رشيد غويلب
الحوار المتمدن-العدد: 8259 - 2025 / 2 / 20 - 02:57
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
هذه المقالة موجه للمتابعين، وخصوصا الى قراء العربية من ابناء الجاليات الاجنبية الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي ستجري في المانيا، في ظروف استثنائية، في الثالث والعشرين من شباط 2025.
لابد من تأشير حقيقة بسيطة تشمل جميع الاحزاب الديمقراطية، تقول ان التصويت لحزب ما لا يعني التطابق الكلي مع رؤيته وبرنامجه الانتخابي، فليس في الدينا هناك حزب يمكن ان يوفر هذه الامكانية للناخبين، لكن التصويت يجري، لمجمل برنامج الحزب ومشروعه السياسي الاجتماعي، مع مراعاة توازن القوى في اللحظة التاريخية المعينة، التي تكون في حالات كثيرة مقررة. وبقدر تعلق الامر بالصراع الدائر اليوم في المانيا وطبيعة القوى الممثلة في البرلمان، او تلك التي يمكن ان تحضا بتمثيل فيه. وفق رؤيتي، هناك أكثر من سبب وفكرة تدفع أوساطا واسعا من ابناء الجاليات للتصويت لحزب اليسار سأحاول الاشارة الى اهمها، دون ادعاء الإلمام الكامل بها.
تصويت ضد النازية الجديدة
التصويت لحزب اليسار يعني عمليا التصويت لصالح مناهضة النازية الجديدة واليمين المتطرف، باعتباره خطرا مباشرا على الديمقراطية، يكفي ان نلقي نظرة على العديد من الدول الأوربية، حيث وصلت هذه القوى الشريرة الى السلطة، كما هو الحال في ايطاليا وهنغاريا، او تقف على بعد خطوة منها كما هو الحال في النمسا وفرنسا، واصبح اليوم معروفا انفتاح الاتحاد الديمقراطي المسيحي ومرشحه لمنصب مستشار المانيا اليميني المتشدد فردريش ميرستس على حزب البديل من اجل المانيا خلال التصويت على مشاريع قوانين المعادية للمهاجرين واللاجئين في الاسابيع الاخيرة، وقد اصاب الرئيس المشارك لمجموعة حزب اليسار البرلمانية، قلب الحقيقة عندما قال، ان حزب البديل من اجل ألمانيا "سيجعل كل الاتجاهات السيئة أكثر سوءا"، او كما قالت رفيقته والمرشحة الرئيسية لحزب اليسار هايدي رايشنك: "لا يوجد شيء ديمقراطي في هذا الحزب"،و ما اكد عليه الزعيم اليساري المخضرم "غيزي"، استنادا لبرنامج الحزب المذكور، هو "حزب معادٍ للمجتمع وحزب حرب". ان ما يميز حزب اليسار عن غيره من الأحزاب الأخرى، عند الحديث عن مناهضة النازية، هو التجربة التاريخية الطويلة، والتعامل اليومي الراهن الذي أكد من جديد، في المانيا وفي بلدان اوربية اخرى، ان احزاب الحركة العمالية كانت باستمرار الأوضح والأكثر في مواجهة النازية والفاشية، وهو ما يفعله حزب اليسار اليوم ايضا. ولعل من المفيد الإشارة، الا ان منظمات في حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي في بعض الدوائر الانتخابية، وخصوصا في شرق المانيا، اكدت على ضرورة منح الصوت الأول الخاص بمرشح الدائرة المباشر الى مرشح اليسار، لحرمان مرشحي اليمين المتطرف من الفوز في تلك الدوائر، مؤكدين ضرورة وجو حزب اليسار في البرلمان الالماني المقبل، باعتباره قوة راسخة في مواجهة العنصرية واليمين المتطرف.
السياسة الاجتماعية
إذا كانت الاغلبية في المجتمع الالماني بحاجة الى سياسة اجتماعية بديلة، فان هذه النسية في او ساط اللاجئين والمهاجرين اعلى بكثير. لقد اكدت تقارير صحفية ليست يسارية، عندما تناولت السياسة الضريبية في برامج الاحزاب المتنافسة، ان حزب اليسار يقدم نموذجا متقدما على الاحزاب الاخرى في هذا المجال. بالإضافة الى ان حزب اليسار، هو الحزب الوحيد الذي يدعو إلى إعادة التوزيع الحقيقي، ويريد التخفيف من آثار تغير المناخ بطريقة مقبولة اجتماعيًا، ولن يسمح بغرق الباحثين عن الحماية في البحر الأبيض المتوسط. لقد أصبح حزب اليسار ايضا البديل الأفضل للناخبين من اصول اجنبية، بعد ان ودع حزب الخضر صورته القديمة باعتباره حزبا يتبنى مواقف تقدمية وانسانية في التعامل مع ملف المهاجرين، اذ ان السلطة جعلت منه حزبا لا يجد حرجا في التفاوض مع الحكام المستبدين كما هو الحال في قطر، وكذلك موافقته على نظام اللجوء الأوروبي المشترك. لقد ضحى حزب الخضر بالكثير من مواقفه التضامنية الانسانية، مقابل الحفاظ على مواقعه في السلطة.
