|
اللغة الشيوعية تآكل يؤذن بالانهيار
ملهم الملائكة
(Mulham Al Malaika)
الحوار المتمدن-العدد: 8262 - 2025 / 2 / 23 - 20:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
أحيى العالم في 20 شباط/ فبراير المنصرم (اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية)، وما يلفت الانتباه حقاً أن لا أحد يسأل ما هي (العدالة الاجتماعية)؟ كيف حلت العدالة الاجتماعية محل الاشتراكية؟ نحن أبناء العصر الشيوعي، وقد تأثرت حياتنا بالتجارب الشيوعية بشكل مباشر، وظللتنا بوعي وغير وعي غصون السنديانة الحمراء الوارفة، أينما كنا. ثم عاش نفس جيلنا سقوط التجربة الشيوعية، وانهيار المعسكر الاشتراكي، والباقون على قيد الحياة من أبناء هذا الجيل يشهدون اليوم في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، وفي مطلع الألفية الثالثة، وقائع تغيرات مدهشة تطال اللغة الشيوعية والمصطلح الماركسي. لم نعد اليوم نسمع الوصف الغامض (اشتراكية) الذي تبنته أحزاب وحركات كبرى عبر العالم، بل صرنا نقرأ ونسمع بشكل متواتر تعبير (العدالة الاجتماعية) الأكثر غموضاً من المصطلح الأول. وانسحب التغيير ليطال كل اللغة التي اعتدنا سماعها، والتي ما برح أغلب كتاب هذا الموقع (الحوار المتمدن) الأثير الحبيب إلى نفوس الناس يستخدمونها غير مدركين أنها تعابير وأوصاف قد انقرضت وزالت معانيها وتلاشت مدلولاتها. الحقيقة الصادمة هي أن تغيرات حاسمة كبرى قد طرأت على اللغة الماركسية والشيوعية إثر سيادة مفاهيم الرقمنة والعولمة وما تفرع عنها من مفاهيم فكرية شملت الحكم الرشيد، والحوكمة التشاركية، ومفاهيم أكثر تعقيداً هي التي باتت تحدد لغة الخطاب السياسي عبر العالم. ويجري تكييف المفاهيم التقليدية (الماركسية وغيرها) لمواكبة التطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة. هذه سياحة مقترحة في القاموس الماركسي الجديد: * إعادة تعريف الطبقة العاملة (البروليتاريا): في العصر الشيوعي: كانت الطبقة العاملة تُعرّف بشكل أساسي على أنها "البرولتاريا" العمال الصناعيين في المصانع. في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي: مع الرقمنة، توسع مفهوم الطبقة العاملة ليشمل "العمالة الرقمية"، مثل عمال التوصيل عبر التطبيقات، والعاملين في قطاع الخدمات الرقمية، والعمال في اقتصاد المنصات (مثل أوبر وفيسبوك). أصبح التركيز على "الاستغلال الرقمي" مع غياب الضمانات الاجتماعية لهؤلاء العمال. *غياب نقد الرأسمالية، ليحل محله نقد الرأسمالية الرقمية: في العصر الشيوعي: كان النقد الماركسي يركز على الرأسمالية الصناعية واستغلال العمال في الإنتاج المادي. في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي: أصبح النقد يتوجه نحو "الرأسمالية الرقمية"، حيث يتم استغلال البيانات الشخصية (ما يسمى "نفط العصر الحديث")، وتحول المستخدمين إلى سلع عبر منصات التواصل الاجتماعي. ويجري الحديث بشكل مضطرد عن "الاستعمار الرقمي" وسيطرة شركات التكنولوجيا الرقمية وشركات الذكاء الاصطناعي الكبرى (مثل غوفل