أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد الأسطل - لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية















المزيد.....


لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 01:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مع اقتراب نهاية القرن الثامن عشر، عانى الإنتاج الأدبي الروسي، الذي كان لا يزال متواضعا، من عقبات كبيرة: الأمية (كان 3٪ من الروس يستطيعون القراءة في عام 1800، مقارنة بـ 50٪ في المملكة المتحدة)، واللغة (كان الشعر باللغة السلافية، وكان العوام يتحدثون اللغة الروسية الشعبية، والأرستقراطيون الفرنسية) أضف إلى هذا، الرقابة الشرسة التي فرضها النظام. وفجأة، في مطلع القرن التاسع عشر، بقيادة ألكسندر بوشكين ونيكولاي غوغول، ثم الروائيين الكبار، شهد الأدب الروسي عصره الذهبي.

في روسيا يحتل الأدب مكانا أساسيا في التعليم. يتم تعريف الأطفال بالمؤلفين الروس الكبار ابتداء من سن العاشرة. أسماؤهم وتماثيلهم وعناوين أعمالهم جزء من الحياة اليومية، ويذكرهم الروس المتعلمون كثيرا. حتى فلاديمير بوتين، يقول إنه -بين صيد النمور والتزحلق على بحيرة جليدية- يقرأ ليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي.

أوروبا، وخاصة فرنسا، المفتونة بروسيا منذ فولتير وديدرو، تضع المؤلفين الروس الكبار في المقام الأعلى. أسلوب تولستوي، وشعر بوشكين، والعمق النفسي لدوستويفسكي، والفكاهة السوداء لغوغول. ومع ذلك، يبدو أنها تتجاهل النقطة الأساسية: ليس الأدب الروسي رائعا فحسب، بل إنه أيضا مرآة لثقافة وقيم بلد عرّف نفسه دائما بمعارضته الغرب.

لقد ساهم الأدب الروسي في بناء الرواية الوطنية، بل إنه أساسها، رغم أنه مليء بالصخب والغضب، ويحافظ على رؤية معينة للعالم. لذا، لفهم الحرب في أوكرانيا، ليست هناك حاجة لقراءة الملاحظات اليومية لوزارة الدفاع الروسية أو إحاطات مديرية الاستخبارات العسكرية، ولا لتحليل صور الأقمار الصناعية. عليكم أن تتعمقوا في كتابات المؤلفين الروس العظماء.

كان ينبغي على الزعماء الغربيين أن يفعلوا مثل جاك شيراك في شبابه وأن يترجموا يوجين أونيجين لبوشكين. فلعلهم من خلال دراسة هذا الأديب الروسي الكبير كانوا سيدركون أن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى حلف شمال الأطلسي بالنسبة لموسكو أمر غير مقبول وأن الحرب كانت حلا منطقيا بالنسبة للأخيرة. في هذا الصدد، أرى أن قراءة بولتافا لألكسندر بوشكين تعد أمرا مفيدا. تروي القصيدة خيانة مازيبا زعيم القوزاق الأوكرانيين للقيصر قبل هزيمة بولتافا، مما أدى، بعد خمسين عاما، إلى نهاية دولة القوزاق وضمها إلى الإمبراطورية الروسية. كما أنها توضح لنا الدافع الأساسي وراء الغزو: روسيا إمبراطورية، وأوكرانيا منطقة بسيطة تقع على أطرافها، وأي رغبة في الاستقلال يجب قمعها. عندما نشر فلاديمير بوتين، في يوليو 2021، مقالته حول الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين، سار على خطى بوشكين.

من وجهة نظر روسيا، إن الطريقة الوحيدة لضمان أمنها هي خلق مساحة كافية بين العدو وحدود البلاد. وإذا كان الغربيون، حتى عام 2014، يصدقون تأكيدات فلاديمير بوتين بسذاجة، فإن الروس لم يثقوا قط بالغربيين. ما يجعل الأوروبي يخسر هو الفكرة القائلة بأن التاريخ الروسي الحديث برمته يمكن فهمه، منذ بطرس الأكبر، حيث كان الصراع بين المستغربين والسلافوفيين. كان الأوائل ليبراليون حداثيون، يتجهون نحو أوروبا، أما الآخرون فيبحثون عن مساحة سلافية كبيرة تهيمن عليها روسيا.