ومن المؤكد ليس هناك ما يمكن توقعه من حكومة يقودها مرشح اليمين المحافظ فريدريش ميرتس. ولهذا تؤكد زعيمة حزب اليسار المشاركة، والمنتخبة في تشرين الأول الفائت، إينس شفيردتنر أن مشروع ميرتس سيجلب "جحيماً اجتماعياً للفقراء والطبقة العاملة"، وأنه من خلال أجندة 2030 التي أعلنها يريد "تمزيق دولة الرفاه إلى أشلاء". إن "الهجوم المنظم" الذي يشنه السياسيون وصناع الرأي المحافظون والليبراليون واليمينيون على دولة الرفاه قد بدأ بالفعل. وأضافت شفيردتنر أن حزب اليسار تأسس كمقاومة لأجندة 2010، التي أعلنها المستشار الاسبق غيرهارد شرودر، والتي ادت الى افقار اوساط واسعة، وسوف يناضل بقوة أيضًا ضد أجندة ميرتس 2030
اليسار كمصد للتحول نحو اليمين
اوساط واسعة في المجتمع الالماني تريد مواجهة "التحول نحو اليمين". ويعتقدون أنه من أجل تشكيل ثقل موازي للاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب البديل من اجل ألمانيا، من المفيد التصويت للحزب الديمقراطي والخضر. لكن هذين الحزبين يعلنان صراحة استعدادهما للمشاركة في تحالف حاكم بقيادة مرشح الديمقراطي المسيحي ميرتس! وبالتالي فان المسار الحكومة الجديدة معروف مسبقا. بالإضافة الى ان اداء الحزبين (الخضر والديمقراطي الاجتماعي في الحكومة المنتهية ولايتها، في مواجهة يمنية الليبراليين الاحرار كان سيئا للغاية، وهو الشريك الأصغر، فكيف سيكون الامر عندما يصبح الحزبان في الحكومة الجديدة شركاء صغار؟
ان الحاجة ماسة لوجود ضغط من اليسار، لمنع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي من الخضوع أكثر للسياسات اليمينية، كما هو حال وزير الاقتصاد الحالي ومرشح الخضر الرئيسي روبرت هابيك، الذي يقترح ترجيل السوريين. ان احزاب الوسط القلقة والقابلة للتماهي مع اليمين بسهولة، بجاجة الى وجود صوت يساري راسخ في البرلمان، يذكرهم بالنقاط الايجابية في برامجهم الانتخابية، والتي يتخلون عنها حال دخولهم التحالف الحكومي مثل الحد الأدنى للأجور يبلغ 15 يورو، وبدل الرعاية والإعفاء الضريبي للآباء والأمهات الذين يعيلون اطفالهم منفردين، بسبب الطلاق او الانفصال عن الزوج او الشريك.
ان المناهضين للفاشية داخل البرلمان، وبعيدا عن هوياتهم الحزبية، يقدرون عاليا نشاط نواب اليسار مثل مارتينا رينر أو كلارا بونغر في هذا المجال. وفي سياق اهمية المعارضة اليسارية الجذرية، من المفيد ايضا التذكير، بان الرئيس المشارك الحالي لحزب اليسار ومرشحه المشارك الرئيسي يان فان آكين هو الذي سرب الوثائق السرية المتعلقة باتفاقية التجارة الحرة العابرة للمحيط، معطيا الأولوية لمصلحة سكان المانيا. وكذلك فان التصويت لصالح حزب اليسار، واستمرار وجوده في البرلمان، يعني استمرا عمل مؤسسة روزا لوكسمبورغ للبحوث، المرتبطة بحزب اليسار، والتي يجري تمويلها من قبل البرلمان الالماني وفق النظام المعمول به في البلاد، اي استمرا دورها الريادي في التأهيل السياسي والفكري، الذي يستقاد منه المعسكر التقدمي بأكمله.
ومن المؤكد ان شعار المؤتمر والانتخابي يؤشر ايضا ابتعاد الحزب عن سياسة المشاركة في الحكومة الاتحادية التي سيطرت على اوساط واسعة داخل الحزب في السنوات العشر الأخيرة، أي اننا سنصوت لحزب المعارضة اليسارية الراسخة
الخوف من ضياع الاصوات
ارتباطا بالصعوبات التي مر بها حزب اليسار، جراء الصراع الداخلي، والانشقاق الذي عاشه الحزب في ايلول 2023، تثار مخاوف في اوساط الناخبين المحتملين من ضياع اصواتهم في حال عدم دخول الحزب البرلمان الجديد. قد يبدو ذلك للوهلة الأولى منطقيا، لكنه يصبح عكس ذلك عند معاينته بتمعن شديد: إذا صوّت الناخب لحزب آخر، فإن هذا الحزب يحصل على صوت واحد إضافي فقط. ولكن إذا لم يدخل اليسار البرلمان بسبب هذا الصوت المفقود، فإننا سنفقد ملايين الأصوات.
والأهم من ذلك هو متابعة التطورات الايجابية المذهلة التي يعيشها الحزب منذ المرحلة الأولى من المؤتمر التاسع التي عقدت ايام 18 – 20 تشرين الأول 2023، مرورا بمؤتمره الانتخابي الاستثنائي الذ عقد 17 كانون الثاني الفائت. ان هذه المتابعة تضعك امام حزب تجاوز اغلب صعوباته بوقت قياسي وشكل فريد. ويمكن الاشارة الى ان الحزب كسب منذ الانشقاق وحتى اليوم اكثر من 30 الف عضو جديد، اكثرهم من الشبيبة والطلبة، وخصوصا في مدن غرب المانيا، بالإضافة الى ان استطلاعات الراي في الاسابيع الاخيرة منحت الحزب 7 في المائة ، بعد ان كانت تضعه بحدود 3 – 4 في المائة، حتى بداية الحملة الانتخابية، ان هذا الصعود المتنامي كفيل بان يزيل مخاوف ضياع الاصوات، بالإضافة الى امكانية حصول الحزب عل مقاعد مباشرة في اكثر من 3 دوائر انتخابية في برلين والولايات الشرقية، تعفيه من شرط الحصول في الحد الأدنى على العتبة الانتخابية المجددة بـ 5 في المائة من اصوات الناخبين.
#رشيد_غويلب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