|
من سيدفع الثمن؟
نعمت شريف
الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 09:31
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة عشت مع أمي حتى كان عمري تسع سنوات. في ذلك الوقت تقريبا ، بدأت عادة سيئة جدا لقضاء الوقت مع اصدقاء السوء. وأخيرا تجرأ والدي على التدخل، وأخذني بعيدا عنها وعنهم. ومع والدي لم يكن التعامل سهلا، فقد كان رجلا صعب المراس، وتوقع مني عملا كثيرا بشكل متزايد بحيث يستحيل انجازه. كان رجلا يتوقع الكمال. كنت طالبا متقدما واحمل شارة فارس الصف معظم حياتي المدرسية في مرحلتي الابتدائية والمتوسطة. كنت الطفل الذي كان في كل فصل ينسب للتسجيل المتقدم. كنت رياضيا في ثلاث رياض. لم أشرب أو أدخن أو أتعاطى المخدرات وابتعدت عن اصدقاء السوء. كنت احاول ان اكون الشاب المثالي ، و كل من تعرف علي حاول إخبار والدي ، أن عليه ان يخفف ضغطه علي وان يفتخر بالشاب الذي كان في رعايته. لاحظ الناس من حولي أنني كنت من النوع الذي بدا متوترا دائما وكنت قد كبرت ولكنني لا زلت طفلا في داخلي. كنت وديعا جدا حتى تعرضت للتنمر بلا رحمة. لم يتعاطف معي أحد عند يضربني اطفال اصغر مني سنا وحجما، ولم يقدّر احد ذلك عندما كنت اتحمل الاذى. عندما كنت في الحادية عشرة من عمري ، مرضت بالأنفلونزا. اخطأت في شيئ ما ذات يوم ، ولا أتذكر ما هو بالضبط ، ولكن والدي ضربني ضربا مبرحا. أتذكر الوقوف في الغرفة القذرة في دارنا الريفي التي كنا نعيش فيها في ذلك الوقت وهو يصرخ علي وقد احمر وجهه ، وأتذكر أنني كنت أحاول ان لا اتقيأ. أتذكر أنه كان يسألني بتحد عما إذا كنت أعتقد أنني رجل واستطيع مواجهته! أتذكر الفزع الذي نشأ بداخلي عندما أدركت أنني عندما كنت أحاول عدم التقيؤ ، فاتتني الإجابة على أحد أسئلته. رجع لي قبل مغادرة الحمام وأتذكر أنه ضرب رأسي على الجدار الخلفي وأنا اتراجع الى الوراء. أتذكر أيضا عندكت كنت أتقيأ. أتذكر المرة الوحيدة بكل وضوح عندما عانقني بالفعل قائلا إنه آسف. عندما كبرت ، أصبحت أكثر عزلة ، ومع نمو تلك العزلة ، زاد الغضب بداخلي ونمت لدرجة أنه عندما اصبحت مراهقا ، بدأ الأمر يضايقني كثيرا. وبدأت في لعب كرة القدم والمصارعة، وتفوقت في هذه الرياضات لأنها كانت تساعدني على تخلصي من غضبي والغليان الذي كان دائما يحرقني. كنت استمتع بالفعل بإيذاء الاخرين في الملعب والناس من حولي ، أو على السجادة ، لأنها كانت المرة الوحيدة التي يمكنني فيها ايذاء الاخرين ولن يغضب مني أحد. كنت في البداية أتوق إلى رضا وموافقة كل من كان حولي والذي جعلني هدفا سهلا للمتنمرين. كنت دائما الطفل الذي يحاول اثارة غيرة الاخرين وابذل قصارى جهدي لاتفوق عليهم. في الحقيقة ، كنت ارغب دائما في ارضاء الاخرين وابداء موافقتهم علي شخصيا. في صيف السنة ما قبل الاخيرة للإعدادية ، انفجرت سورة الغضب بداخلي عندما انبرى لي ثلاثة من الشبان لا اعرفهم ظنا انني لقمة سائغة. كنت في حقل خال وعلى بعد ميل واحد من منزلي. كنت محظوظا حقا لانني تركت الثلاثة مستلقين هناك في الحقل