الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8262 - 2025 / 2 / 23 - 16:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تمكّن دونالد ترامب، كعادته من تسليط الضّوء على تصريحاته وتهديداته بشأن اعتزامه ضَمّ كندا وبنما وغرينلاند ثم غزة إلى الولايات المتحدة، لكن يتميز تصريحه بشأن التّهْجِير القَسْري للفلسطينيين وتحويل غزة إلى "أرض أمريكية" بشيء من الوضوح، حيث أعلن تحويل قطاع غزة إلى مشروع عقاري ومنتج سياحي، لكنه لم يذكُر الأَهم، أي احتياطيات الغاز البحرية في غزة التي يريدها أن تُصبح تحت الإشراف الأمريكي.
في أوائل شهر شباط/فبراير 2025، بعد أسبوعين فقط من تنصيبه، ألمح الرئيس ترامب إلى أن غزة ستصبح أرضًا أمريكية، بعد نقل الفلسطينيين واستبعادهم من وطنهم إلى مصر والأردن وبلدان عربية أخرى، بهدف تطوير مشروع عقاري فاخر يضم قصورًا وشققًا فاخرة وفنادق وكازينوهات.
هل سيتم تنفيذ هذا المشروع العقاري الذي يتطلب إنجازه عدة سنوات، وتبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، بما في ذلك إزالة الأنقاض وإعادة البناء ؟ يبدو إن دونالد ترامب لم يأتِ على ذِكْر الأهداف الحقيقية للمشروع، لأن احتياطيات الغاز الطبيعي البحرية في غزة كبيرة ومواقعها معروفة منذ حوالي 15 سنة، ويُخطّط الكيان الصهيوني ( بدعم من الشّركات الأمريكية) للإستيلاء على هذه الثروة ليُصبح من أهم مُنتجي ومُصدِّرِي الغاز، مما يُمكّنه من توسيع هامش استقلاليته عن الإمبريالية، وقبل عدوان 2023 ( تموز يوليو 2023) نشرت وزارة الطاقة الصهيونية مناقصة لاستكشاف الغاز الطبيعي البحري في غزة، وأعلنت نفس الوزارة يوم التّاسع والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2023 ( خلال العدوان) منح تراخيص لاستكشاف الغاز الطبيعي البحري لشركة إيطالية ( فرع إيني) وشركة كورية جنوبية/بريطانية وشركة صهيونية، في المنطقة البحرية المجاورة لشواطئ غزة…
وصَفَ بنيامين نتن ياهو دونالد ترامب بأنه "أفضل صديق لدينا على الإطلاق في البيت الأبيض" وأشاد بـ"المبادرة الجريئة" التي أطلقها ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة، "وتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط الجديد"أي إنشاء منتجعات سياحية تضم فنادق فاخرة ونوادي وشواطئ للأثرياء والمشاهير،وهو ما قد يشكل مكسبًا ماليًا في قطاع العقارات، وهذا هو الجُزْء الظّاهر فقط من المشروع، لأن الأمر الأَهَمّ يتعلق في الواقع بحقول الغاز البحرية في غزة والتي تقدر قيمتها بتريليون دولار والتي تريد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني سرقتها من الشعب الفلسطيني، كجزء من السيطرة الأميركية على غزة، فقد اكتشفت شركة بريتيش غاز (BG) سنة 1999، حقل غاز بحري كبير على بعد 20 ميلاً فقط من شاطئ غزة، وحَظَرَ الكيان الصهيوني استغلال الحقل، ولم تُفْلِح محاولة شركة "رويال داتش/شل" سنة 2016، استغلال الحقل، وقَدَّر الباحثون ( قبل أكثر من عِقْدَيْن، سنة 2004) إن حَقْلَيْن بَحْرِيَّيْن في شواطئ غزة يحتَوِيَان على أكثر من تريليون قدم مكعب (حوالي 30 مليار متر مكعب) من الغاز الطبيعي، أي ما يفوق حاجة الشعب الفلسطيني وتشير تقديرات جديدة ( سنة 2023) إلى أن احتياطيات الغاز البحرية في غزة قد تفوق عشر مرات تقديرات سنة 2004، بقيمة تريليونات الدّولارات، وبالتالي تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات، ولو كان للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، فإن ثروة المحروقات البحرية تسمح لهم بإعادة بناء طرقات ومنازل ومدارس ومستشفيات غزة، وازدهار وطنهم بشكل مستقل، دون أي مساعدات أجنبية.
