أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبيد حمادي - ترامب والسياسة الخارجية














المزيد.....


ترامب والسياسة الخارجية


محمد عبيد حمادي
أكاديمي وكاتب وباحث في الشأن السياسي العراقي والإقليمي

(Mohammed Obaid Hammadi)


الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خضم التقلبات العالمية التي لا ترحم، يبقى اسم ترامب راسخاً في ذاكرة السياسة الأمريكية والإقليمية، وقد تركت سياساته أثراً بالغاً على الديناميات الداخلية والخارجية لإيران. فمنذ أن أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، لم تكن تلك الخطوة مجرد قرار سياسي عابر، بل شكلت نقطة تحول حاسمة في معادلة العلاقات بين واشنطن وطهران، فأسست لمواجهة جديدة قلبت موازين القوى وأثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل السياسات الداخلية الإيرانية. وفي تلك اللحظات التي كانت السياسة الخارجية الأمريكية تتخذ منحى أكثر حدة، بدأت إيران تشعر بآثار القرارات الأمريكية التي لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل امتدت لتؤثر على النسيج السياسي والاجتماعي داخل البلاد.

في تلك الفترة الحرجة، شهدت طهران موجة من التحديات التي دفعت قيادات البلاد إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الداخلية، إذ أدت العقوبات الاقتصادية إلى تفاقم الضغوط على الطبقات الشعبية وتسببت في نشوء فجوات اجتماعية عميقة. تلك الأزمة، التي فُسرت على أنها انعكاس مباشر للسياسات الأمريكية في عهد ترامب، أدت إلى بروز حراك سياسي ساعد في إعادة صياغة الخطاب الوطني، حيث صارت مواضيع السيادة والاستقلال الاقتصادي من أهم العناصر التي تشغل الأذهان وتدفع إلى البحث عن حلول بديلة تتحدى هيمنة القوى الخارجية.

من الناحية الدبلوماسية، لم يكن رد فعل إيران مجرد صمت أو استسلام، بل كان بمثابة تبني مسار جديد أظهر عزماً على تعزيز العلاقات مع دول أخرى في المنطقة وخارجها، سعيًا لتخفيف وطأة العقوبات وإيجاد تحالفات استراتيجية تخدم مصالحها الوطنية. وقد بدأت القيادة الإيرانية بتنويع مصادر دخلها وتوسيع علاقاتها مع شركاء جدد، وهو ما انعكس إيجاباً على ثقة بعض الأوساط السياسية الداخلية التي رأت في ذلك فرصة لاستعادة بعض من السيطرة على المشهد السياسي المتأثر سابقاً بالضغوط الخارجية.

ولم يغب عن المراقبين أن تأثير سياسات ترامب لم ينتهِ بانتهاء فترة ولايته، بل استمر ليكون مادة نقاش وتحليل في الأروقة السياسية داخل إيران. فقد أدت تلك السياسات إلى ترسيخ صورة القوة الأمريكية التي تتخذ من العقوبات والضغط الاقتصادي أداة لتحقيق أهدافها، مما حفز التيارات الإصلاحية والوطنيّة على إعادة النظر في العلاقة مع الغرب والسعي نحو مزيد من الاستقلالية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية. كان لهذا الإرث أن يُعيد صياغة الحوار الداخلي حول مستقبل البلاد، إذ باتت فكرة “عدم الاعتماد” على القوى الخارجية محوراً أساسياً في الخطاب السياسي والإعلامي.

في قلب هذا الصراع المعقد، برزت تجربة الشعب الإيراني الذي عاش على وقع التوترات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن سياسات خارجية متشددة. لم يكن الأمر مجرد أزمة اقتصادية، بل تحول إلى حالة من الاستقطاب السياسي أدت إلى تأجيج النقاش حول الطريق الذي يجب أن تسلكه البلاد. وفي ظل تلك التحديات، سعوا إلى إعادة بناء الثقة الوطنية وتعزيز الوحدة الاجتماعية، معتبرين أن الأزمة تمثل فرصة لإصلاح النظام وتحديث السياسات بما يتماشى مع تطلعات الشعب. كانت التجربة الإيرانية بمثابة مرآة تعكس عمق الصراع بين القوى التقليدية التي تدافع عن مصالح النظام القديم وبين الأصوات الإصلاحية التي تنادي بتغيير جذري وشامل.