وأمازون وفيسبوك وإكس وتيك توك وانستغرام) على الاقتصاد العالمي. *غياب الصراع الطبقي والتركيز على العولمة: في العصر الشيوعي: كان الماركسيون يركزون على الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية داخل الدولة القومية. في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي: مع العولمة، توسع النقد ليشمل "الرأسمالية العالمية"، حيث يتم تسليط الضوء على دور الشركات متعددة الجنسيات في استغلال العمالة الرخيصة في الدول النامية، وتفاقم اللامساواة بين الشمال والجنوب. * ظهور مفاهيم جديدة: اقتصاد المنصات بدلا عن (الاقتصاد الاشتراكي): يتم تحليل كيفية تحول المنصات الرقمية إلى وسائل لاستغلال العمالة وتهميش الحقوق العمالية. الاستعمار الرقمي (بدلا عن الإمبريالية العالمية): يشير إلى سيطرة الدول الغربية والشركات التكنولوجية على البنية التحتية الرقمية في الدول النامية. الرأسمالية المراقبة: مصطلح صاغه شوشانا زوبوف لوصف كيفية تحويل البيانات الشخصية إلى سلع ومراقبة المستخدمين لأغراض تجارية. * إعادة تعريف الملكية ومغادرة الوصف الملتبس" ملكية الدولة مشاعية": في العصر الشيوعي: كان التركيز على ملكية وسائل الإنتاج المادية (مصانع، أراضي). في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي: مع الرقمنة، أصبحت الملكية الفكرية والبيانات والبرمجيات وسائل إنتاج رئيسية. يتم الدعوة إلى "مشاعات رقمية" (Digital Commons) حيث تكون الموارد الرقمية مملوكة بشكل جماعي. * النضال/ الكفاح وتغير المصطلح إلى (تسريبات) في العصر الرقمي: تقليدياً كان النضال يتمحور حول الإضرابات العمالية والثورات المسلحة ومنه ظهرت مصطلحات (الكفاح المسلح)، (نضال الشعوب)، وما شابه. اليوم أصبح النضال ولغته يشمل حركات مثل "حقوق العمال الرقميين"، ومقاومة الرقابة على الإنترنت، ومطالبات بتحقيق العدالة الرقمية. كما ظهرت حركات مثل "ويكيليكس" و"إدوارد سنودن" التي تعكس نضالًا ضد السلطوية الرقمية. *البيئة والرقمنة: شيوعياً، كان التركيز على الصراع الطبقي دون إيلاء اهتمام كبير لقضايا البيئة.
عولمياً، ظهرت (الماركسية البيئية) التي يجسدها حزب الخضر والحركات المتصلة به، وأصبحت قضايا البيئة جزءاً من الخطاب الماركسي، مع التركيز على تأثير الرقمنة على البيئة (مثل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات والتلوث الناتج عن التكنولوجيا). * الذكاء الاصطناعي والأتمتة: فيما دأب المعسكر الشرقي على التركيز على استغلال العمالة البشرية، فشاع تداول مصطلحات (القهر الطبقي)، (الاستغلال الرأسمالي) وغيرها. تشهد لغة اليوم، مع تطور الذكاء الاصطناعي والأتمتة تطوراً في لغة النقد الذي بات يتوجه نحو كيفية استبدال العمالة البشرية بالآلات، وما يترتب على ذلك من بطالة وتهميش للطبقة العاملة. * الديمقراطية الرقمية: في مرحلة النضال الشيوعي، كان التركيز على الثورة الاشتراكية كحل وحيد، ولم يكن يسمح بلغة تخرج عن المصطلح الماركسي المقرون بالثورة وقيمها. اليوم أصبحت الدعوة إلى "ديمقراطية