محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 04:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا جديد ، والمحصلة صفر مكاسب . فبماذا إذن يحتفل أولئك الماسوشيين المتلذذين بآلام الفقر والجوع ؟ هل يستحق الاحترام من يحتفلون بسوء مآلهم وعار بلادهم بين الأمم ؟! هل ثمة مكسب شعبي واحد اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو حقوقي ؛ ما عدا حق حرية النباح ؛ فحتى حرية التعبير التي اكتسبها الشعب الليبي بنضالات أبنائه ، وقد دفعوا ثمنها باهظا ، في ظلام زنزانات السجون وفي ميادين القتال ، ندم عليها حكام فبراير الفاسدون والمستبدون بالسلطة والثروة ، فصادروها بقانون الجرائم الالكترونية رقم 5 لسنة 2022 ، الصادر عن برلمان طبرق الفاسد فاقد الشرعية الدستورية ؟!
أربعة عشر عاما فبرائريا ، ومئات مليارات البترودولار ، ولا شيئ تغير إلا إلى الأسوأ فالأشد سوءً ؛ حتى لقد صار أغلب السبعة ملايين ليبي وليبية ، يتمنون عودة أمس النظام الجماهيري ، حنينا إلى رخاء ثمانينات وتسعينات القرن الفائت . والطبقة الوسطى تآكلت هبوطا كارثيا إلى مستوى الفقر المدقع . والاسئلة تتزاحم حاملة إجاباتها :
● هل تغير شيء في ليبيا بعد فورة فبراير 2011 إلى أفضل مما كان عليه قبلها ، ولو بأقل القليل من الرخاء أو النزاهة أو العدالة الاجتماعية أو الحكم الرشيد ؟ .. الجواب (لا) .
● هل عاد سعر الدولار إلى مستواه سنة 2011 ؛ عندما كان متوسط سعر العملة الوطنية 1,26 دينار ليبي مقابل 1 دولار أمريكي ؛ و دعكم من أيام المملكة الليبية وحتى منتصف السبعينات الفائتة ، عندما كان الجنيه/الدينار الليبي أقوى من الدولار ، 1 جنيه/دينار ليبي = 3.30 دولار أميركي ؟ .. الجواب (لا) .
● هل يقبل حكام نكبة فقراير الفاسدون - من الكومبرادور - بإعادة سعر الدولار إلى ما كان عليه سنة 2020 ، عند معدل 1 دولار أمريكي = 1.37 دينار ليبي ؟ .. الجواب (لا) ؛ لسبب شديد الوضوح ، كونهم لصوص مال عام ، وكونهم تجار استيراد وكومبرادور ، وهُم المستفيدون (حصريا) من قرار بنك ليبيا المركزي (يوم الأربعاء الأسود 16 ديسمبر 2020) ، بخفض قيمة العملة الوطنية بنسبة 70% ، وتعديل سعر صرف الدينار الليبي ، عند 4,48 دينار مقابل 1 دولار ، بدلا من 1,39 دينار مقابل 1 دولار ؛ زائدا قرار برلمان طبرق - لصاحبه عقيلة صالح - رقم 15 لسنة 2024 بفرض رسم ضريبي على سعر الصرف الرسمي بنسبة 27% ، لإطفاء الدين العام المترتب عن الفساد الحكومي ، على حساب أغلب المواطنين ذوي الدخل المحدود .
● هل يمكن لحكام ليبيا - الحاليين ومنذ 14 عاما - الفاسدين لصوص المال العام ، أن يحاسبوا لصوص المال العام من العهد السابق ، بقوانين مكافحة ومنع الفساد التي سنها العهد السابق ؛ بدلا من التصالح معهم وإفلاتهم من المحاسبة والعقاب ، بتعلّة المصالحلة الوطنية ؟ الجواب قطعا (لا) ، لأنهم أشد فسادا من أسلافهم ، أضعافا مضاعفة من الفساد . والفاسد لا يجرؤ على محاسبة الفاسدين .