وفي الوقت الذي بدأت فيه إدارة أمريكية جديدة تسعى إلى إعادة النظر في بعض السياسات الخارجية، ظل إرث ترامب حاضرًا في الذاكرة الجماعية ليس فقط كرمز للسياسات الحازمة بل وأيضًا كتذكير بأن القرارات الخارجية يمكن أن تترك بصمة دائمة على السياسة الداخلية لدولة ما. إن العلاقة بين السياسات الخارجية الأمريكية والوضع السياسي في إيران لم تكن مجرد مسألة من إشكاليات دبلوماسية، بل كانت واقعاً يعيشه المواطن الإيراني يومياً، حيث يتجلى في كل أزمة اقتصادية وكل توتر اجتماعي أثر القرارات التي اتخذت بعيدًا عن حدود البلاد.

ومع استمرار البحث عن حلول وسطى واستراتيجيات جديدة للتعامل مع الضغوط الخارجية، تظل إيران عالقة بين مفارقات حرجة، حيث يتوجب عليها أن تجد طريقها نحو الاستقرار دون الوقوع فريسة للسياسات الخارجية المتقلبة. وقد أصبح الحوار الداخلي في طهران اليوم أكثر حدةً حول ضرورة التحرر من التبعية، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة وتحقيق استقلالية سياسية واقتصادية حقيقية. كانت تلك التجربة درساً قاسياً تعلم منه الإيرانيون أن السياسة ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي نتاج تداخل عدة عوامل من داخل وخارج البلاد تشكل معاً معضلة يصعب حلها إلا بإرادة جماعية ورؤية مستقبلية واضحة.

وفي نهاية المطاف، يبقى إرث ترامب والسياسات الخارجية التي اتخذت في حق إيران موضوعاً مفتوحاً للتأمل والتحليل، حيث تتداخل فيه القرارات الكبرى مع مصير الشعوب والأمم. إن التأثير العميق الذي خلفته تلك السياسات على الديناميات الداخلية لإيران يمثل جزءاً لا يتجزأ من قصة طويلة من الصراعات والتحديات التي مرّت بها البلاد، قصة تسرد فيها تجارب وآمال شعب يسعى نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً بعيداً عن ضغوط الخارج. ومع كل يوم يمر، يستمر البحث عن التوازن بين القوة الخارجية والاعتماد على الذات، في رحلة مستمرة نحو تحقيق الحرية والاستقلال الحقيقيين.



#محمد_عبيد_حمادي (هاشتاغ)       Mohammed_Obaid_Hammadi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة السورية ما بعد هروب بشار الأسد
- سوريا بوابة الوطن العربي الجديد
- سقوط بشار بداية لشرق أوسط جديد
- تأثير السلطة على الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي
- ظاهرة تصوير المديرين العامين بين الاستعراض والتأثير الحقيقي
- سياسات أمريكا في الشرق الأوسط بين التخبط والعنف
- الصحافة في العراق حرية مقيدة
- القوانين الصحفية ومدى تأثيرها وتطبيقها
- السياسة الامريكية في العراق
- الوعي السياسي لدى الجمهور العربي


المزيد.....




- بقوس ونشاب.. زبون دائم يستدرج صاحبة متجر إلى الخلف قبل أن يط ...
- القادة العرب يستعدون لطرح اقتراح حول غزة بمقابل خطة -الريفيي ...
- مبعوث ترامب: تحركت إلى موسكو بعد اتصال من السعوديين
- مصر.. الـ-إيجوانا- تظهر في منطقة حضرية وتثير قلقا (صور)
- ماذا نعرف عن انشطار الدوامة القطبية والانفجار البارد الذي يؤ ...
- اكتشاف فيروس تاجي جديد لدى الخفافيش في الصين
- مفوضة الاتحاد الأوروبي لمنطقة المتوسط: شروط لتخصيص نصف مليار ...
- واشنطن تخشى الصراع مع إيران
- ذا ناشيونال إنترست: غزة بعد -حماس-
- أريستوفيتش يتوقع حدوث انقلاب وحرب أهلية في أوكرانيا


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبيد حمادي - ترامب والسياسة الخارجية