور لم يكشفا وجود أي معدن او سلاح ، بينما مثل حسن النية التي سلكت بها ، كانت تعرضني للاشتباه بمنع السفر وارسالي للحجز في سجن جهاز الامن الوطني ، يترافق الفحص الدقيق لكامل محتوى تلك الأشرطة المضبوطة في حقيبتي ، سلسلة من التحقيق المتبع بالتهديد والتعذيب ، المتزايد وحشية ل . . انتزاع اعترافا تحت التعذيب . . كلما قطع الفاحصون للأشرطة شوطا كبيرا . . يقترب من الانتهاء من مهمتهم و . . لم يجدوا شيء فيها من الجرم المفترض بالتجسس - إذا ما كانت تمويها وتحتوي رسائل جاسوسية مشفرة داخل محتواها ، والذي حسب طبيعة عملهم الافتراضية الأمنية ، الموسومة بالتخمين الشكي المطلق تجاه كل انسان يجلب إليهم . . فهو مجرم . . ليس عليهم سوى تركيب اثبات التهمة . . ليس إلا - حين تنعدم وجود ادلة للإدانة ، فإن ذلك لا يعد إلا حرصا وذكاء خارقا للمشتبه الواقع بين أيديهم ، يمثل تحديا صارخا لذكائهم الذي تدربوا عليه على ايدي خبراء من الاستخبارات الامريكية والروسية والاردنية ، ما يثير فيهم مزيدا من الكراهية والعداء ، المسقط خلال التلذذ بوسائل التعذيب . . كنوع من التفنن ، التي تمثل الطريقة الناجعة لكشف الحقيقة التي لم يقدروا على اثباتها كجرم . . إلا من خلال انتزاعها عبر بالاعتراف – كانت مجموعة الكاسيتات . . منتقاة من الموسيقى العالمية ، الرومانسية على الجيتار او الساكسفون والبيانو ، والأخرى لمنوعات من الموسيقى الكلاسيكية الى جانب السمفونيات الشهيرة لبتهوفن ، باخ . . شوبن وغيرهم – كانت الوصلات المتلاحقة والمتقطعة للموسيقي الدائرة تقتلعني من وجودي في حالة من سكرة وجد طافي . . يسيح على المدى دون معالم ، احمل بدء من خلال موجات صوت العصافير ، او على اجنحة طير لمحته محلقا في الفضاء ، وتارة على ضحكات طفل يزعق جذلانا عند هروبه من ابيه وهو يركض وراءه – اجدني متنسجا الكون كروح تتمدد دون حدود من عالمي المحسوس . . الى عوالم خفية توصلك اليها نبض الاحرف الموسيقية ، ترحلك في محطات لفضاءات متنوعة الشبيهة بالحلم اللذيذ ، تفجر فيك قدرات خارقة من الحسية – التي تفتقدها في حياتك اليومية - تأسر لبك و , , تشعرك ببكاء جميل صامت يدغدغ كل ذرة فيك . . ما يجعلك في نشوة ذهان لا تود مغادرتها ، تربطك بواقعك الحسي من خلال تدفق الأفكار والصور كتابة على الورق المتزايد تراكمها بالحبر . . كسيل عارم يجتاح مساره بعنفوان لا يقوى أي عائق على قطع سيره أو إيقافه .