إذا اتبعنا المنطق الذي يعتمده الأوربيون في فهم التاريخ الروسي، فإنه يكفي استمالة الروس إلى الأفكار الليبرالية والحداثية لجعل روسيا كباقي الدول الغربية. لكن التاريخ قد أثبت أن هذه القراءة مضللة لأنها تتجاهل بعدا أساسيا: القومية وما يترتب عليها من الحنين إلى الإمبراطورية، وهو أمر مشترك بين كل الروس.

لا أحد يوضح هذا الأمر مثل فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي، الذي كثيرا ما يستشهد به فلاديمير بوتين. في البداية، انجذب دوستويفسكي إلى الأفكار الاشتراكية، وحتى الأممية، ولكنه تحول إلى محافظ مسياني بعد دخوله السجن. اقرأوا "الشياطين"، الرواية المعقدة للغاية عن العدميين الشباب الذين أخضعتهم شخصية الأرستقراطي ستافروجين. تعتبر الرواية المكونة من أكثر من 1000 صفحة، غوصا رائعا في جنون العظمة والمسيانية والإيمان بألفية جديدة خاصة بالروح الروسية:" لقد نسينا ونحن نشعر بالانزعاج والفزع إزاء المسافة التي تفصلنا عن أوربا على المستوى العلمي، أنه في أعماق وتطلعات الروح الروسية التي نحملها بداخلنا، كروس، وبشرط أن تظل حضارتنا أصلية، القدرة على جلب ضوء جديد إلى العالم". وأيضا: "لكل شعب مفهومه الخاص عن الخير والشر، خيره وشره".

يمكنني أن أفهم من كلامه: إذا كان مفهومي عن الخير والشر هو المهم، فلماذا لا أغزو جاري؟ وبهذه الطريقة، يكاد يكون للحرب الروسية الأوكرانية بُعد ميتافيزيقي.

منذ نهاية القبيلة الذهبية، أمضت روسيا القيصرية وقتها في شن الحرب. وكلما تعرض الروس للفشل في المرحلة الأولى منها، كلما زاد صمودهم، وأصبحوا أكثر استعدادا لتحمل أعظم التضحيات: احتراق موسكو على يد نابليون، و 35 مليونا من القتلى خلال الحرب الوطنية العظمى، وانتقال المصانع إلى الجانب الآخر من جبال الأورال في عهد ستالين، وعشر سنوات في أفغانستان من أجل حرب بعيدة وغير مجدية.

لفهم التضحية والقسوة ومفاهيم الزمان والمكان المطبقة على الحرب الروسية الأوكرانية، يجب قراءة الحرب والسلام للكاتب ليو تولستوي، حيث نرى سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها ميخائيل كوتوزوف، والعزيمة الشرسة التي أبداها الجيش، والهزيمة النهائية لجيش نابليون -رغم أنه كان يعتبر جيشا لا يقهر في ذلك الزمن- والروح الوطنية الروسية المضحية الأشبه بالمسيح.

دون إجراء جرد مبكر لأسباب فشل "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، يظهر موضوع واحد: الفساد المالي المتوطن والمنتشر، ولكن أيضا فساد العقول، وهو الوحيد القادر على تفسير التناقض بين المبالغ الهائلة التي تم استثمارها على مدى عشرين عاما في التكنولوجيا والمعدات والتدريب والتمارين، ومن ناحية أخرى، مشهد الدبابات البرمائية T-72 المغمورة بالمياه! وهواتف ERA المقاومة للتلاعب وهي لا تعمل! وصواريخ كروز عالية الدقة التي تسقط في الحقول! والإطارات الصينية التي تنهار تحت وطأة المركبات المدرعة Ural-VV أو BTR-80، والجنرالات المعرضين لنيران العدو، والجنود الذين يسرقون ويغتصبون ويفرون من الجبهة.
وهنا، يجب أن تقرأوا مسرحية "المفتش العام" لنيكولاي غوغول. من خلال هذه المسرحية، التي نجت بأعجوبة من الرقابة، يتم إدانة نظام الامتيازات والصلاحيات والرشاوى برمته، وهو النظام الذي لم يتغير تقريبا منذ 200 عام والذي يشكل بلا شك أحد الأسباب الجذرية للهجوم الفاشل على أوكرانيا.

