|
الكَذب .. والإفلاسُ السياسي
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 1795 - 2007 / 1 / 14 - 13:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سبقُ الإصرار ، معنوياً ومادياً ، كان متوفّراً لدى الشّخص الذي قام بتصوير مشاهد إعدام صدّام حسين . جريمتان على الأقل إرتكبهما ، مهما حاول البعضُ حصرهما في إطار مخالفة إجراءات أمنية . الجريمتان هما الجاسوسية أولاً والشروع في تعريض أمن وسلامة العراق إلى الخطر .
لقد كان بيانُ الحكومة العراقية على لسان الناطق الرسمي لرئيس الوزراء أو التصريح الصادر عن مستشار الأمن القومي مُبتسَرَين ، لا يضعان نقاط الحروف في المحل الواجب وضعها ، وكأنّ النيّة متجهة لإخضاع القضيّة إلى مبدأ التوافق سيئ الصيت .
كان الشخص الذي صوّر تلك المشاهد قد خطّط لعمله الإجرامي بصورة دقيقة ، مما يدلّ بوضوح على الإستقرار الذهني والنفسي لديه عند وضع الخطة ، إذ هيّأ اداة الجريمة ( الهاتف النقّال ) وأدخله معه خلسةً إلى ساحة الجريمة وهو عارفٌ أنه يخالف القانون ، وقام بتصوير الأحداث وتسجيل الأصوات خلسةً أيضاً ، ثمّ إيصال الصُوَر الملتقطة إلى أكثر من وسيلة إعلام على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية مما يُدلل على دقة التخطيط للوصول إلى أفضل إستثمار لعمله .
إنّ إيصال تلك الصور إلى وسائل الإعلام أتاحت الفرصة للعالم كلّه الإطلاع عليها بضمنهم أعداء العراق الذين إتّخذوها وسيلة ضغط إضافية لإضعافه فوق ما يعانيه الآن من هُزال ، وهذا هو الركن الأساسي في جريمة ( التجسّس ) . وأنّ نشر الصور لم يُوسّع في الفرقة بين التيارات السياسية المدعوّة للمصالحة الوطنية فحسب بل أعطى زخماً كبيراً لنشاط الداعين إلى الحرب الأهلية ، وهي كانت الجزء الثاني من المُخطّط ، إلاّ أن التيارات السياسية إن لم تنجرّ إلى ذلك المحذور لحدّ الآن فذلك لأسباب خارجة عن نوايا القائم بالعمل الإجرامي ، وعمله هذا يُعتَبر جريمة الشروع في تعريض أمن وسلامة العراق إلى الخطر . إنّ أركان الجريمتين واضحة ولا يمكن إخفاؤها تحت أية عباءة ، فالمفروض سوقه إلى المحاكمة وتجريمه بسبب تلك الجربمتين ، لا نشر الدخان لسترهما .
لا جدالَ لدى الشعب العراقي عموماً أنّ صدّاماً ، سواءً كان قد حوكم أمام محكمة عادلة أو لا ، فإنّه كان يستحقّ الإعدام ، ليس لجريمة مجزرة الدجيل فحسب ، بل لآلاف الجرائم التي إرتكبها ضد أبناء الشعب . صحيحٌ أنّ صدّاماً لم يكن طائقياً أو عرقياً لسبب بسيط أنّه عامل جميع طوائف الشعب ومنهم أقرب الناس إليه سواسية ( بالإعدام ) . لم يكن صدّامٌ يُفكّر بإعدام شخص للإنتماءات الطائفية والعرقية ، بل كان لا يتردّد في إعدام أيّ شخص يُشَكّ مجرّد الشّك في ولائه له ومدى كونه يمثلُ خطورة على وجوده في السلطة .
ما كان الغرضُ من الحكم بإعدام صدّام من قبل المحكمة للتشَفّي أو الإنتقام والثأر ، إلاّ أن تنفيذ عملية الإعدام ، كما نُشرت في وسائل الإعلام قدّ غيّرَ ذلك الغرض إلى إتجاه مخالف ، حيثُ صوّرَ العملية وكأنها إنتقامٌ شخصي ،محصور في الإطار الطائفي ، ودعاية سياسية لطائفة معيّنة عامةً وبالأخصّ لتيار معيّن ضمن الطائفة .
كان الشعبُ ينتظرُ هذا اليوم ، وقد طالَ إنتظاره سنوات ، إذ كان المفروضُ حدوثُهُ ساعة إلقاء القبض على صدّام ، أو قبل ذلك ، إن كان ممكناً . كان الشعب ، وبالأخصّ الجاليات العراقية المغتربة في أصقاع العالم ، مُهَيّئاًة للبدء بحملةٌ توعية عبر النقاشات والندوات والمحاضرات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة للشرح للعالم كلّه أيّ مجرم كان صدّام وأيّة جرائم منكرة ، تفوق ما يمكن لعقل الإنسان أن يتصوّرها ، قد إرتكَب . إنّ الشعب العراقي كان بحاجة لمثل هذه الحملة محلّياً ، لإقناع من كان يتصوّر صدّاماً بطلاً وطنياً وقومياً ، أنّه لم يكن كذلك بل كان مجرماً أفّاكاً بحق العراق والأمة العربية . وكنّا بحاجة لهذه الحملة عالمياً ، شعوباً وحكومات ، التي إتّخذت مبدأ مناهضة أحكام الإعدام بصورة باتّة ولأيّ سبب ، لنشرح لهم أيّ مجرم قد أعدم وأية خطورة كان يُمَثلُ بقاؤه على قيد الحياة على العراق والعالم في حال تسلّقه السلطة ثانية .
لكن جريمة تصوير عملية تنفيذ الإعدام ونشرها ، وما رافقتها أو تبعتها من تصريحات المسؤولين لم تقضِ على آمال الشعب بل حرفتها بإتجاه معاكس تماماً . فقد إنشغلت وسائل الإعلام العالمية ، والشعوب بتأثير مباشر من الإعلام بالأحداث التي حصلت في قاعة تنفيذ الحكم من هتافات غير مسؤولة ومناظر غير مقبولة في عرف العالم المتحضّر ، وإختيار يوم العيد موعداً ، مما أدّى إلى أن تقتصر الندوات ، والنقاشات بين كل إثنين أو مجموعات من أجناس العالم كلّه مكرّسة للتعليقات على تلك الأحداث وتحليلها كلٌ كما يشتهي .
لقد زادت تصريحات المسؤولين الطين بَلّةً ، فمستشارُ الأمن القومي يصرّحُ أن صدّاماً كان خائفاً ، منهاراً تبدو صفرةٌ على وجهه ، بينما الصور المنشورة للرجل تظهرُ بما لا يقبل الشكّ ، عدم صحّة ذلك التصريح ، بل كان الرجل مسيطراً على نفسه حتى النهاية ، وبموقفه هذا كسب الجولة السياسية على جوقة التهريج . أمّا تصريحُ الناطق بإسم رئيس الوزراء ( إنّ صدّاماً لو لم يكن يعدم في تلك الساعة ، فقد كانت هناك مؤامرة لتهريبه ، مما يجعل الحكومة لا تستطيع معرفة مكان وجوده ) فهذه العبارة لا يمكن أن تنطلي على الشعب العراقي ( المُفَتّح باللبن ) ، وأنّ حبلَ الكذب قصير ، فإن كانت الصُورُ قد فَضَحت مستشار الأمن القومي ، والمفروض به أن يستقيل بعد فضيحته ، فإن الأيام ستفضَحُ كلّ الأكاذيب والكذّابين . وفضائحٌ كهذه دليلُ الإفلاس السياسي ، وللشعب أحكامٌ على الظالمين .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسوَدُ والأبيضُ فَحَسب
-
صدّامٌ ... أشهر شخصية في العالم
-
البحثُ عن الشرعيّة
-
عودةٌ لقراءة أورول
-
عَودةٌ اقراءة أورول
-
بطلٌ شهيدٌ
-
نحنُ نفرّقُ أنفسَنا
-
حوارٌ في القضيّة العراقيّة
-
وجهتا نظر
-
أمريكا والمزمار السحري
-
ليس دفاعاً عن بوش
-
الشّعب
-
الظلمُ ليس أبيضاً في أيّ حال
-
الظلمُ ليس أبيضاً بأيّ حال
-
الديمقراطية
-
الديمقراطية والفدرالية
-
عارٌ جهلُكُم أيها السادة
-
الديمقراطية في التربية والتعليم والثقافة العامة
-
الطبقة العاملة في الصّراع
-
النظرية وأورول
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|