حضرتني لوحات بعيدة من الذكريات ، خرجت تغسلني شعرا لنفس مفتوحة متماهية بحجم الكون . . المطلق في ازمنته وامكنته المختلفة . . كتقلبات من بالألم والعذاب والغضب
كنت وحدي . . الذي لا يخونه التماهي
ولا تخيفه تضـاريس الأزمنة
كنت وحــدي . . أجيد الرقص البحري
وأعـرف أن الحـرام سوط إخافة للعـاشقين
وأن التحــريم لفـظ وهـم من اللغة
مثـل الزمـــن يأتي خلسـة
ويذهـب حاملا معـه تفاصـيل الحنين
حين تمـر بحانة . . ويسكرك العذاب
تخـط لنفسك منحنى
. . بحثا عن أنيس
، وعن مفترق طرق تعيد الذاكرة
* * * *
هـذا أنا
ـ الفصـول لا تأتيني بشـيء
أجلـس في زاويتي الحزينة
أراقب ليـلا يعاودني الذاكرة
لطفل لم يعرف فـرحا
. . لم يعرف غير الشكاء
. . والحاجة التي لا تنقطـع
- لا يعـرف سوى صوت الرصاص
وخوف الناس عند قدوم العـسـس
. . لا يعـرف سوى قدح الأمير
وتهديد الإمـام بالحرب من باب لباب
، وأن الحكم يقف على رؤوس الثعابين
- لم يعـرف غير أم تدعو باكية ـ خالقا ـ
وتمـدح الإمـام – خوفا -
وانتهاك اللصوص حرمات الرجال
* * * *
هـــــذا أنـــا
محـاصـر بوهـم من الذرائـع
وبعـبيد من الذكور تنتشـر في المكان
في المجالـس ـ بين أنفسـها ـ تنفش الريش
، وفي الشـوارع تـــوطي الرؤوس
. . وتعادي أحرار المدينة
ـ تمضغ فتات المهانة . . لضعفهـم
فيعـيث التابعين بأمـر الإمـام
. . ما تبقى من اسم البلاد
، وما قيل عن قتبـان . . تركت موضعا للنقوش
. . ولم تبقي سوى المقابر
ـ مقابـر حزينة ـ
وبشر خــط على وجوههـم.. أخاديد مضـغ القات
، وهـم النفط القادم . . للرخـاء
- لم يتركوا في القلب
. . غـير وجع مدمي
، وحلم لم يصـلوا إليه
. . حين تسرق صـنعاء عـمر الزهـور
، تشـحــذ القبائل بنادقها لحرق السنابل
، حـصــد الجمـاجم
. . بحـماية الإمـام
- تـظـــل تردد النشـيد
، واسم وطن .. ليـس له وجود !!
* * * *
هـذا إنا الذي لا يـنـتـــهي
تاهـت كلـماتي
فأسـتـجـلب تاريـــخ الأعاصير
. . من دمـي
لـكن صـنـعــــاء لم تـجــد فاتـحـا
- لم يـأتـها بـيــرقا-
مضت عليها السـنون
سـنون . . حـمـلت طفولة لم ترد
، لم يرد غـيـــر .. الصـدى
لـشـعـب راكـع في الخـسـوف
، في الكـســوف .. خاشعا
وفي الـفصـول - متعـبــدا – داعيا الـلـه
. . خيـر المعاش
و . . حــفـظ الأمير
** * *
هذا الطيف . . أنا
أعرف أن التوحد في يمني
. . هما
، وهـمــــا . . يكون
دمــاء تـسـيـــل الدمع . . طويــلا
. . تفـقــدنا الـذاكــــرة
* * * *
هذا الناسخ في الخيال
. . أنا
في وحـــدتـي أجالـس عنترة
، المقنع الكندي و . . زرقاء اليمامة
- في وحدتي -
وبـقـايا أعمدة من تراب
- استرجع ذكرى الغافقي
وبيوت حاكم وصــفوه .. الطـاغية
، لم تعرف زخــرفا
كـهـنـوتي . . لم يحتقر العلم . . كيومنا
، لم يعرف خزائن تستـبدل البحـر واليابـســـة
- ما تحتـهـمــــا .. وفوقـهـمــــا -
نـقـدا . . واغسـالا بالدمـــاء
- في وحــــدتي . .
أحسست غرامشي يـعـلن عـودة الأزمنة
، ويـحـتـويني بن خـلدون ، شافـيـــز وجـيـفارا
، انـجـــلز .. حين استـهـواه اصـل الـعـــائلة
- ويـحـتـــويني الأيهم.. بشـقاوته
وفرط طـمـــوح الحالمين
- أحسست إني رشيـقا
يدور الزمـــن .. ويأتي إلي
أحسست شـبابا يعود إلي
. . فـتـخذلــــني الأمكنة .