● هل عاد سعر كيلو الدقيق إلى 10 قروش كما كان أيام (النظام البائد) ، بدلا من 4 دنانير ؟ وهل عاد سعر كيلو الشاهي إلى 1 دينار واحد ، بدلا من 32 دينارا ؟ وهل عاد سعر لتر زيت الزيتون إلى 1 دينار ، وعاد سعر لتر زيت الذرة إلى 20 قرشا (في العهد المباد) ، بعد أن تجاوز 24 دينارا لزيت الزيتون و 12 دينارا لزيت الذرة ، في عهد (المباركة) ؟ وهل عاد سعر طبق البيض إلى متوسط 3 دنانير (في العهد المباد) بدلا من بلوغه 20 دينارا في عهد (ثورة التكبير) ؟ وهل عاد سعر الحذاء الانجليزي الفاخر إلى 12 دينارا (في الأسواق المجمعة العامة) بدلا من سعر 1000 دينار (في أسواق التجارة الحرة) ؟ وهل عاد سعر كيلو الموز والتفاح من حوالي 30 قرشا (بالجمعيات الاستهلاكية) في عهد النظام السابق ، بدلا من متوسط سعر 13 دينارا (بالمولات الخاصة) في عهد فقراير النزيك ؟ وقس على ذلك كل الاسعار .. من فنجان القهوة إلى السيارة ؟ .. الجواب (لا) ولن يحدث ، فالكومبردور (بارونات التجارة الخارجية) هم الحكام وسلطة اتخاذ القرار .
● ألا يعلم الليبيون أن سعر 1 دولار في السوق السوداء (الرسمية) تجاوز 7 دنانير ؟! .. الجواب (نعم) هم يعلمون ، لكنهم تعودوا على الخضوع والخنوع (والتطبيس) ، والاكتفاء بمضع عبارة الاستكانة والمذلة والاستخذاء : " حسبنا الله ونعم الوكيل " !
● ألا يعلم الغوغاء الراقصون (ع الوحدة ونص) يهزون مؤخراتهم في ميدان السراي الحمراء بطرابلس ، في عرس فقراير ، أن الجوع يطحن نحو 70% من الشعب الليبي ، جراء السياسات الاقتصادية والمالية والأزمات المفتعلة لحكام فبراير ، على مدى 14 عاما فقرائريّاً ، والحبل على الجرّار ؟ .. الجواب (نعم) هم يعلمون ، لكنهم فقدوا الكرامة ونخوة الرجولة معا .
● ألا يعلم المثقفون الليبيون المحتفلون بنكبة فقراير ، أن راتب لقّاقٍ تافهٍ مثل عقيلة + امتيازاته ، أكبر من مجموع المعاشات التقاعدية لعدد 40 وكيل وزارة ومدير عام وسفير سابقين ، وأن راتب وزير في دولة ليبيا الفاشلة أكبر من راتب رئيس جمهورية الصين الشعبية ؟! .. الجواب (نعم) هم يعلمون ، لكنهم جبناء وشهود زور .
● ألا يعلم الموظفون الليبيون ، أن حكومات فقراير تمتنع عن تنفيذ القانون رقم 5 لسنة 2013 بشأن تعديل نظام الضمان الاجتماعي (رغم تواضعه ، بل رغم تخلفه حتى قياسا إلى نظيره في تونس الفقيرة) ؟ .. الجواب (نعم) هم يعلمون ، لكنهم يعيشون لحظتهم الراهنة - كما السوائم - بمنظور : أنا وبعدي الطوفان (اخطى راسي ؤقص) .
● ألا يعرف الليبيون كافة ، أن الدعارة في ليبيا - وخاصة في مدينتيّ طرابلس وبنغازي - صارت أعلى نسبة منها في مدينة مراكش ، جرّاء الفقر والحاجة وانسداد أفق العيش الشريف في بلاد النفط والغاز ؟ .. الجواب (نعم) هم يعرفون بالمشاهدة العيانية ويعرفون بتداول أخبار الاستراحات الترفيهية لأثرياء نكبة فقراير ، لكنهم يتوهمون أن بيوتهم معصومة من الطوفان !
● ألا يعلم الشعب الليبي ، أن كل حكام ليبيا الحاليين هم من مرتزقة اللجان الثورجية وعصابة مشروع ليبيا الغد النيوليبرالي الأغبر (رؤساء حكومات و وزراء و رؤساء موسسات عامة ، في عهد فبراير) ، المنشقين - خسة وانتهازا للفرص - عن نظام ولي نعمتهم العقيد القذافي ، قفزاً من السفينة الغارقة ؟ .. الجواب (نعم) الشعب الليبي يعلم ، لكن الجماهير الرثة كانت كلها تهتف بصوت واحد : علّم يا قايد علّمنا كيف نْحقق مستقبلنا ! فأولئك الذين كانوا يرقصون ويهتفون ملء الحناجر لـ (ثورة الفاتح) ، هم أنفسهم الذين يرقصون الآن لـ (ثورة فبراير) !
