|
سياج الغزالة ؛ ناصر رباح
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8269 - 2025 / 3 / 2 - 00:12
المحور:
الادب والفن
سياج الغزالة رواية لناصر رباح تقغ على متن ٢٣٩ صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارات منشورات المتوسط في ميلانو بايطاليا سنة ٢٠٢٤.
رواية فلسطينية شيقة كتبت بلغة ادبية راقية، كثيرة الترميز والمجاز والاسقاطات، هذا عداك عن مضامينها الاجتماعية والدينية الشائكة والمعقدة والمحظورة في التناول لاسباب عديدة منها الوطني والسياسي والاخلاقي...
تبدا احداث الرواية قبل مائة عام في فلسطين وفي قرية [مستوطنة] تقع بين النقب وغزة، وتدور الاحداث وتتشكل حول حجر يستخدم لارتكاب جريمة في تلك المنطقة.. جريمة القتل البشعة التي نفذها الأخوان الجشعان بحق ابن أخيهم المقعد “عياد”، فقد قتلا الطفل الوليد بأن ألقيا عليه حجرا فهرساه به بعد مكيدة دبّراها لأمه؛ خشية أن يرث معهم الأرض بعد موت أخيهم “عياد” العاجز. تلك الجريمة الخطيئة التي سيأتي عقابها سريعا وذاتيا حين ضمر الأخوان الطامعان قتل بعضهما في اللحظة ذاتها بالسم وبالمنجل.
تلك الأرض التي تنازعها الأخوان ستكون فيما بعد ضمن مستوطنة إسرائيلية اسمها (نتيفوت) وتلك الخطيئة ستتناسل خطايا أخرى، وذلك الحجر سيكون شخصية محورية في بناء احداث الرواية حيث تنسج حوله الحكايا وتدور القصص؛ هذا عداك عن قيمته التخيلية العالية والتي اضفت لمسات مشوقة على احداث الرواية وبحيث صنعت جودة التخيلات عوالم وابتدعت اساطير ونجحت في شد القراء نحو عوالم وتفاصيل الحياة الاجتماعية في مخيمات غزة ومستوطناتها وفي تسليط الضوء على البقع المعتمة والشائكة في تلك العلاقات.
وفي تتبع سيرة الحجر الذي مثل حجر الزاوية للرواية نجح الكاتب في نسج خيوط روايته كحائك ماهر وكناظم لقصيدة بارعة اخرجت لنا حبكة فائقة الجمال والابداع، والتي نجح من خلالها [الحبكة] الكاتب في تطريز احداث الرواية سطرا سطرا وصفحة صفحة وفصلا فصلا حتى اخر الكلمات..
وبصورة اخرى نجح الكاتب في نحت روايته تماما كما نجحت بطلته النحاتة العراقية ايالا بنحت تمثالها الباكي عبر صفحات الرواية..
بحيث تلتقط هذا الحجر ايالا ذات الاسم الكثيف الدلالات؛ فهو اسم عبري مأخوذ من اسم آيال ويعني القوة، كما يعني الغزال، وفي اللغة العربية مأخوذ من آل أي أهل أو صاحب، وهو اسم مميز وجديد.
وإيالا بطلتنا وصاحبة هذا الاسم ذي الدلالة المذكورة هي نحاتة ومستوطنة يهودية عراقية الاصل هاجرت من بغداد لفلسطين مرورا بالمانيا ، هذه العراقية مولعة بالنحت وحازت شهادة اكاديمية فيه، ولاجل هذا الشغف تذهب الى المانيا لاكمال دراستها وصقل موهبتها هناك.. وهناك تواجهها صعاب جمة من حيث الاعتراف بشهادتها وموهبتها فتقرر الهجرة الى فلسطين [اسرائيل] كمستوطنة تاركة خلفها والدتها وذكريات صادمة..
تصل المستوطنة اليهودية العراقية [إيالا] الى فلسطين ويتم توزيعها على مستوطنة زراعية اسمها [نتيفوت].. تقوم ايالا بادارة المستوطتة الزراعية والتي تستخدم مزارعين فلسطينيين من غزة ومن هؤلاء المزارعين تنشأ حكايا الرواية وتتوالد تباعا وتكون بطلتها سمرا الفلسطينية والتي احبت وضاجعت حسين وتتزوج من اخيه الابله جعفر وبتتابع الاحداث تنجب ابنة من حسين تسميها فرحة...
في المستوطنة الزراعية نتيفوت تبذر وتنسج حبكات الرواية ومنها تاخذ القصص والحكايا بالتوالد تباعا باسلوب سردي سلس ومشوق يعتمد على صيغة الراوي العليم.
