أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاح الجبيلي - (هياكل الملح الأسود) بين إيقاع التشظي وشعرية التفجّع















المزيد.....


(هياكل الملح الأسود) بين إيقاع التشظي وشعرية التفجّع


نجاح الجبيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 01:52
المحور: الادب والفن
    


(هياكل الملح الأسود)
بين إيقاع التشظي وشعرية التفجّع
يكتب الشاعرُ عبد الله حسين جلاب بطريقة مغايرة ذات ابتكار مختلفٌ عما هو تقليدي في مختبره الشعري، فهو يتبنى عناصر مجددة يمزجها بقاموس ثري من المفردات، ويتخلَّى عن (شعر النثر) لصالح ما يُسميّه (شعر الإيقاع). ويستمر في هذه التجارب باستعمال دورقه الذي يتفاعل في داخله خيالٌ كونيّ متوهج يستمد عناصره مما أفاءت به الطبيعة على الإنسان، ويصوغها بحسّه السامي، ثم يطبقها على قصائده النابعة من تجربته الطويلة في الممارسة الشعرية، فقد أصدر الكثير من الكتب في ضمن هذا النطاق مثل "فاختة البحر" بعنوان ثانوي إيقاع الرؤيا، وإيقاع الصدى والأشكال والنعيب، وخلاصاته في الجمال وإيقاع البرق وقصيدة العنوانين.
وفي كتابه المعنون "هياكل الملح الأسود/ قصيدة التشظّي" يتبنى بجرأة، فكرة التشظي ويطلقه على القصائد التي يضمّها الكتاب فيصف الشاعر بمقدمة قصيرة، هي بمثابة عتبة العبور إلى النصوص، مقصده من إيقاع (التشظي) بقوله:" مدونتي هذه أُسمّيها قصيدة التشظي وهي تخفي بين خطوط الحبر أسرار تدوينها وتشير بجملة واحدة من جملها مكرورة إلى زمانين مختلفين لفعلٍ واحدٍ: ماضٍ وحاضر ومستقبل، تتشكل على بياض الورق بقلمي، وهو في مجاهل الغيم يبرق، فتتشظى هي أيضاً لكن بالرؤيا، على شكل بلبل لا مرئي يعرّي بأُغرودته المقذوفة العُقرُبان، ويؤبّد، بنبضهِ الأخضر، الحياة".
في قصيدة "تل الهدهد" تبرز مهيمنة الأسئلة التي تُطرح بلا جواب وتبدأ بحرف الألف الاستفهامي (أ) فتتشظى هذه الأسئلة على طول القصيدة بلا جواب إلى أن يأتي البيت الأخير كأنّه هو الإجابة :
أ جرفٌ من جروف النهر،
هوَ :
إلى وردة الدِّفلى
يعبرُ قنطرته ،
الغَيلَمُ ؟
أ مستوحدٌ أنتَ
على تلِّكَ العملاقِ
في هذا الوجود ترى
في تكويرة الأرض ،
الماءَ ...
.....
أيها العابر إلى الرؤيا
الأمواه
على موجة ٍ تهدرُ
قنزعتكَ !
لقد فتحَ عبد الله حسين جلاب أبواب الاكتشاف والتساؤل ليعبر التجاور السطحي إلى ما هو جوهري، فهو يُنشئ النصّ على شكل تساؤلات، لهذا يحتفي في قصيدته بالأسئلة ويجاورها مع الصورة الشعرية لتحصل في نهاية المطاف على تلك الدفقات الشعرية وذلك التكثيف الجوّاني، فالتساؤلات هي بمثابة مولّد للصورة الإيحائية وحافز للقيمة الدلالية، لهذا تتراكم التساؤلات في سياق القصائد الافتتاحية فتكون بمثابة تأملات في الوجود في ضمن إطار جمالي أخّاذ يدلّ على صنعة محكمة بالإيقاع والرؤية المبهرة :
مَنْ قادَ إلى جمجمتكَ
وهي في عوائها ،
خطاك ؟
أَ مصادفةٌ هيَ ؟
أم سعيرُ أضلاعك ؟
كيفَ دارتْ
في المجهل هذا ،
وحَطَّتْ بها الأفلاك؟
مِن أيّ الآفاق
أتيتَ بهذا البحر، إلى عينيكَ...
