زكي رضا
الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 00:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في السابع عشر من تموز سنة 1968 عاد حزب البعث الفاشي الى السلطة من جديد ليتمّم مشروعه الفاشي المدمّر بحق شعبنا ووطننا، بعد فشل تجربته الأولى إثر أنقلابه الدموي في الثامن من شباط سنة 1963. وسيرا على أقوال مؤسسه ميشيل عفلق الذي كتب قائلا: (إن القدر الذي حمّلنا هذه الرسالة خولنا أيضاً حق الأمر والكلام بقوة والعمل بقسوة)، بسط البعث العراقي هيمنته وأجرامه على جميع مفاصل الحياة بالبلاد. فديكتاتورية الحزب الواحد صبغت حياة العراقيين بأفكاره عنوة وعن طريق القسوة والبطش، بعد أن قام بضرب وقمع جميع الأحزاب السياسية أضافة الى بعض من قيادته إثر إعلان الفاشي صدام حسين نفسه رئيسا للبلاد خلفا للبكر سنة 1979.
لم يكتفي الدموي صدام حسين وحزبه الفاشي بقمع قوى شعبنا السياسية وتحويله العراق الى معتقل كبير، بل خطا خطوة رعناء في إدخال العراق في حرب ضروس ضد إيران، لتنتهي تلك الحرب بمقتل مئات الآلاف من الشباب العراقي ومثلهم من جرحى ومعاقين، وليزرع البيوت والشوارع والساحات بالموت. ولتخرج البلاد من تلك الحرب مثقلة بالديون بعد أن دمّر السادي صدّام حسين وحزبه كل المكتسبات التي حققها شعبنا لعقود سبقته، وعوضا عن الأهتمام بلملمة جراح شعبنا وأنتهاج سياسية ديموقراطية بإشراكه الناس في إتّخاذ القرار السياسي نراه يغامر من جديد وهذه المرّة بغزوه الكويت، هذا الغزو الذي فتح أبواب الجحيم على بلدنا وشعبنا، فقُتل عشرات الآلاف من الجنود وتمّ تدمير القوة العسكرية العراقية التي بناها النظام البعثي على حساب رفاهية شعبنا وسعادته، ليضافوا الى عشرات الآلاف من ضحايا المقابر الجماعية التي ملأ البعث بها العراق.
بعد إنسحابه المذل من الكويت وإندلاع إنتفاضة آذار الباسلة ومن ثمّ فشلها لأسباب منها تدخّلات إيران المباشرة لغرض السيطرة عليها ومن ثمّ البلاد عن طريق الأحزاب الشيعية وأذرعها العسكرية وتواطؤ أمريكي مع النظام في بغداد، بدأ الحصار القاسي على شعبنا هذا الحصار الذي أذلّه وغيّر شكل النسيج الإجتماعي، ما أدّى الى أنهيار كل مرافق الحياة بالبلاد وأهمّها أنهيار المنظومة الأخلاقية والتي لازلنا لليوم نعيش تبعاتها الكارثيّة. في تلك السنوات العجاف لم يكفّ حزب البعث عن طريق منظماته المدنية والعسكرية عن أرهاب الناس والتفنن في إذلالهم، فكانت الأعدامات تجري علنا بحقّ التجار والنساء بتهم مختلفة وشبه علني في السجون والمعتقلات، ليتوّجها البعث بعملية ما يطلق عليها تنظيف السجون، ونظامه الفاشي على أبواب الأنهيار أمام أمريكا وحربها التي أنتهت برحيله الى "مثواه الأخير" غير مأسوف عليه.
في التاسع من نيسان إعتقد شعبنا من أنّه سيتنفس الصعداء على الرغم من الإحتلال الأمريكي لبلاده، وبالحقيقة فأنّ نسبة كبيرة من الناس التي عاشت الفقر والذل وإرهاب البعث لعقود، فرحت بذلك الأحتلال ممنيّة النفس في أن يقوم المحتل ببناء عراق مغاير لعراق البعث كما كانت الولايات المتحدة وحلفائها يوعدون به الشعب العراقي!! الا أنّ رياح جماهير شعبنا لم تأتي بما تشتهيه سفنهم العطشى للحريّة والكرامة. فسقوط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس في قلب بغداد، لم يترجمه القادمون على ظهر الدبابة الأمريكية كما جاء البعث قبلهم عليها في العام 1963 بما كان يحلم به شعبنا، ولم يكن إيذانا ببدء العمل لبناء عراق ديموقراطي جديد كما كانت هذه القوى تبشّر به وهي في المعارضة. وما حصل والبلاد تدخل في أتون حرب طائفية أنهى ذلك الحلم والأمل في أن يعيش العراقيون بكرامة وبعيدا عن الخوف من تكرار تجربة البعث بشكل أو بآخر.