في ذلك اليوم. وصلت البيت وانا خائف من ان الشرطة ستلاحقني لان اثنين منهم كانا يعانيان من نزيف لا يتوقف. لم تأت الشرطة، ونجوت سليما. تشجعت بعد ذلك وبدأت أبحث عن معارك جديدة. كنت ابذل قصارى جهدي للثأر من الأشخاص الذين اعتادوا التنمر عليّ. كانت المشكلة أنني لم أعد الطفل الوديع الصغير السمين بعد الآن. كان طولي 180 سم وازن 95 كيلوغراما من العضلات الصلبة. يمكنني التقاط رجل بالغ بذراع واحدة. وانتصرت على المصارعين في الوزن الثقيل. ولم يعد أحد يريد أن يتنمر عليّ بعد الآن. أصبحت عنيفا بشكل متزايد مع تقدمي في السن. بدأت في تخويف الناس من حولي. كان أصدقائي يعرفون بعضا مما كان يحدث معي في المنزل. في أحد الأيام ، ولم يبق الا ثلاثة أشهر من سنتي الأخيرة ، عدت من المدرسة وفي جيب سترتي كان هناك تقرير يحمل درجاتي التي بالكاد نجحت في دروسي. جلست وانتظرت عودة والدي من العمل، وسمعته يدخل الدار في حوالي الثامنة مساءا، فشعرت بالتوتر وان هذه الليلة غير مناسبة للتكلم معه عن التقرير المدرسي. لم يتح لي الفرصة ابدا، وذهب مباشرة الى غرفتي وسحب التقرير من جيب سترتي. كيف عرف أنه كان هناك؟ سوف لن أعرف أبدا. ضربه في وجهي ، وهو يصرخ. شيء تحتاج معرفته عن طفل يكبر مع والد يسيء معاملته. هو يكبر ، ويكبر الخوف معه ولا يتركه أبدا. يتحمل الضرب بما فيه الكفاية ولكنه يرتعد، ينتابه الرعب في زاوية مظلمة من نفسه عندما تصبح الأمور سيئة. لقد اختلقت الأعذار وكذبت كثيرا ولم انس ابدا الصفعات التي صدمت رأسي في الجدران الصلدة. في ذلك اليوم سقطت على الأرض وأنا أبكي. لسبب ما لا تزال تلك الدموع تخجلني اليوم. غادر والدي المنزل، وهو يشعر بالاشمئزاز لأنني لم أدافع عن نفسي. قررت في تلك الليلة أن لدي خياران. اغادر أو أنتحر. سيبدو هذا مبتذلا ولكنه الحقيقة. لست متدينا ، ولكن من نقطة ما في أعماقي اعرف أن الانتحار سيغضب الله لانه لم يخلقني للانتحار. بدلا من ذلك ، ذهبت إلى غرفتي وحزمت أمتعتي. دفعت أكبر عدد ممكن من الملابس في حقيبة المدرسية وأخذت كتبي المدرسية. كنت آمل أن أتمكن من مغادرة البيت قبل عودة والدي. ولكني لم استطع. ضحك علي مستهزءا عندما أخبرته بأنني سأترك البيت. أخبرني ألا أعود في تلك الليلة ، إذا تصرفت كالاطفال ، وبسبب لكمة صغيرة أخرج من البيت ، فيمكنني النوم في الخارج. في سن السابعة عشر ، خرجت من منزل والدي. اتصلت بصديق ، ولم أرغب في أن أكون عبئا عليه، ولكنني طلبت منه أن يوصلني إلى منزل والدتي التي كانت تعيش الحياة التي تتوقعها من امراة تعيل طفلين آخرين بنفسها بعد افتراقها من والدي وتقوم على تربيتهم من دون مشاركة منه. استقبلتني على ان انام في غرفة الاستقبال الصغيرة. ولكن المشكلة انها كانت تسكن في الطرف الاخر من المدينة وهذا يحتم علي ركوب الحافلة العامة الى المدرسة الثانوية كل يوم ذهابا وايابا. وانا في الثلاثة أشهر الاخيرة من العام الدراسي للتخرج، ولم أرغب في الانتقال الى مدرسة اخرى. لم نكن نملك سيارة ، لذلك ابتاعت لي بطاقة حافلة . كنت أعرف