عليان عليان
الحوار المتمدن-العدد: 8264 - 2025 / 2 / 25 - 00:11
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
التشييع المليوني لسيد المقاومة نصر الله ورفيق دربه صفي الدين مبايعة جديدة لحزب الله في نهجه المقاوم
بقلم : عليان عليان
تابعت عشرات الملايين من الأمتين العربية والإسلامية، ومن أحرار العالم من مختلف القارات، الذين لم يتمكنوا من السفر إلى العاصمة اللبنانية بيروت ، موكب تشييع الشهيد الكبير سيد شهداء الأمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورفيق دربه الشهيد هاشم صفي الدين ، ولفت انتباهها وهي متسمرة أمام شاشات التلفاز ، مشاهدة هذا الحشد الكبير من أبناء الشعب اللبناني ومن ما يزيد عن 79 دولة بمشاركة وفود رسمية وشعبية ، وهم يهتفون: " على العهد باقون" " هيهات منا الذلة " ،ما يؤكد أن المقاومة الإسلامية متجذرة في وجدان الأمة ، ما أشعل النار في أعصاب العدو الصهيوني ، الذي اعتقد أن الحزب بات معزولاً عن حاضنته الشعبية اللبنانية والعربية والإسلامية ،وراح يتصرف بشكل بائس ويائس لإفشال موكب التشييع التاريخي ، عبر تحليق طائراته الحربية على علو منخفض فوق رؤوس مئات آلاف المشيعين ، الذين لم يأبهوا لهذا السلوك الأرعن والبائس ، واستمروا المسير في موكب التشييع رافعين شعار نصر الله " الموت لإسرائيل .. الموت لأمريكا"
حقائق على هامش موكب التشييع
ما تقدم يؤكد مجموعة حقائق لا يمكن دحضها أبرزها :
أولاً : أن هذا القائد التاريخي بما مثله من عقل استراتيجي مقاوم عابر للجغرافيا وللطوائف والقوميات، فالذين هرعوا من مشارق الأرض ومغاربها ، ومن كافة القارات للعاصمة اللبنانية جاءوا ليعبروا عن حزنهم لرحيل سيد المقاومة ، وعن انتمائهم لفكر المقاومة الذي أرساه نصر الله.
ثانياً : أن هذا التشييع المليوني شكل استفتاءً جماهيرياً لبنانيا لصالح نهج المقاومة عبر مشاركة مختلف الفئات الاجتماعية والطائفية في موكب التشييع، وشكل استفتاءً عربياً لصالح ذات النهج عبر مشاركة مئات الألوف من أبناء الأمة العربية في مسيرة لتشييع ،واستفتاءً اسلامياً وأممياً يؤكد على أن نصرالله قائدا أممي لصالح المستضعفين ضد القوى لاستعمارية .
ولم يقتصر التشييع على من حضروا إلى لبنان ، بل شارك مئات الملايين من الأمتين العربية والإسلامية ومن أحرار العالم التشييع بعقولهم وقلوبهم على شاشات التلفاز ، ناهيك أن الشعوب في بعض الدول العربية مثل اليمن والعراق وتونس والبحرين نظموا مسيرات تشييع رمزية .
ثالثاً : أن حضور ما يزيد عن مليون وأربعمائة ألف شخص من كافة أرجاء العالم ليسوا كلهم من تيار سياسي واحد ، بل ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة قومية ويسارية ومن أطياف دينية مختلفة، شكل رسالة للكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية وأدواتها بأنهم ماضون على نهج المقاومة التي رفع لوائها حسن نصر الله.
رابعاً : أن حضور هذا العدد الهائل من اليمن والعراق ومن فلسطين وأبناء المخيمات في لبنان يؤكد أن أطراف محور المقاومة ثابته على موقفها ، وأن المحور رغم ما ألم به من جراح مستمر في ذات النهج المقاوم، ضد أطراف المعسكر المعادي، لا سيما وأن حزب الله لم يهزم في المواجهة الأخيرة ، وضرب عمق الكيان الصهيوني والمستوطنات بآلاف الصواريخ وبالمسيرات الهجومية، وشكل أبطال حزب الله حائط صد استراتيجي أمام توغل ما يزيد عن (75) ألف جندي صهيوني ومئات الدبابات لبلدات الجنوب باتجاه نهر الليطاني ، ما أذهل المراقبين العسكريون في العالم كله ، هذا كله ناهيك أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خرجت منتصرة في منازلة الطوفان، وفرضت شروطها كاملةً في صفقة تبادل الأسرى بدعم هائل من المقاومة الإسلامية في لبنان ، ومن اليمن الشقيق والمقاومة العراقية .
