كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 22:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ النظام الإمبريالي الفرنسي في السنوات الأخيرة بإستغلال صراع الأنظمة الكولونيالية في بلاد الأمازيغ, للعب على الحبلين بهدف الإستفادة أكثر من هذا الصراع لصالح مصالحه السياسية و الإقتصادية. و الملاحظ أن عقدة النرجيسية لدى قصر المرادية الفاقد لفن السياسة, دفع بالإليزي بالضرورة الى التخلي التكتيكي عن نظام الجنرالات و التوجه العلاني نحو القصر آل علوي للإستحواذ الكلي على العكعة المورية الدسمة التي ستقدم القيمة الزائدة للشركات الفرنسية.
في تصاعد التوترات السياسية بين طرفي مؤامرة إفيان, خاصة بعد الإعتراف الفرنسي الرسمي بموركية الصحراء و بمشروعية الحكم الذاتي, تصاعد الصراع الإعلامي التضليلي بين الطرفين, و ما يهمنا في التصريحات الإعلامية, ما صرح به المدير السابق للمخابرات الفرنسية, السيد ألان جويه عن تاريخ دزاير " المغرب الأوسط", بقوله " فرنسا هي التي خلقت الجزائر". هذا القول يحتمل أكثر من معنى. صحيح أن تسمية " دولة الجزائر" لم يكن لها وجود قبل الإحتلال الفرنسي للمنطقة, لكن كان هناك مدينة تحمل إسم دزاير خططها القائد الأمازيغي بلكين زيري كما ذكر بن خلدون ذلك, و المدينة هي العاصمة الحالية لمنطقة وسط تمازغا.
أن النظام السياسي الحديث في المنطقة "المغاربية" كلها من صنع فرنسا, فهذه حقيقة لا غبار عليها. أما ما ذهب إليه السيد آلان جويه بقوله:" إن هذه المنطقة كانت تحت حكم القرطاجيين, الرومان, البزنطيين, العرب, الأتراك و الفرنسيين". فهذا تضليل و مغالطة تاريخية, غير مقبولة, إستوجب تصحيحها. النظام الكولونيالي الفرنسي أثناء التوسع الإستعماري في بلاد الأمازيغ حاول شرعنة حملته الإستعمارية بإقصاء الشعب الأمازيغي المحلي من تاريخ شمال افريقيا ( و هي سياسة إستعمارية, إنتهجتها كل الأنظمة الإستعمارية التي مرت فوق تراب المنطقة), و خلقت تاريخ مزيف, مبني على تعاقب السلطات الأجنبية العابرة للمنطقة, ولو إسميا مثل الحكم القرطاجي, الذي كان محصورا في قرطاجة المدينة ( دولة المدينة), و لم يكن له وجود خارج أسوار مدينة قرطاج إلا إسميا, بإطلاق أسماء فينيقية أو بونيقية (قرطاجية) على بعض المدن. في هذا الصدد يقول المتخصص في تاريخ بلاد الأمازيغ, بروفيسور غابريل كامبس:" ينبغي أن ننتبه في المقام الأول, الى وجود أسماء مدن بونيقية خارج إقليم قرطاج, وسوف لا نعود بالحديث الى الوضع الغامض للمدن الساحلية, فهي تكاد تكون تحمل أسماء فينيقية و بينها التي تحمل أسماء فينيقية-ليبية, وأخرى تحمل أسماء بربرية خالصة, و يتبادر الينا السؤال, هل تكون هذه المدن لا تعدوا كلها عن منشآت بونيقية أو إيبرية بونيقية, ثم ألا ينبغي لنا أن نأخذ بعين الاعتبار أنها قد تكون منشآت محلية أي افريقية؟. فأن تكون بعض البلدات الساحلية منذ بدايات انشائها تتلقى منتوجات متوسطية قرطاجية وأيونية و آثينية, فذلك أمر طبيعي, و لا يمكن أن يقوم حجة علمية صحيحة على الاصل الحقيقي لهذه المدن, ولكن أن تكون مدافن سكان هذه المدن تحتوي علاوة على ذلك أثاثا محليا من كل الوجوه مطابقا للآثاث الذي تم العثور عليه في القبور القروية... فهذه تعتبر مؤشرات لا يستهان بها على نوعية سكان هذه المدن, فعلى الرغم أن سيرتا عاصمة النوميديين الماسيليين, تحمل إسما قد يكون ذا أصل فينيقي, وثقافتها بونيقية, فإنها لم تكن في يوم من الأيام تخضع للسيطرة القرطاجية, و أحرى ان تكون من إنشاء الفينيقيين" (البربر ذاكرة و هوية. ص.192). قرطاج لم تحكم منطقة دزاير بشهادة التاريخ, و الإكتشافات الآثرية فككت خرافات فرضيات بونيقية المدن الأمازيغية الساحلية.
لقد صورت الدراسات الكولونيالية بلاد الأمازيغ بلا نظم سياسية قابعة تحت الحكم الأجنبي, تتصرف فيها الأمم الإستعمارية, بإرادة المحليين الغارقين في البداوة و الجهل, إلا أن هذا التصور المغالط للحقيقة التاريخية, ناتج عن الدعاية الإستعمارية لشرعنة النظام الكولونيالي أنذاك. تمازغا أرض امازيغية و حكمها الأمازيغ منذ مطلع التاريخ, و عرفوا إزدهار حضاري, قبل إستقبال اللاجئين الفينيقيين و قبل تأسيس روما الإستعمارية و قبل الأنظمة الإحتلالية العابرة كلها.