تشاء الاقدار ان تقام المستوطنة على نفس ارض الجريمة التي ارتكبت قبل مائة عام زمن الدولة العثماتية في اشارة مبطنة الى ترابط الجريمة واستمرار مفاعيلها على نفس الارض وان اختلف المحتل او الحاكم.. في هذه المستوطنة والتي احتضنت نفس الحجر الذي اهتدت اليه النحاتة العراقية ايالا ونجحت بان تنحت منه تمثالا ، ومن خلال هذا التمثال تتوالد الققص والحكايا مرة اخرى...فمن خلال التمثال الذي يلفت نظر سمرا المزارعة الفلسطينية التي تعمل بالمستوطنة وتنشا بين سمرا والتمثال علاقة تواصل وتخاطر وتخاطب تلفت طبيعة هذه العلاقة الروحية بنظرها النحاتة ايالا..ونتيجة لعلاقة سمرا بالتمثال تتحسن علاقة سمرا مع النحاتة ايالا ولكنها تسوء مع بقية اقرانها من العمال الفلسطينيين والذين يبداون بلوك سيرتها ووتشويهها مما يترك اثره على مسيرة وسيرة سمرا وعلى خياراتها في الحياة حتى اخر صفحات الرواية ..
يرشح التمثال للعرض في متحف الفن الحديث بالمانيا وتنتقل برفقته النحاتة ايالا الى هناك وهذا يستتبع حتما انتهاء العمل في المستوطنة وتسريح العمال والقضاء على احلام سمرا وتطلعاتها نتيجة تركها للعمل وعودتها للمخيم [المغازي] لتواجه السنة الناس التي تكتظ بالحكايا التي تنال من سمعة وشرف سمرا...مما يتسبب هذا الامر بعيشها بعزلة عن المخيم وناسه مما يضطرها للزواج كيفما اتفق الامر الذي يتطور لحصول جريمة شرف حيث يقتل جعفر اخاه حسين بسبب سمرا وحالة العشق المتنامية بينهما والتي تنتهي بانتفاخ بطن سمرا وظهور علامات الحمل عليها ..
في المانيا حيث التمثال المعروض تنشأ الحكايا وتتوالد مرة اخرى؛ يلحظ الفنيون دموع تسيل من التمثال مرارا وتكرارا فتثور الاسئلة ويدب الاستغراب وتدور علامات الاستفهام محاولة الوصول الى جواب... تقرر ادارة المتحف في النهاية اعادة التمثال للبلاد[فلسطين] بعد عرض صاحبته ايالا على طبيب نفسي.. تعود ايالا وتمثالها للبلاد ومعها تعود الحكايات لتتوالد من جديد؛ لكن هذه المرة تاخذ الحكايا تدور بخطين موازيين...يلتقيان باتحاد النهايات التي تكون بطلتها سمرا وجعفر وفرحة من جهة وايليا وتمثالها المصنوع من [حجر الندم ] من جهة اخرى ..
تبحث ايالا عن سمرا وتحاول الوصول اليها في غزة، وتتدبر ايالا مسالة الدخول لغزة برفقة تمثالها لمقابلة سمرا... تتم المحاولة عن طريق قوافل المساعدات الانسانية ص ٢١١. عبرت السيدة ايالا ومعها التمثال عبر معبر ايريز.
في غزة حيث الموت والدمار والحروب المتواصلة وانتشار الجمعيات الدينية والخيرية وشيوع مصطلح الكوبونة تنتسب فرحة الى احد تلك الجمعيات الدينية برعاية وتوجيه من الشيخ [فتحي ابو الكتب] الذي افنى ردحا من حياته برعايتها... ثم يطلب يدها للزواج ص ٢٠٧.
تصبح فرحة عضوا مهما في اسرة المسجد الكبير وكاتمة اسرار جمعية الاخوة في الله ، وفيما بعد ستتلقى دورة في الرصد ومتابعة السكان كتأهيل خاص بها، وتضم الى لجنة سرية مهمتها ملاحقة العملاء والمندسين ص ٢٠٧.
ترفض فرحة الزواج من الشيخ فتحي ص ٢٠٨ والذي يبدا بحياكة المصائب ونشر القصص والاكاذيب عن اهل فرحة انتقاما لرفضها الزواج منه..فيقول:" جعفر القط عميل ، تواصل مع جاسوسة اسرائيلية، حملت له متفجرات واوصلتها له في الكوخ". ص ٢٠٨.