أن حياتي اصبحت صعبة ولكني عاهدت نفسي ان اصبرلإنني بحاجة إلى الانتظار لبضعة أشهر فقط. ساتخرج من المدرسة الثانوية ، واحصل على وظيفة ، واتعلم كيف اعتمد على نفسي. أدرك الآن كم كنت أنانيا. اصبحت استيقظ كل صباح في الساعة الرابعة صباحا ، واركب حافلة عامة إلى المدرسة ونظرا لكوننا في بلدة صغيرة ، فإن خطوط الحافلات كانت تسير فقط إلى المنطقة التي كانت مدرستي فيها كل ثلاث ساعات مرة. هذا يعني لكي أكون في الوقت المحدد للدرس الأول ، كنت بحاجة إلى الوصول إلى المدرسة قبل ساعتين كاملتين. شعرت بالرعب في المرات القليلة الأولى التي أركبها بمفردي . الآن أدرك أن "الطفل العملاق" في الخلف هو الشخص الذي يهابه الاخرون. استمر الحال بي هكذا لمدة ثلاثة أسابيع تقريبا. الرتابة طحنت حياتي ولم يتحسن الأمر حقا ، لقد تغير المشهد. بذلت أمي جهدا للبقاء في المنزل في الأيام القليلة الأولى ، ثم عادت إلى وظيفتها البسيطة. لم يزعجني هذا. أردت فقط أن اكون لوحدي ، مع الغضب بداخلي . في أحد الأيام ، أثناء المشي في قاعات المدرسة ، رأيت فتاة لم ألاحظها من قبل. كانت قصيرة ، لا تتجاوز 154 سنتيمترا. ولا يتجاوز وزنها 50 كلغم. صغيرة الحجم ولكن منحنيات جسمها مناسبة ومتناسقة. أتذكر أنني شاهدتها تمشي في المرة الأولى ، ولاحظت عينيها الثاقبتين ، وأنفها المدبب قليلا يضيف الى قسمات وجهها انوثة ورقة. استدرت وشاهدتها وهي تمشي بعيدا في القاعة ، وأعجبت ببساطة بنطالها الكاوبوي الذي يعانق ساقيها باناقة خاصة. أتذكر أنني كنت أفكر بها ربما ليس اعجابا ولكن تهربا من واقعي المرير. هل ساحلم بها ايضا تهربا من النوم بمفردي في استقبال تلك الشقة القذرة التي تستأجرها أمي! في صباح اليوم التالي صدمت عندما صعدت الفتاة ذاتها إلى الحافلة بعدي بثلاث محطات فقط. لعب براسي الشيطان، كم جميل هذه الصدفة! ربما سيكون حظي افضل بعد الان. كنا المراهقين الوحيدين في حافلة المدينة! كان لا بد ان تتحدث معي! ومع ذلك ، حتى اذا لم ترغب في الحديث معي سأكون سعيدا برؤيتها كل صباح، فأنا لست الوحيد في هذا العالم. المهم انني سوف لن ابادرها بالحديث. جلست هناك مع السماعات في اذني للأسبوع التالي ونظرت من النافذة الى مناظر المدينة. تركتني احدق فيها لمدة أسبوع تقريبا قبل أن جاءت أخيرا وجلست بجانبي وببساطة قالت: --مرحبا ، أنا شاكرة. نظرت في أعماق عيني ، وقالت ، --انظر ، سنكون هنا في الحافلة كل يوم، دعنا نتحدث ونتعرف على بعضنا. وقبل ان اتلعثم، تمكنت من الرد الذكي ، --أهلا ، أنا حميد. ابتسمت لي ، ووجهها الصغير الجميل يشع نورا: --أنا أعرف من انت. الجميع في المدرسة يعرفك. أنت الشاب الغاضب الذي يعتقد الجميع أنك تحمل سلاحا معك. لقد صدمت عندما رأيت أن الخطط التي كانت في رأسي كانت شفافة لكل من حولي. ولكني اجبت: --لا تقلقي ، أنا لا أملك مسدسا ، ولا أعرف كيف احصل على واحد. بدا الفرح في عينيها ، واستطعت أن استشف شيئا اضاء بداخلها. إذا نظرنا إلى الوراء ، أدركت أن ما أحببته هو حقيقة أنني لم أنكر أنني ساحمل مسدسا ان استطعت ، ولكن الحقيقة أنني لا املك مسدسا كي احمله. سألتها: -- لماذا لا أعرفك لحد الان يا شاكرة؟ لانني اعرف الى حد كبير الكثيرين في المدرسة. وقبل ان انهي جملتي اجابت: -- انتقلت إلى مدرستنا من مدرسة أخرى في المدينة الأسبوع الماضي فقط. والدي يعتقد أن هذه المدرسة ستكون بيئة أفضل لي. علمت أنها كانت طالبة جديدة ، ورأيت من خلال لعبتها الصغيرة غير الناضجة ترغب ان تظهر لي مدى ذكائها ونضجها. ومع ذلك ، كنت شابا لا ثقة لي بنفسي. من خلال الخبرة المتراكمة أدركت أن رؤيتي الذاتية في تلك المرحلة كانت بعيدة جدا. لم أعد أنا الطفل السمين الضعيف. كنت الهيكل الكبير الممزق والغاضب. كنت أيضا شخصا كان الجميع يعرفون أنه ذاهب إلى مكان ما. كانت درجاتي لا تبشر بالخير لأنني ببساطة لم أكن أهتم بالدراسة بما يكفي. مرت أسابيع مع مغازلاتها الخجولة. ومن ناحيتي اعتقدت أن الطريقة الوحيدة التي ستحب هذه الفتاة اليّ هي إذا رأت كم انا لطيف معها، لست كباقي الرجال. استمعت إليها وتحدثت معها وتجاهلت مغازلاتها التافهة كانت لدي خبرة مع الفتيات اللواتي اعتدن على معاملتي مثل القرف ، والآن تتوددن الي باستمرار. احتقرتهم لذلك والآن بعد أن أصبحت الأول ، فجأة أصبحوا يهتمون بي. بعد حوالي شهر من معرفتي بشاكرة ، كان لدينا مسيرة حماسية في المدرسة. جاءت في ذلك الصباح وجلست بجانبي. ربما كانت تبدي بعض الاهتمام بي لترافقني في ذلك اليوم. هل اصدق ...؟
#نعمت_شريف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
درب التبانة
-
لكرد بين المحرقة والضمير العربي
-
لماذا خسر الديمقراطيون الانتخابات الأمريكية لعام 2024؟
-
الحلم الكردي: الى أين؟
-
ترامب او هاريس: 2024 معركة من اجل امريكا
-
أنا اصرخ بأعلى صوتي: هل من مجيب؟
-
الغرفة رقم 3
-
شاهزنان
-
الرحلة 516
-
عن اصل الشبك واسمهم ولغتهم
-
الشوق للانتماء
-
ما وراء الثقافة
-
-حلال لكم ، حرام علينا- مناقشة للتعليقات التي وردت الينا
-
العقل الكردي -نقد العقل العملي-
-
قراءة في كتاب -دراسة عن محافظة الجزيرة السورية-
-
الاغنية الظاهرة في الانتخابات الامريكية
-
في حارتنا كلب
-
عزاء البو هدلة
-
قواعد العشق الاربعون
-
الدفاع عن الارض والعرض شهادة -قصة حقيقية من زمن الارهاب-
المزيد.....
-
متحف الإثنوغرافيا في كابل.. نافذة على التنوع الثقافي في أفغا
...
-
صالون الفنان -مصطفى فضل الفنى والأدبى-فى ندوته مساء الخميس ا
...
-
جماليات الوصف وتعطيل السرد.. -حكاية السيدة التي سقطت في الحف
...
-
بعد نيله جائزة -برلمان كتاب البحر الأبيض المتوسط-.. الكاتب ا
...
-
فيلم يسلط الضوء على انتهاكات كييف
-
المتحف البريطاني يختار الفرنسية اللبنانية لينا غطمة لـ-أحد أ
...
-
العربية في إيران.. لغة -أم- حية بين الذاكرة والتحديات
-
فيديو.. متهم يهرب من نافذة المحكمة بطريقة سينمائية
-
فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن
-
سجلات الليدرشيت يشعل النقاش حول القيادة
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|