أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - الموسيقى في آداب اللغة العربية















المزيد.....


الموسيقى في آداب اللغة العربية


صبري فوزي أبوحسين

الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 12:41
المحور: الادب والفن
    


الموسيقى هي الحركة، والحركة هي الحياة، فلا حياة من غير موسيقى، لكن الموسيقى أنواع وأشكال، وشتان بين موسيقى وأخرى، بعضها إيجابي حماسي له دوره في الرقي بالذوق والتربية والحياة عموما، وبعضها سلبي تخديري، له أخطاره وأضراره عندما ينحرف عن المقاصد السامية الهادية الشافية الواقعية، فالموسيقى مقبولة حلال ما لم تكن مصحوبة بمحرم، أو مثيرة للفتن ومهيجة للشهوات والنزوات، أو ملهية عن الواجبات والعبادات، أما ما عدا ذلك فهي مرفوضة محرمة. ومن أولى أنماط الموسيقى (موسيقى الطبيعة) التي تتمثل في خرير مياهها وهدير موجٍهَا وزقزقة بلابلها وهفيف نسيمها وصفير رياحها، فهي الموسيقى الأولى التي عرفها الإنسان وأثّرت في نفسيته وفكره وكل كيانه. وهناك (موسيقى الألحان والأنغام) التي تعتمد على العزف على آلة أو آلات إيقاعية معروفة، وهناك (موسيقى الجاز) الارتجالية، و(موسيقى البلوز) الحزينة، و(موسيقى الروك) القوية الصاخبة، و(موسيقى البوب) البسيطة الجذابة،... وغير ذلك موسيقات هذا الكون الهادر الموقع بطبيعته المناخية وما فيه من حركة الكائنات المتنوعة بشريا وحيوانيا ونباتيا وجماديا... وكلها موسيقات تعد شكلا تعبيريًّا من أرقى أشكال التعبير التي رافقت الإنسان عبر العصور، ولها تأثير في الإنسان مبدعا ومتلقيا، كم تسببت في إخراج نص أدبي، أو تجربة. غنائية، أو عمل درامي بل ورقم قياسي رياضي، وكم كانت وراء إنجازات وتعميرات، وبطولات وطنية وقومية وحماسية، وذلك عندما تكون منضبطة فاعلة رقيقة هادئة منسجمة مع الحياة والأحياء! وليس فيها ضجيج أو إزعاج أو استفزاز أو إضرار بآذان المخلوقات ونفوسها!
وأعيش في هذه المقالة مع (موسيقى الكلمة) التي لها دورها في التّمكين للغة العربية الفصحى ونشر القصائد الشعرية والأعمال الأدبية بين الناس، فهي التي تناسب قناعاتي وميولي، وهي أمارس تعليمها وتوظيفها في التعليم الجامعي، وتتجلى الموسيقى في اللغة العربية عبر علمين منضبطين دقيقين، خاصين بالشعر، فن العربية الأول، وديوان العرب الذي يسجلون به وفيه مفاخرهم ومآثرهم، وهما علما العروض والقافية، وقد أدركهما أسلافنا العرب في شعرهما إدراكا واعيا مقصودا، واكتشفهما الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٠ هـ) ومن بعده، وهما علمان محددان في مصطلحاتهما وقواعدهما، وهما يدوران غالبا حول البيت الشعري في المقام الأول، وقد يطبقان على النتف والمقطوعات. ثم تطور هذان العلمان في العصر الحديث إلى ما يسمى (موسيقى الشعر) ذلك المنهج الجديد، غير المحدد ولا المقيد، فكل يوم يحدث فيه جديد وطريف في مصطلحاته وقواعده، وهو يتناول النص الشعري كله في جميع مستوياته: الصوت، اللفظ، التركيب، النص.