اكثر من عقدين وشعبنا يعيش المحنة بكل تفاصيلها، فالأحزاب الشيعية وهي جزء فاعل ومؤثر في الحياة السياسية بالبلاد، رهنت منذ تبوئها منصب رئاسة الوزراء وفقا لمحاصصة طائفية قومية البلاد الى قوى إقليمية، ولينتشر في عهدها فساد لم يمرّ به العراق تحت ظل أي نظام سابق قبلهم، بل وبشكل أدّق لم يمر به بلد في العالم. وبدلا في أن يعمل ساسة الخضراء على بناء الأنسان العراقي ووطننا من جديد بعد أن وصلت ميزانيات البلاد نتيجة أرتفاع أسعار النفط وزيادة أنتاجه الى أرقام فلكية مقارنة بما كانت عليه ميزانيات الدولة العراقية منذ تأسيسها لليوم لتلقم البعث الفاشي حجرا، نراها وبشكل غير مباشر عملت على تسويق هذا الحزب الفاشي من جديد، ونجحت في ذلك!!؟؟
لقد بدأ بعض البعثيون وبعد حلّ حزبهم إثر سقوط نظامهم بمحاولات ولو خجولة لمراجعة تاريخ حزبهم الفاشي، لكنّ بدء الحرب الطائفية والخطاب الطائفي الذي ساد الشارع العراقي ولا يزال، قبر تلك الخطوة ليبدأ البعث تنسيقه مع أكبر التيارات الدينية همجية ووحشية ، فكان هناك تحالف مع القاعدة ومن ثم داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية، وقد نفّذ البعث سلسلة طويلة من العمليات الأرهابيّة وتوّجها بقتل المئات من الأبرياء في قاعدة سبايكر الجويّة بعد أنظمام الكثير من البعثيين لتلك التنظيمات الهمجية.
ترتفع أصوات البعثيين اليوم نتيجة فشل الاسلام السياسي الشيعي في تقديم نموذج يحتذى به حتى في مناطقه ومحافظاته، مطالبة وبوقاحة مشاركة البعثيين وحزبهم في الحياة السياسية الجديدة، بل وصلت وقاحتهم الى أن يصرّح بعضهم من أنّ حزبهم يعمل بشكل سرّي في البلاد وآخر يترحم على فاشي دمّر بلادنا وشعبنا.
لكن والحقيقة تقال فأنّ تجربة الحكم منذ الأحتلال لليوم وما أفرزته من سلبيات على مختلف الصعد، هي التي سمحت للبعثيين للظهور علنا مطالبين الأنخراط في العمل السياسي ، وكأنّ جرائم حزبهم وآثاره ومنها وضع العراق اليوم ليست نتيجة منطقية لحكمهم الفاشي.
الأنقسام الطائفي القومي في المجتمع العراقي، وطائفية الأحزاب المهيمنة على السلطة، والفساد والجريمة المنظمة، والدور الكبير للميليشيات المسلّحة وسطوتها، وترسيخ الطائفية بشكل كبير في الشارع العراقي، والفشل ببناء دولة مؤسسات حقيقية وغيرها، هي من فتحت الباب أمام البعثيين لطرح مشروعهم السياسي علنا. ولغلق الباب أمام هذا الحزب الفاشي، فعلى ما تسمى بالدولة العراقيّة اليوم مراجعة سياساتها بشكل جذري، وأهمّها مكافحة الفساد وحلّ الميليشيات وجمع سلاحها وقطع الشرايين المالية التي تعتمد عليها من خلال بازار العملة والأتاوات وهيمنتها على المنافذ الحدودية والمرافئ، وتهريبها للنفط والتهرب من الضرائب، وتطوير العملية الديموقراطية وصولا لأنهاء نظام المحاصصة.
على سلطة المحاصصة الفاسدة أصلا وللحيلولة ودون عودة البعث الفاشي للعمل السياسي ، العودة الى قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب الأرهابية والتكفيرية، خصوصا وأن الحزب لم ينتقد سياساته التي دمّرت بلادنا علنا ولا سرّا، بل على العكس فأنّ الحزب لازال يعتقد من أنّه الوحيد القادر على قيادة البلاد، ناسيا جرائمه بحق شعبنا وقواه السياسية، فالمادّة الثانية من القانون - أوّلا، تنص على : منع عودة حزب البعث تحت أي مسمى إلى السلطة أو الحياة السياسية وعدم السماح له بأن يكون ضمن التعددية السياسية والحزبية في العراق. لكنّ هناك مشكلة تواجه الميليشيات المنخرطة بالعمل السياسي بل ووصلت الى البرلمان تلك التي ساهمت في التطهير الطائفي ولازالت تمنع الناس في بعض بلدات حزام بغداد من العودة لبلداتهم وقراهم، إذ تقع نشاطاتها المحظورة أيضا ضمن المادّة الثالثة - ثالثا، والتي تنص على: يمنع تشكيل أي كيان أو حزب سياسي ينتهج أو يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض عليه أو يمجد له أو يروج له أو يتبنى أفكارا أو توجهات تتعارض مع مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
أنّ التصريحات العلنيّة لقادة بعثيين حول عودتهم للحياة السياسية، لا يمنع إستغلالها والترويج لها من قبل الأحزاب الإسلامية الطائفية الحاكمة ونحن في عام الأنتخابات البرلمانية. كما وأنّ عودة البعث للحياة السياسية ليس قرارا عراقيا قدر ما هو قرار أمريكي، وبقاء المحاصصة كنظام للحكم هو الآخر قرار أمريكي وليس بعراقي.
#زكي_رضا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