أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - صورة الخطاب الفلسفي في مرآة الخطاب اللاهوتي الغوغائي الغارق في مستنقعات اليقين الآسن















المزيد.....


صورة الخطاب الفلسفي في مرآة الخطاب اللاهوتي الغوغائي الغارق في مستنقعات اليقين الآسن


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 14:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1 ) يبدأ الخطاب الفلسفي في ممارسة التفكير ، عندما يدرك مغزى ودلالة هدفه وغايته داخل منعطف تاريخي حاسم . ففي المنعطفات التاريخية الكبرى تطرح ادق الإشكالات واعمقها بمصير الشعوب .
قاسية ذاكرة الزمن مع من ينساها او مع من يحاول تناسيها . جرت في ماضي الشعوب فواجع ومآسي رهيبة .
بالأمس ما كان الانسان يجرؤ على البوح بما يدل عليه : حرية كرامة ديمقراطية ، أي حقه الإنساني الطبيعي في ان يكون انسانا بعيدا عن اهانات فكر واخلاق الاستبداد والطغيان المرضي الجنوني ، ووصاية المرضى بحب التسلط المرعب .
واليوم يبدو واضحا ان الخطر الذي يتهدد الانسان ، هو اعتقاده ان بلوغ مستوى " خلاصه " لن يتحقق الا بشرط وجودي مفاده التخلي عن انسانيته ، أي عن حقه المشروع في ان يكون انسانا بعيدا كل البعد ، عن الحجر والتسلط .
2 ) بقدر ما يطالب الخطاب الفلسفي ، منذ نشأته والى يومنا هذا ، بضرورة فضح وتعرية الجذور الفكرية للثقافة المدججة بالحقائق الجاهزة ، بقدر ما يسعى الخطاب اللاهوتي الغوغائي ، الى تشويه واتلاف وتدمير كل محاولة فكرية جريئة ، تحاول ان تلقى ببدرة الشك الهائلة في مستنقعات المياه الآسنة .
في وضعية فكرية واجتماعية وحضارية كهذه ، تنقلب الأمور رأسا على عقب ، ويختلط الحابل بالنابل ، وتحاط بالأفكار الأشد صدقا ونبلا كثافة من الاحتياطات التي تصل حد توديعها طلبا للنجاة .. من هنا نفهم سيادة الفوضى ، وهيمنة البلبلة العارمة على الاذهان ، وطغيان اللغط واستبداد الثرثرة بشهوة الكلام ، مع ما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على حاضر ومستقبل المواطن .
وبداية الكارثة ، هي حين يتربع الخطاب اللاهوتي الغوغائي على عرش المعنى ، معلنا ان لا معنى للفلسفة سوى هدم وتخريب العقول . هو خطاب لاهوتي غوغائي ككل خطاب يعوزه الصدق في قول الحقيقة التي تخالفه وتناقضه . فيكفي ان يطلق الانسان طلاق الثلاث ، ما فيه من صدق وتقدير ، واحترام لنفسه وللاخرين كي يغدو مايسترو في جوقة اللاهوتيين الغوغائيين . فتكفيه الوقاحة كي يتكلم بخبث عن المعنى الذي وجد من اجله الفلاسفة وفلسفاتهم .. " معنى الفلسفة هو افلاس العقول " ..
3 ) يقول الخبث الذي نعرف اهله جيدا ، ان لا معنى للفلسفة سوى الخراب . ويقول منطق الفلسفة ان الخراب خراب الادمغة والقلوب ، آت من جهة العقول المدججة بغضبها وحقدها الدفين ، على صدق ونبل وجرأة الفلسفة والفلاسفة . فيكفي ان يحلم المرء بإنسان مستقل بأفكاره وسلوكه . يكفي ان يدافع عن اخلاق يؤسسها الاحترام الإنساني العظيم ضدا على اخلاق اللاهوت وعصور الظلام التي فندت علاقة الانسان بالإنسان في حدود ما تسمح به حقيقة الطاعة العمياء . أقول يكفي ان تكون صاحب حلم جميل كي تحشر في زمرة الذين ينبغي الابتعاد عنهم وعن وجودهم اتقاء لشرهم . والواقع ان الخطاب اللاهوتي الغوغائي ، ظل عبر العصور والازمنة التي عرفت تاريخ ميلاد الحقيقة الفلسفية ، يرى صورة الفلاسفة مطابقة تماما لصورة الاثم الأول والتي تجسدها الروح التي زاغت عن الطريق الواحد والوحيد .. من هنا نستطيع ادراك مغزى ودلالة هذا الخوف المرضي المستفحل من حقيقة الفلسفة ، بله من الاسم الذي يدل عليها .
ان المرضى بداء الخوف من الفلسفة ، بالأمس كما اليوم ، هم الذين يصابون بالقلق والغضب والعنف الانفعالي ، والدوران المرعب والادراك المزعج ، كلما تعلق بخلخلة كل الأجوبة التي قدمت لنا حول هذا الاشكال / اللغز : ماذا يعني ان يكون الانسان انسانا اليوم وغدا ؟
عن هذا السؤال الاشكالي ، لا يملك الخطاب اللاهوتي الغوغائي الا جوابا واحدا . ان يكون الانسان انسانا اليوم معناه ان يكون محبا وعاشقا لحكمة التمويه المموه سفاح الحقيقة ، والباحث المحنك عن اعداءها خارج فعله الذي يحصنه " بمطلق البراءة " التي لا تقل في وزنها وعمقها ، عن وزن وبراءة ملاك هبط للتو فوق كوكبنا .
