أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية في الواقع المصري والعالمي














المزيد.....


التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية في الواقع المصري والعالمي


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 18:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين نشر توماس روبرت مالتوس نظريته حول العلاقة بين السكان والموارد أواخر القرن الثامن عشر، لم يكن العالم قد شهد بعد الطفرات التكنولوجية التي غيرت وجه الزراعة والصناعة. لكنه، رغم ذلك، أدرك حقيقة جوهرية: حين يتجاوز عدد البشر قدرة الموارد على استيعابهم، فإن النتيجة الحتمية هي المجاعة، والفقر، والصراع على البقاء. كان تحذيره صارخًا: بينما ينمو السكان وفق متوالية هندسية، فإن الغذاء لا يزيد إلا وفق متوالية حسابية، مما يعني أن البشرية تسير حتمًا نحو كارثة، إلا إذا تم ضبط النمو السكاني بوسائل طبيعية أو إرادية.
على مدى أكثر من قرنين، بدا أن التطورات العلمية قد قلبت الطاولة على تلك النظرية، إذ نجحت الهندسة الوراثية، وتكنولوجيا الزراعة، والثورة الصناعية في مضاعفة إنتاج الغذاء، كما أتاحت الاقتصادات الحديثة فرصًا أوسع لاستيعاب أعداد متزايدة من البشر. لكن مع حلول القرن الحادي والعشرين، عادت مخاوف مالتوس لتفرض نفسها من جديد، ليس بسبب نقص الإنتاج الغذائي فحسب، بل لأن التحدي السكاني بات يتجاوز مجرد مسألة الغذاء ليشمل التوزيع العادل للموارد، واستنزاف الطبيعة، والتغير المناخي، وانفجار الفقر في بعض المجتمعات التي لم تدرك بعد أن النمو السكاني غير المتحكم فيه قد يكون أسرع طريق نحو الهاوية.
في مصر، حيث يتجاوز عدد السكان 120 ملايين نسمة، يواجه المجتمع معضلة مالتوسية بكل تفاصيلها. فبينما تحاول الدولة تحقيق التنمية، تبتلع الزيادة السكانية كل إنجاز جديد، مما يجعل المسافة بين الاحتياجات والموارد تتسع عامًا بعد عام. كل مولود جديد ليس مجرد رقم في السجل المدني، بل هو احتياج إضافي في منظومة الخدمات، مقعد دراسي جديد يجب توفيره، فرصة عمل جديدة يجب خلقها، وحدة سكنية جديدة يجب بناؤها. لكن حين يكون الداخلون إلى سوق العمل أكبر من فرص التشغيل، وحين يفوق عدد الأطفال الجدد قدرة المدارس على استيعابهم، تصبح التنمية أشبه بمطاردة سراب.
مصر ليست وحدها في هذا المأزق. دول مثل بنغلاديش، ونيجيريا، وأفغانستان تواجه مصيرًا مشابهًا، حيث تتزايد أعداد السكان بوتيرة تفوق بكثير قدرة الدولة على تلبية الاحتياجات الأساسية. ومع تفاقم الفجوة بين الفقراء والأغنياء، يصبح الفقر عابرًا للأجيال، إذ يولد ملايين الأطفال في أسر غير قادرة على تأمين أساسيات الحياة، مما يؤدي إلى حلقات متواصلة من التهميش الاجتماعي والاقتصادي.
على الجانب الآخر من العالم، حيث الإدراك المبكر لهذه المشكلة، تبنت الدول المتقدمة سياسات سكانية واعية، أدت إلى تحقيق التوازن بين عدد السكان والموارد المتاحة. في النمسا، على سبيل المثال، لا يُترك النمو السكاني للصدفة، بل يخضع لحسابات دقيقة، تضمن أن كل فرد يحصل على نصيبه العادل من التعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية. بل إن بعض هذه الدول، مثل اليابان وإيطاليا، تعاني من انخفاض معدل المواليد، مما دفعها إلى تقديم حوافز لإنجاب الأطفال، ولكن ضمن سياسات مدروسة لا تهدد الاستقرار الاقتصادي أو الاجتماعي.
الفارق الأساسي بين هذه المجتمعات والمجتمعات التي تعاني من التضخم السكاني لا يكمن في الموارد وحدها، بل في العقلية التي تدير هذه الموارد. في حين يدرك المواطن في الدول المتقدمة أن الأسرة ليست مجرد أعداد تتكاثر بلا حساب، بل مسؤولية تتطلب تخطيطًا دقيقًا، لا تزال بعض المجتمعات النامية تنظر إلى كثرة الأبناء كضمان اقتصادي، متجاهلة أن هذا الاعتقاد لم يعد صالحًا في عالم أصبح التعليم والمعرفة فيه هما الثروة الحقيقية.
هناك من يرى أن التكنولوجيا قد تجاوزت تحذيرات مالتوس، وأن الحل يكمن في استمرار تطوير الزراعة والصناعة لمواكبة الزيادة السكانية. لكن الواقع يقول إن المشكلة لم تعد في إنتاج الغذاء فقط، بل في استنزاف الموارد الطبيعية، والتغيرات المناخية التي تهدد الأراضي الزراعية، والتوسع العمراني العشوائي الذي يلتهم المساحات الخضراء، وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية بفعل الضغط السكاني.
إن الحل لا يكمن في مجرد التوعية، بل في بناء وعي جديد يعيد تشكيل نظرة المجتمع إلى مفهوم الأسرة، وفي سياسات حكومية جريئة تواجه الأزمة دون مواربة، وفي قرارات اقتصادية تضمن توزيعًا أكثر عدالة للموارد. إن التعليم هو المفتاح، فحين ترتفع معدلات التعليم، تنخفض معدلات الإنجاب، وحين يكون تمكين المرأة أولوية، تصبح الأسرة أكثر وعيًا بقراراتها المستقبلية، وحين يتم الاستثمار في الصحة والبحث العلمي، يصبح السكان مصدر قوة لا عبئًا يثقل كاهل الدولة.
لقد كان مالتوس يرى في المستقبل تهديدًا، لكنه لم يكن مخطئًا بالكامل، بل كان سابقًا لعصره. فالاختبار الحقيقي للبشرية اليوم ليس فقط في قدرتها على إنتاج الغذاء، بل في قدرتها على تحقيق التوازن، بين العدد والنوعية، بين الموارد والاستهلاك، بين ما يمكن تحقيقه وما يجب التخلي عنه. وإذا لم تدرك المجتمعات التي تعاني من التضخم السكاني خطورة الأمر، فقد تجد نفسها يومًا ما في مواجهة سيناريو مالتوسي لا مفر منه، حيث تصبح الحياة صراعًا دائمًا، لا بحثًا عن التقدم، بل عن مجرد البقاء.