وفي تعريف القدامى العرب للشعر نجد ربطًا بينه وبين الموسيقى؛ فهذا قدامة بن جعفر في كتابه (نقد الشعر) يعرف الشعر بأنه كلام موزون مقفى يدل على معنى. إذ يوجد في هذا التعريف أربعة عناصر لا بد منها في الشعر، هي اللغة (كلام): أصوات، ألفاظ، تراكيب، و الوزن (موزون) ، والقافية (مقفى)، والفكر (معنى)، وباد أن الوزن والقافية عنصران رئيسان في مفهوم الشعر، وما هما إلا أداتا تحقيق الموسيقى في الشعر! إذ يقصد بالوزن مجموعة التفاعيل العروضية التي يتكون منها البيت الشعري، ويقصد بالقافية ما يجب تكراره في آخر أبيات القصيدة من أصوات أو حركات. وقد ربط أسلافنا بين الشعر والموسيقى، وسموها الإيقاع، فهذا ابن طباطبا العلوي في كتابه( عيار الشعر) يقول:" للشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه"، فباد من هذه العبارة أنه فرق بين الوزن والإيقاع، وأنه ربط الإيقاع بالمعنى واللفظ. وهذا ابن فارس في كتابه (المزهر في علوم اللغة العربية) يقرر أن أهل العروض مجموعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقيم الزمان بالنغم والعروض تقيمه بالحروف. وهو أيضا يفرق بين العروض والإيقاع حيث يقول: إن الإيقاع خاص بالنغم والعروض خاص بالحروف... وتوجد لدى أسلافنا العرب كتب خاصة بالموسيقى مثل الموسيقى الكبير لأبي، نصر الفارابي، ومحاسن الألحان لابن سينا، والكافي في الموسيقى لابن زيلة، والنغم والإيقاع لابن إسحاق الموصلي، والمصوتات الوترية، ورسالة في الإيقاع للكندي، وغير ذلك. وقد ازداد الاهتمام بالموسيقى في ظلال الحضارة الأندلسية، حتى إن أحد المستشرقين قرر أن الآلات الموسيقية الأندلسية قد زادت زيادة تفوق على الحصر.
ومن أبجديات (موسيقى الشعر) تعريف مصطلح الموسيقى بأنه الصوت الحادث سواء كان منتظمًا أو غير منتظم، سريعًا أو بطيئًا، هادئًا او غير هادئ، وهى تدرك بالأذن وتؤثر في الأذن. إنها الإحساس الصوتي الذي نحس به في الشعر سواء أكان بنغمة عالية صاعدة أو منخفضة هابطة. وهي دالة على درجة النغمة الصوتية ورتبتها.
وتؤثر الموسيقى تأثيرا فعالا في بلورة التشكيل الجمالي للنص الشعري، حيث تتضافر الأصوات اللغوية وفق نظام خاص في النسق لتحدث إيقاع يعبر مختزنات الحالة الشعورية ويقول محببا إلى النفس الإنسانية التي تميل إلى كل ما يثير فيها الإحساس. وخاصية الموسيقى خاصية جوهرية في بناء الشعر، وهي أقوى وسائل الإيحاء التعبير عن المشاعر، والمعاني، والشاعر الجيد هو من يوظفها للإيحاء بما يريد ويشعر.
والذي يُفرق بين الموسيقى والإيقاع أن الإيقاع منتظم، والموسيقى بها ضوضاء وغير منتظمة. والموسيقى ترادف اللخن والضوضاء، والإيقاع يرادف النغم. والإيقاع من داخل النص، والموسيقى من خارجه وداخله معا. وكل موسيقى فيها إيقاع، والإيقاع يوجد في الأنواع الأدبية جميعا شعرا ونثرا. وظهر في النصف الثاني من القرن العشرين مصطلح البنية الإيقاعية ويكاد يكون بديلا لمصطلح (موسيقى الشعر)، ويعد الدكتور كمال أبوديب من أوائل من طبقّ البنية الايقاعية في الشعر، وذلك في كتابه "البنية الإيقاعية في الشعر العربي "، ومن الباحثين من يوسع مفهوم الإيقاع حتى يكون بمعنى الأثر أو الدلالة، فينقله من مجال(الإيقاع السمعي)- الذي اللذة والجمال فيه ترجع إلى عقل المتلقي من النصّ عن طريق السمع-إلى (الإيقاع البصري)الذي جمال النص فيه يحُدث في عين المتلقين، و(الإيقاع المعنوي) الذي جمال النصّ فيه يحدث في عقل المتلقي، فيكون إيقاعاً معنويا، ويوجد ما يسمى (الإيقاع الكتابي)، وغير ذلك من الإيقاعات.