4 ) وهنا مربط الخيل ، فحيث اننا نحيا في ارض تدور ، وحيث لأرضنا جاذبية ، فنحن نحبو ونخطو ونمشي ونجري ، لكن ليس بعيدا عن الارتطام الذي لابد منه ، ولا عن التعثرات ، وياما اكثرها ، التي لابد منها لكل من يريد ان يكون انسانا ، ولا الهفوات التي تعترضنا في طريقنا نحو الحقيقة التي تعنينا كثيرا ، وهنا اقصد حقيقة الاعتراف الإنساني المتواضع العظيم ، لان ما نبحث عنه يوجد بالضرورة امامنا وليس خلفنا ، ولا هو في حيازتنا كما يزعم كل خطاب لاهوتي غوغائي .
يكمن في اعتقادنا ، أساس الصراع بين الفلاسفة وخصومهم هنا :
فحيث يرى الفلاسفة حقيقة معنى الانسان في هذه الحياة في صورة متموجة ، محكومة بدوام التوتر والهيجان ، للمزيد من الحرية والكرامة والصدق والسخاء وعمق العواطف الإنسانية الأشد شرفا ونبلا ، يرى اعدائهم حقيقة المعنى في صورة ما يملكون بشكل يقيني جاهز في ادمغتهم . وبلغة أوضح ، اذا كانت الفلسفة ترى في الانسان مشروع ممكن تحقيقه ، مرهون بمدى استعادته لإنسانيته ، أي لاستقلاليته الفكرية والأخلاقية ، فان الخطاب اللاهوتي الغوغائي ، لا يرى في صورة الانسان سوى ما يغريه كثيرا فيها : ضحالتها ذبولها الأصفر ، يباسها وبوارها التام ، صورة غروب ما بعده شروق .. يا للتعاسة ..
5 ) نحن اذن امام حكمتين ، كل واحدة تحاول ان تخلق لنا صورة الانسان الذي ينبغي ان نحلم به فوق هذه الأرض :
حكمة الفلسفة التي تقول وتردد مذ كانت : لا معنى يعرف الانسان خارج لغز انسانيته ، أي خارج مطلق احترامه العظيم لنفسه وللأخرين .
في غياب تقدير واحترام إنسانية الانسان ، تنمو وترعرع غابات الكوابيس المرعبة ، التي تزعجنا كثيرا في يقظتنا او في عمق ليالينا سيان . حكمة الفلسفة الخالدة : لا بديل عن حب الانسان سوى حب الندم المخرب لما في روحه من جدوى ، لما فيها من حياة جديرة بالتقدير .
حكمة الخطاب اللاهوتي الغوغائي : حقيقة القبر أوسع بكثير من حقيقة هذه الحياة التي بإنسان حجمه بحجم كل الموت .
ليس بإنسان من لا يقنع نفسه بتفاهته وحقارته وضحالته .. ليس بإنسان من لم يجد مطلق حياته ، وعلة وجوده القصوى في الندم الأول . ليس بإنسان من لا يتقن حقيقة التمويه ، من لا يرعاها حقا يقينا في روحه ..
6 ) صورة الفلسفة كما تتجلى في صورة الخطاب اللاهوتي الغوغائي متعددة ، لكن ماهيتها تظل واحدة : محض زيغ عما إعتادته الاذهان وجرت به العادة . والواقع ان غي مثل هذا الحكم / الصورة عن الفلسفة نصيب ومقدار من الصحة . فليس الاعتقاد بالحقيقة هو الحقيقة ، ولا الخضوع لطغيان سلطان العادة هو بداية ونهاية كل تفكير ممكن . يبدو لنا اليوم ، وهذه حسنة من حسنات فعل التفلسف ، ان لا شيء يضر ضررا بالغا بالعقل الذي نفكر به سوى وهم الاعتقاد الراسخ بملكية الحقيقة .
ان اخطر ما في مثل هذا الاعتقاد ، هو تدميره المطلق لإمكانيات العقل الهائلة ، بدءا بالشك والترجيح ، ونهاية بجرأة السؤال الذي يعفيه من مغبة السقوط في هاوية التماهي ذي الحب المرضي بحقيقة العقل الواحد ..
فباسم جهة المعتاد والمألوف والشائع ، وباسم الحفاظ على حقائقه " المقدسة " ، يأتي دائما شبح الخوف النرضي من حقائق التفكير الفلسفي .. ويجرؤ كاتب هذه السطور على القول – هو العارف بخطورة الاحكام العامة -- . انّ من اهم عيوب ذهنية الانسان المغربي ، الموروثة عن عصور السلاطين الوسطى ، عصور الحجر والوصاية بامتياز .. أقول من اهم عيوب تلك الذهنية ، عيب التفكير المسطح والضيق في عمق الأفكار المألوفة حد الاختناق .. ذهنية بطريركية بتريمونيالية رعوية بلغة المعارف العلمية اليوم .. تمتح معناه الواحد والوحيد من سلطة يقين واحد ، يمقت ويكره ويسخط بحقد واضح على كل انسان تجرأ على اعلان حقه الطبيعي جدا في الاختلاف معه ـ أي مع حنينه العارم لتوحيد كافة العقول واجبارها على الرضوخ التام لسلطته المطلقة . وفي المشهد الثقافي والحضاري الذي تتشابه فيه الأفكار والحقائق والعقول ، تشابه كتبان الرمل في الصحاري والفيافي القفار ، يبدو العقل الذي يحضن ذهنه الشك والسؤال في صورة طيش او زيغ او تيه ، يجب ادانته بأقصى العقوبات واشدها ضراوة على حياته ( سقراط معبد الجهني ، غيلان الدمشقي ، الحلاج ، واللائحة مفتوحة على دوام ذات الفاجعة ) .
7 ) بخبث كبير ، وبروح استعلائية تشارف تخوم جنون الشعور بالعظمة ، يستهزئ ويحتقر الخطاب اللاهوتي الغوغائي منطق التفكير الفلسفي . فإذا كانت حكمة هذا الأخير ترعى وتحافظ على يقظة العقل ، فان حكمة الخطاب اللاهوتي الغوغائي تعنى كثيرا برعاية وحماية حقيقية البلاهة والغباء ..



