عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 14:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
( الحلقة 9 )
التغير السكاني و تطور المعرفة وادواتها:
ظل العالم رهينا لنظرية مالتوس حول التزايد السكاني والعلاقة العكسية بين الزيادة السكانية والاقتصاد وما لذلك علاقة بالاقتصاد الاجتماعي السياسي وتطور العلاقات والصراعات بين المجتمعات وقد اعتمد العالم تلك النظرية حول النمو الهندسي للسكان مما دفع عديد دول العالم الى اللجوء لأساليب مختلفة لتحديد النسل وخصوصا لدى الدول والشعوب الكبيرة كالصين الهند وغيرها وهيمن شبح الخوف من الجوع والفقر سياسات وحكومات تلك الدول بل ان بعضها لا زال كذلك حتى بدايات القرن الواحد والعشرين وقد ادى ذلك في بعض الدول ومنها الصين الى تراجع عدد السكان وحسب المكتب الوطني للإحصاء في بكين فقد تراجع عدد سكان الصين عام 2023 بنسبة 5,7% عن العام 2022 وهو مؤشر الى التأثير الذي احدثته سياسة تحديد النسل في الصين بينما لم تنجح مثل هذه السياسة في مصر رغم كل المحاولات من الدولة للحد من النسل وكع ذلك فان عديد الدول تراجع فيها عدد السكان ولأسباب مختلفة ومنها مثلا
اليابان: كان عدد سكان اليابان عام 2010م اكثر من 128 مليون نسمة بينما انخفض العدد في عام 2023م الى 123مليون نسمة علما ان اليابان من اغنى دول العالم واكثرها ثراء وكانت الحكومة اليابانية قد خصصت في العام 2024م 5.3 تريليون ين (34 مليار دولار) كجزء من ميزانية 2024 لتحفيز الشباب على الزواج " لإنجاب المزيد من الأطفال، مثل زيادة الدعم لرعاية الأطفال والتعليم، ومن المتوقع أن تنفق 3.6 تريليون ين (23 مليار دولار) على أموال الضرائب سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة " - نقلا عن موقع قناة العربية – كما اشار الموقع نفسه الى ان العدد يمكن ان يتراجع ليصبح 87 مليون نسمة في العام 2070م " عندما يبلغ عمر أربعة من كل 10 أشخاص 65 عاما أو أكثر " واشار موقع منتدى شرق اسيا – EAST ASIA FORUM - في مقالة بعنوان " مكافحة التناقص السكاني في اليابان " الى انه من المتوقع " أن ينخفض عدد سكان اليابان إلى 63 مليون نسمة في عام 2100، أي نصف عدد سكانها في عام 2022" وقد عزت المقالة ذلك الى اسباب عدة منها اقتبس بتصرف
- ارتفاع تكلفة انجاب طفل لذوي الدخل المحدود او ممن لا يجدون دخلا منتظما
- العزوف عن الزواج أو ارتفاع سن الزواج الى ما بعد سن الثلاثين بسبب الرغبة بالحصول على دخل مرتفع بدل تحمل تكاليف الزواج والانجاب فبدل 10 زيجات لكل الف نسمة عام 1970م وصل الحد الى 4,1 لكل الف نسمة عام 2022م
علما بان انتاج اليابان كان عام 1970 م يقدر ب 200 مليار دولار ووصل في العام 2022 الى 5 تريليونات دولار امريكي رغما عن انخفاض عدد السكان ومعانة اليابان من ازمة الشيخوخة وبالتأكيد فان السبب في ذلك يعود الى ان ايابان خففت من اجراءاتها الصارمة بشأن شروط الهجرة اليها وتأشيرات القامة وحسب احصاءات 2022 فان عدد الاجانب المقيمين في اليابان وصل الى 2,8 مليون شخص التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتطور وتوسع احتياجات البشر مع تطور الحياة والحضارات الانسانية.
بالمقارنة مع مصر فان عدد سكان مصر عام 2010م كان 85 مليون نسمة واصبح عام 2023 حوالي 105 مليون نسمة وهذا العدد لا يشمل المصريين المقيمين في الخارج والبالغ عددهم حوالي 11 مليون نسمة علما بان ايرادات مصر عام 2010م بلغت حوالي 341 مليار جنيه مصري وهذا الرقم يشمل المساعدات الخارجية والايرادات وبلغت الايرادات في العام 2022م حوالي 1,5 تريليون جنيه مصري اي ان الرقم تضاعف اكثر من ثلاث مرات علما بان متوسط سعر صرف الجنيه امام الدور في عام 2010م كان 5.75 جنيه للدولار الواحد بينما انخفضت قيمة الجنيه المصري امام الدولار ليصبح متوسط سعر صرف الجنيه عام 2022م حوالي 16 جنيه مقابل الدولار الواحد اي انه انخفض حوالي ثلاث مرات وهو ما يعني ان الزيادة تكاد تكون صفر ويظهر هذا جليا في العجز في الموازنة اذ بلغ في العام 2020م حوالي 8.1% بينما انخفضت في العام 2022ن لتصل الى 6.1% اي ان الزيادة الهائلة لم تخفض العجز الا بنسبة 2% فقط والسبب في ذلك وضع التضخم الذي اصاب الاقتصاد المصري زيادة هائلة في عدد السكان زيادة في الصرف والاعتماد على المساعدات والديون الخارجية فقد بلغت ديون مصر الخارجية الحكومية والخاصة حوالي 35 مليار دولار وقد بلغت نسبة خدمة الدين " اقساط وفوائد " من الصادرات العامة المصرية 5.5% وقد ارتفعت هذه الديون في العام 2022 الى اكثر من 155 مليار دولار واصبح مجموع الفائدة والعمولات حوالي 10 مليار دولار سنويا وقد تأثر الاقتصاد المصري كثيرا بالأحداث العالمية مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية.