اعتبر بنيامين نتن ياهو إن طرد الفلسطينيين من غزة "فكرة استثنائية يجب متابعتها وإنجازها، لأنها ستخلق مستقبلاً أفضل للجميع" (وليس للفلسطينيين)، ويعول دونالد ترامب على تواطؤ مصر والأردن والسعودية ودول الاتحاد الأوروبي لاستقبال نحو 1,8 مليون فلسطيني ما زالوا موجودين في قطاع غزة، حتى لو عبرت حكومات هذه الدول رفْضَ هذه الخطة، لحدّ الآن.
يحتل دونالد ترامب البيت الأبيض بصفته رئيسًا للولايات المتحدة، لكنه رئيس رأسمالي يتصرّف بصفته ملك عقارات في العديد من أرجاء العالم، ويعتمد على القُوّة العسكرية الأمريكية للإستحواذ على بلدان ومناطق يعتبرها مجرّد عقارات، مثل كندا أو بنما أو غرينلاند، ويتّضِح ذلك بشكل جلِي عندما يتحدّث عن الإستيلاء على غزة وطَرْد أهلها وأصحابها وتجريدهم من حق العودة إلى وطنهم قائلا "أعتقد أن السماح للناس الذين يعيشون في غزة بالعودة مرة أخرى هو خطأ كبير"، لأن غزّة تُمثِّلُ لدى دونالد ترامب – تمامًا مثل المُستعمِرِين المُسْتوطِنِين الصهاينة - "فُرْصَة عقّارية" تقع على البحر الأبيض المتوسط، مما يُمَكِّنُ من تحويلها إلى ريفييرا" ( أي مثل المنطقة السياحة "كوت دازور" – Côte d’Azur - في الجنوب الشرقي من فرنسا ) مما يعني اغتنام فُرْصة الدّمار ( بتكلفة قدّرتها الأمم المتحدة ب53 مليار دولار) والإبادة الجماعية – بدعم أمريكي مُباشر – لإنجاز مشروع رأسمالي – لا رَأْيَ فيه لأصحاب الأرض الشّرْعِيِّين - يتمثّل في إنشاء منتجع سياحي على أنقاض الدّمار والخراب والمجازر، ضدّ إرادة الفلسطينيِّين الذين يُصِرّون على العودة إلى منازلهم وأراضيهم.
يرى مشروع ترامب ضرورة تحول غزة ( كما بنما وكندا وغرينلاند...) إلى "أرض تخضع لولاية الحكومة الأميركية"، مع وضع مماثل لوضع الأراضي الأميركية الأربعة عشر بما في ذلك غوام، وساموا الأميركية، وجزر فيرجن الأميركية، أي تحويلها إلى مُستوطَنَة استعمارية أمريكية وسوف تخضع المفاوضات مع شركات العقارات والنفط والغاز لولاية "الأراضي الأميركية"، بالتنسيق مع واشنطن، وتجدر الإشارة إلى إن أراضي الولايات المتحدة هي أقسام إدارية فرعية وأقاليم تابعة تشرف عليها الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، مما يعني – في صورة تحويل غزة إلى "أراضي أمريكية" - إن احتياطيات الغاز البحري تشكل جزءاً من منطقة بحرية ساحلية أوسع من الغاز الطبيعي تمتد من الحدود المصرية إلى شمال سوريا، وتقع تلك المنطقة الواسعة تحت سلطة وزارة الطاقة الأمريكية، لكن استغلال الثروات يكون بالتنسيق مع الكيان الصّهيوني، فضلا عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، وفقا لصحيفة "آسيان تايمز" التي أكّدت على تورّط الولايات المتحدة في تخطيط وتنفيذ لإبادة الجماعية، أي المُشاركة المُباشرة في الإستعمار الإستيطاني الصهيوني، من خلال تقديم المعلومات الإستخباراتية والأسلحة المتطورة لارتكاب عمليات الإبادة والتّهجير القَسْرِي للشعب الفلسطيني ( استكمالا لنكبة 1948) بعد تحويل غزة إلى كومة من الأنقاض، والاستيلاء على الغاز الطبيعي البحري الفلسطيني وتحويل غزة إلى أرض أمريكية.
