أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل القدسي - بروكرُست بين الماضي والحاضر














المزيد.....


بروكرُست بين الماضي والحاضر


هديل القدسي

الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 20:20
المحور: الادب والفن
    


"بروكرُست" شخصية أسطورية من الميثولوجيا اليونانية، عاشَ في غابات أثينا كقاطع طريق، مترصِّدًا للمارَّة في مكانٍ ناءٍ. كانَ يعتقد أنَّه "النموذج الأمثل للإنسانيَّة المتكاملة"، وكانَ في منزلِه سرير حديديّ يدعو ضيوفَه لقضاء الليل عليه، مظهره عادي لمن يجهلُهُ، لكنَّهُ في الواقع أداة لرؤيتِهِ الجنونيَّة للإنسان المثالي.

فإذا كانَ الضيف أطولَ منَ السريرِ، عمدَ "بروكرُست" إلى بترِ جزء من أطرافه حتى يتساوى طولُهُ معَ السرير، وإن كانَ أقصر، شدَّهُ بعنف حتى تتمزَّق مفاصلُهُ وتتفكَّكَ أطرافُه، كل ذلكَ ليُجبر ضحيَّتَهُ على التوافق مع قياسه المثالي المُفترض.

غيرَ أنَّ المثير للسخرية أنَّ "بروكرُست" امتلكَ سريرين مختلفَي الطُّول، يختار منهما ما لا يُناسب الضيف عمدًا، ليضمن أن لا أحدَ ينجو من تعديلِهِ القسريِّ.

ورغمَ بساطةِ هذهِ الأسطورةِ، فإنَّها خلَّفت مصطلح "البروكرستيَّةِ"، الذي يصفُ أولئك الذين يحاولون فرض مقاييس ثابتة على البشر، غير مكترثين باختلافاتهم الفكريَّة والعاطفيَّة والثقافيَّة، بل يسعونَ إلى تطويعِهِم قسرًا داخل قوالب صارمة، دونَ اعتبار لما يُناسبُهم من فكر أو قانون أو معتقد.

وبهذا فإن "البروكرستيَّة" تُعد من أخطر الأمراض العقلية في العصر الحديث، حيث تقضي على الفردية باسم التماثل، وتكافح التنوع تحت شعار التجانس القسري. كما أنها تعارض النقد البناء، مفضلةً الآراء الجاهزة والمعدة مسبقًا على الأصوات الفريدة والمتميزة. ففي عالم يهيمن عليه التفكير الجماعي، يصبح التعبير عن الرأي الشخصي تحديًا حقيقيًا، حيث يُنظر إلى الخروج عن المألوف كتهديد للسلام الاجتماعي. هذه الظاهرة تؤدي إلى تآكل القيم الإنسانية الأساسية مثل الحرية والإبداع، مما يعرض المجتمعات لخطر الركود الفكري.

فعندما يُفرض على الأفراد التفكير بطريقة واحدة، فإنهم يفقدون القدرة على الابتكار والتجديد، مما يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الأفراد والمجتمعات.

وعلى الرغم من أن شخصية هذه الأسطورة قد غابت منذ زمن بعيد، إلا أنها لم تختفِ سوى بجسدها، بينما ظلت روحها حاضرة. فكم من شخص لا يزال يحمل سرير بروكرست معه في كل جلسة للحوار، متجاهلاً أن أفكارنا لها مقاسات لا تقبل التشكيل أو القولبة. كما أن كل فكرة تحمل عمقًا وخصوصية لا يمكن اختزالها أو تكييفها لتناسب مقاسات معينة.

فالأفكار ليست مجرد قوالب جاهزة، بل هي كائنات حية تتطور وتتغير. وعندما نسمح لأنفسنا بالتفكير خارج هذه القيود، نفتح الأبواب أمام تنوع الأفكار وثراء الحوار.



#هديل_القدسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبء الوعي: معاناة الإنسان بين الإدراك والفهم
- حكمة جلالة الملك
- أحداث سوريا: بين المأساة الإنسانية والمخططات السياسية
- عودة (ترامب) وتأثيره على التوازنات الجيوسياسية في المشرق الع ...
- عودة ترامب وتأثيره على التوازنات الجيوسياسية في المشرق العرب ...
- عمالة الأطفال: انتهاك حقوق التعليم في زمن الأزمات العالمية
- الاتزان والعقلانية في القرار السياسي الأردني
- الأردن وسياسة مسك العصا من المنتصف


المزيد.....




- بعد نيله جائزة -برلمان كتاب البحر الأبيض المتوسط-.. الكاتب ا ...
- فيلم يسلط الضوء على انتهاكات كييف
- المتحف البريطاني يختار الفرنسية اللبنانية لينا غطمة لـ-أحد أ ...
- العربية في إيران.. لغة -أم- حية بين الذاكرة والتحديات
- فيديو.. متهم يهرب من نافذة المحكمة بطريقة سينمائية
- فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن
- سجلات الليدرشيت يشعل النقاش حول القيادة
- المخرج السوري هيثم حقي لـ CNN بالعربية: -لا نريد سوى سوريا ا ...
- بهية محمد.. زواج الفنانة اليمنية من مصري يثير جدلا يمنيا
- وزير الهجرة: التعددية الثقافية تثري السويد


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل القدسي - بروكرُست بين الماضي والحاضر