ومن يطالع الكتب المنظرة لموسيقى الشعر يجد انهم يقررون أن العلاقة بين الموسيقى والشعر علاقة عضوية (حتمية وضرورية)، فلا يمكن للشعر أن يستغنى عن الموسيقى، والموسيقى ترتبط بالشعر كل ارتباط. ومن الأدلة على ذلك:
-الشعر يصاغ من عدة تفعيلات تمثل وحدات موسيقية تحدث نغما آسرا وإيقاعا لذيذا تؤثر في المتلقي (من يسمع ومن ينشد)، فالشعر نغم وإنشاد. وإذا فقد الشعر الموسيقى فقد قيمته وفقد العنصر المؤثر فيه.
-كان العرب في الجاهلية يدرك كون العلاقة بين الشعر والغناء وذلك من طريق ما يسمى الحداء. والحداء: سوق الإبل عن طريق الغناء لها بكلام جميل مؤثر موسيقيا وهو من عادة العرب في أسفارهم ورحلاتهم. قال الشاعر:
فغنها وهي لك الفداء إن غناء الإبل حداء
-كان العرب ينشدون الشعر، والإنشاد هو قراءة الشعر وَفْقَ ما يتطلبه وما يحكمه فن الإلقاء وهو يحقق التنويع في موسيقى الشعر. قال سيدنا حسان بن ثابت:
وإن أشعر بيت أنت قائله
بيت يقال إذا أنشدته صدقا
ووظيفة إلقاء الشعر تتطلب قراءة غنائية خاصة، تعمل على اتصال كلمات القصيدة الشعرية الواحدة بعضها ببعض اتصالا وثيقًا يتفق مع طبيعة المقاطع والموسيقى الشعرية، فالإنشاد لا يتم بمجرد مراعاة المقاطع والتفاعيل في الوزن أو إعطاء النبر حقه بل لابد من مراعاة النغمة الموسيقية، والإلقاء الجيد للشعر هو الذي يراعي أن الإنشاد لا يتم إلا بمراعاة أوزان التفاعيل ومراعاة النغمة الموسيقية والمعنى حين الوقف.
ويعد الدكتور شوقي ضيف ممن عنوا ببيان العلاقة بين الثالوث: الشعر والموسيقى والغناء، حتى إنه قرر أن بعض الشعراء كانوا يتعلمون صناعة الغناء حتى يستطيعوا أن يؤلفوا أشعارًا تتفق وألحان المغنين وأصواتهم، وممن عُرف بذلك ابن أذينة فقد كان يصوغ الألحان والغناء على شعره، وحكى له صاحب العقد الفريد صوتين مما يغنِّي فيه الحجازيون. ولعل ذلك هو السبب في أن موسيقى شعره تمتاز بأنها مصفاة تصفية شديدة كما نرى في قطعته المشهورة:
إن التي زعمت فؤادك ملَّهَا
خُلقتْ هواك كما خُلقْتَ هَوَىً لَهَا
كما أن الشعراء وجدوا الحاجة ماسة إلى تعلم الغناء، كذلك وجد المغنون نفس الحاجة إزاء تعلم الشعر فاصطنعته جماعة؛ منهم أبو سعيد مولى فائد وكان مغنيًا، وشاعرًا، وكذلك سَلَّامَة القَسِّ، وكانت مغنية وشاعرة... وغيرهما.