رقمية" جزءًا من الخطاب الماركسي، حيث يتم المطالبة بتحقيق العدالة الرقمية وتوزيع عادل للموارد التكنولوجية. *التضامن العالمي: كان المعسكر الشيوعي يعلن التضامن مع العمال "المضطهدين المستَغلين" في الدول الرأسمالية. مع حلول عصر العولمة، أصبح التضامن يشمل العمال في جميع أنحاء العالم، مع التركيز على قضايا مثل الهجرة والعمالة الرخيصة في الدول النامية. التغيرات في الخطاب الماركسي والشيوعي المعاصر تعكس تحولات عميقة في البنية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، خاصة مع صعود الرأسمالية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، ومنصات التواصل الاجتماعي التي أعادت تشكيل علاقات الإنتاج والسلطة. إن "اللغة الشيوعية الجديدة" — إذا جاز التعبير — ليست رفضًا للمبادئ الأساسية للنقد الماركسي (كتحليل الصراع الطبقي واستغلال العمل)، بل هي محاولة لتحديث المصطلحات والمفاهيم لتتناسب مع تعقيدات العصر الرقمي. فيما يلي بعض الأفكار والمصطلحات التي قد تشكل جزءًا من هذا التحول: * المصطلحات المُعاد صياغتها: البروليتاريا الرقمية (Digital Proletariat): تشمل العمال في قطاع "الاقتصاد التشاركي" (مثل سائقي أوبر وعمال توصيل)، والعمالة غير المستقرة في منصات العمل عن بُعد، وحتى المُستخدمين الذين يُنتجون البيانات المجانية لصالح الشركات (مثل مستخدمي فيسبوك وإنستغرام). رأسمالية المراقبة (Surveillance Capitalism): مصطلح صاغته شوشانا زوبوف لوصف نظام اقتصادي يستخرج البيانات الشخصية ويُحوّلها إلى سلعة، مما يُعيد تعريف مفهوم "الاستغلال" ليشمل استغلال الخصوصية والوقت الافتراضي. أوليغارشية التكنولوجيا (Tech Oligarchy): إشارة إلى سيطرة شركات مثل ميتا (فيسبوك) وأمازون وغوغل على الموارد الرقمية وتحكمها في تدفق المعلومات، كشكل حديث من "البرجوازية الاحتكارية". * مفاهيم نقدية جديدة: استعمار البيانات (Data Colonialism): تشبيه استخراج البيانات من المستخدمين — خاصة في الدول الفقيرة — بالاستعمار الكلاسيكي، حيث تُنهب الموارد (البيانات) لصالح المراكز الرأسمالية الجديدة (وادي السيليكون). الاستلاب الخوارزمي (Algorithmic Alienation): إعادة تعريف مفهوم "الاستلاب" الماركسي ليشمل فقدان العامل/ المُستخدم السيطرة على عمله أو بياناته بسبب الخوارزميات المُغلقة التي تتحكم في حياته اليومية. الإمبريالية الرقمية (Digital Imperialism): هيمنة الشركات والحكومات الغربية على البنى التحتية التكنولوجية العالمية (مثل السحب الإلكترونية وبروتوكولات الإنترنت)، مما يُعمق التبعية الاقتصادية. * الصراع الطبقي في العصر الرقمي: الصراع بين "مُنتجي البيانات" و "مُلاك المنصات": بدلًا من الصراع التقليدي بين العمال وأصحاب المصانع، يُصبح النضال ضد احتكار البيانات وتحديد حقوق المُستخدمين في تقرير مصير معلوماتهم. النقابات الرقمية (Digital -union-s): محاولات تنظيم عمال المنصات مثل حركة Amazon Workers United أو حملات لمقاطعة سياسات الخصوصية، كأشكال حديثة من التنظيم الطبقي.
