نبيل الخمليشي
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 09:06
المحور:
الادب والفن
اليوم، مات ساعي البريد،
الذي حمل في قلبه رسائل
أرسلتها المدن المكسورة
لكنها لم تجد عنوانا.
لم يطرق بابا منذ زمن،
ومع ذلك ظل يرسل،
أوراقا تذبل في يديه
كما تذبل الكلمات في الهواء.
في الطريق الذي طالما سار فيه،
أين كانت الرياح دائما تسرق منه الأمل،
أين كانت الخطوات تتناثر،
مثل حروف قديمة كتبتها يد لا ترى.
كان يحمل حقيبة
ثقيلة بأحلام لا تقرأ،
والمدينة التي مر بها
أخذت منه كل شيء
دون أن تعطيه شيئا،
كأنها كانت تأخذ منه كل خطوة
ثم تبتلعها في فمها الجائع.
اليوم، مات ساعي البريد،
مات كما يموت الطيبون،
بلا ضجيج،
في زاوية مظلمة،
بينما الجميع مشغولون برسائلهم الإلكترونية،
ويظنون أن الحروف ترسل بسهولة،
ويظنون أن المعنى يأتي بسرعة،
لكنهم لا يعرفون كيف كان يحترق قلبه
من أجل رسالة واحدة تصل في الوقت الصحيح.
مات ساعي البريد،
وكل رسائله اليوم
تصبح بلا قيمة.
كان يحمل الأحزان في جيوبه،
ويحاول أن يرسلها إلى مكان بعيد،
لكن لا أحد ينتظر.
مات، وما زالت رسائله معلقة
بين زمن قديم
وزمن لن يعرفه أحد.
اليوم، ساعي البريد الذي لم يعد يقف عند الأبواب،
أصبح جزءا من العدم،
جزءا من الحزن الذي لا يمر
إلا على أولئك الذين يعرفون أن الكلمات
لا تنقذ الأرواح أبدا،
وأن العزلة هي المكان الذي لا نغادره.
مات ساعي البريد،
لكن أصداء خطواته ما زالت تتردد في الشوارع،
بينما العالم يمضي سريعا،
مؤمنا أن الرسائل الإلكترونية تكفي.
لكن أحدا لم يعِ
أن في قلب هذا الرجل
كانت تحترق رسائل أكثر من أي وقت مضى.
#نبيل_الخمليشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