مقارنة مع اليابان فان اليابان في عام 2010 كانت من اكبر الدائنين مع ان اليابان لديها اعلى نسبة دين بالنسبة الى الناتج المحلي اذا بلغت في العام 2010م 200% من الناتج المحلي و 260% عام 2022م الا ان معظم هذه الديون محلية من مواطنيها او بنوكها وبالتالي فان الخطر المترتب عليها يكاد يكون صفر لان العمولات والفوائد ايضا تكاد تكون صفر ايضا.
وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فان حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في مصر عام 2023م تبلغ4000 – 4500 دولار امريكي بينما تبلغ حصة الفرد في اليابان لنفس السنة 40000 دولار امريكي ورغم انخفاض عدد السكان في اليابان وأزمة الشيخوخة الا ان الاعتماد على التكنولوجيا العالية كان له تأثير ايجابي مع انخفاض هذا الاعتماد في مصر والاعتماد على الانتاج الزراعي محدود الانتاجية مع غياب او ضعف التصنيع علما بان عديد الدراسات او اغلبها تقول ان هناك تأثير سلبي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على انتاجية الفرد الا ان ذلك ليس مطلقا بدليل ان اكثر من 80% من اليابانيين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ويملكون هواتف ذكية بينما لا تصل نسبة المصريين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي و يملكون اجهزة هاتف ذكية الى 50% من عدد السكان.
مما تقدم يتبين لنا ان التكنولوجيا اذا استخدمت بالشكل الصحيح يمكن ان تشكل حافزا لزيادة الانتاج وتطويره وتحسينه مما ينعكس ايجابا على المجتمع بكل فئاته ومستوياته واذا استخدمت في غير مكانها تحولت الى سبب لخفض الانتاجية والتطور بل ووسيلة للتخلف الحضاري والاقتصادي والاجتماعي وبالتالي سببا للتبعية السياسية.
ان التجربة السنغافورية نموذجا جيدا للإجابة على الكثير من التساؤلات ففي آب 1965م اعلن رئيس وزراء سنغافورة استقلال بلاده عن ماليزيا وهو يبكي لأنه يعرف ان بلاده اكثر من فقيرة فتقارير البنك الدولي تقول ان انتاج سنغافورة في ذلك العام كان اقل من صفر بينما وصل في العام الى 12 بليون دولار وفي العام 2022 وصل الى 466 بليون دولار واصبحت سنغافورة واحدة من اغنى واهم دول العالم اقتصاديا رغم ان عدد سكانها لا يصل الى 6 مليون بينهم حوالي ربع مليون هاجروا اليها بعد استقلالها ولا تستقبل سنغافورة مهاجرين الا اولئك الذين يشكلون اضافة للبلاد التي تحتاجهم ولذلك فشروط الهجرة قاسية جدا لكن المهم القول هنا ان مثل هذه البلاد التي تنتج هذا الكم بعدد ستة ملايين وبالمقارنة مع مصر ايضا فان عدد سكانها سنة 1965 كان يصل الى اكثر من ثلاثين مليون نسمة اي خمسة عشر مرة ويزيد ضعف عدد سكان سنغافورة في نفس العام حيث كان عدد سكانها 1, 9 مليون نسمة كان انتاجهم المحلي – 0,7 مليار دولار وانتاج مصر + 5 مليار دولار بينما بلغ انتاج مصر عام 2022 م بعدد سكان يفوق مائة مليون ما معدله 476 مليار دولار اي تقريبا ما انتجه شعب تعداده اقل من ستة مليارات.
تعتبر سنغافورة اليوم البلد الاكثر ذكاء في العالم وتتقدم قائمة الدول التكنولوجية وتعتبر البلد الذي يعمل على البنية الرقمية بالكامل وتعتبر التكنولوجيا من اهم مصادر الناتج الاجمالي للدولة.
سنغافورة التي تطورت كل هذا التطور بلا توقف ولا زالت تشكل نموذجا يحتذى للإنتاجية العالية وللتطور التكنولوجي تقابلها دولة عربية اخرى هي سوريا التي كان عدد سكانها عام 1965م حوالي 5,5 مليون شخص وكان انتاجها اقل من مليار ونصف دولار امريكي بينما وصل عدد سكانها في العام 2011م الى اكثر من 21 مليون نسمة وانتاجها فقط 67,5 مليار دولار لكن الكارثة تأتي بعد ذلك فقد توقف عدد سكان سوريا على نفس رقم عام 2022م بسبب الهجرة الناجمة عن الحروب والصراعات هناك وتدنى انتاج البلد الى مستوى 23,62 مليار نسمة اي انه تراجع عن 2011 بما قيمته تقريبا 44 مليار دولار امريكي.
هل كانت فعلا العلاقة عكسية بين التزايد السكاني والانتاج الاقتصادي كما بشر بذلك مالتوس ام ان الامر يختلف وان نماذج مثل اليابان وسنغافورة تقول عكس ذلك كليا بل ان الصين الاكبر بين دول العالم سكانيا كان عدد سكانها عام 2010 اكثر من 1,3 مليار نسمة وانتاجها حوالي 5 تريليون دولار امريكي وبلغ عدد سكان الصين عام 2022م اكثر من 1,4 مليار نسمة بينما بلغ اجمالي الانتاج اقل من 18 تريليون دولار امريكي اي ان هناك زيادة طفيفة بعدد السكان نسبة الى العدد المرتفع وارتفاع هائل في الانتاج وليس العكس بمعنى ان نسبة زيادة السكان اقل بكثير من نسبة زيادة الانتاج وهو ما يعني فائض في الانتاج عن عدد السكان.
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