النضال من أجل "التشييد الرقمي" (Digital Commons): الدعوة إلى منصات مفتوحة المصدر وبيانات مشاعيّة كبديل عن الاحتكار الرأسمالي، مثل مشاريع البرمجيات الحرة أو ويكيبيديا. *التحديات أمام الخطاب الشيوعي الجديد: تفكك الوعي الطبقي التقليدي: صعوبة بناء تحالفات طبقية في ظل اقتصاد مُجزّأ (عمال دائمون، عمال مؤقتون، مُستقلون، إلخ). سيطرة التكنولوجيا على الثقافة: تحوُّل منصات التواصل إلى أدوات لتعزيز الفردية والاستهلاك، مما يُضعف الخطاب الجماعي الثوري. التقاطُع بين النخب التكنوقراطية والجماهير: حاجز اللغة التقنية الذي يعزل الحركات النقدية عن العامة. أمثلة على حركات تستخدم هذا الخطاب: حركة Stop Surveillance Capitalism التي تناضل ضد تجارة البيانات. منصات توااصل اجتماعي مثل Mastodon وهي بديل لا مركزي مجاني غير تجاري عن منصة (إكس) التي يملكها إيلون ماسك الساعد الأيمن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا المنبر الشيوعي (يشبه إلى حد كبير من حيث المبدأ منبر الحوار المتمدن، لكنه أوسع بكثير ويدعمه مئات الرعاة لأغراض غير ربحية وموجود بعشرات اللغات). هذه المنصات تُروج لفكرة "الاشتراكية الرقمية". كتابات مفكرين ساهموا في تأليف كتاب Capitalism in the Age of Platforms وفيديوهات أنيميشن تحت عنوان يوكاي هاوز (في نقد الذكاء الاصطناعي). الخطاب الشيوعي الجديد يدمج بين النقد المادي التاريخي وبين تحليل التكنولوجيا كأداة للهيمنة أو التحرر. هو ليس انحرافًا عن الماركسية، بل توسيعٌ لآفاقها لمواجهة واقعٍ حيث الآلات والخوارزميات أصبحت جزءاً من علاقات الإنتاج.
#ملهم_الملائكة (هاشتاغ)
Mulham_Al_Malaika#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقاربة الشيوعية المعاصرة لتحديات الجندر
-
رأي الشيوعية في الدرجة الثالثة
-
الألفية الثالثة - عالم بلا آلهة
-
أشبال أبو قلام فريق في زوايا النسيان!
-
من جيش السلطة إلى قوات المعارضة
-
قطار البصرة الذي تكرهه الزوجات!
-
عشاء في لشكر 21 حمزه الإيراني
-
عاصفة الصحراء تهب على فرقة المشاة 47
-
آخر سكان مدينة قصر شيرين المهدومة
-
المنطقة الخضراء – مقر السلطة منذ تاريخ سحيق
-
تسلسل تاريخي للانقلابات والمؤامرات والاغتيالات في العراق
-
دماء على مسدس طارق*
-
كاترينا صبيحة عيد الميلاد
-
-كونغ- الذي غاب عن حانة الفقراء
-
قادسية صدام مع سبق الإصرار
-
إوزة الثلج
-
قصة حبٍ هاربة من أرض أور*
-
الكتابة الإلكترونية – ثورة في عصر المعرفة الموسوعية
-
قراءة في رواية صوت الطبول من بعيد
-
نذور بنت الجلبي في دير مار متي
المزيد.....
-
ألمانياـ تداخلات وتعقيدات المشهد السياسي بعد الانتخابات البر
...
-
تقدم روسي بدونيتسك.. وزيلينسكي يتحدث عن التنحي
-
الجيش السوداني يحقق مكاسب ميدانية جديدة أمام الدعم السريع
-
متحدث أميركي: ترامب يدعم إسرائيل في أي مسار تختاره ضد حماس
-
تشييع جثماني الأمينين العامين السابقين لحزب الله في بيروت
-
ترامب عن نتائج الانتخابات الألمانية: يوم عظيم
-
الشرع يتلقى دعوة للمشاركة في القمة العربية الطارئة بمصر
-
نتنياهو -يصر- على زيادة عدد الرهائن الإسرائيليين المفرج عنهم
...
-
فيديو.. مقاتلات ترافق طائرة أميركية بعد -تهديد بوجود قنبلة-
...
-
واشنطن تدعم قرار إسرائيل بتأجيل الإفراج عن 600 أسير فلسطيني
...
المزيد.....
-
Express To Impress عبر لتؤثر
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
المزيد.....
|