ويرى الدكتور شوقي ضيف أيضا أن ليس هذا كل ما صنع الغناء بالشعر التقليدي؛ فقد أثر فيه من جانب آخر هو جانب "الموسيقى الداخلية" وما يستتبعه ضبطها من عناية بفنون البديع الصوتية. ولعل أهم شاعر تقليدي نجده في هذا الجانب هو البحتري؛ فقد كان يعنى بالموسيقى الداخلية عناية شديدة، حتى ليروع النقاد روعة بالغة. وحقًّا إنه ملأ آذان عصره بألحان عذبة جميلة، وعبَّر المدى عن ذلك عبارات مختلفة؛ إذ يقول في كتابه "الموازنة بين الطائيين" عن شعره: "إنه صحيح السبك، حسن الديباج، ليس فيه سفساف ولا رديء ولا مطروح"، ويقول عنه أيضًا: "إنه يؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق". وهي إشارات وتلميحات، تشير إلى ما يسمى( الموسيقى الداخلية في الشعر) التي حددها الناقد "لامبورون" في كتابه: "أسس النقد" من أن هذه الموسيقى يشخصها جانبان مهمان، هما اختيار الكلمات وترتيبها من جهة، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهة أخرى، حتى تحدث هذه الصناعة الغريبة، أما الجانب الأول، وهو اختيار الكلمات وترتيبها؛ فقد اهتم به العباسيون اهتمامًا شديدًا وجعلوه محور الفصاحة والبلاغة كما نرى ذلك في كتابات الجاحظ؛ إذ يكثر من توصية الأدباء بتصفية أساليبهم واختيار ألفاظهم، وما يزال يرشدهم إلى مواقع الكلمات واستعمالها وما يحسن منها وما يستهجن. ولعل من طريف صنيعه أنه وضع فاصلًا بين صناعة العباسيين ومن سبقهم من الأعراب، وأقام هذا الفاصل على الملاءمة الدقيقة بين الكلمات والحروف؛ إذ يقول: "ومن ألفاظ العرب ألفاظ تنافَرُ وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض استكراه". فالشعر القديم كما يلاحظ الجاحظ لا يبلغ من تنقيح ألفاظه وتصفيتها مبلغ الشعر العباسي الذي كان يعيش فيه والذي ألهمه هذا الحكم؛ ويحمد الجاحظ لحذَّاق الشعراء تخيرهم ألفاظهم وملاءمتهم بين كلماتهم حتى؛ لكأنها سُبكت سبكًا واحدًا. وكان الناس من حول الجاحظ يعجبون مثله بهذا الجانب، يقول بعض الأدباء العباسيين: "أنذركم حُسْنَ الألفاظ وحلاوة مخارج الكلام، فإن المعنى إذا اكتسى لفظًا حسنًا، وأعاره البليغ مخرجًا سهلًا، ومنحه المتكلم دلًا متعشقًا، صار في قلبك أحلى، ولصدرك أملى، والمعاني إذا كسيت الألفاظ الكريمة، وألبست الأوصاف الرفيعة، وتحولت في العيون عن مقادير صورها، وأربت على حقائق أقدارها بقدر ما زينت وحسب ما زخرفت. والبحتري هو أبرع شاعر عباسي صور هذا الجانب وما بلغ الشعراء من إحسانه وتحبيره؛ فقد عرف بمهارة واسعة فيه، ويقول الباقلاني: "إنه كان يتتبع الألفاظ وينقدها نقدًا شديدا". ولا يزال يتتبعها وينقدها حتى يؤلف منها ألفاظًا عذبة جميلة يحس ابن الأثير إزاءها "كأنها نساء حسان عليهن غلائل مصبغات وقد تحلين بأصناف الحلي"، فألفاظه عليها رشاقة وأناقة، ولها صوت جميل كوسوسة الحليّ، بل قد يكون لها خشخشة الحصى....وأما الجانب الثاني وهو "المشاكلة بين اللفظ والمعنى"، فقد كان الأدباء والنقاد وعلي رأسهم الجاحظ يتواصون به كثيرًا، وكان البحتري يستوفيه استيفاء غريبًا، حتى ليرتفع في بعض مقطوعاته إلى هذا الأفق الذي عرف به بعض الشعراء الغربيين من أمثال تنيسون وفرجيل....
و(موسيقى الشعر) نوعان:
(خارجية): تكون ظاهرة وبارزة وأساس معرفتها علم العروض والقافية وتتكون من عنصري الوزن والقافية، إضافة إلى التصريع والمحسنات البديعية اللفظية.
و(داخلية): تكون خفية، وأساس معرفتها علم الأصوات (مخارج أصوات ، صفات أصوات..)
ومن أراد الوقوف عليهما في الشعر فليوازن-مثلا- بين قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
حيث الموسيقى الصاخبة السريعة، المناسبة لحالة الانطلاق العاطفي في هذه المعلقة الهدرة. وقول كعب بن زهير:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول
متيم إثرها لم يفد مكبول
حيث الموسيقى الهادئة الرقيقةٍ، المناسبة لغرض الغزل.