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماكس فيبير والعقلنة المشوهة
- الاصوليون بالجامعة . هل هم ديمقراطيون ؟
- هل يبحث النظام الانسحاب من الصحراء ؟
- الغزو الروسي لأكرانيا عرى عن حقيقة الجيش الروسي ، وعن حقيقة ...
- الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- ظاهرة عبدالاله عيسو
- هل هو السكوت الذي يسبق العاصفة ، ام ان قدر المغرب هذا النظام ...
- سكرتارية مجلس الاتحاد الأوربي
- من واجب موريتانية التزام الحياد في معالجة نزاع الصحراء الغرب ...
- نهاية شيء عُرف سابقا بالقضية الفلسطينية -- نهاية شيء عُرف سا ...
- يتحدثون عن حرب بين اسبانية وبين النظام البوليسي المغربي .
- الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية /الجمهورية الصحراوية ...
- هل هناك فعلا مشروع حضاري عربي إسلامي .؟
- فرنسا مهد المدنية والديمقراطية وحقوق الانسان
- ارض الميعاد اليهودية من الفرات الى النيل
- موقف المملكة الاسبانية من نزاع الصحراء الغربية
- السلفية الجهادية تعلن استعدادها لنقل الحرب الى الداخل الجزائ ...
- أي نظام للحكم نريد ؟
- هل حقا ان النظام المخزني المزاجي العلوي يهدد اسبانية بالحرب ...
- انتصار الحضارة اليهودية المسيحية


المزيد.....




- Politico تشير إلى بدائل أسلحة أوروبية في حال توقفت المساعدات ...
- نواف سلام يقدم بيان حكومته أمام البرلمان اللبناني لنيل الثقة ...
- استطلاع رأي يكشف انقسام المجتمع الألماني حول مسألة مواصلة دع ...
- أرقى 5 جامعات في العالم لعام 2025: هارفارد تحتفظ بالصدارة
- فرنسا: احتجاز شخصين بعد الهجوم على القنصلية الروسية في مرسيل ...
- مهمة -صعبة- داخل ألمانيا وخارجها في انتظار فريدريش ميرتس- صح ...
- شويغو يعلن نتائج مباحثاته في إندونيسيا
- شركة Cinia: الكابل بين فنلندا وألمانيا تضرر في يناير
- هل تقع مصر في منطقة زلازل؟ رئيس البحوث الفلكية يوضح
- الكونغو الديمقراطية.. 20 قتيلا وعشرات المصابين في اشتباكات ب ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - صورة الخطاب الفلسفي في مرآة الخطاب اللاهوتي الغوغائي الغارق في مستنقعات اليقين الآسن