تصل ايالا والصندوق الذي يحتوي تمثالها الى جعفر في كوخه الذي يقبع قريبا من المقبرة وعلى حافة المخيم...يتعرف عليها جعفر سريعا بعد ان تبوح له باسرار التمثال وما حصل في المستوطنة وفي متحف الفن بالمانيا، وتشرح له سر علاقة التواصل بين التمثال مع سمرا ويطالبها بالبقاء لحين احضار سمرا الى الكوخ. يصالح جعفر سمرا ويغتسل هو واياها بعد ان يضاجعها ويتلمس كل قطعة في جسدها...ثم يخبرها بحقيقة ايالا وتواجدها في الكوخ، فيتجهان الى الكوخ مباشرة وعلى عجل من تخوفات كانت في محلها... "جمهرة كثيفة احاطت بالمكان [الكوخ] ص ٢٣٦، مسلحون وبنادق وفضوليون".. "حين وصلت سمرا كان كل شيء قد انتهى، القت بجنونها ولهاثها وصراخها على جسد ايالا المصلوب على السلك الشائك" ص ٢٣٧.
" وعلى كل حال، تبددت الرائحة والدخان بعد ايام، ونسي السكان امر ذلك اليوم، لكنهم لن يعرفوا ان ثمة صلة بين ماحدث وبين وجوههم، والتي صارت شيئا فشيئا تأخذ شكل وجه رجل يبكي". ص ٢٣٩.
بقي ان نقول ان عنوان الرواية سياج الغزالة بما ينطوي عليه من معاني ودلالات جاء ماتعا و جذابا فنيا وتسويقيا؛ لكنه لم يكن ليعبر عن مضمون الرواية بالشكل الافضل والامثل من【حجر الندم] ، اذ لم يشكل عنوان الرواية سياج الغزالة عتبة الولوج للنص الفضلى ؛ بينما كان للكاتب ان يسمي الرواية بعنوانها الناطقة بما فيه من ترابطات ودلالات وانفتاح على عوالم ودواخل الرواية وهذا مالم يتوفر بعنوان الرواية سياج الغزالة وانما توفر بشكل انضج واوضح وادق بعنوان [حجر الندم] ص ١٠٦ والوارد كعنوان للفصل التاسع من الرواية، لكن دون ان ينقص ذلك من قيمة الرواية او متعتها؛ لكنه لربما كان ليذهب بالرواية نحو عوالم اخرى اكثر تألقا واتساقا مع الحدث والموضوع.
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سافوي 28
-
سافوي 27
-
سلسلة اليوميات الفلسطينية
-
الى فتح في عيد ميلادها 60
-
الاعمال المقدسية الكاملة؛ عارف العارف
-
في شباك العصافير؛ وليد الهودلي ]2[
-
الفلسطينيون من حرب إلى حرب ؛ ايريك رولو
-
امرأة الموساد، قصة موردخاي فعنونو ، بيتر هونام
-
سافوي 26
-
رشاد ابو شاور؛ سيرة من الزمن الفدائي الجميل
-
تحت ظل الخيمة
-
سافوي 25
-
سافوي 24
-
#دروس_وتجارب؛ فتح وجدت لتبقى ولتنتصر..
-
دروس وتجارب ثورية؛ -فتح مرت من هنا-
-
دروس وتجارب ثورية؛ نحن والآخر وأدوات التغيير
-
في شباك العصافير؛ وليد الهودلي
-
القدس؛ صورة اخرى للحنين ...
-
وداعا مريم؛ زياد عبدالفتاح
-
غزاوي: سردية الشقاء والأمل؛ جمال زقوت
المزيد.....
-
“الأحداث تشتعل”.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 183 كام
...
-
أين ومتى ستشاهدون حفل الأوسكار الـ97؟.. ومن أبرز المرشحين لل
...
-
الكويت.. وزير الداخلية يعلق على سحب الجنسية الكويتية من الفن
...
-
هل تتربع أفلام الموسيقى على عرش جوائز أوسكار 2025؟
-
وزير الداخلية: ما -العمل الجليل- الذي قدمه الفنانون للكويت؟
...
-
في العاصمة السنغالية دكار.. المتحف الدولي للسيرة النبوية في
...
-
مصر.. إيقاف فنان شهير عن العمل لتعديه على لقاء سويدان
-
الأوسكار 2025: تنافس مثير على جائزة أفضل فيلم دولي وغياب الأ
...
-
-ضفاف الدّجلتين- تخصّص نافذة الكترونيّة تعريفيّة شاملة ب سنا
...
-
شاهد كيف سخر برنامج كوميدي أمريكي من المشادة بين ترامب وزيلي
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|