ويتنوع فن الشعر العربي ويتطور حسب تعامل الشعراء مع موسيقاه عبر الأعصار والأمصار فنجد من أنواع الشعر من حيث البنية العروضية:
- الشعر البيتي:
وهو الشعر الذي يعتمد على تكرار الأبيات ذات الوزن الواحد والقافية الواحدة. ويسمى بتسميات عديدة عند الدارسين، منها: الشعر العمودي، والشعر الخليلي، والشعر الموروث، والشعر المحافظ، والشعر الكلاسيكي. وعلم العروض، وعلم القافية ضابطان ومنظران لهذا النوع الشعري.
-الشعر المقطعي:
وهو الشعر الذي يعتمد على تكرار مقاطع شعرية، لكل مقطع نظام خاص في وزنه وقافيته، ومن ألوانه الدوبيت، والمثلث، والمربع، والمخمس، والموشحات. وهو من ألوان التجديد في الشعر العربي التراثي. ومن الكتب المنظرة له(دار الطراز في عروض الموشحات) لابن سناء الملك، وكذا كتاب (العاطل الحالي والمرخص الغالي) لصفي الدين الحلي.
-الشعر السطري:
وهو الشعر الذي يعتمد على تكرار السطر الشعري الحر في عدد تفعيلاته ونظامها، ونهاية كل سطر. ويسمى (شعر التفعيلة)، و(الشعر الحر)، و(الشعر الطلق).وهو من ألوان التجديد في الشعر العربي الحديث. ومن الكتب المنظرة له كتاب (قضايا الشعر المعاصر) لنازك الملائكة، وكتاب (العروض الجديد) للدكتور محمود علي السمان، وغيرهما. ولي، بحث عنه بعنوان(الخصائص الإيقاعية في الشعر السطري)، وكان في مؤتمر كلية اللغة العربية بأسيوط الدولي الثاني سنة ٢٠١٧م.
-الشعر المرسل:
و هو الشعر الذي فيه التزام بالوزن وتحرر في القافية، فلكل بيت من أبياته قافية تخالف ما قبله وما بعده، فهو مرسل من القافية أي لا يلتزم بوحدتها ولا تنوعها. ومن أوائل مبدعيه الشاعر عبدالرحمن شكري. ويكاد يكون قد انقرض هذا الشكل، لعدم استساغة الأذن العربية لموسيقاه وإيقاعه.
-الشعر المنثور:
وهو النص الأدبي الخالي من الوزن والقافية معا، والمشتمل على عبارات وصور فنية جميلة! والأولى أن يسمى النثر الفني. وبعضهم يسميه قصيدة النثر، أو النثر المشعور. ولا يخلو عصر من نصوص نثرية ذات إيقاع بارز وموسيقى حاضرة تعطيه صفة الشعرية لا الشاعرية. .. وغير ذلك من الأنواع. التي تثير لدينا قضية الموقف من التجديد الشكلي في الشعر، حيث يشير الدكتور عمر خلوف- وهو من أكابر الدارسين المدققين المحققين في علمي العروض والقافية-إلى أن أسلافنا كانوا مرنين في قبول التجديد المنضبط في موسيقى الشعر، فهذا الزمخشري (-538هـ) في كتابه(القسطاس في علم العَروض) يقول: "إنَّ "بناءَ الشعرِ العربيّ على الوزن المخترع، الخارجِ عن بحور شعر العرب، لا يَقدحُ في كونه شعراً عندَ بعضهم، وبعضُهم أبى ذلك، وزعم أنه لا يكون شعراً حتى يُحامَى فيه على وزنٍ من أوزانهم. والذي ينصُرُ المذهب الأول هو أنَّ حَدَّ الشعر: (لفظٌ موزونٌ، مقفّى، يدلّ على معنى". فهذه أربعة أشياء: اللفظ، المعنى، الوزن، القافية، فاللفظ وحدَه هو الذي يقع فيه