● ألا يعلم الليبيون أن رئيس الدولة الليبية (المنفي) أميركي الجنسية بالولادة ، وأن وزيرة خارجية الدبيبة (نجلاء المنقوش) أميركية بالتجنس ، وكذلك الفيلد مارشال قائد ما يسمى الجيش الوطني (خليفة حفتر) ، ومثلهم مئات حكام النكبة (أعضاء برلمان و وزراء وأعضاء بمجلس الدولة و رؤساء بنوك وشركات عامة) من فاقدي الجنسية الليبية بقوة القانون ؟ .. الجواب (نعم) هم يعلمون ذلك ، لكنهم يتجاهلونه ؛ انسلاخا من الولاء الوطني وتبنيا للولاءات الجهويّة والقبليّة والعشائريّة ، وتواطؤءً ضد مصالح الوطن العليا انحيازاً لمصلحة القبيلة .
● وبعد 14 عاما من انتفاضة فبراير ، وبعد إنفاق مئات مليارات الدولارات من عائدات بيع النفط (ولا أرقام دقيقة ، جراء التعتيم) ، كثروة وطنية لكل الليبيين ؛ فإنه بالمختصر : هل تحسنت الأوضاع المعيشية للشعب الليبي ، عما كانت عليه قبل فبراير 2011 ؟ هل تحسنت الخدمات الصحية .. رعاية طبية كاملة ، و دواء مجاني ، على نحو ما كان عليه الحال أيام (طهقة) الاشتراكية ؟ هل انتهت ظاهرة البطالة ، و حصل كل الخريجين والمعطلين عن العمل على حقهم - دون منة من أحد - في التوظيف والكسب المشروع ؟ هل تحسن مستوى التعليم ، و تطورت المناهج الدراسية ، و أنشئت مدارس عصرية جديدة ، بدلا من الأبنية المتخلفة ، كأنها حظائر الدجاج ؟ هل طُبقت قوانين مكافحة الفساد الحكومي (مثلا : قانون من أين لك هذا ، وقانون التطهير) ؟ هل تحقق للشعب الليبي أدنى قدر من الديمقراطية ، حتى بمفهومها التقليدي السطحي ؟
ولعل السؤال الكاشف الأهم هو : هل أنشئت مشاريع البناء والتطوير العمراني ، بهدف تمليك المساكن لمستحقيها ، بسعر التكلفة ، وبالتقسيط المريح ، وصار باستطاعة الشباب أن ينشئوا عائلات ليبية جديدة ، قبل أن يتجاوزوا سن الأربعين وما بعدها ؟
أسئلة لا جواب لها إلا بالنفي !
○ ولا أريد أن أزيد ، فالعالم كله يشاهد ويعرف . وليبيا تحت حكم النكرات وحثالة المجتمع راكبي ظهر انتفاضة فبراير الشعبوية ؛ قد انتهت إلى الأبد ، أاو ربما إلى نصف قرن قادم في أكثر الافتراضات تفاؤلا ، اللهم إلا أن تحدث معجزة ما فتتعافى من نكبة فبراير . ولا معجزات مع واقع : الأمركة ، وحرية السوق الراسمالية ، والارتهان لإملاءات صندوق النكد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي نيوليبراليّاً .
فهل هي إذن ثورة ، أم هي نكبة ؟
والجواب قولا واحدا ؛ إنها ليست ثورة ، ولم تكن أصلا أكثر من انتفاضة شعبوية عشوائية ، سرعان ما انحرف بها تحالف الكومبرادور وتيار الإسلام السياسي إلى ثورة مضادة ، بالتناقض التام مع المصالح الحياتية للطبقة الوسطى ، وما دونها من أغلبية الشعب الليبي المنكوب بسياسات الإفقار والتجويع لحكومات نظام فبرائر .
ولأن العبرة بالنتائج ، فإنها (نكبة فقراير) . ونقطة على السطر .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