إن أي شخص يعتقد أن محادثات السلام سوف تضع حدا للصراع الروسي الأوكراني، يكون قد أساء قراءة الروس. حتى لو تخيلنا، في عالم مثالي، التوصل إلى اتفاق بشأن التعويضات، وإقامة مناطق منزوعة السلاح تدار بشكل مشترك، وتقاسم منطقة دونباس، فإن الروس لن يوافقوا أبدا على تسليم شبه جزيرة القرم، أو سيفاستوبول (المدينة الثالثة ذات الأهمية الفيدرالية بعد موسكو وسانت بطرسبورغ)، حتى لو استمرت الحرب عشر سنوات.

منذ اندماجها في روسيا في عهد كاثرين الثانية، لعبت شبه الجزيرة دورا أساسيا لسببين: جيوستراتيجي، فهي تسمح بالسيطرة على البحر الأسود وسهولة الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. كما أنها تعد إرث الإمبراطورية، الذي تم أخذه من العثمانيين، وتم الدفاع عنه أمام الأوروبيين، وهو رمز لتضحية الشعب الروسي.

ولكي تقتنعوا بهذا، عليكم أن تقرأوا حكايات سيفاستوبول لتولستوي، وهي شهادة حربية مذهلة من ضابط شهد حصار ميناء القرم، الذي سيؤدي سقوطه بعد قتال عنيف وتدمير المدينة وآلاف القتلى، إلى نهاية حرب القرم (450 ألف قتيل من الجنود الروس!) وخراب الاقتصاد وموت القيصر نيكولاي الأول. مستحيل أن ينسى الروس كل هذا.

لمدة 200 عام، لم يتغير شيء تقريبا. لا تزال روسيا تعتبر نفسها إمبراطورية، مسيانية، حامية للقيم المسيحية وللحضارة في مواجهة الفوضى. إنها أمة لا تزال تعيش في إحدى روايات القرن التاسع عشر.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل علاقة الرياض مع واشنطن وتل أبيب
- هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟
- أوربا وقيمها.. التحديات والحلول
- هل سيفي ترامب بوعده ووعيده؟
- تعليق عدم التصديق
- رواية الخوف من النور.. دوجلاس كينيدي
- ثلاثة كتاب كبار أدركهم الموت قبل نوبل
- وعاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
- هل ستصبح كندا الولاية الأمريكية 51؟
- مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية كما أراه
- رواية قبل أن تختفي.. ليزا جاردنر
- عن رواية قصة خرافية.. ستيفن كينغ
- ستيفن كينغ والأدب الخفيف
- عن رواية حجر القمر.. ويلكي كولنز
- خواطر
- فرانك.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- قصة بعنوان توم. من مجموعتي القصصية (شيء مختلف)
- الناقد عمار بلخضرة يكتب عن شيء مختلف
- صباح مقاطعة شامبانيا (فرنسا)
- من سجل تجاربي ٣


المزيد.....




- -أراد حث الدول على خطة بديلة-.. ويتكوف: هذه دوافع ترامب في ط ...
- قلق أوروبي من المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض.. ما أسب ...
- ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد ...
- إلغاء مؤتمر صحفي مع كيلوج - نقطة اللاعودة بين ترامب وزيلينسك ...
- إسقاط 28 مسيرة أوكرانية في عدة مناطق روسية
- سوريا.. مقتل 8 مدنيين في انفجار ذخائر من مخلفات الحرب في بلد ...
- وجبة إفطار مثالية لعقل الشباب!
- نائب الرئيس الأمريكي: الهجرة غير الشرعية تهدد أوروبا ويجب وق ...
- دعوة إسرائيلية لاستئجار أراض مصرية لتنفيذ مخطط التهجير.. وخب ...
- ما سر -الثقب الأسود- في المحيط الهادئ؟


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد الأسطل - لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية