|
العزلة و الابداع في ضوء مفهوم الجذمور عند دولوز: نحو فهم جديد للتكوين الإبداعي .
اية الانصاري
الحوار المتمدن-العدد: 8263 - 2025 / 2 / 24 - 02:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
العزلة و الابداع في ضوء مفهوم الجذمور عند دولوز: نحو فهم جديد للتكوين الإبداعي تمثل العزلة مفهوما إشكاليا مركزيا في الفلسفة، حيث تتقاطع مع ثنائية الذات والآخر، وتنفتح على دلالات وجودية ومعرفية وأخلاقية متشعبة. فالعزلة ليست مجرد حالة للانفصال عن المحيط الاجتماعي، بل هي بنية معقدة تتداخل فيها أنطولوجيا الكينونة مع إبستمولوجيا الإدراك، اذ يعاد تشكيل مفهوم الذات في لحظات العزلة، ويتحول الفاعل المعرفي من كائن متفاعل إلى ذات متأملة، تعيد بناء تموضعها في العالم من خلال أنساق رمزية ودلالية جديدة. إن فهم العزلة لا يقتصر على كونها تجربة شعورية ذاتية أو ظاهرة اجتماعية، بل يتطلب مقاربة فلسفية تحليلية تستكشف العلاقة بين العزلة كمفهوم والعزلة كتجربة، وهو ما يقود إلى إشكاليات جوهرية حول حدود المعرفة و طبيعة الوعي بالذات و التأمل في قضايا ذاتية محورية ، فالتأمل عمل عقلي ينضب في فترات العزلة ليترد المفكر على فكره و يدقق في خبره و يفحص مبادئه و يؤول معنى لوجوده و يعيد تعريف الاشياء و يتعرف على ذاته من جديد فيشعر بالمسؤولية في ما يفككه بعقله و حرية الفكر هي حرية الفردية باشتراعها او هروبها من الاخر ، في ظل عزل الوجود عن مؤثراته الخارجية. ومن هنا، فإن التأمل في العزلة بوصفها ظاهرة إبستمولوجية يفرض مساءلة العلاقة بين الاستقلال الفكري والاغتراب، بين العزلة الطوعية كشرط للإبداع والتأمل، والعزلة القسرية كحالة من الانفصال الوجودي القهري. إن تفكيك المفهوم الفلسفي للعزلة يكشف عن تشعباته في الفكر ، يصبح فهم مفهوم العزلة عملية تفكيكية مزدوجة: فهو لا يعيد تشكيل إدراكنا للعزلة فحسب، بل يعيد أيضا تشكيل إدراكنا للذات وعلاقتها بالعالم. وعليه تعتمد الاحالة الموضوعية لتجربة ما او ظاهرة و قضية او حدث على كيفية ادراكنا لها ، و من هنا نتعرف على اهمية( المفهوم الذاتي) و المديات بين (المعنى و المفهوم ) المتحدان في الذات فكلاهما صورة حاصلة في عقل الانسان الفرد . فاستيعاب الظاهرة و ادراك مجموع الخصائص التي توضح المعنى الكلي لها تشكل الخطوة الاولى لتعيين سمات تمايزية للشخصية المفهومية و اسلوب الإحالة الموضوعية و ترجمتها الصورية تقول ماريان وولف في قدرة الصورة على اليصال معان مختلفة بمكن ان يوحي بها النص و التمكن من فهم افكار الاخرين ومشاعرهم و الانتقال من المنظور الاخاص و الاتصال بمنظور الاخرين من خلال الصورة فهي تمنح القارئ مشاعر تنسجم وتجربته الخاصه و مفهومه الذاتي الوضع المستقل عن الصورة التي تعينت من تجربة المؤلف ليتم توضيح كيفية تحريف معنى المفهوم من قبل الفرد الوحداني المستقل بنمط وجود اخلاقي ووضعي ،ووفق طريقة ادراك الظاهرة و خزين التجارب الفردية " لان المفاهيم التي نكشف عنها ..هي في جوهرها معان مجردة و .. تحريف المعنى يحث تحقيقا لمقاصد معينة و لأغراض فكرية و معرفية عند من يمارسه " فيحيل المفهوم الذاتي الى مستوى من الدقة للتمثيل باضفاء طابع التجربة الفردية على الاحالة الموضوعية التي من اشكالها الانتاجية الوضعية في العملية الابداعية التشكيلية و في عملية التصوير كمرآة للوعي الانساني . إن الوعي ليس إحساسا بالذات فحسب، بل إنه يقتضي أيضًا أن نعرف أين ننتهي نحن وأين تبدأ البيئة المحيطة، ولهذا السبب كان الوعي هو منبع فهمنا للطبيعة مثلما هو منبع فهمنا لأنفسنا و لفهم الظواهر و الاحداث و التجارب الخارجية و نكثف التفكير بكل هذه الاحداث في حالة الوحدة و العزلة مع الذات . لنكتسب أوضح جوانب معرفتنا لأنفسنا من فهم تجارب الناس الآخرين، الذين هم جزء من البيئة المحيطة بنا. نتتبع اولا ومن (الشعور بالمسافة) و الشعور بالفوارق القيمية في تحولها او كما يشير اليها هانز غادامير بأنها (انزلاقات في المعنى) و شكل الاحالة اليه في فنون التصوير ما هي الا تبعات مترتبة الى هذه الانزلاقات في المعنى التي تحقق تفردا في عملية الاحالة التصويرية في الاسلوب الفني كتظهير ابستيمي او ( معرفي ) تفرضه الفاهمة ، هو ما اسماه فريدريك نيتشه بجينالوجيا القيم و اعادة تقييم القيم .من دراسة هذه الفواصل ومسبباتها وتأصيلها (القيمي و كيفيات تحول ممارسته الاخلاقية سلوكيا وانعكاسها في التمثيل الجمالي .فمفهوم العزلة تبرز اهميته في تكوينات الاحكام اي الاضافات من هذه الانفصالات و الانزلاقات المعنوية الذاتية و الفضاء الذي يحوي هذه الانفصالات الافاهيمية يسميها جيل دولوز بالريزومات ( التشجيريات) للجذمور، التي تنتهي اليه الانزلاقات من جهة و تتصل مداخل المفهوم الواحد المتنوعة يؤدي بعضها الى البعض الاخر لكي يتجه الى تصور واحد مألوف للعقل الموضوعي ، المصطلح الذي ابتدعه فالجذمور يشكل الخريطة التي يتحرك بها المفهوم و الريزوم ،نهايات الشبكة الجذمورية للمفاهيم و يشكل علاقة بين الماضي و الحاضر و العلاقات المفاهيمية المجاورة ، يذكر دولوز وغوتاري بعضا من خصائصه “الجذمور *” ينظر إلى الترابط بين الأشياء على أنه “شجري” (Arboreal) مثل ما يعنيه مصطلح “الجذر” (Root) تضمينيًّا. وبقدر ما تذهب إليه “مبادئ الاتصال وعدم التجانس” يأتي “الجذمور” ليشير، إلى أنه يمكن ربط أي شيء بأي شيء آخر في أي وقت على عكس ما يفترضه خطاب-الجذر (Root-speech) الشجري يقول الامبيرتو ايكو انه "الشبكة او ما يسميه دولوز و غوتاري بالجذمورRhizome و الجذمور مصنوع بكيفية تجعل من كل سبيل قابلا لأن يرتبط بسبيل اخر. فلا وسط له و لا محيط ايضا و لا مخرج له، لأنه افتراض غير نهائي " و عليه مفهوم العزلة لكي يفهم بشكل متكامل يستلزم النظر الى مجاوراته من المفاهيم أساليب ممارسته تاريخيا و ( نماذج و مفاهيم فكرية وفلسفية ) ، فالجذمور يتحدى الهياكل التقليدية للتنظيم الابستيمولوجي و الثقافي و الاجتماعي ، و كل المفاهيم يبحث فيها عن اشكال و معاني خارجة عن المألوف ليعيد تعريفها في العقل و يحدد مراكز انشطارها و يعيد صياغة التسلسل الهرمي للخطاب المعرفي الثقافي ليعطي الاهمية لبناء المفاهيم الذاتية و نظامها السيميائي و التشكيل البصري في حقل الابداع ، فيجرد النظرة للامتناهي من الروابط الذي يقيمه فعل القراءة و التأليف في هذه الانظمة الرمزية الغير مركزية المنفتحة على الاحتمالات ، و هكذا ترتبط عملية الابداع و الجذمور في العزلة ، من هذا السياق ، فالعزلة تحفز حالة الانفصال من الانماط التقليدية و الجذمور هو جوهر الانفصال عن التقليد و التباعد عن المألأوف ، فينغمس الفرد في فكرة الجذمور أ ي الارتباط بالشبكات المختلفة والمعرفة التي لا تقتصر على أسس تقليدية. و التي احد اشكالها حرية العقل المبدع و ملكة حكمة و نقده لتأسيس موقفه الجمالي من قضية الجذمور، في سياق العزلة يمثل حرية الفكر والوجود الذي يتمكن من الخروج عن القيود التي تفرضها الهياكل المعرفية والاجتماعية التقليدية. فالعزلة كحالة يتم فيها تحرير الذات من النظام المعرفي السائد، ومن ثم الانفتاح على شبكة الجذمور، التي تحتفل بالهويات المتعددة والعلاقات غير المحدودة. لتصنع من العملية الابداعية مدارا تساق بها اساليب الفعل و الانجاز الخلاق .يقول بروست " يضع كل منا المعنى الذي يراه او على الاقل الصورة التي يراها ، و التي تكون غالبا مضادة للمعنى بيد ان كل ما نفمه من معان مضادة.. تتعلق بتعدد الاستعمالات و ان ترسم لغة اخرى في لغته هذا هو تعريف الاسلوب .. المسألة مسألة صيرورة لا يتعلق الامر بالتشبه و التصنع.. و انما كي نبتكر الجديد " و من هنا نستدل على علاقة العزلة بتحقيق الاسلوب للفنان ، فالاسلوب مصدره امتداد لجذمور غير تقليدي منفصل عن الانماط الفكرية و الثقافية و الاجتماعية السائدة و العزلة كفرصة للتأمل العميق و خلق افكار جديدة تعتبر ارضا خصبة للابداع و تحرير الافكار وخلق كما الجذمور شبكة من المعاني تحل محل المألوف و تحطم التقليدي و يتهاوى فيها العقلاني و يغرس المجرد لتبرز وحدة او كلية جديدة و بعد اضافي ، وهو ما يتوافق مع مفهوم الجذمور في البحث عن مسارات فكرية جديدة و الاسلوب عندما ينشأ هذا المجال الخلاق لتحقيق اصالة ابداعية في الوجود تكون العزلة المسلك لتنقل العقل في شبكة الجذمور فيصنع رموزه و يخلق امكانياته بأسلوب متفرد يعزز الجذمور هنا الإبداع و تكوين اسلوب فريد عبر تشجيع التفكير اللامركزي وغير التقليدي. يقول دولوز في العزلة الابداعية كونها وحدة من نوع اخر للانسان كنوع من تكامل ذاتي ، يسميها وحدة سامية ذات جذور متعددة لا تعمل على تصدع الوحدة كوجود بينذاتي بل تحيل الى وحدة تنشط الفكر تكامل الذات و الموضوع ، نمطا جديدا من الوحدة يسود الذات ، و لم تعد الذات قادرة على احداث انقسامات ثنائية ، لكنها تبلغ وحدة اكثر رقيا ، تشكل تقطيعات للخطاب بنائي داخلي جينالوجي يزيح المركزية و يفتحها على مستويات اخرى لا تنغلق على نفسها ، وحدة من الالتباسات و المحددات المتضافرة تكمل موضوعه ، يظل صورة عن العالم و كونه (فوضويا (كاوسموس) من الجذمور )، ما غدا متجزا متقطعا بل صورة اشمل ، على هذا النحو طرح العنصر الفريد من التعددية التي نود تشكيلها مثل هذه المنظومة يمكن ان تدعى جذمورا ، سلاسل دلالية من اصناف مختلفة توصل فيه مع انماط من التشفير شديدة الاختلاف ليس فقط بين مناطق من علامات متباينة بل كذلك من اوضاع راهنه ،ان التوليفات الجماعية للتعبير او التصور تعمل بفصل جذري بين نظام العلامات و بين موضوعاتها ، ضمن افاق خطاب يفترض انماطا من التوليغ و انواعا من السلطات الاحتامعية الخاصة لن يكف الجذمور عن وصلات السلسلات الدلالية بتنظيمات السلطة و حيثيات تحيل الى الفنون و الصراعات الاجتماعية . هي واقعة شديدة التنوع بجوهرها " وحدة تعمل كمحور في الموضوع و تتجزأ في الذات وحدت لتجهض الموضوع و تعاود الظهور في الذات جذمور ارادة يتفرض لفنان هذا النمو للابعاد في تغددية تغير طبيعتها بالضرورة بحسب تزايد ارتباطاتها "
المصادر :انظر في ذلك ، نيتشه ، فريدريك ، جينالوجيا الاخلاق ، تر: فتحي المسكيني ، تونس ، منشورات دار سيناترا ، 2010 ، ص110 . بن موسى ، سرير احمد ، الحقيقة والفن البراديغم الهرمينوطيقي بين هيدجر وغادامير ، مجلة ابعاد ، الجزائر ، مجلد6 ، عدد 1 ، 2020 ، ص79 . * انظر في ذلك : دولوز خارج الفلسفة، ص 111 ، 112 ايكو ، امبرتو ، اليات الكتابة السردية ، تر: سعيد بنكراد ، سوريا ، دار الحوار للنشر و التوزيع ، ط1 ، 2009 ، ص 57 ، 58 . دولوز ، جيل ، خارج الفلسفة ، تر: عبج السلام بنعبد العالي ، منشورات المتوسط ،2021 ، ص 102 دولوز ، جيل، خاج الفلسفة، المصدر السابق نفسه ، ص 116انظر في ذلك ، نيتشه ، فريدريك ، جينالوجيا الاخلاق ، تر: فتحي المسكيني ، تونس ، منشورات دار سيناترا ، 2010 ، ص110 . بن موسى ، سرير احمد ، الحقيقة والفن البراديغم الهرمينوطيقي بين هيدجر وغادامير ، مجلة ابعاد ، الجزائر ، مجلد6 ، عدد 1 ، 2020 ، ص79 . * انظر في ذلك : دولوز خارج الفلسفة، ص 111 ، 112 ايكو ، امبرتو ، اليات الكتابة السردية ، تر: سعيد بنكراد ، سوريا ، دار الحوار للنشر و التوزيع ، ط1 ، 2009 ، ص 57 ، 58 . دولوز ، جيل ، خارج الفلسفة ، تر: عبج السلام بنعبد العالي ، منشورات المتوسط ،2021 ، ص 102 دولوز ، جيل، خاج الفلسفة، المصدر السابق نفسه ، ص 116
#اية_الانصاري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في اصل العمل الفني و المصور المعاصر المتوحد
-
جون بول سارتر في فكرة الظاهرة ووجود الظاهرة
المزيد.....
-
استمرار العملية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتنديد بإجلاء
...
-
أمين عام الناتو يهنئ ميرتس بالفوز في الانتخابات ويدعو لزيادة
...
-
الحرب في أوكرانيا تكمل عامها الثالث، وزيلينسكي يبدي استعداده
...
-
ميرتس يرفض تشكيل ائتلاف مع -البديل من أجل ألمانيا-
-
أوليانوف: الاتحاد الأوروبي لم يعد يردد بأن روسيا يجب أن تُهز
...
-
-الإيكونوميست-: كييف ستضطر لدفع تعويضات أمريكية عن المساعدات
...
-
زيلينسكي: إذا لم ننضم إلى الناتو فسوف ننشئ حلفا خاصا بنا في
...
-
الجزائر.. خمس سنوات حبسا لمتهم روّج فيديو بغرض ترهيب السكان
...
-
رئيس جهاز المخابرات العراقي: بغداد توجهت برسائل أمنية مباشرة
...
-
تحذير من احتمال تحول العد الشائع إلى سرطان!
المزيد.....
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|