الاختلاف بين العرب والعجم. فإنَّ العربيّ يأتي به عربيّاً، والعجميّ يأتي به عجميّاً. وأمّا الثلاثةُ الأُخَرُ فالأمرُ فيها على التَّساوي بين الأمم قاطبة. ألا ترى أننا لو عملنا قصيدةً على قافيةٍ، لم يُقَفِّ بِها أحدٌ من شعراء العرب، ساغَ ذلك مَسَاغاً لا مَجالَ فيه للإِنكار. وكذلك لو اخترعنا معانيَ، لم يَسبقونا إليها، لم يكن بنا بأس، بل يُعدُّ ذلك من جملة المزايا. وذلك لأنَّ الأممَ عن آخرها متساويةٌ بالنسبة إلى المعاني والقوافي والافتنان فيها، لا اختصاصَ لها بأمة دون غيرها. فكذلك الوزنُ، لتساوي الناس في معرفتهِ. والإحاطة بأن الشيئين إذا توازنا، وليس لأحدهما رُجحان على الآخر، فقد عادل هذا ذاك ككفَّتيِ الميزان.ثم إنَّ من تعاطى التصنيف في العروض، من أهل هذا المذهب، فليس غرضه الذي يؤمّه أن يَحصِرَ الأوزانَ التي إذا بُنيَ الشعرُ على غيرِها لم يكن شعراً عربيّاً، وأنَّ ما يرجعُ إلى حديثِ الوزنِ مقصورٌ على هذه البحور الستةَ عشرَ لا يتجاوزها. إنما الغرض هو حصر الأوزان التي قالت العرب عليها أشعارهَا. فليس تجاوز مَقولاتِها بِمَحظورٍ في القِياس، على ما ذكرت. فالحاصل أنّ الشعرَ العربيَّ، من حيث هو عربيّ، يفتقرُ قائلُه إلى أنْ يَطَأَ أعقابَ العرب فيه، فيما يصير به عربياً، وهو #اللفظ فقط، لأنهم هم المختصّون به. فوجب تلقيه من قِبَلِهم. فأما أخواته البواقي [المعنى والوزن والقافية] فلا اختصاصَ لهم بها البتة، لتشارُك العرب والعجم فيها.
وهذا السكاكي (-626هـ)، يقول في مفتاحه: "فمَنْ [أنبأك أنهم] لَمْ يَكُونُوا يَرَونَ الزيادةَ على التي حَصَرُوها من حَيثُ الوزنُ مُستقيمةً، والزيادةُ عليها تُنادِي بأرفعِ صَوتٍ :
لَقَدْ وَجَدْتَ مَكانَ القَولِ ذا سَعَةٍ
فإنْ وَجَدْتَ لِساناً قائِلاً فَقُلِ
لِلطَّبْعِ المُستَقيمِ أنْ يَزيدَ عليها ما شاءَ، ولا حاكِمَ في هذهِ الصِّناعَةِ إلّا استِقامَةُ الطَّبعِ.وتَفاوُتُ الطِّباعِ في شَأْنِها مَعلومٌ، وهِيَ المُعَلِّمُ الأوَّلُ المُسْتَغْنِي عنِ التَّعَلُّمِ.فَاعْرِفْ".ويقول: "ولَنْ يَقِفَ على لَطائِفِ ما اعتَبَرَهُ الإمامُ: الخَليلُ بنُ أحمدَ -قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ- في هذا النَّوْعِ إلّا ذُو طَبْعٍ سَلِيمٍ".
ولعل دليل تلك الرؤية التراثية المرنة للتجديد العروضي في الشعر وحود هذه الأنواع الأدبية المتواترة في مسيرة ادبنا العربي، والتي تراعى فيها الموسيقى بطريقة خاصة، بين المراعاة الموحدة في الشكل البيتي، والمنوعة في الشكل المقطعي والتوشيحي، والمتداعية حسب العواطف والمعاني في الشكل التفعيلي السطري، والشكل المرسل، ونجد تحررا في الموسيقى فيما يسمى الشعر المنثور أو النثر المشعور أو قصيدة النثر، فهذه الأشكال ذات إيقاع متحرر، تحررا متنوعا تنوعا عجيبا لا يمكن ضبطه ولا تقنينه ولا توصيفه!
