عبير خالد يحيي
الحوار المتمدن-العدد: 8266 - 2025 / 2 / 27 - 01:08
المحور:
الادب والفن
لم تكن مي سكاف مجرد فنانة عابرة في المشهد السوري، بل كانت روحًا متمردة، حملت على عاتقها صرخة وطن، ووهبت صوتها للحرية حين اختنقت الأصوات. لم تختر أن تقف على الهامش، بل غرست قدميها في قلب العاصفة، ودفعت الثمن من حياتها، من وطنها، ومن أحلامها التي تناثرت في المنفى كما تتناثر الأوراق في مهب الريح.
حين يصبح الفن موقفًا
ولدت مي سكاف عام 1969، وبرزت كممثلة موهوبة، تركت بصماتها على الدراما السورية من خلال أعمال رسخت حضورها في الوجدان، مثل "العبابيد" و"أنا وأربع بنات". لكنها لم ترَ في الفن مجرد وسيلة للظهور، بل بوابة للحقيقة. وعندما اشتعلت شرارة الثورة السورية عام 2011، لم تبقَ خلف الكاميرات، بل نزلت إلى الشارع، وهتفت كما يهتف الأحرار: "حرية، كرامة، عدالة."
لم تكن الثورة شعارًا تردده، بل حياة اختارتها. واجهت الاعتقال، تعرضت للملاحقة، لكنها لم تتراجع. وعندما ضاقت بها الأرض في وطنها، وجدت نفسها في منفى قاسٍ، حيث المدن غريبة والسماء بلا وطن، لكنها ظلت هناك، على الضفة الأخرى، شاهدة على جرح بلادها، تكتب وتصرخ وتقاوم بالكلمة والصورة، وكأنها تريد أن تبقى صوتًا للذين خُنق صوتهم.
الموت في المنفى.. الغياب الذي لم يُغلق الباب
في 23 يوليو 2018، سكنت مي سكاف للأبد، بعيدًا عن شوارع دمشق التي حلمت أن تعود إليها، بعيدًا عن الحارات التي تعرف وقع خطواتها. وجدوها في شقتها بباريس، صامتة بعد أن كانت تهدر كالعاصفة، وقالوا إنها ماتت بسكتة قلبية. لكن هل تموت القلوب التي عاشت نابضة بالحلم؟
كان موتها صدمة، لم يصدقه كثيرون. شكك البعض في الرواية، وتساءلوا: هل كان اغتيالًا صامتًا، أم أن قلبها المثقل بالحزن لم يحتمل كل هذا المنفى؟ هل كان رحيلها المفاجئ صدفة، أم أن يدًا خفية امتدت إليها كما امتدت لغيرها من المنفيين؟
لكن مهما يكن السبب، فإن الحقيقة الوحيدة هي أن مي سكاف لم تمت. كيف تموت من بقي اسمها نشيدًا يردده الأحرار؟ كيف تموت من بقيت كلماتها تشعل الأمل في القلوب، ومن ظل وجهها يطلّ من ذاكرة الثورة، كنجمة أبت أن تنطفئ؟
الإرث الذي لا يرحل
لم تحمل مي سكاف سلاحًا، لكنها حملت موقفًا كان أقوى من الرصاص. لم تتزين بالألقاب، لكنها ارتدت ثوب الحقيقة، ولوّنته بجرأتها. كانت تعرف أن الثمن باهظ، وأن الطرق التي تسير فيها ليست مفروشة بالورود، لكنها مضت، حتى آخر نفس، وهي تؤمن أن سوريا ليست سوريا الأسد، وأن الحرية ليست حلمًا بل حقٌّ يجب أن يُنتزع.
ورحلت مي سكاف، لكن ظلّها باقٍ في الحكايات، وصوتها ما زال يتردد في أروقة الذاكرة، ووجهها لم يغب عن وجدان من آمنوا، مثلها، بأن سوريا تستحق الحياة، وبأن الفنان لا يكون فنانًا إن لم يكن صوتًا لشعبه.
#دعبيرخالديحيي الإسكندرية – مصر 26 /2/ 2025
#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