* * * *
هــــذا إنا
المــلم صـمـتــــــي
، اجـمــع بقايا طـفـــل مزقتــــه الحــروب
، وآنسة . . فضت بكارتـهــــا تحت تـهـديد الـسلاح
.. في بـقـعــــة نائـــية – في صنعاء –
بوضح النهار
* * * *
هــــــذا إنا
الــــزمــــن . . لا يأتـــي جديـــد
ولم تـعــــد . . تفرحــني اللغـــــــة .
لا أعرف لما لم تأتني الذاكرة مما يخصني ، أو وجه والدتي الملائكي الجميل ، الموجوع بنظرات ذابلة من ظلم سنين تكسر ظهر جبل عهد فيه الشموخ – أتتني عن العم سعيد ، الذي لم يكن غريبا عنا ، فهو يقطن في ذات المنطقة التي نعيش فيها ، وعن مأساته . . قد سمع عنها الكثيرون ، حتى ما يدور في خلجات نفسه ليل نهار – صادفته عن قرب حين كنت في الصف الثاني ثانوي ، أي بعمر ستة عشرة ستة ، وقت ما عملت عبر وساطة . . في مكتب شركة خلال الاجازات الصيفية وقبلا في ادارة المصنع الذي كان العم سعيد يعمل فيه - كواحد من المصانع التابعة للشركة - تذكرت اني كنت اراه من سابق . . ايضا .
أيام لا أذكر هل تجاوزت الأسبوعين أم أكثر .. صادفته خلالها أثناء دخول الصباحي إلى مكتب الشركة التي أعمال فيها... وعند خروجي في حوالي الثانية ظهراً ، بل كنت ألمح قامته الخلفية اثناء الدوام , التي كانت تظهر جهداً كبيراً في حمل رأسه الأصلع المتكور الحامل بعض شعيرات الشيب البيضاء المتهالكة على جانبي أذنيه والتي قاربت على فقد لونها الأبيض .
كان العم سعيد حين عرفته في المصنع . . ذا شكل آخر عنه اليوم , مفتولاً قوي تنفجر فيه الطاقة بشكل ملحوظ حتى أنه لم يحدث في يوم من الأيام أن رآه أحد أثناء الدوام الرسمي للعمل غير مبتل الملابس أو غارق في عرقه , أما رأسه المستدير الأسود كان يحمل بعض خصلات بيضاء متفرقة ومتخفية بين الكم الهائل من الشعيرات السوداء بصورة تكتل مصغر في بعض مناطق الرأس والتي كانت كما لو أنها تعكس مدى الخبرة العملية التكتيكية التي كان يحتويها - كثير من الأحيان خيل إلي أن سبب كبر مساحة دماغه عائد لشدة تنامي هذه الخبرات في رأسه . . قد سببت ازاحة في تجاويف جمجمته وتوسعها لتظهره بهذا الحجم المذهل .
- يا ناس . ( صرخ عالي متهالك )
. . حرام عليكم . . عندي أكوام من اللحم لا يوجد من يأكلهم .
. . على الأقل تذكروا أن مكاتب الشركة هذه التي أنتم قاعدون عليها , لم تكن ستوجد إذا لم نكن نحن ، شغلنا المصنع وطورناه . . حتى وصل لما هو عليه الآن في صورة شركة كبيرة . . لها العديد من الفروع في مختلف أنحاء البلد هذا غير فروعها المنتشرة في الخارج .
طول تلك المدة والعم سعيد يداوم في الحضور يوميا إلى مبنى الشركة, متنقلاً بين مكتبي المدير العام والمدير المساعد في انتظار أن ينصفه صاحب الشركة التي لم يكن يأتي إلى البلد ليوم واحد حتى يسافر في اليوم التالي , بعدها يتأخر في المجيء إلى ما شاء الله .
كان مدير الشركة يؤمله خيراً , فكثيراً ما ردد على مسامعه أن حظه سعيد , فصاحب الشركة هذه الأيام كثير المجيء إلى البلد نتيجة الصفقات الكثيرة التي تلزمه التنقل بين الخارج ومركز الشركة الرئيس .
- غداً سيكون الحاج هائل في مكتبه , وسوف نساعدك في الدخول إليه وعلى ما أعتقد أنه سيضمن لك مرتب ثابت شهرياً .
#أمين_أحمد_ثابت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