حتى تواجه بزرقتِهِ،
القحطَ؟
ويختم القصيدة بالسؤال الأخير، ففيه يتجلَّى عنصرا تقديم الكلمة وتأخيرها لكسر المألوف :
أ ضاعتْ في ذاكرتها ،
وليدة شجرة التوت
عصفورتك؟
ويتساءل في قصيدة أخرى:
لماذا أذكر طلته
بلون الأغصان
والأزهار
والأثمار..
على الكون
الآن ؟
لماذا يعبرني بجناحيه،
إلى زمان الفراشات
وأزهار الجتّ
والشِّباك؟
ولماذا وقت يلمحني
على ساحل الخُرْنُوْب،
أخاطب البحر..
يغادر غصنه صادحاً
فوق الموج
فتزخُّ
على الدنيا،
توتَها السماء!
تنجح قصيدة عبد الله جلاب في فرض جوّها الجمالي خارج النزوات المألوفة وتتردد في كينونتها هزّات إيقاعية تكون امتداداً لإيقاعاته المسماة في كتبه السابقة وتعمل على استدراج القارئ إلى أفقها الذي تتوارى خلفه سحبٌ محمّلة بما هو خصب وطري، فالهياكل الشعرية تنحني مثل الشجرة وهي تتلقى التوهجات والدفقات والانثيالات التي تتسارع دلالياً لتنير نسق النصّ بكلّ ما هو غنيّ ومدهش من التنوّع والانزياح والتقابل ويوشيها بهارمونية الكلمات التي تُنقش بتقنية التعارض والتقابل:
شجرة التوت:
الأحمر والأبيض
شجرة التين:
الأحمر والأبيض
شجرة العنب:
الأحمر والأبيض
الحندقوقة، الخبّيزة، الحمضة
العاقولة، الخشخاشة، الحَلْفاءة
الصفصافة .
لم يقصد الشاعر تشظية قصائده في الفضاء الكاليغرافي (الطباعي) وتوزيعها على بياض الصفحات بل يجعل من التقاطعات البصرية/ الكتابية في ضمن الإطار النصيّ ليكون بؤرة تتحرك حوله الدلالة والصورة الشعرية فهو يشظّي قصيدته بكثير من التقنيات مثل الحذف والقلب والتشذير والقطع والتضاد والتكرار :
دودة الطين تنبض .
دودة التراب تنبض
دودة المقابر تنبض
دودة الماء تنبض
ودودة النار !
___________
بياض الأعشاش
بياض التلال
بياض النواعير
بياض الأغصان
والموج !
في قصيدة "سيعوي الليلة ثعلب"، التي هي مرثية للقاص محمود عبد الوهاب، تندرج شعرية التفجع في وصف موكب الراحل وهو يسير نحو المقبرة وتتجلى بحذق أوصاف تتعلق بالتابوت الذي يحمل جدثه محملاً بطاقات الورد بين صفوف أشجار الأثل، وكان يمرّ بحدبات من الرمل على الجانب تحطّ على بعضها الفواخت التي تنقر الكفن وتزقّ فمَهُ قطرات الماء، وهي صور شعرية باهرة بما تحمل من طاقة شعرية كامنة تبثها في مخيال القارئ فتصدمه بجزئيات التفاصيل بعيداً عن الوصف الآلي وذكر المفاخر، فجسد الشاعر يندمج مع حيوات الطبيعة وكائناتها كأنّها تعرفه من علاقات حميمية سابقة، فطائر البرهامة يؤرّج صورة الكاتب الراحل في مياه شطّ العرب، والمراكب التي تطلق صفارات الأعياد والساحل الذي طالما شهد نزهاته التأملية عليه ويستمر الشاعر في رسم صورة توحّد بين الأديب الإنسان وكينونات العالم (الأشجار، النواقيس، الخُفّاش، البوم، الفانوس.. إلخ) حتى إذا حلّت النهاية سحب الشاعر شبكته بهذه الأبيات التي تنمّ عن الأسى ودلائل الفناء التي تتجسد في الشمعة الذاوية والدموع والوحشة والدود الذي يبدأ رحلته في تجريد الإنسان من لحمه، بادئاً من عينيه في صورة رائعة إذ يخفي الشاعر ذلك الكائن الصغير الذي يبدأ رحلته من عيني الراحل حتى البيت الأخير حين تختتم القصيدة بكلمة (الدود) :