المشاركة العسكرية الأمريكية المباشرة في العدوان
يُحاصر الجيش الأمريكي والبوارج الحربية الأوروبية سُكّان غزة، منذ 2006، ويحتل الجيش الأمريكي ميناء غزة بذريعة تنظيم وصول وتوزيع "المُساعدات" وساهمت القوات الأمريكية مع جيش الاحتلال الصهيوني بارتكاب مذبحة مخيم النّصيرات ( 06 تشرين الثاني/نوفمبر 2024) وأسفرت المجزرة عن استشهاد ما لا يقل عن 300 فلسطيني وإصابة أَلْف آخرين، وتُساهم القوات الأمريكية – بوسائل وأدوات عديدة - في حصار وإبادة الشعب الفلسطيني، ونَشَر حساب البيت الأبيض على قناة "إنستغرام" صورة لجنود وضبّط من فرقة "دلتا" النّخبوية في غزة، وسُرعان ما حُذِفت الصّورة، وتُوَظِّفُ شركة المقاولات العسكرية الأمريكية (UG Solutions ) نحو مائة مُرتزق من قدماء الجنود والضّبّاط في القوات الخاصة الأمريكية، للقيام بدوريات عند التقاطع الذي أنشأه جيش الإحتلال للفصل بين شمال غزة عن جنوبها، تحت إسم "ممر نتساريم"، حيث تم العُثُور على العديد من الجُثث والهياكل العظمية للفلسطينيين الذين رفضوا مُغادرة المكان، ويتمثل خطّ الفَصْل في طريق واسع محصن لإعادة إمداد الأسلحة والدبابات فضلاً عن توفير نقطة مراقبة لشن هجمات على كل من مناطق غزة، شمالا وجنوبًا، وتم تسليح المرتزقة الأمريكيين – الذين حصلوا على عشرة آلاف دولار ومزايا أخرى - ببنادق M4 ومسدسات غلوك، ووَصَفت شركة المُرتزقة طبيعة العمل كالتالي: "إدارة نقاط التّفتيش ومراقبة العَرَبات وتفتيشها ومُصادرة الأسلحة"، أي المُساهمة في احتلال غزة وقمع واضطهاد وإِرْهاب سُكّانها لكي يُغادروا وطنهم... ( تم نَشْر أصل الخبر من قِبَل وكالة رويترز بتاريخ الثلاثين من كانون الثاني/يناير 2025 )
بدأت خصخصة الحرب بشكل واسع خلال فترات الإحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، حيث ارتفع عدد المُرتزقة الذين تُوظّفهم شركات عسكرية خاصة يُديرها ضباط سابقون في الجيش والمخابرات الأمريكية، لتقديم المساعدة للجيش الأميركي، ومن بين هذه المقاولات العسكرية شركة "بلاك ووتر" ( التي غيرت إسمها وأصبح مقرها الإمرات)، وهي شركة مرتزقة خاصة يقع مقرها الرئيسي في ولاية كارولينا الشمالية، وتتمثل مهمتها في إرسال مرتزقة أمريكيين إلى أفغانستان والعراق بين سنَتَيْ 2001 و2007، وفق عقود من الحكومة الأميركية بقيمة مليار دولار، وارتكب مرتزقة بلاك ووتر ما لا يقل عن مائتَيْ مذبحة في العراق، بالتّنسيق مع الجيش الأمريكي، وفق السِّجِلاّت التي نشرها موقع ويكيليكس، وما شركة بلاك ووتر سوى واحدة من بين العديد من الشركات التي مارست العنف الإمبريالي باسم الديمقراطية الأمريكية ومكافحة الإرهاب، كما نشرت الإمبريالية الأمريكية مجموعات المرتزقة المتعاقدين من القطاع الخاص خلال السنوات التي أعقبت انسحابها الرسمي من العديد من البلدان، حفاظًا على مصالح الشركات العابرة للقارات ذات المَنْشَأ الأمريكي...
إن وجود المرتزقة الأميركيين في غزة يسلط الضوء على التدخل الأميركي المُباشر والمُشاركة في الإحتلال وتنفيذ المُخطّط الصّهيوني، ويقوم هؤلاء المرتزقة بالدّور الذي لا تستطيع القوات العسكرية الأميركية ولا قوات الاحتلال الإسرائيلي القيام به، ولكنه لا يختلف بالنسبة للشعب الفلسطيني، غير إن الاستمرار في استخدام المرتزقة يعكس عدم الإكتراث الأمريكي ( وكذلك الأوروبي) بحياة الفلسطينيين.
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