و(الموسيقى) حاضرة في النماذج العالية من النثر الفني، وتسمى(موسيقى النثر)، وممن ألف فيها أستاذي الدكتور عبدالموجود متولي بهنسي في بحثين علميين له عن(حول موسيقى النثر) وذلك حين يتم استخدام العناصر الموسيقية، مثل الإيقاع والنغمة والتكرار، في الكتابة النثرية، لإضفاء جمال وتأثير على النص، وإيصال المشاعر والأحاسيس والبوح عنها، والتعبير عن الأفكار بطريقة مبتكرة، والتنوع في الإبداع، والقضاء على الجفاف اللغوي، وجذب المتلقي القارئ وجعله أكثر تفاعلاً مع النص عن طريق الجمال والإحساس الفني المثير. من خلال إيقاعات منتظمة، ونغمات منسجمة، وتواز وترصيع، وتسجيع، وتجنيس وغير ذلك من أعشاب البديع الشكلية المحدثة للذة الصوتية الآسرة.
ولكي تتعرف على مفهوم الموسيقى وازن بين سورتي الرحمن والواقعة، على سبيل المثال؛ للدلالة على وجود الموسيقى في الكلام، وأنه توجد موسيقى في النثر كما توجد موسيقى في الشعر. فالإيقاع في سورة الرحمن هادئ رقيق هامس، والإيقاع في سورة الواقعة صاخب شديد جهير، وكل من الإيقاعين مناسب لاسم كل سورة، وفكرتها الرئيسة. ويعد الأستاذ العقاد ممن عني بدراسة موسيقى اللغة العربية في كتابه الذائع الصيت(اللغة الشاعرة)، والذي قرر فيه أن اللغة العربية لغة شاعرة، وشاعريتها في موسيقية أصواتها، ومفرداتها، وتراكيبها، ونصوصها الساحرة الآسرة الجاذبة للإنسان عقليا وسمعيا وبصريا وعاطفيا.



#صبري_فوزي_أبوحسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غانم السعيد البشير القاص
- تعليم اللغة العربية ضرورة دينية ووطنية
- البيئة الغربية والنقد الأدبي العربي الحديث
- محاضرة في أوزان الشعر وموسيقاه
- الجمال في فَضاءي الريف والمدينة لُغَوِيًّا وأدَبِيًّا
- العلامة الدكتور محمد رجب البيومي مبدعا أزهريا ومثقفا مصريا
- تصدير الأستاذ الدكتور خالد فهمي لكتاب أعمال المؤتمر الدولي ا ...
- تصدير الناقد الأديب الأستاذ الدكتور علاوة كوسةالأستاذ بالمرك ...
- تزوير فكري مُشَوِّه لقضية عروبة القدس
- ثقافتنا بين القدامة والحداثة
- إحياء الكتب مفهوما ودافعا
- إحياء الكتب مفهوما ودوافع
- محمود مفلح: الشاعر المقاوم المخضرم
- بواعث السرد في حياة نشأت المصري وشخصيته
- المشهد الروائي المعاصر في مصر
- رائية الدكتور حسن جاد في الأزهر : دراسة أسلوبية إحصائية
- منهج الكاتب نشأت المصري في تاريخياته السردية
- الأنساق الثقافية في أقصوصة شيخ الخفر للقاص محمود تيمور
- الدكتور عبده زايد إنسانا وباحثا
- استشرافُ المستقبلِ في مُذَكِّراتِ الدكتور جمال حمدان(1928-19 ...


المزيد.....




- جدل في مصر بسبب إعلان لفنان مصري أثار استياء النوبيين
- بين الترقب والاعتراض.. مسلسل -معاوية- التاريخي يثير الجدل قب ...
- وفاة المخرج المصري الكبير نبيل خضر
- صحافيون إماراتيون يتدربون على أساليب الظهور الإعلامي مع RT A ...
- -قيصر- السوري يعلق على تصوير مسلسل باسمه وتوقيفه
- فنانة سورية شهيرة تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة الأنباء عن علاقت ...
- سينماتيك.. مجلة في خدمة السينما بالجزائر
- العثور على مخرج تونسي شهير بعد اختفائه فجر اليوم الخميس
- العثور على الممثل الأميركي جين هاكمان وزوجته متوفيين داخل من ...
- عثر على جثتيهما الى جانب كلبهما.. غموض يلف وفاة الممثل جين ه ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري فوزي أبوحسين - الموسيقى في آداب اللغة العربية