حسن نصر الله أنموذج للقائد التاريخي والاستثنائي
في مناسبة هذا التشييع المهيب الذي، تماهى مع تشييع الرئيس الخالد جمال عبد الناصر رغم الفارق الهائل في عدد السكان بين مصر ولبنان ، نتوقف أمام شخصية هذا القائد الكبير ونهجه بالإشارة إلى ما يلي :
1-أن الشهيد القائد الكبير حسن نصر الله ، كان قائداً وطنياً لبنانياً مقاوما بامتياز وقائداً قومياً عربياً بامتياز ،وقائداً أممياً وإنسانياً بامتياز ، وتحضرني في هذه المناسبة ما قاله الصحفي والمؤرخ العربي الكبير محمد حسنين هيكل ،عن حسن نصر الله ، بعد أول لقاء له معه "بأنه قائد قومي عربي حقيقي في النظرية والممارسة" .
2- أن الشهيد القائد العظيم ، كان عميق الثقافة بالعقيدة وبالسياسة والاقتصاد السياسي وبالجغرافيا السياسية ، وامتلك رؤية علمية دقيقة ، في تشخيصه لمعسكر الأصدقاء ولمعسكر الأعداء ، وبنى استراتيجية المقاومة ، بناءً على هذا التشخيص العلمي الدقيق، أثبتت هذه الاستراتيجية جدواها وصحتها ، في مختلف مراحل مقاومة الحزب ضد الكيان الصهيوني وحلفائه .
3- أن استراتيجية الحزب التي رسمها نصر الله، في إطار القيادة الجماعية للحزب لم تكن معنية بتحرير المناطق المحتلة من الجنوب اللبناني " كفار شوبا والغجر ومزارع شبعا" فحسب بل معنية بالعمل على تحرير فلسطين وعاصمتها القدس ، وبدعم كافة فصائل المقاومة الفلسطينية عسكرياً وسياسياً ولوجستياً .
لقد كانت فلسطين ودرتها القدس همه الرئيسي تماماً مثل جنوب لبنان ، وفي الذاكرة التي لا تمحي ، دور نصر الله في اتخاذ قراره التاريخي بدخول الحزب معركة الاسناد لقطاع غزة بعد يوم واحد من معركة السابع من أكتوبر التاريخية 2023 (طوفان الأقصى) ، حيث قدم في هذه المعركة مئات الشهداء على طريق القدس ، ، كما استجاب الحزب لنهج سيد المقاومة، برده على العدوان الصهيوني لاحقاً ، بتطويره المعركة لصالح المقاومة في قطاع غزة بهجماته الصاروخية على حيفا وتل أبيب والقدس وصفد وطبريا وبضربه كافة مواقع العدو وقواعده العسكرية والاستراتيجية.
4- لقد امتلك نصر الله عقول قلوب أبناء الأمة وضمائرها ، عبر حضور كاريزمي عز نظيره وعبر عن توجهاتها وقناعتها ، بأن المقاومة وحدها هي الكفيلة بتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني الكولونيالي ، وبإفشال المشاريع الاستعمارية الصهيو- أمريكية مثل مشروع الشرق الأوسط الجديد ، وكذلك إفشال الخطط الاستعمارية والرجعية العربية ضد قوى التحرر في البلدان العربية.
5- امتلك قدرة تعبوية هائلة لجماهير الأمة ، وقدرة هائلة على إدارة الصراع مع العدو الصهيوني ومع كافة القوى الاستعمارية في المنطقة ، وقدرة هائلة على شن الحرب النفسية من موقع الاقتدار ، لدرجة أن وسائل إعلام العدو الصهيوني من قنوات تلفزيونية وصحف ومحطات إذاعية كانت تتناول خطاباته بالقراءة والتحليل في اللحظة التي يفرغ فيها من إنهاء خطاباته.
6- لقد امتلك كافة صفات القائد الاستراتيجي المقاوم من الحكمة والشجاعة والتخطيط وبعد النظر ، والقدرة على قراءة الواقع السياسي ، واستشراف المستقبل، وتوظيف التكتيك في خدمة الاستراتيجية ، والصدق لدرجة أن المستوطنين في الكيان الصهيوني كانوا يصدقون كل ما يقول ويكذبون قادة الكيان .