رأس الجاسوسية الفرنسية آلان جوسه قام بإعادة ما روجته الآلة الدعائية الكولونيالية من مغالطات تاريخية حول مستعمراتها, هذه البروباغندا اللاعلمية كذبها التاريخ و كذبتها الدراسات العلمية و بأقلام نزيهة لمتخصصين في المجال العلمي, أجانب و محليين, أكدوا في أبحاثهم عن قيام دول أمازيغية و أنظمة سياسية في بلاد الأمازيغ (دزاير) قبل الوجود الإستعماري العابر. من يتنكر لمملكة ماساسيلي سواء في عهد الملك سيفاكس أو العصر اللاحق عصر ماسينيسا, لا يمكن أن يكون إلا جاهل أو مزيف لتاريخ دزاير. في عهد الأسلمة, بعد طرد الغزاة الأعراب, خضعت المنطقة للحكم المحلي الأمازيغي, و على سبيل المثال لا الحصر, حكم بنو عبد الواد, المرابطون, الموحدون, بنو مرين و بنو زيان, حتى سقوط دزاير تحت الإحتلال التركي الإسلامي سنة 1518م, الذي أدخل المنطقة في طور الجهل و التخلف الإقتصادي و الإجتماعي و الإستبداد السياسي, الى أن تخلى عنها الأتراك للقوة البونبارتية الإستعمارية الصاعدة سنة 1830م, و بعدها قدمتها فرنسا في طبق من ذهب للنظام الكولونيالي العروبي, لكسب تبعيته لدولة الأم فرنسا.
المنطقة كانت دائما بهويتها الأمازيغية حتى تحت الحكم الإستعماري. ولم تعرف المنطقة دولة تحت مسمى الدولة "الجزائرية" الى أن صنعتها القوة الإستعمارية الفرنسية, القوة التي سعت أثناء إحتلالها لتمازغا (بلاد الأمازيغ) الى تعريبها الجغرافي و الشعبي و المؤسساتي ( تعريب الدولة الأمازيغية).
رسمت الامبريالية الفرنسية إستراتيجيتها في إرساء قواعد تبعية عملائها من دعاة العروبة في شمال افريقيا لدولة الأم فرنسا, بخطة أولية تبدأ بعملية آبادة الشعب الأمازيغي المقاوم للإمبريالية الفرنسية, و تصفية القضية القومية للشعب الأمازيغي, مع ضرورة تبعية النظام الكولونيالي الجديد لمخططات و لسياسة فرنسا. كان المشروع الإمبريالي في المرحلة الأولى هدف الى إماتة أي مشروع تحرري أمازيغي مقاوم و معيق للمشروع الإمبريالي في المنطقة. هذا المشروع نفذه النظام الكولونيالي العروبي بنجاح و حافظ علية بسياسة التمييز العنصري و الإستبداد المطلق. و بإزالة العنصر الثوري العائق في تنفيذ أجندة فرنسا في المنطقة, بدأت مرحلة الهيمنة السياسية و الإقتصادية و الثقافية لفرنسا ما بعد الإنسحاب العسكري من دون عراقل, و إستطاعت فرنسا التحكم في سياسة الأنظمة الكولونيالية العروبية في المنطقة, الى أن تدخلت قوى العظمى المنافسة لفرنسا على الإستحواذ على خيرات المنطقة لتأثر عن العلاقة التبعية لفرنسا, و من تجليات هذا التنافس الصراع "المغاربي" و كذا المناوشات السياسية بين الأنظمة الكولونيالية العروبية و النظام الإمبريالي الفرنسي. فرنسا الأم تحاول حاليا معاقبة إبنها الضال و التقرب أكثر الى الإبن العائد الى أحضانها بعد الخصومة الشكلية.
الإمبريالية الفرنسية لم تصنع "الجزائر" الحالية فقط بموجب إتفاقية إفيان, بل كان لها دور بارز في صانعة الهوية المزيفة "العروبة" الإستعمارية في تمازغا (بلاد الأمازيغ), وفرنسا هو النظام الإستعماري بعد الأتراك من دافع عن العروبة الإستعمارية, و نفذ سياسة تعريب الدول الأمازيغية في بعدها الجغرافي و الشعبي و المؤسساتي, و يبقى النظام الإمبريالي في تصادم مع الفكر الأمازيغي التحرري الثوري, كما بقي مدافع أمين عن السلطات الكولونيالية في المنطقة, رغم التوترات الهامشية العابرة.
مأساة و معانات الشعب الأمازيغي لما بعد الإنسحاب العسكري الفرنسي, بسبب سياسة التمييز العنصري و الإستبداد المطلق العروبي, حصل نتيجة المؤامرة الفرنسية اللاإنسانية في خلق "الدولة" العروبية المزيفة, و صناعة نظام كولونيالي جديد لقيط, بهدف الحفاظ على مصالح الإمبريالية الفرنسية في شمال افريقيا.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