الشمعةُ وحدها
تحرسُ بدمعاتِها
وحشتَك!
ووحدهُ يبدأُ رحلتَهُ
منْ عينيكَ ..
ليصبحَ
الأجملَ والأهذبَ
الدود!
لكن شعرية التفجّع هنا وإيقاعه لدى الشاعر على العموم تتجلى في تبنيه معولاً شعرياً يحفر به أثر الحيوات والكائنات التي عاش معها في داخل العائلة مثل الأم والأخ (الذي خصّص له كتاباً كاملاً بعنوان "شعرة قلبي بيضاء- إيقاع النعيب) أو محيط الأصدقاء مثل الكاتب محمود عبدالوهاب والفنان التشكيلي كامل حسين الذي يهديه قصيدته، لكي يعثر على شظايا من الذاكرة وكِسر من الماضي تثري مدونته الشعرية الجديدة، وكالعادة تنزاح العناصر الشعرية في داخل القصيدة لتفسح مجالاً للتعبير عن هول الفناء وصمود الإنسان بوجهه والركون إلى ما ينفيه مثل سلام الروح وصفائها وحبّ الكائنات الصغيرة كالأطفال والعصافير والشجيرات وغيرها من الحيوات التي تخفّف من عبء الوجود الثقيل الذي يطرح همّاً لا يمكن إزالته إلا بتمجيد هذه الحياة الصغيرة الأليفة لمخلوقات الكون، وترك بصمة شعرية في داخل دفتر الحياة الذي يبقى مفتوحاً ما دام الشعر موجوداً بعد حلول الرؤيا الكبرى "فما تبقّى يؤسسه الشعراء" كما يقول هولدرلين.
---------------------
عبد الله حسين جلاب: شاعر من البصرة ولد عام 1951 يكتب منذ السبعينيات من القرن الماضي وأصدر العديد من الكتب الشعرية والدراسات، وقد أشاد به الشاعر الراحل سعدي يوسف بقوله:" مَنْ يعرف عبدالله حسين جلاب؟ أرجوكم ! هذا الشاعرُ العجَبُ أرسل لي قصيدته "الخوذة" المكتوبة في العام 1991. القصيدة استولَتْ عليّ. قلتُ في نفسي : هذا الشاعر الذي كتبَ "الخوذة" قبل حوالي رُبع قرنٍ ... أين هو ؟ هل مضى كما مضت الخوذ ؟ مجهولةً. منسيّةً . ملعونةً ؟ أَ مضى، خفيفاً، ليضيع، مثل متسابق الدراجات عند محمد خضيّر ؟ هل نشرَ غير هذه الخوذة ؟ هو من البصرة. أهلُ البصرة أوفياء. أرجوكم ! قولوا لي عنه شيئاً ... عبدالله حسين جلاب يؤرّقُني . أريد أن أراه ! أريد أن أراني ...".



#نجاح_الجبيلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب جامع الأصداف... بين هواجس الحاضر والشعريات البيئية


المزيد.....




- صحافيون إماراتيون يتدربون على أساليب الظهور الإعلامي مع RT A ...
- -قيصر- السوري يعلق على تصوير مسلسل باسمه وتوقيفه
- فنانة سورية شهيرة تخرج عن صمتها وتكشف حقيقة الأنباء عن علاقت ...
- سينماتيك.. مجلة في خدمة السينما بالجزائر
- العثور على مخرج تونسي شهير بعد اختفائه فجر اليوم الخميس
- العثور على الممثل الأميركي جين هاكمان وزوجته متوفيين داخل من ...
- عثر على جثتيهما الى جانب كلبهما.. غموض يلف وفاة الممثل جين ه ...
- العثور على الممثل الأمريكي جين هاكمان وزوجته ميتين في منزلهم ...
- فلسطين ذاكرة المقاومات.. محمد بنيس يقدم شهادة ثقافية إبداعية ...
- حرب الصورة.. كيف تقاتل حماس بالكاميرا؟


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجاح الجبيلي - (هياكل الملح الأسود) بين إيقاع التشظي وشعرية التفجّع