7- لقد كان رجل دولة بامتياز ، مثلما كان قائداً فذاً للمقاومة ، تمثل في حرصه على العيش المشترك ومشاركة الحزب في الحياة السياسية عبر البرلمان والحكومة ، وسعيه الدائم لإفشال فتن الحرب الأهلية التي كانت القوى الانعزالية تخطط لها ، رغم ما لحق به من ضيم استشهاد البعض من كوادره ومن حاضنته الاجتماعية على يد هذه القوى ،ولم يستخدم قدرات الحزب العسكرية الهائلة لسحق المتآمرين ، وذلك حرصاً منه على استقرار الوضع في لبنان وللتفرغ للتناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني.
نصر الله قاد الحزب من نصر إلى نصر
لقد ترك هذا القائد – الأيقونة النضالية -إرثاُ مقاوماً كبيرا وقاد لبنان من نصر إلى نصر منذ أن استلم دفة قيادة الحزب في 16 شباط (فبراير) 1992 خلفاً للأمين العام عباس الموسوي بعد أن اغتيل من قبل العدو الصهيوني ، وبهذا الصدد نشير إلى أبرز المحطات التي انتصر فيها على العدو الصهيوني، وعلى القوى التكفيرية المدعومة من أمريكا والكيان الصهيوني ومن الأنظمة الرجعية :
1-محطة الانتصار على العدو الصهيوني، الذي شن هجوماً عسكرياً خاطفاً على لبنان في شهر نيسان 1996 وأطلق عليه العدو اسم "عناقيد الغضب" ، في حين أطلق عليه حزب الله اسم "حرب نيسان" التي استمرت 16 يوماً ، وانتهت بانتصار الحزب عبر إجبار العدو على توقيع اتفاق متبادل في 27 نيسان ، لوقف الهجمات على المدنيين بمبادرة فرنسية.
في تلك المواجهة شن العدو أكثر من 1100 غارة جوية على لبنان وقصف موقع للأمم المتحدة لجأ إليه مواطنون لبنانيون من بلدة قانا الجنوبية مما أدى إلى مقتل 118 مدني لبناني من أبناء البلدة ، في حين استهدفت حزب الله شمال فلسطين المحتلة ب 639 هجمة صاروخية ، طالت بشكل خاص مستوطنة كريات شمونة ، كما هاجم الحزب في تلك الحرب جيش لبنان الجنوبي العميل، وألحق به خسائر كبيرة .
2- محطة الانتصار التاريخي الاستراتيجي على قوات الاحتلال ، حين أصدر رئيس وزراء العدو الصهيوني آنذاك " يهودا براك" بتاريخ 25 مايو 2000 ، أمراً بانسحاب قوات الاحتلال من مناطق جنوب لبنان - التي سبق وأن احتلها العدو عام 1978- جراء ضربات وكمائن المقاومة الإسلامية المتتالية منذ عام 1983 ، التي أدمت العدو الصهيوني وألحقت به خسائر هائلة على الصعيد البشري وعلى صعيد تدمير الآليات.
3- محطة حرب تموز 2006 التي بدأت في 12 تموز (يوليو) 2006 بين حزب الله اللبناني وقوات الاحتلال على خلفية تمكن حزب الله من أسر جنديين إسرائيليين ، حيث استمرت 34 يوما في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وفي العاصمة بيروت، وفي شمالي فلسطين في مناطق الجليل، الكرمل ومرج ابن عامر وانتهت بهزيمة نكراء للعدو الصهيوني ، حين راح رئيس وزراء حكومة العدو الصهيوني يهودا أولمرت يتوسل وقف إطلاق النار مع حزب الله.
4- محطة الانتصار التاريخي لحزب الله على التنظيمين الإرهابيين " داعش وجبهة النصرة " في سلسلة جبال القلمون الشرقية اللبنانية عام 2015 ، بمشاركة الجيش اللبناني بعد أن خاض معارك قاسية وصعبة في تضاريس جبلية جرداء، ضد الإرهابيين الذين شكلوا تهديداً للبنان خاصةً بعد أن نفذوا عمليات إرهابية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية.
وأخيراً يمكننا الجزم بعد أن استمعنا لخطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن مرحلة ما بعد التشييع، ستكون مختلفة عما قبلها ، على صعيد انطلاقة جديدة للحزب في مقاومته للاحتلال الصهيوني حين قال :
1-"أن حزب الله لن يقبل بتحكم الأمريكان الطّغاة بلبنان، ولن تأخذوا بالسّياسة ما فشلتم في أخذه بالحرب"...
2- "أن المُقاومة لم تنته، والمُقاومة مُستمرّة بحُضورها وجاهزيّتها في مواجهة العدو الإسرائيلي، وفِلسطين تظل بوصلتنا ،وسنتواجه مشروع ترامب التهجيري، و160 ألف شهيد وجريح في غزة الثمن الحقيقي من أجل أن نواصل العهد".
#عليان_عليان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