أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!














المزيد.....

الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 06:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غاب الوطن، وحضر الإقصاء والتهميش في المؤتمر الذي عُقد في دمشق يومي 24-25 فبراير 2025. مؤتمر يمكن وصفه بأي اسم، إلا أن يُطلق عليه "وطني"، لأنه كان أقرب إلى مجلس تصفية لمفاهيم الوطنية الجامعة، ومنصة لإضفاء الشرعية على الإقصاء بدلاً من أن يكون منبرًا للحوار والمصالحة.
وحين رأى الوطن، من اجتمعوا في قاعة المؤتمر، غادر أشلاء منه مذلولًا، متجهًا نحو أروقة سجن صيدنايا! وأجزاء أخرى مفضلا ما بين الصراع أو الضياع في المهجر! غادر كما يغادر القيم والمبادئ حين يُستبدل بها الاستبداد والاستعلاء، وكما يهرب النور من العتمة، وكأن الوطن كان يعلم أن صوته لن يُسمع، وأنه ليس إلا غريبًا في قاعةٍ اجتمع فيها من اعتادوا استغلاله دون أن يعترفوا بوجوده الحقيقي.
وأنا الذي ألهث خلفه، وأتمسك بتلابيب ثيابه، وأحاول أن أحمي ذاتي تحت عباءته، وأتفيأ ظله، بحثتُ عن الوطن بين أروقة المؤتمر، لكنني لم أجد سوى أذيال الخيبة، فقد كان كرسيه خاليًا، غائبًا كما لو لم يكن يومًا هنا. والأغرب من ذلك، أن رعاة المؤتمر لم يلحظوا غيابه أصلاً، لأنه لم يكن مدعوًا منذ البداية، ولم يكن حضوره يعني لهم شيئًا، فقد كان الوطن بالنسبة إليهم مجرد أداةٍ للاستخدام، لا كيانًا حيًا نابضًا بالإرادة والحقوق.
منذ سقوط النظام البائد، لم يكن الوطن معهم، بل كانوا قد حصلوا على رخصة استخدام، كأنهم حصلوا على وثيقة ملكية زائفة لوطن غائب، بينما الوطن الحقيقي كان منفياً في المهجر لأكثر من نصف قرن، مغيّبًا عن القرار والمصير. لم يكن يعنيهم إن كان الوطن راضيًا أم ساخطًا، حاضرًا أم غائبًا، إذ لم تكن موافقته يومًا في حساباتهم، تمامًا كما لم تكن مصالحه وأحلام أبنائه في أجنداتهم.
هذا ما قصده الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط حين قال:
"الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها، بل هو فكرة العدالة التي نحيا من أجلها، وحين يتم تغييب هذه الفكرة، يصبح الوطن جسدًا بلا روح، يُباع ويُشترى في سوق المصالح."
لم يكن المؤتمر إلا امتدادًا لسلسلة من محاولات تهميش القوى الحية في سوريا، فقد جمع في جوهره كل ما يتنافى مع الوطنية ويعاديها. تحوّلت القاعة إلى منصةٍ للإقصاء، وليس للتفاوض، وإلى منبرٍ للخطابات المسمومة التي عبّرت عن عداءٍ سافر للكورد وحراكهم، مستخدمةً عبارات متنوعة وأقنعة مختلفة، لكنها جميعًا حملت الوجه نفسه، وجه الإقصاء والرفض.
لكن هذا العداء، وإن استهدف الكورد بشكل مباشر، إلا أنه يكشف عن ذهنية إقصائية أوسع، ترفض الاعتراف بجميع المكونات الأخرى التي تطالب بسوريا فيدرالية لامركزية، تتسع لجميع أبنائها كوطن مشترك يقوم على العدالة والمساواة.
وهنا يكمن جوهر المأساة، فالتاريخ يُعيد نفسه، والأنظمة التي تظن أن الحل يكمن في القمع والإقصاء، لن تفلح إلا في إعادة إنتاج الفشل ذاته. وكما قال المفكر السياسي حنا آرندت:
"الأنظمة التي تقوم على الإقصاء والاستعلاء، لا تبني الأوطان، بل تصنع القبور، وحين تصل إلى لحظة الحقيقة، تجد نفسها محاطة بركام من الأوهام."
نأمل أن تراجع الحكومة السورية الانتقالية الحالية أو القادمة ذاتها، وألا تسلك الطريق الذي سلكته الأنظمة السابقة بأوجه مختلفة، وألا تعيد إحياء الصراع الكوردي الذي أشعلته الأنظمة العنصرية المتعاقبة.
يجب أن تدرك جيدًا أن جميع تلك الأنظمة قد فشلت في محاولاتها للقضاء على القضية الكوردية عبر التهميش والإقصاء. وبالتالي، فإن أي محاولة مشابهة ستلاقي المصير نفسه، لأنها تواجه قضية قومية عريقة، أقدم من كل الأنظمة التي حكمت المنطقة، وأبعد وأعمق من مجرد نسب ديموغرافية، فهي متجذرة في التاريخ والجغرافيا والثقافة، ومبنية على الإيمان بالوطن.
كما قال جون ستيوارت ميل:
"الوطنية الحقيقية لا تُقاس بعدد من تستبعدهم، بل بقدرتك على أن تجعلهم شركاء حقيقيين في بناء المستقبل."
في خضم هذا المشهد القاتم، يظل الحراك الكوردي نموذجًا لنضالٍ يطمح إلى وطن جامع، لا وطن مقسم بين المنتفعين والموالين. ومن خلال صراعٍ مريرٍ ضد التهميش والإقصاء، لم يكن هدف الكورد مجرد اعترافٍ رمزي، بل وطنٌ يتسع للجميع، حيث لا تكون المواطنة امتيازًا يُمنح وفق الولاء، بل حقًا أصيلًا مستندًا إلى العدالة والمساواة.
وهنا نعيد التذكير بكلمات الزعيم الكوردي ملا مصطفى برزاني حين قال:
"نحن لا نقاتل من أجل الانفصال، بل من أجل أن يكون لنا وطنٌ نحيا فيه بكرامة."
إن التوافق مع الحراك الكوردي والاستجابة لمطالبه العادلة ليس مجرد خيار سياسي، بل هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. من يظن أن الإقصاء والتهميش أدواتٌ فعالة للحكم، لن يحصد إلا مزيدًا من الفوضى والتآكل الداخلي.
يا من جلستم في المؤتمر، وتجاهلتم الوطن، وسعيتم إلى تكريس الإقصاء، إن الوطن لا يُختزل في قراراتكم، ولا يُمحى بغيابه عن مؤتمراتكم. سيبقى الوطن حاضرًا في ذاكرة من يؤمنون به، ولو حاولتم طمسه ألف مرة.
يا من تمثلون الحكومة السورية الانتقالية، إذا أردتم بناء وطنٍ حقيقي، فعليكم، التحرر من الإملاءات الخارجية وتحديدا التركية، والتخلي عن عقلية الإقصاء والاستعلاء، والاعتراف بجميع المكونات كشركاء، لا كأتباع أو أعداء، فالتاريخ لا يرحم من يكرر أخطاء من سبقوه، ومن لا يتعلم من الماضي، يحكم على نفسه بالسقوط في المستقبل.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
📅 23 فبراير 2025