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...
- بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل
- الحضارة الغربية بين القيم والانتقادات: رؤية متوازنة
- من هزيمة المغول إلى كسر أوهام الشرق الأوسط الجديد: مصر مقبرة ...
- المستقبل في ظل الاعتماد على الروبوتات: العالم بين الابتكار و ...
- لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغ ...
- العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة


المزيد.....




- فيديو نادر يظهر مجموعة ضخمة تضم أكثر من 2000 دلفين قرب كاليف ...
- الداخلية السعودية تقبض على فتاتين وافدتين لممارستهما الدعارة ...
- -البديل من أجل ألمانيا-: واشنطن تتفاوض مع موسكو و-ألمانيا وق ...
- سرعة الجري المثالية لتفادي خطر -حلقة الإصابات-
- إيطاليا تختبر جيلا جديدا من المروحيات الضاربة
- المعركة على الموارد الأوكرانية بدأت: أوروبا ضد الولايات المت ...
- تقلّبات ترمب الأيديولوجية
- أوروبا تُغيّر استراتيجيتها في الأزمة الأوكرانية
- خبير يوضح لماذا اقترح بوتين على واشنطن الاستثمار المشترك في ...
- أوروبا تتقبل الواقع الجديد الذي يفرضه ترمب


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية في الواقع المصري والعالمي