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخرجات المؤتمر الوطني السوري سلاح جديد في معركة تركيا ضد الك ...
- تركيا وإعادة إنتاج الاستبداد والدور الفاجر في صياغة مؤتمر ال ...
- تحويل القضية الفلسطينية من صراع قومي إلى أداة للتلاعب الإقلي ...
- كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
- ميلاد كوردستان بداية الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- مؤتمر الحوار الوطني السوري تهميش للكورد ومخطط لإقصاء الحراك ...
- من متطلبات المرحلة تصعيد دور القيادة السياسية في الإدارة الذ ...
- آن الأوان لفصل المسار السياسي عن العسكري في الإدارة الذاتية
- تيه بين العدم والخلود
- كيف تُدار الحرب ضد الكورد بوجوهٍ بلهاء وألسنة مأجورة؟
- قراءة في انسحاب المجلس الوطني الكوردي من الائتلاف السوري
- تنازل المجلس الوطني الكوردي عن مطلب الفيدرالية، تراجعٌ سياسي ...
- لماذا نشرت قناة NBC الخبر الكاذب حول احتمالية سحب إدارة ترام ...
- الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا، دعاية مضللة بغايات ...
- الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل ...


المزيد.....




- بعد رفضها الامتثال للأوامر... ترامب يجمّد منحًا بأكثر من 2.2 ...
- أوكرانيا تعلن القبض عن أسرى صينيين جُنّدوا للقتال في صفوف ال ...
- خبير نووي مصري: طهران لا تعتمد على عقل واحد ولديها أوراق لمو ...
- الرئيس اللبناني يجري زيارة رسمية إلى قطر
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف
- الرئيس اللبناني: 2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة ولن نس ...
- ابنة شقيقة مارين لوبان تدعو وزير الخارجية الفرنسي لتقديم است ...
- نتنياهو يوضح لماكرون سبب معارضته إقامة دولة فلسطين
- في حدث مليوني مثير للجدل.. إطلاق أول سباق عالمي للحيوانات ال ...
- بيان وزارة الدفاع الروسية عن سير العمليات في كورسك


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الجميع حضر في قاعة مؤتمر دمشق إلا الوطن!